فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة الإسراء مكية إلا الآيات 26 و32 و33 و57، ومن آية 73 إلى غاية آية 80 فمدنية وآياتها 111 نزلت بعد القصص.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.[سورة الإسراء: آية 1]

{سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}
{سُبْحانَ} علم للتسبيح كعثمان للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره، تقديره:
أسبح اللّه سبحان، ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسدّه، ودل على التنزيه البليغ من جميع القبائح التي يضيفها إليه أعداء اللّه. و{أَسْرى} وسرى لغتان. و{لَيْلًا} نصب على الظرف.
فإن قلت: الإسراء لا يكون إلا بالليل، فما معنى ذكر الليل؟ قلت: أراد بقوله: {لَيْلًا} بلفظ التنكير: تقليل مدّة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشأم مسيرة أربعين ليلة، وذلك أنّ التنكير فيه قد دلّ على معنى البعضية. ويشهد لذلك قراءة عبد اللّه وحذيفة: من الليل، أي: بعض الليل، كقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً} يعني الأمر بالقيام في بعض الليل. واختلف في المكان الذي أسرى منه فقيل: هو المسجد الحرام بعينه، وهو الظاهر.
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتانى جبريل عليه السلام بالبراق» وقيل: أسرى به من دار أم هانئ بنت أبى طالب والمراد بالمسجد الحرام: الحرم، لإحاطته بالمسجد والتباسه به.
وعن ابن عباس: الحرم كله مسجد. وروى أنه كان نائمًا في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته، وقص القصة على أم هانئ، وقال: «مثل لي النبيون فصليت بهم وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانئ بثوبه فقال: مالك؟ قالت: أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم، قال: وإن كذبوني» فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحديث الإسراء، فقال أبو جهل: يا معشر بنى كعب بن لؤي، هلم فحدّثهم، فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجبًا وإنكارًا.
وارتد ناس ممن كان قد آمن به، وسعى رجال إلى أبى بكر رضي اللّه عنه فقال: إن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: أتصدقه على ذلك؟ قال: إنى لأصدقه على أبعد من ذلك، فسمى الصدّيق.
وفيهم من سافر إلى ما ثمّ، فاستنعتوه المسجد فجلى له بيت المقدس، فطفق ينظر إليه وينعته لهم، فقالوا: أمّا النعت فقد أصاب، فقالوا: أخبرنا عن عيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها، وقال: تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق، فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية، فقال قائل منهم: هذه واللّه الشمس قد شرقت، فقال آخر: وهذه واللّه العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد، ثم لم يؤمنوا وقالوا: ما هذا إلا سحر مبين، وقد عرج به إلى السماء في تلك الليلة، وكان العروج به من بيت المقدس وأخبر قريشًا أيضًا بما رأى في السماء من العجائب وأنه لقى الأنبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى واختلفوا في وقت الإسراء فقيل كان قبل الهجرة بسنة.
وعن أنس والحسن أنه كان قبل البعث واختلف في أنه كان في اليقظة أم في المنام فعن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: «واللّه ما فقد جسد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولكن عرج بروحه» وعن معاوية: إنما عرج بروحه.
وعن الحسن، كان في المنام رؤيا رآها. وأكثر الأقاويل بخلاف ذلك. والمسجد الأقصى: بيت المقدس، لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد {بارَكْنا حَوْلَهُ} يريد بركات الدين والدنيا، لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى ومهبط الوحى، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة. وقرأ الحسن: {ليريه} بالياء، ولقد تصرف الكلام على لفظ الغائب والمتكلم فقيل: أسرى ثم باركنا ثم ليريه، على قراءة الحسن، ثم من آياتنا، ثم إنه هو، وهي طريقة الالتفات التي هي من طرق البلاغة {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لأقوال محمد {الْبَصِيرُ} بأفعاله، العالم بتهذبها وخلوصها، فيكرمه ويقرّبه على حسب ذلك.

