فصل: الإسرائيليات والموضوعات في تفسير الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإسرائيليات والموضوعات في تفسير الآية:

.قال الدكتور محمد أبو شهبة:

.فصل في الإسرائيليات والموضوعات فيما يتعلق بخلق الشمس والقمر:

ومن ذلك أيضا ما ذكره ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والثعلبي، وغيرهم من المفسرين، عند تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}.
فقد رووا عن ابن عباس أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لما أبرم خلقه، فلم يبقَ من خلقه غير آدم عليه السلام خلق شمسا من نور عرشه، فأما ما كان في سابق علم الله أن يدعها شمسا، فإنه خلقها مثل الدنيا، ما بين مشارقها ومغاربها، وأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها ويحولها قمرا، فإنه خلقها مثل الشمس في الضوء، وإنما يرى الناس صغرهما؛ لشدة ارتفاعهما، ولو تركهما الله كما خلقهما في بدء الأمر لم يعرف الليل من النهار، ولا النهار من الليل، ولكان الأجير ليس له وقت يستريح فيه، ولكان الصائم لا يدري إلى متى يصوم، ومتى يفطر، إلى أن قال: فأرسل جبريل، فأمرَّ جناحه على وجه القمر ثلاث مرات، وهو يومئذ شمس فمحا عنه الضوء، وبقي فيه النور، فذلك قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} فالسواد الذي ترونه في القمر هو: أثر ذلك المحو».
وكذلك روى هذا الباطل ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وسنده واهٍ؛ لأن فيه نوح بن أبي مريم وهو وضَّاع دجال وقد حكم عليه ابن الجوزي بالوضع والاختلاق1، ومنشؤه من الإسرائيليات التي ألصقت بالنبي زورا، وفيه من الركاكة اللفظية، والمعنوية ما يشهد بوضعه على النبي، وليس عليه شيء من نور النبوة.
وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرض للكونيات بهذا التفصيل، ولما سئل عن الهلال لم يبدو صغيرا ثم يكبر حتى يصير بدرا، ثم يصغر، أجاب بالفائدة، فقال: {هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ}؛ لأن بالأهلة تعرف السنون، والشهور، وعليها تتوقف مصالح الناس الدينية والدنيوية، فيها يعرفون حجهم، وصومهم، وإخراج زكاتهم، وحلول آجال ديونهم ونحوها، وليس من الحكمة التعرض لمثل هذه الكونيات بالتفصيل، فتركها لعقول الناس، وإدراكاتهم أولى، ولا سيما أنه لا يتوقف على معرفة الأمة لمثل هذه الأمور فائدة دينية، والقرآن والسنة النبوية حينما يعرضان للحديث عن الكونيات يكون غرضهما انتزاع العبرة، والاستدلال بما أودع فيهما على وجود الله جل وعلا، ووحدانيته، وقدرته، وعلمه، وسائر صفاته ولذلك لا نقف فيما صح وثبت من الأحاديث على مثل هذا التفصيلات التي نجدها في الآثار الضعيفة، والإسرائيليات الباطلة.
ويعجبني في هذا ما نقله الآلوسي في تفسيره، عن بعض العلماء قال: وذكر بعض الفضلاء: أنه لم يجئ في ترتيب الأجرام العلوية، والسفلية، وشرح أحوالهما كما فعل الفلاسفة عن الشارع شيء؛ لما أن ذلك ليس من المسائل المهمة في نظره عليه الصلاة والسلام وليس المهم إلا التفكر، والاستدلال بها على وحدة الصانع، وكماله جل شأنه وهو حاصل بما يحسن منها فسبحان من رفع السماء بغير عمد، ومد الأرض، وجعل فيها رواسي. اهـ.

.فصل آخر من الإسرائيليات والموضوعات فيما يتعلق بتعليل بعض الظواهر الكونية:

