فصل: فصل فيما يحصر به الجر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل فيما يحصر به الجر:

الجر يحصل بشيئين:
أحدهما بالحرف؛ كما في قوله تعالى: {بسم الله}.
والثاني: بالإضافة؛ كما في قوله تعالى: {الله} من قوله: {بسم الله}.
وأما الجر الحاصل في لفظة {الرحمن الرحيم} فإنما حصل، لكون الوصف ثابتا للموصوف في الإعراب، فها هنا أبحاث:
أحدها: أن حروف الجر لم اقتضت الجر؟
وثانيها: أن الإضافة لم اقتضت الجر؟
وثالثها: أن اقتضاء الحروف أقوى، أم اقتضاء الإضافة؟
ورابعها: أن الإضافة بين الجزء والكل، أو بين الشيء الخارج عن ذات الشيء المنفصل؟
قال مكي رحمه الله تعالى: كسرت الباء من {بسم الله} لتكون حركتها مشبهة لعملها؛ وقيل: كسرت ليفرق بين ما يخفض، ولا يكون إلا حرفا؛ نحو: الباء، واللام، وبين ما يخفض، وقد يكون اسما نحو: الكاف.
وإنما عملت الباء وأخواتها الخفض؛ لأنها لا معنى لها إلا في الأسماء، فعملت الإعراب الذي لا يكون إلا في الأسماء، وهو الخفض، وكذلك الحروف التي تجزم الأفعال، إنما عملت الجزم؛ لأنها لا معنى لها إلا في الأفعال، فعملت الإعراب الذي لا يكون إلا في الأفعال، وهو الجزم.
والباء- هنا- للاستعانة؛ كعملت بالقدوم؛ لأن المعنى: أقرأ مستعينا بالله، ولها معان أخر تقدم الوعد بذكرها وهي: الإلصاق: حقيقة أو مجازا نحو: مسحت برأسي، مررت بزيد.
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: فرّع أصحاب أبي حنيفة رحمه الله على باء الإلصاق مسائل:
إحداها: قال محمد- رحمه الله تعالى- في الزيادات: إذا قال لامرأته: أنت طالق بمشيئة الله، لا يقع الطلاق؛ وهو كقوله: أنت طالق إن شاء الله، ولو قال: لم يشأ الله يقع؛ لأنه أخرجه مخرج التعليل، وكذلك أنت طالق بمشيئة الله تعالى لا يقع الطلاق، ولو قال أو بإرادة الله لا يقع، ولو قال لإرادة الله يقع أما إذا قال: أنت طالق بعلم الله، أو لعلم الله، فإنه يقع في الوجهين، ولابد من الفرق.
وثانيها: في باب الأيمان لو قال: إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني، فأنت طالق، تحتاج في كل مرة إلى إذنه، ولو قال: إن خرجت إلا أن آذن لك، فأذن لها مرة كفى، ولابد من الفرق.
وثالثها: لو قال: طلقي نفسك ثلاثا بألف، فطلقت نفسها واحدة، وقعت بثلث الألف، وذلك أن الباء تدل على البدلية، فيوزع البدل على المبدل، فصار بإزاء كل طلقة ثلث الألف، ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا على ألف، فطلقت نفسها واحدة، لم يقع عند أبي حنيفة، لأن لفظة على كلمة شرط ولم يوجد الشرط، وعند صاحبيه يقع واحدة بثلث الألف دلت وها هنا مسائل متعلقة بالباء.
قال أبو حنيفة رضي الله عنه: الثمن إنما يتميز عن المثمن بدخول الباء عليه، فإذا قلت: بعت كذا بكذا، فالذي دخل عليه الباء هو الثمن وعلى هذا تبنى مسألة البيع الفاسد، فإذا قال بعت هذا الكرباس من الخمر صح البيع، والعقد فاسد. وإذا قال: بعت هذا الخمر، فالكرباس لم يصح، وله الفرق في الصورة الأولى: أن الخمر ثمن، وفي الثانية الخمر مثمن، وجعل الخمر مثمنا لا يجوز.
ومنها قال الشافعي- رضي الله تعالى عنه-: إذا قال: بعتك هذا الثوب بهذا الدرهم تعيّن ذلك الدرهم.
وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يتعين.
والسببية: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا} [النساء: 160] أي: بسبب ظلمهم.
والمصاحبة: نحو: خرج زيد بثيابه أي: مصاحبا لها.
والبدل: كقوله- عليه الصلاة والسلام-: «ما يسرني بها حمر النعم»، أي: بدلها؛ وكقول الآخر: البسيط:
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ** شنوا الإغارة فرسانا وركبانا