.[سورة الإسراء: الآيات 2- 3]

{وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
{أَلَّا تَتَّخِذُوا} قرئ بالياء على: لئلا يتخذوا، وبالتاء على: أي لا تتخذوا، كقولك: كتبت إليه أن أفعل كذا {وَكِيلًا} ربا تكلون إليه أموركم {ذُرِّيَّةَ} مَنْ حَمَلْنا نصب على الاختصاص. وقيل: على النداء فيمن قرأ: {لا تتخذوا} بالتاء على النهى، يعني: قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا مَعَ نُوحٍ وقد يجعل {وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا} مفعولي تتخذوا، أي لا تجعلوهم أربابًا كقوله: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبابًا} ومن ذرية المحمولين مع نوح عيسى وعزير عليهم السلام. وقرئ {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا} بالرفع بدلا من واو {تَتَّخِذُوا} وقرأ زيد بن ثابت: ذرية، بكسر الذال. وروى عنه أنه قد فسرها بولد الولد، ذكرهم اللّه النعمة في إنجاء آبائهم من الغرق {إِنَّهُ} إن نوحًا {كانَ عَبْدًا شَكُورًا} قيل: كان إذا أكل قال: الحمد للّه الذي أطعمنى، ولو شاء أجاعنى. وإذا شرب قال: الحمد للّه الذي سقاني، ولو شاء أظمأنى. وإذا اكتسى قال: الحمد للّه الذي كسانى، ولو شاء أعرانى. وإذا احتذى قال: الحمد للّه الذي حذانى، ولو شاء أحفانى. وإذا قضى حاجته قال: الحمد للّه الذي أخرج عنى أذاه في عافية، ولو شاء حبسه. وروى أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به، فإن وجده محتاجًا آثره به. فإن قلت: قوله إنه كان عبدًا شكورًا ما وجه ملاءمته لما قبله؟ قلت: كأنه قيل: لا تتخذوا من دوني وكيلا، ولا تشركوا بى، لأنّ نوحا عليه السلام كان عبدا شكورا، وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم.
ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح، فهم متصلون به، فاستأهلوا لذلك الاختصاص. ويجوز أن يقال ذلك عند ذكره على سبيل الاستطراد.

.[سورة الإسراء: الآيات 4- 6]

{وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ}.
وأوحينا إليهم وحيا مقضيا، أي مقطوعا مبتوتًا بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة، ويعلون، أي: يتعظمون ويبغون {فِي الْكِتابِ} في التوراة، و{لَتُفْسِدُنَّ} جواب قسم محذوف. ويجوز أن يجرى القضاء المبتوت مجرى القسم، فيكون {لَتُفْسِدُنَّ} جوابا له، كأنه قال: وأقسمنا لتفسدن. وقرئ: لتفسدنّ، على البناء للمفعول. ولتفسدن، بفتح التاء من فسد {مَرَّتَيْنِ} أولاهما: قتل زكريا وحبس أرميا حين أنذرهم سخط اللّه، والآخرة: قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى ابن مريم {عِبادًا لَنا} وقرئ عبيدًا لنا. وأكثر ما يقال: عباد اللّه وعبيد الناس: سنحاريب وجنوده وقيل بخت نصر.
وعن ابن عباس: جالوت. قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة، وخربوا المسجد، وسبوا منهم سبعين ألفًا. فإن قلت: كيف جاز أن يبعث اللّه الكفرة على ذلك ويسلطهم عليه. قلت: معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم، على أنّ اللّه عزّ وعلا أسند بعث الكفرة عليهم إلى نفسه، فهو كقوله تعالى: {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} وكقول الداعي. وخالف بين كلمهم. وأسند الجوس وهو التردّد خلال الديار بالفساد إليهم، فتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم. وقرأ طلحة: {فحاسوا} بالحاء. وقرئ: فجوّسوا. وخلل الديار. فإن قلت: ما معنى {وَعْدُ أُولاهُما}؟ قلت: معناه وعد عقاب أولاهما {وَكانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} يعني: وكان وعد العقاب وعدا لابد أن يفعل {ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ} أي الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو. قيل: هي قتل بخت نصر واستنقاذ بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم، وقيل: هي قتل داود جالوت {أَكْثَرَ نَفِيرًا} مما كنتم.
والنفير، من ينفر مع الرجل من قومه، وقيل: جمع نفر كالعبيد والمعيز.

