فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ عليُّ بن الحسين وقتادةُ {مَبْصَرة} بفتح الميم والصاد، وهو مصدرٌ أقيم مُقام الاسمِ، وكَثُر هذا في صفاتِ الأمكنة نحو: مَذْأَبَة.
قوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ} فيه وجهان، أحدهما: أنَّه منصوبٌ على الاشتغال، ورُجِّح نصبُه لتقدُّمِ جملةٍ فعلية. وكذلك {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ} [الإسراء: 13]. والثاني:- وهو بعيد- أنه منصوبٌ نَسَقًا على {الحِسابَ}، أي: لتعلموا كلَّ شيءٍ أيضًا، ويكون {فَصَّلْناه} على هذا صفةً.
وقرئ: {في عُنْقِه} وهو تخفيفٌ شائعٌ.
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}.
قوله تعالى: {وَنُخْرِجُ}: العامَّةُ على {نُخْرِجُ} بنونِ العظمة مضارع اَخْرَجَ، و{كتابًا} فيه وجهان، أحدهما: أنه مفعولٌ به والثاني: أنه منصوبٌ على الحالِ من المفعول المحذوف، إذ التقديرُ: ونُخْرِجُه إليه كتابًا، ونُخْرِجُ الطائرَ.
ورُوِي عن أبي جعفر: {ويُخْرَجُ} مبنيًَّا للمفعول، {كتابًا} نصبٌ على الحال، والقائمُ مَقامَ الفاعلِ ضميرُ الطائرِ، وعنه أنَّه رَفَع {كتابًا}. وخُرِّج على أنَّه مرفوعٌ بالفعلِ المبنيِّ للمفعول، والأولى قراءة قلقةٌ.
وقرأ الحسن: {ويَخْرُجُ} بفتحِ الياءِ وضمِّ الراءِ مضارعَ {خَرَجَ}، {كتاب} فاعلٌ به، وابن محيصن ومجاهد كذلك، إلا أنهما نَصَبا {كتابًا} على الحال، والفاعلُ ضميرُ الطائرِ، أي: ويَخْرُجُ له طائرُه في هذه الحالِ. وقرئ: {ويُخْرِجُ} بضمِّ الياء وكسرِ الراء مضارعَ {اَخْرَجَ} والفاعلُ ضميرُ الباري تعالى، {كتابًا} مفعولٌ.
قوله: {يَلْقَاْه} صفةٌ ل {كتابًا} و{مَنْشُورًا} حالٌ من هاء {يَلْقاه}. وجوَّز الزمخشري والشيخ وأبو البقاء أن يكونَ نعتًا لكتاب. وفيه نظرٌ: من حيث إنه يَلْزَمُ تقدُّم الصفةِ غير الصريحة على الصريحةِ، وقد تقدَّم ما فيه.
وقرأ ابنُ عامر: {يُلَقَّاه} بضمِّ الياء وفتح اللام وتشديد القاف، مضارعَ لَقَّى بالتشديد، والباقون: بالفتح والسكونِ والتخفيف مضارع لَقِي.
{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}.
قوله تعالى: {اقرأ}: على إضمارِ القولِ، أي: يُقال له: اقرأْ، وهذا القولُ: إمَّا صفةٌ أو حالٌ كما في الجملةِ قبله.
قوله: {كفى بِنَفْسِكَ} فيه ثلاثةُ أوجهٍٍ، المشهورُ عند المُعْرِبين: أنَّ {كفى} فعلٌ ماضٍ، والفاعلُ هو المجرورُ بالباء، وهي فيه مزيدةٌ، ويَدُلُّ عليه أنها حُذِفت ارتفع، كقوله:
ويُخْبرني عن غائبٍ المَرْءِ هَدْيُه ** كَفَى الهَدْيُ عَمَّا غَيَّبَ المَرْءُ مُخْبِرا