أي بدلهم.
والقسم: أحلف بالله لأفعلن.
والظرفية: نحو: زيد بمكة أي: فيها.
والتعدية: نحو: {ذهب الله بنورهم} [البقرة: 17].
والتبعيض: كقول الشاعر في هذا البيت: الطويل:
بماء البحر ثم ترفعت ** متى لجج خضر لهن نئيج

أي: من مائه.
والمقابلة: اشتريت بألف أي: قابلته بهذا الثمن.
والمجاوزة: نحو قوله تعالى: {ويوم تشقق السماء بالغمام} [الفرقان: 25]، ومنهم من قال: لا يكون كذلك إلا مع السؤال خاصة؛ نحو: {فسئل به خبيرا} [الفرقان: 59] أي: عنه، وقول علقمة: الطويل:
تسألوني بالنساء فإنني ** خبير بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ** فليس له في ودهن نصيب

والاستعلاء كقوله تعالى: {من إن تأمنه بقنطار} [آل عمران: 75]، أي: على قنطار.
وبمعنى إلى: كقوله: {وقد أحسن بي} [يوسف: 100].
والجمهور يأبون جعلها إلا للإلصاق، أو التعدية، ويردون جميع المواضع المذكورة إليهما، وليس هذا موضع استدلال.
وقد تزاد مطردة، وغير مطردة:
فالمطردة: في فاعل {كفى} نحو: {كفى بالله} [العنكبوت: 52] أي: كفى الله بدليل سقوطها في قول الشاعر: الطويل:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

وفي خبر ليس وما أختها غير موجب بإلا؛ كقوله تعالى: {أليس الله بكاف عبده} [الزمر: 36] و{ما ربك بغافل} [الأنعام: 132]، وفي: بحسبك زيد.
وغير مطردة: في مفعول كفى؛ كقوله: الكامل:
فكفى بنا فضلا على من غيرنا ** حب النبي محمد إيانا

أي: كفانا، وفي البيت كلام آخر، وفي المبتدأ غير حسب.
ومنه في أحد القولين: {بأييكم المفتون} [القلم: 6].
أي: أيكم المفتون وقيل: المفتون مصدر كالمعقول والميسور، فعلى هذا ليست زائدة.
وفي خبر لا أخت ليس؛ كقول الشاعر: الطويل:
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ** بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

أي: مغنيا.
وفي خبر كان منفية؛ نحو: الطويل:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ** بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

أي: لم أكن أعجلهم.
وفي الحال، وثاني مفعولي ظن منفيين أيضا؛ كقول القائل في ذلك البيت: الوافر:
فما رجعت بخائبة ركاب ** حكيم بن المسيب منتهاها

وقال الآخر: الطويل:
دعاني أخي والخيل بيني وبينه ** فلما دعاني لم يجدني بقعدد

أي: ما رجعت ركاب خائبة، ولم يجدني قعددا.
وفي خبر إن؛ كقول امرئ القيس: الطويل:
فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها ** فإنك مما أحدثت بالمجرب

أي: فإنك المجرب.
وفي {أو لم يروا أن الله} [الإسراء: 99].
والاسم لغة: ما أبان عن مسمى، واصطلاحا: ما دل على معنى في نفسه فقط غير متعرض بببنيته لزمان، ولا دال جزء من أجزائه على جزء من أجزاء معناه.
وبهذا القيد الأخير خرجت الجملة الاسمية، والتسمية: جعل اللفظ دالا على ذلك المعنى.
قال أبو عبيدة- رحمه الله تعالى-: ذكر الاسم في قوله تعالى: {بسم الله} صلة زائد، والتقدير: بالله، وإنما ذكر لفظة الاسم: إما للتبرك، وإما أن يكون فرقا بينه وبين القسم.
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: وأقول: المراد من قوله تعالى: {بسم الله}.
ابدءوا ب {بسم الله} وكلام أبي عبيدة ضعيف، لأن الله أمرنا بالابتداء، فهذا الأمر إنما يتناول فعلا من أفعالنا، وذلك الفعل، هو لفظنا وقولنا، فوجب أن يكون المراد: ابدءوا ب {بسم الله}.
وقال صاحب البحر المحيط: اختلف الناس: هل الاسم عين المسمى، أو غيره؟
وهي مسألة طويلة تكلم الناس فيها قديما وحديثا، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
واستشكلوا على كونه هو المسمى إضافته إليه؛ فإنه يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه.
وأجاب أبو البقاء رحمه الله عن ذلك بثلاثة أجوبة:
أجودها: أن الاسم- هنا- بمعنى التسمية، والتسمية غير الاسم؛ لأن التسمية هي:
اللفظ بالاسم، والاسم هو: اللازم للمسمى؛ فتغايرا.
الثاني: أن في الكلام حذف مضاف تقدير: بسم مسمى الله.
الثالث: أن لفظ اسم زائد؛ كقوله: الطويل:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ** ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