.[سورة الإسراء: آية 7]

{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}
أى الإحسان والإساءة: كلاهما مختص بأنفسكم، لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم.
وعن علىّ رضي اللّه عنه: ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه، وتلاها {فَإِذا جاءَ وَعْدُ} المرّة {الْآخِرَةِ} بعثناهم {لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ} حذف لدلالة ذكره أوّلا عليه. ومعنى {لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ} ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها، كقوله: {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقرئ: {ليسوء} والضمير للّه تعالى، أو للوعد، أو للبعث. و{لنسوء}: بالنون. وفي قراءة علىّ: {لنسوأنّ}: و{ليسوأنّ} وقرئ: {لنسوأن}، بالنون الخفيفة. واللام في {لِيَدْخُلُوا} على هذا متعلق بمحذوف وهو: وبعثناهم ليدخلوا. ولنسوأن: جواب إذا جاء {ما عَلَوْا} مفعول ليتبروا، أي ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه. أو بمعنى: مدة علوّهم.

.[سورة الإسراء: آية 8]

{عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا (8)}
{عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} بعد المرّة الثانية إن تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي {وَإِنْ عُدْتُمْ} مرة ثالثة {عُدْنا} إلى عقوبتكم وقد عادوا، فأعاد اللّه إليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الأتاوة عليهم.
وعن الحسن: عادوا فبعث اللّه محمدا، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
وعن قتادة: ثم كان آخر ذلك أن بعث اللّه عليهم هذا الحىّ من العرب، فهم منهم في عذاب إلى يوم القيامة {حَصِيرًا} محبسا يقال للسجن محصر وحصير.
وعن الحسن:
بساطا كما يبسط الحصير المرمول

.[سورة الإسراء: الآيات 9- 10]

{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا (10)}.
{لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدّها. أو للملة. أو للطريقة. وأينما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف، لما في إبهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه. وقرئ: ويبشر، بالتخفيف، فإن قلت: كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة؟ قلت: كان الناس حينئذ إما مؤمن تقى، وإما مشرك، وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك. فإن قلت: علام عطف {وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}؟ قلت: على {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} على معنى: أنه بشر المؤمنين ببشارتين اثنتين: بثوابهم، وبعقاب أعدائهم ويجوز أن يراد: ويخبر بأن الذين لا يؤمنون معذبون.

.[سورة الإسراء: آية 11]

{وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (11)}.
أى: ويدعو اللّه عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله، كما يدعوه لهم بالخير، كقوله: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ}. {وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا} يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله، لا يتأنى فيه تأنى المتبصر.
وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا، فأقبل يئن بالليل، فقالت له: مالك تئن؟ فشكا ألم القدّ، فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا به فأعلم بشأنه، فقال صلى اللّه عليه وسلم: «اللهم اقطع يديها» فرفعت سودة يديها تتوقع الإجابة، وأن يقطع اللّه يديها، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: «إنى سألت اللّه أن يجعل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلى رحمة لأنى بشر أغضب كما يغضب البشر فلتردّ سودة يديها» ويجوز أن يريد بالإنسان الكافر، وأنه يدعو بالعذاب استهزاء ويستعجل به، كما يدعو بالخير إذا مسته الشدّة. وكان الإنسان عجولا: يعني أن العذاب آتيه لا محالة، فما هذا الاستعجال، وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: هو النضر بن الحرث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية، فأجيب له، فضربت عنقه صبرا.

.[سورة الإسراء: آية 12]

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12)}.
فيه وجهان:
أحدهما: أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما، فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين، كإضافة العدد إلى المعدود، أي: فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة.
والثاني: أن يراد: وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتين، يريد الشمس والقمر. فمحونا آية الليل: أي جعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلما، لا يستبان فيه شيء كما لا يستبان ما في اللوح الممحوّ، وجعلنا النهار مبصرا أي تبصر فيه الأشياء وتستبان. أو فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق لها شعاعا كشعاع الشمس، فترى به الأشياء رؤية بينة، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء {لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} لتتوصلوا ببياض النهار إلى استبانة أعمالكم والتصرف في معايشكم {وَلِتَعْلَمُوا} باختلاف الجديدين {عَدَدَ السِّنِينَ وَ} جنس {الْحِسابَ} وما تحتاجون إليه منه ولولا ذلك لما علم أحد حسبان الأوقات، ولتعطلت الأمور {وَكُلَّ شَيْءٍ} مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم {فَصَّلْناهُ} بيناه بيانا غير ملتبس، فأزحنا عللكم، وما تركنا لكم حجة علينا.