وقولِ الآخر:
كَفَى الشيبُ والإِسلامُ للمرءِ ناهيا

وعلى هذا فكان ينبغي أن يُؤَنَّثَ الفعلُ لتأنيث فاعلِه، وإن كان مجرورًا كقوله: {مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ} [الأنبياء: 6] و{وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ} [الأنعام: 4]. وقد يقال: إنه جاء على أحد الجائزين فإن التأنيثَ مجازيٌّ. والثاني: أنَّ الفاعلَ ضميرُ المخاطبِ، و{كفى} على هذا اسمُ فعلٍ أمرٍ، أي: اكْتَفِ، وهو ضعيفٌ لقَبولِ {كَفَى} علاماتِ الأفعالِ. الثالث: أنَّ فاعلَ {كَفَى} ضميرٌ يعودُ على الاكتفاء، وقد تقدَّم الكلامُ على هذا مستوفى. و{اليومَ} نصبٌ بـ {كفى}.
قوله: {حَسِيْبا} فيه وجهان، أحدُهما: أنه تمييزٌ. قال الزمخشري: وهو بمعنى حاسِب، كضَرِيْب القِداح بمعنى ضاربها، وصَرِيْم بمعنى صارِم، ذكرهما سيبويه، وعلى متعلقةٌ به مِنْ قولك: حَسِب عيله كذا، ويجوز أن يكونَ بمعنى الكافي ووُضِع موضعَ الشهيد، فعُدِّي بعلى لأنَّ الشاهدَ يكفي المُدَّعي ما أهمَّه. فإن قلت: لِمَ ذَكَرَ {حسيبًا}؟ قلت: لأنَّه بمنزلةِ الشاهدِ والقاضي والأمين، وهذه الأمور يَتَوَلاَّها الرجالُ فكأنَّه قيل: كفى بنفسِك رجلًا حسيبًا، ويجوز أًنْ تُتَأَوَّلَ النفسُ بمعنى الشخصِ، كما يقال: ثلاثة أنفس، قلت: ومنه قولُ الشاعر:
ثلاثةُ أنفسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ ** لقد جارَ الزمانُ على عيالي

والثاني: أنه منصوبٌ على الحالِ، وذُكِرَ لِما تقدَّم. وقيل: حَسِيب بمعنى مُحاسِب كخَلِيط وجَلِيس بمعنى: مُخالِط ومُجالس. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} جعل الليلَ والنهارَ علامةً على كمال قدرته، ودلالةً على وجوب وحدانيته؛ في تعاقبهما وتناوبهما، وفي زيادتهما ونقصانهما. ثم جعلهما وقتًا صالحًا لإقامة العبادة، والاستقامة على معرفة جلال إلهيته؛ فالعبادةُ شرطُها الدوامُ والاتصال، والوظائف حقُّها التوفيق والاختصاص.
ولو وقع في بعض العبادات تقصيرٌ أو حَصَلَ في أداءِ بعضِها تأخيرٌ تَدَارَكَه بالقضاءِ حتى يَتَلاَفَى التقصير.
ويقال من وجوه الآيات في الليل والنهار إفرادُ النهار بالضياء من غير سبب، وتخصيصُ الليل بالظلام بغير أمرٍ مكتسب، ومن ذلك قوله تعالى: {فَمَحَوْنَا ءَايَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَا ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}: وهو اختلاف أحوال القمر في إشراقه ومحاقة، فلا يبقى ليلتين على حال واحدة، بل هو في كل ليلة في منزل آخر، إما بزيادة أو بنقصان.
وأمَّا الشمس فحالها الدوام.. والناس كذلك أوصافهم؛ فأربابُ التمكين الدوامُ شرطُهم، وأصحابُ التلوينِ التنقلُ حَقُّهم، قال قائلهم:
ما زلت أنزل من ودادك منزلًا ** تتحير الألبابُ دون نزوله

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}.
ألزم كلَّ أحدٍ ما لَبِسَ بجِيدِه. فالذين هم أهلُ السعادة أسرج لهم مركبَ التوفيقَ، فيسير بهم إلى ساحات النجاة، والذين هم أهل الشقاوة أركبهم مَطِيَّةَ الخذلان فأَقْعَدَتْهم عن النهوض نحو منهج الخلاص، فوقعوا في وَهْدَةِ الهلاك.
{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}.
مَنْ ساعَدَتْه العنايةُ الأزليةُ حِفظَ عند معاملاته مما يكون وبالًا عليه يوم حسابه، ومَنْ أبلاه بحْكْمِه رَدَّه وأهمْهَلَه، ثم تركه وعَمَلَه، فإذا استوفى أَجَلَه عرف ما ضيَّعَه وأهمله، ويومئذ يُحْكُمِه في حالِ نفسه، وهو لا محالةَ يحكم بنفسه باستحقاقه لعذابه عندما يتحقق من قبيح أعماله.. فكم من حسرةٍ يتجرَّعُها، وكم من خيبةٍ يتلقَّاها!
ويقال مَنْ حَاسَبَه بكتابه فكتابةُ مُلازِمُه في حسابه فيقول: رَبِّ: لا تحاسبني بكتابي.. ولكن حاسِبْنِي بما قلتَ: إِنَّكَ غافرُ الذَّنْبِ وقابلُ التوبِ.. لا تعاملني بمقتضى كتابي: ففيه بواري وهلاكي. اهـ.