ومن ذلك: ما يذكره بعض المفسرين، وما يوجد في بعض كتب الحديث في غروب الشمس، وأنها إذا غربت ابتلعها حوت، وما يتعلق بالسماوات، والأجرام السماوية ومن أي الجواهر هي، والأرض وعلام استقرت، وأنها على ظهر حوت، وما يذكرونه في تعليل برودة الآبار في الصيف، وسخونتها في الشتاء، وعن منشأ الرعد والبرق، وعن منشأ السحاب، إلى نحو ذلك مما لا نصدق وروده عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وما ورد منه موقوفا، فمرجعه إلى الإسرائيليات الباطلة، أو إلى الزنادقة الذين أرادوا أن يظهروا الإسلام بمظهر الدين الخرافي الذي ينافي العلم، والسنن الكونية.
فقد روي عن أبي أمامة الباهلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وُكِّلَ بالشمس تسعة أملاك، يرمونها بالثلج كل يوم، لولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته» رواه الطبراني.
وفي أحد رواته عقير بن معدان، وهو ضعيف جدا، ولو أن الحديث صحيح السند، أو ثابت، لتمحلنا، وقلنا: إنه من قبيل التمثيل، أما وهو بهذا الضعف، فلنلق به دبر آذاننا.
وعن ابن عمر، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: أرأيت الأرض على ما هي؟ قال: «الأرض على الماء قيل: الماء على ما هو؟ قال: على صخرة فقيل: الصخرة على ما هي؟ قال: هي على ظهر حوت يلتقي طرفاه بالعرش قيل الحوت على ما هو؟ قال: على كاهل ملك، قدماه على الهواء». رواه البزار عن شيخه عبد الله بن أحمد-يعني ابن شبيب، وهو ضعيف، وعن الربيع بن أنس قال: «السماء الدنيا موج مكفوف، والثانية: صخرة، والثالثة: حديد، والرابعة: نحاس، والخامسة: فضة، والسادسة: ذهب، والسابعة: ياقوت» رواه الطبراني في الأوسط هكذا موقوفا على الربيع، وفيه أبو جعفر الرازي، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه النسائي وغيره.
وروى الطبراني في الأوسط بسنده، فقال: حدثنا محمد بن يعقوب الأهوازي الخطيب، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الصمد السلمي، قال: حدثنا أبو عمران الحراني، قال: حدثنا ابن جريج عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، أن خزيمة بن ثابت-وهو ليس بالأنصاري المشهور- كان في عير لخديجة وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه في تلك العير، فقال له: يا محمد؛ أرى فيك خصالا، وأشهد أنك النبي الذي يخرج من تهامة وقد آمنت بك، فإذا سمعت بخروجك أتيتك، فأبطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان يوم فتح مكة أتاه فلما رآه قال: «مرحبا بالمهاجر الأول» و...
ثم قال: يا رسول الله؛ أخبرني عن ضوء النهار، وظلمة الليل، وعن حر الماء في الشتاء، وعن برده في الصيف، وعن البلد الأمين، وعن منشأ السحاب وعن مخرج الجراد، وعن الرعد والبرق، وعن ما للرجل من الولد، وما للمرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما ظلمة الليل، وضوء النهار، فإن الشمس إذا سقطت تحت الأرض، فأظلم الليل لذلك، وإذا أضاء الصبح ابتدرها سبعون ألف ملك، وهي تقاعس كراهية أن تعبد من دون الله، حتى تطلع، فتضيء، فيطول الليل بطول مكثها، فيسخن الماء لذلك، وإذا كان الصيف: قل مكثها، فبرد الماء لذلك، وأما الجراد: فإنه نثرة حوت في البحر، يقال له: الأبوات، وفيه يهلك، وأما منشأ السحاب: فإنه ينشأ من قبل الخافقين، ومن بين الخافقين تلجمه الصبا والجنوب، ويستدبره الشمال والدبور، وأما الرعد: فإنه ملك بيده مخراق1 يدني القاصية: ويؤخر الدانية، فإذا رفع برقت، وإذا زجر رعدت، وإذا ضرب صعقت، وأما ما للرجل من الولد، وما للمرأة فإن للرجل العظام، والعروق، والعصب، وللمرأة اللحم، والدم، والشعر، وأما البلد الأمين: فمكة».
وقال الهيثمي في زوائده: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه يوسف بن يعقوب أبو عمران، ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته، ولم يذكر تضعيفه عن أحد!.
أقول: والحق أن الذهبي حكم ببطلان هذا الخبر، وقال: إن راويه عن يوسف بن يعقوب مجهول، وهو محمد بن عبد الرحمن السلمي المذكور، وأحرى به أن يكون باطلا، ورحم الله الإمام الحافظ الناقد أبا عبد الله الذهبي، الذي أبان لنا قيمة هذه المرويات الباطلة، من منذ بضعة قرون.
وإليك ما قاله الإمام الذهبي بنصه قال: يوسف بن يعقوب، أبو عمران، عن ابن جريج، بخبر باطل طويل، وعنه إنسان مجهول، واسمه: عبد الرحمن السلمي، قال الطبراني: حدثنا محمد بن يعقوب الأهوازي الخطيب.
ثم ذكر الإسناد الذي ذكرته آنفا، وبعض المتن، إلا أنه قال: إن خزيمة بن ثابت الأنصاري وقال: ذكره أبو موسى في الطوالات وروى بعضه عبدان الأهوازي، عن السلمي هذا.