أي: السلام عليكما.
وقول ذي الرمة: البسيط:
لا ينعش الطرف إلا ما تخونه ** داع يناديه باسم الماء مبغوم

وإليه ذهب أبو عبيدة، والأخفش وقطرب- رحمهم الله- واختلفوا في معنى الزيادة:
فقال الأخفش: ليخرج من حكم القسم إلى قصد التبرك.
وقال قطرب: زيد للإجلال والتعظيم. وهذان الوجهان ضعيفان؛ لأن الزيادة، والحذف لا يصار إليهما إلا إذا اضطر إليهما.
ومن هذا القبيل- أعني ما يوهم إضافة الشيء إلى نفسه- إضافة الاسم إلى اللقب، والموصوف، إلى صفته؛ نحو: سعيد كرز وزيد قفة ومسجد الجامع وبقلة الحمقاء؛ ولكن النحويين أوّلوا النوع الأول بأن جعلوا الاسم بمعنى المسمى، واللقب بمعنى اللفظ، فتقديره: جاءني مسمى هذا اللفظ، وفي الثاني جعلوه على حذف مضاف، فتقدير بقلة الحمقاء: بقلة الحمقاء، ومسجد الجامع: مسجد المكان الجامع.
واختلف النحويون في اشتقاقه:
فذهب أهل البصرة: إلى أنه مشتق من السمو، وهو العلو والارتفاع؛ لأنه يدل على مسماه، فيرفعه ويظهره.
وذهب الكوفيون: إلى أنه مشتق من الوسم، وهو: العلامة؛ لأنه علامة على مسماه، وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى؛ لكنه فاسد من حيث التصريف.
واستدل البصريون على مذهبهم بتكسيرهم له على أسماء، وتصغيرهم له على سمي، لأن التكسير والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها.
وتقول العرب: فلان سميّك، وسميت فلانا بكذا وأسميته بكذا، فهذا يدل على أن اشتقاقه من: السمو، ولو كان من: الوسم لقيل في التكسير: أوسام، وفي التصغير وسيم؛ ولقالوا؛ وسيمك فلان، ووسمت، وأوسمت فلانا بكذا فدل عدم قولهم ذلك؛ أنه ليس كذلك.
وأيما فجعله من السمو مدخل له في الباب الأكثر، وجعله من الوسم مدخل له في الباب الأقل؛ وذلك أن حذف اللام كثير، وحذف الفاء قليل.
وأيضا فإنا عهدنهم غالبا يعوضون في غير محل الحذف، فجعل همزة الوصل عوضا عن اللام موافق لهذا الأصل، بخلاف ادّعاء كونها عوضا عن الفاء.
فإن قيل: قولهم: أسماء في التكسير، وسمي في التصغير، لا دلالة فيه؛ لجواز أن يكون الأصل: أوساما ووسيْما، ثم قلبت الكلمة بأن أخرت فاؤها بعد لامها، فصار لفظ أوسام، أسماوا ثم أعل إعلال كساء، وصار وسيْم، سميّوا ثم أعل إعلال جريّ تصغير جرو.
فالجواب: أن ادّعاء ذلك لا يفيد؛ لأن القلب على خلاف القياس، فلا يصار إليه، ما لم تدع إليه ضرورة. وهل لهذا الخلاف فائدة أم لا؟
والجواب: أن له فائدة، وهي أن من قال باشتقاقه من العلوّ يقول: إنه لم يزل موصوفا قبل وجود الخلق، وبعدهم، وعند فنائهم، ولا تأثير لهم في أسمائه، ولا صفاته، وهو قول أهل السنة- رحمهم الله-.
ومن قال: إنه مشتق من الوسم: يقول: كان الله تعالى في الأزل بلا اسم، ولا صفة، فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات، وهو قول المعتزلة. وهذا أشد خطأ من قولهم بخلق القرآن، وعلى هذا الخلاف وقع الخلاف أيضا في الاسم والمسمى.