فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)}.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند واه، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق شمسين من نور عرشه فاما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمسًا، فإنه خلقها مثل الدنيا على قدرها، ما بين مشارقها ومغاربها، وأما ما كان في سابق علمه أنه يطمسها ويجعلها قمرًا، فإنه خلقها دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى صغرها لشدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض، فلو ترك الشمس كما كان خلقها أول مرة لم يعرف الليل من النهار، ولا النهار من الليل، ولم يدر الصائم إلى متى يصوم ومتى يفطر، ولم يدر المسلمون متى وقت حجهم، وكيف عدد الأيام والشهور والسنين والحساب، فأرسل جبريل فأمر جناحه عن وجه القمر وهو يومئذ شمس ثلاث مرات، فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور، فذلك قوله: {وجعل الليل والنهار آيتين} الآية».
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر، عن سعيد المقبري: أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر؟ فقال: كانا شمسين. فقال: قال الله: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل} فالسواد الذي رأيت هو المحو.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف، عن علي رضي الله عنه في قوله: {فمحونا آية الليل} قال: هو السواد الذي في القمر.
وأخرج ابن مردويه، عن علي رضي الله عنه في الآية. قال: كان الليل والنهار سواء، فمحا الله آية الليل فجعلها مظلمة، وترك آية النهار كما هي.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فمحونا آية الليل} قال: هو السواد بالليل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} قال: كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، والقمر آية الليل، والشمس آية النهار {فمحونا آية الليل} قال: السواد الذي في القمر.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه قال: كتب هرقل إلى معاوية يسأله عن ثلاثة أشياء: أي مكان إذا صليت فيه ظننت أنك لم تصل إلى قبلة؟ وأي مكان طلعت فيه الشمس مرة لم تطلع فيه قبل ولا بعد؟ وعن السواد الذي في القمر؟ فسأل ابن عباس رضي الله عنهما؟ فكتب إليه أما المكان الأول: فهو ظهر الكعبة. وأما الثاني: فالبحر حين فرقه الله لموسى عليه السلام. وأما السواد الذي في القمر: فهو المحو.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال: خلق الله نور الشمس سبعين جزءًا، ونور القمر سبعين جزءًا، فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءًا، فجعله مع نور الشمس، فالشمس على مائة وتسعة وثلاثين جزءًا، والقمر على جزء واحد.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه في الآية قال: كانت شمس بالليل وشمس بالنهار فمحا الله شمس الليل، فهو المحو الذي في القمر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير في قوله: {فمحونا آية الليل} قال: انظر إلى الهلال ليلة ثلاث عشرة، أو أربع عشرة، فإنك ترى فيه كهيئة الرجل، آخذًا برأس رجل.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} قال: ظلمة الليل وسدف النهار؛ {لتبتغوا فضلًا من ربكم} قال: جعل لكم {سبحًا طويلًا} [المزمل: 7].
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فصلناه} يقول: بيناه.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال: أخبرني غير واحد أن قاضيًا من قضاة الشام، أتى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين رأيت رؤيا أفظعتني. قال: وما رأيت؟ قال: رأيت الشمس والقمر يقتتلان، والنجوم معهما نصفين. قال: فمع أيهما كنت؟ قال: مع القمر على الشمس. قال عمر رضي الله عنه: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} فانطلق فوالله لا تعمل لي عملًا أبدًا. قال عطاء رضي الله عنه: فبلغني أنه قتل مع معاوية يوم صفين.
وأخرج ابن عساكر، عن علي بن زيد رضي الله عنه، قال: سأل ابن الكواء عليًا رضي الله عنه عن السواد الذي في القمر؟ قال: هو قول الله تعالى: {فمحونا آية الليل}.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير بسند حسن، عن جابر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طائر كل إنسان في عنقه».
وأخرج ابن مردويه، عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن النطفة التي يخلق منها النسمة تطير في المرأة أربعين يومًا وأربعين ليلة، فلا يبقى منها شعر ولا بشر ولا عرق ولا عظم إلا دخله، حتى أنها لتدخل بين الظفر واللحم، فإذا مضى لها أربعون ليلة وأربعون يومًا أهبطه الله إلى الرحم، فكان علقة أربعين يومًا وأربعين ليلة، ثم يكون مضغة أربعين يومًا وأربعين ليلة، فإذا تمت لها أربعة أشهر، بعث الله إليها ملك الأرحام فيخلق على يده لحمها ودمها وشعرها وبشرها، ثم يقول: صوّر. فيقول: يا رب، ما أصور أزائد أم ناقص، أذكر أم أنثى، أجميل أم ذميم أجعد أم سبط أقصير أم طويل أبيض أم آدم أسويّ أم غير سويّ؟ فيكتب من ذلك ما يأمر الله به. ثم يقول الملك: يا رب، أشقيّ أم سعيد؟ فإن كان سعيدًا، نفخ فيه بالسعادة في آخر أجله، وإن كان شقيًا: نفخ فيه الشقاوة في آخر أجله. ثم يقول: اكتب أثرها ورزقها ومصيبتها وعملها بالطاعة والمعصية، فيكتب من ذلك ما يأمره الله به، ثم يقول الملك: يا رب، ما أصنع بهذا الكتاب؟ فيقول: علقه في عنقه إلى قضائي عليه. فذلك قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ألزمناه طائره في عنقه} قال: سعادته وشقاوته وما قدره الله له وعليه فهو لازمه أينما كان.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جوبير، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {طائره في عنقه} قال: قال عبد الله رضي الله عنه الشقاء والسعادة والرزق والأجل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن أنس رضي الله عنه في قوله: {طائره في عنقه} قال: كتابه.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} أي عمله.