فكيف يقول الهيثمي، ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته، ولم ينقل تضعيفه عن أحد؟! إنه والله العجب!! وقد وافق الذهبي فيما قال الإمام الحافظ ابن حجر في: لسان الميزان، فقد ذكر ما ذكره الذهبي، غير أنه قال: عن جابر بن عبد الله أن خزيمة بن ثابت وليس بالأنصاري كان في عير لخديجة.. وذكر القصة السابقة.
وما ذكره الحافظ ابن حجر في لسان الميزان من أنه ليس بالأنصاري هو الصحيح، فهو خزيمة بن حكيم السلمي، ويقال له: ابن ثابت أيضا، كان صهر خديجة أم المؤمنين، فهو غير خزيمة بن ثابت الأنصاري، المشهور بأنه ذو الشهادتين قطعا.
ومما يروى في مثل هذا ما روي عن صباح بن أشرس، قال: سئل ابن عباس عن المد والجزر، فقال: إن ملكًا موكَّلًا بناموس البحر، فإذا وضع رجله فاضت، وإذا رفعها غاضت، قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه من لم أعرفه. أقول: والبلاء غالبا، إنما يكون من المجاهيل.
وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المجرة التي في السماء هي عرق حية تحت العرش» روه الطبراني في المعجم الكبير والأوسط، وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وفيه عبد الأعلى بن أبي سحرة، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، أقول: والبلاء من هذا الذي لا يُعرَف.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ؛ إني مرسلك إلى قوم أهل عناد، فإذا سئلت عن المجرة التي في السماء فقل: هي لعاب حية تحت العرش» رواه الطبراني، وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف1. أقول: وأحرى بمثل هذا أن لا يروى إلا من طريق ضعيف.
وكل هذا الذي ذكرناه، وأمثاله مما لا نصدق وروده عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وإنما هو من أكاذيب بني إسرائيل وخرافاتهم أو من وضع الزنادقة الخبثاء، وألصق بالنبي زورا، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتكلم في الكونيات، والفلكيات وأسباب الكائنات بهذا التفصيل، كما حققت لك آنفا، وفي هذه المرويات من السذاجة العلمية، والتهافت ما لا يليق بعاقل؛ فضلا عن أعقل العقلاء، الذي ما كان ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
وأيضا: فهذه التعليلات لا تتفق هي والمقررات العلمية المستقرة الثابتة، التي أصبحت في حكم اليقينات اليوم، ولا أدري كيف يكون حال الداعية إلى الإسلام اليوم في البلاد المتقدمة في العلم والمعرفة إذا لهج بمثل هذه الأباطيل التي تضُرُّ بالدين أكثر مما ينال منه أعداؤه؟ ولو أن هذه المرويات كانت في كتب معتمدة من كتب الحديث، والرواية التي تعنى بذكر الأحاديث الصحيحة والحسنة، لكان للمنتصرين لها بعض العذر؛ أما وهي كما علمت غير معتدٍّ بها؛ لضعف أسانيدها، ومخالفتها للعقل، والعلم اليقيني، فاضرب بها عرض الحائط ولا كرامة، وكفى إفسادها العقول والأفكار أحقابا من الزمان، ورحم الله أئمتنا الأوائل الذين تنبهوا إليها، ونقدوها وزيفوها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في تقرير النظم وجوه:
الوجه الأول:
أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة ما أوصل إلى الخلق من نعم الدين وهو القرآن أتبعه ببيان ما أوصل إليهم من نعم الدنيا فقال: {وَجَعَلْنَا الليل والنهار ءايَتَيْنِ} وكما أن القرآن ممتزج من المحكم والمتشابه، فكذلك الدهر مركب من النهار والليل.
فالمحكم كالنهار، والمتشابه كالليل، وكما أن المقصود من التكليف لا يتم إلا بذكر المحكم والمتشابه، فكذلك الوقت والزمان لا يكمل الانتفاع به إلا بالنهار والليل.
والوجه الثاني:
في تقرير النظم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، وذلك الأقوم ليس إلا ذكر الدلائل الدالة على التوحيد والنبوة، لا جرم أردفه بذكر دلائل التوحيد، وهو عجائب العالم العلوي والسفلي.
الوجه الثالث:
أنه لما وصف الإنسان بكونه عجولًا أي منتقلًا من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة، بين أن كل أحوال هذا العالم كذلك، وهو الانتقال من النور إلى الظلمة وبالضد، وانتقال نور القمر من الزيادة إلى النقصان وبالضد، والله أعلم.
المسألة الثانية:
في قوله: {وَجَعَلْنَا الليل والنهار ءايَتَيْنِ} قولان:
القول الأول: أن يكون المراد من الآيتين نفس الليل والنهار.
والمعنى: أنه تعالى جعلهما دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا.
أما في الدين: فلأن كل واحد منهما مضاد للآخر مغاير له، مع كونهما متعاقبين على الدوام، من أقوى الدلائل على أنهما غير موجودين لذاتهما، بل لابد لهما من فاعل يدبرهما ويقدرهما بالمقادير المخصوصة، وأما في الدنيا: فلأن مصالح الدنيا لا تتم إلا بالليل والنهار، فلولا الليل لما حصل السكون والراحة، ولولا النهار لما حصل الكسب والتصرف في وجوه المعاش.