.من الإعجاز العلمي في القرآن.

بحث بعنوان:

.من أسرار القرآن: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا} [الإسراء: 12].

بقلم: د. زغلول النجار.
في هذه الآية الكريمة يذكرنا ربنا تبارك وتعالى بأنه قد جعل الليل والنهار آيتين من آياته الكونية المبهرة التي تدل علي طلاقة قدرته، وبالغ حكمته، وبديع صنعه في خلقه، فاختلاف هيئة كل من الليل والنهار في الظلمة والنور، وتعاقبهما علي وتيرة رتيبة منتظمة ليدل دلالة قاطعة علي أن لهما خالقا قادرا عليما حكيما..
والآية في اللغة العلامة والجمع آي، وآيات والآية من كتاب الله جماعة حروف تكون كلمة أو مجموعة كلمات تبني منها الآية لتحمل دلالة معينة.

.آراء المفسرين:

يذكر عدد من المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة أن الله تعالي قد جعل من صفات الليل أنه مظلم، كما جعل من صفات النهار أنه منير، وربما كان ذلك هو آية كل منهما، وهذا الفهم دفع ببعض المفسرين إلي القول بأن من معاني قوله تعالي: فمحونا آية الليل.. أي جعلنا الليل، وهو آية من آيات الله- مظلما، وجعلنا من صفاته تلك الظلمة، وأن من معاني قوله تعالي: وجعلنا آية النهار مبصرة أي جعلنا الآية التي هي النهار منيرة تعين علي الإبصار فيها، من نحو قول العرب: أبصر النهار إذا أنار وصار بحالة يبصر فيها، ولكن المقابلة بين محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ربما تتحمل من المعاني ما هو فوق ذلك، مما يحتاج إلي توظيف العديد من الحقائق العلمية الحديثة من أجل حسن فهم دلالة تلك المقابلة.
فواضح نص الآية الكريمة أن الله تعالي قد محا آية الليل، وأبقي آية النهار مبصرة لكي يتيح الفرصة للخلق لابتغاء الفضل منه، والسعي علي كسب الرزق أثناء النهار، وللخلود إلي السكينة والراحة بالليل، وأن في هذا التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير وسيلة ميسرة لتحديد الزمن، ولتأريخ الأحداث، فبدون ذلك التتابع الرتيب لليل والنهار يتلاشي إحساس الإنسان بمرور الزمن، وتتوقف قدرته علي متابعة الأحداث والتأريخ لها، ولذلك يمن علينا ربنا تبارك وتعالى في ختام هذه الآية الكريمة بأنه قد فصل لنا كل شيء في وحيه الخاتم القرآن الكريم الذي ليس من بعده وحي من الله، وليست من بعده أية رسالة ربانية، ولذلك جاء ذلك التفصيل الإلهي تفصيلا دقيقا واضحا لكل أمر من أمور الدين الذي لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيه أية ضوابط صحيحة.

.آيتا الليل والنهار:

الليل والنهار آيتان كونيتان عظيمتان من آيات الله في الخلق، تشهدان بدقة بناء الكون، وانتظام حركة كل جرم فيه، وإحكام السنن الضابطة له، ومنها تلك السنن الحاكمة لحركات كل من الأرض والشمس، والتي تتضح بجلاء في التبادل المنتظم للفصول المناخية، والتعاقب الرتيب لليل والنهار، وما يصاحب ذلك كله من دقة وإحكام بالغين..!!
فنحن نعلم اليوم أن التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير هو من الضرورات اللازمة للحياة علي الأرض، ولاستمرارية وجود تلك الحياة بصورها المختلفة حتي يرث الله تعالي الأرض ومن عليها.
فبهذا التبادل بين الظلام والنور يتم التحكم في درجات الحرارة والرطوبة، وكميات الضوء اللازمة للحياة في مختلف بيئاتها الأرضية، كما يتم التحكم في العديد من الأنشطة والعمليات الحياتية من مثل التنفس، والنتح، والتمثيل الضوئي، والأيض، وغيرها ويتم ضبط التركيب الكيميائي للغلاف الغازي المحيط بالأرض، وضبط صفاته الطبيعية، وتتم دورة المياه بين الأرض والسماء والتي لولاها لفسد كل ماء الأرض كما يتم ضبط حركات كل من الأمواج المختلفة في البحار والمد والجزر، والرياح والسحاب، ونزول المطر بإذن الله، ويتم تفتيت الصخور وتكون التربة بمختلف أنواعها ومنها الصالحة للانبات، وغير الصالحة، وترسب الصخور ومنها القادرة علي خزن كل من الماء والنفط والغاز ومنها غير القادرة علي ذلك، وتركيز مختلف الثروات الأرضية، وغير ذلك من العمليات والظواهر التي بدونها لا يمكن للأرض أن تكون صالحة للحياة.
وتعاقب الليل والنهار علي نصفي الأرض هو كذلك ضروري، لأن جميع صور الحياة الأرضية لا تتحمل مواصلة العمل دون راحة وإلا هلكت، فالإنسان والحيوان والنبات، وغير ذلك من أنماط الحياة البسيطة يحتاج إلي الراحة بالليل لاستعادة النشاط بالنهار أو عكس ذلك بالنسبة لانماط الحياة الليلية فالإنسان- علي سبيل المثال- يحتاج إلي أن يسكن بالليل فيخلد إلي شيء من الراحة والعبادة والنوم مما يعينه علي استعادة نشاطه البدني والذهني والروحي، وعلي استرجاع راحته النفسية، واستجماع قواه البدنية حتي يتهيأ للعمل في النهار التالي وما يتطلبه ذلك من قيام بواجبات الاستخلاف في الأرض، وقد ثبت بالتجارب العملية والدراسات المختبرية أن أفضل نوم الإنسان هو نومه بالليل، خاصة في ساعات الليل الأولي، وأن إطالة النوم بالنهار ضار بصحته لأنه يؤثر علي نشاط الدورة الدموية تأثيرا سلبيا، ويؤدي إلي شيء من التيبس في العضلات، والتراكم للدهون علي مختلف أجزاء الجسم، وإلي زيادة في الوزن، كما يؤدي إلي شيء من التوتر النفسي والقلق، وربما كان مرد ذلك إلي الحقيقة القرآنية التي مؤداها أن الله تعالي قد جعل الليل لباسا، وجعل النهار معاشا، وإلي الحقيقة الكونية التي مؤداها أن الانكماش الملحوظ في سمك طبقات الحماية في الغلاف الغازي للأرض ليلا، وتمددها نهارا يؤدي إلي زيادة قدراتها علي حماية الحياة الأرضية بالنهار عنها في الليل حين ترق طبقات الحماية الجوية تلك رقة شديدة قد تسمح لعدد من الأشعات الكونية بالنفاذ إلي الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض، وهي أشعات مهلكة مدمرة لمن يتعرض لها لمدد كافية، ومن هنا كان ذلك الأمر القرآني بالاستخفاء في الليل والظهور في النهار ومن هنا أيضا كان أمره إلي خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله تعالي من شر الليل إذا دخل بظلامه، وأن يلتجئ إلي الله ويعتصم بجنابه من أخطار ذلك فقال عز من قائل: {ومن شر غاسق إذا وقب} [الفلق:3].
فهذا الشر ليس مقصورا علي الظلمة وما يمكن أن يتعرض فيها المرء إلي مخاطر البشر، بل قد يمتد إلي مخاطر الكون التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
ثم إن هذا التبادل في اليوم الواحد بين ليل مظلم ونهار منير، يعين الإنسان علي إدراك حركة الزمن، وتأريخ الأحداث، وتحديد الأوقات بدقة وانضباط ضروريين للقيام بمختلف الأعمال، ولأداء جميع العبادات، وللوفاء بمختلف العهود والحقوق والمعاملات وغير ذلك من الأنشطة الإنسانية، فلو كان الزمن كله علي نسق واحد من ليل أو نهار ما استقامت الحياة وما استطاع الإنسان أن يميز من حياته ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا، وبالتالي لتوقفت الحياة، ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في ختام الآية: {.. لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب..} ولذلك أيضا يمن علينا ربنا وهو تعالي صاحب الفضل والمنة بتبادل الليل والنهار في العديد من آيات القرآن الكريم، ومع إيماننا بذلك، وتسليمنا به يبرز التساؤل في الآية الكريمة التي نحن بصددها رقم 12 من سورة الإسراء عن مدلول آيتي الليل والنهار، وعن كيفية محو آية الليل وإبقاء آية النهار مبصرة؟..