وأخرج أبو داود في كتاب القدر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} قال: ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ألزمناه طائره} قال: عمله {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} قال: هو عمله الذي عمل أحصي عليه، فأخرج له يوم القيامة ما كتب عليه من العمل، فقرأه منشورًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه في الآية قال: الكافر يخرج له يوم القيامة كتاب، فيقول: رب، إنك قد قضيت. إنك لست بظلام للعبيد، فاجعلني أحاسب نفسي. فيقال له: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا}.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر، عن هرون قال: في قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} يقرؤه يوم القيامة {كتابًا يلقاه منشورًا}.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد رضي الله عنه أنه قرأ {ويخرج له يوم القيامة كتابًا} بفتح الياء يعني يخرج الطائر كتابًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {اقرأ كتابك} قال: سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئًا في الدنيا.
وأخرج ابن جرير، عن الحسن رضي الله عنه قال: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة.
فعند ذلك يقول: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} حتى بلغ عليك {حسيبًا}.
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد بسند ضعيف، عن عائشة رضي الله عنها قال: سالت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين؟ فقال: «هم مع آبائهم» ثم سألته بعد ذلك؟ فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام؟! فنزلت {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فقال: «هم على الفطرة» أو قال: «في الجنة».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، إني قضيت في البنات من ذراري المشركين؟ قال: «هم منهم».
وأخرج ابن سعد وأحمد وقاسم بن أصبغ وابن عبد البر، عن خنساء بنت معاوية الضمرية، عن عمها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة».
وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر، عن أنس رضي الله عنه قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين؟ قال: «هم خدم أهل الجنة».
وأخرج، عن سلمان رضي الله عنه قال: أطفال المشركين خدم أهل الجنة.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن عبد البر وضعفه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المسلمين أين هم؟ قال: «في الجنة» وسألته عن ولدان المشركين أين هم؟ قال: «في النار» قلت: يا رسول الله، لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم القلام! قال: «ربك أعلم بما كانوا عاملين، والذي نفسي بيده لئن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار».
وأخرج أحمد وقاسم بن أصبغ وابن عبد البر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أقول في أطفال المشركين هم مع آبائهم، حتى حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنهم؟ فقال: «ربهم أعلم بهم وبما كانوا عاملين» فأمسكت عن قولي.
وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل، عن أولاد المشركين؟ فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين والله أعلم». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ}
قوله تعالى: {آيَتَيْنِ}: يجوز أن يكونَ هو المفعولَ الأولَ، و{الليل والنهار} ظرفان في موضع الثاني قُدِّما على الأول، والتقدير: وجَعَلْنا آيتين في الليلِ والنهار، والمرادُ بالآيتين: إمَّا الشمسُ والقمرُ، وإمَّا تكويرُ هذا على هذا، وهذا على هذا، ويجوز أنْ يكونَ {آيَتَيْن} هو الثاني، و{الليل والنهار} هما الأول. ثم فيه احتمالان، أحدُهما: أنه على حَذْفِ مضافٍ: إمَّا من الأولِ، أي: نَيَّرَي الليل والنهار، وهما القمرُ والشمسُ، وإمَّا من الثاني، أي: ذَوِي آيتين. والثاني: أنه لا حَذْفَ، وأنهما علامتان في أنفسِهما، لهما دلالةٌ على شيءٍ آخرَ. قال أبو البقاء: فلذلك أضافَ في موضعٍ، وَوَصف في آخر يعني أنه أضافَ الآيةَ إليهما في قوله: {آيَةَ الليل} و{الليل والنهار} ووصفَهما في موضعٍ آخرَ بأنهما اثنان لقولِه: {وجَعَلْنا الليلَ والنهارَ آيتين}. هذا كلُّه إذا جَعَلْنَا الجَعْلَ تصييرًا متعدِّيًا لاثنين، فإن جَعَلْناه بمعنى خَلَقْنا كان {آيتين} حالًا، وتكونُ حالًا مقدرة.
واستشكل بعضُهم أَنْ يكونَ جَعَلَ بمعنى صَيَّر قال: لأنه يَسْتَدْعِيْ أن يكونَ الليلُ والنهارُ موجودَيْن على حالةٍ، ثم انتقل عنها إلى أخرى.
قوله: {مُبْصِرَةً} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مِنْ الإِسنادِ المجازيِّ، لأنَّ الإِبصارَ فيها لأهلِها، كقولِه: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59] لمَّا كانت سببًا للإِبْصار. وقيل: {مُبْصِرة}: مضيئةً، وقيل: هي من بابِ اَفْعَل، والمرادُ به غيرُ مَنْ أُسْنِد الفعلُ إليه كقولهم: أَضْعَفَ الرجلُ، أي: ضَعُفَتْ ماشِيتُه، وأَجْبن إذا كان أهلُه جبناء، فالمعنى أنَّ أهلَها بُصراء.