فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي، عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال: لما قدم أبو موسى وأبو عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه وأسلموا. قال: «ما فعلت امرأة منكم تدعى كذا وكذا؟ قالوا تركناها في أهلها. قال: فإنها قد غفر لها. قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: ببرها والدتها قال: كانت لها أم عجوز كبيرة، فجاءهم النذير: إن العدو يريد أن يغير عليكم الليلة، فارتحلوا ليلحقوا بعظيم قومهم، ولم يكن معها ما تحتمل عليه، فعمدت إلى أمها، فجعلت تحملها على ظهرها، فإذا أعيت وضعتها، ثم ألصقت بطنها ببطن أمها، وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من الرمضاء حتى نجت».
وأخرج البيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع شاب فقلنا: لو كان هذا الشاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالتنا. فقال: وما في سبيل الله، إلا من قتل، ومن سعى على والديه، فهو في سبيل الله، ومن سعى على عياله، فهو في سبيل الله، ومن سعى على نفسه يغنيها فهو في سبيل الله تعالى».
وأخرج الحاكم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: «يا رسول الله، أي الناس أعظم حقًا على المرأة. قال: زوجها. قلت: فأي الناس أعظم حقًا على الرجل. قال: أمه».
وأخرج الحاكم عن علي رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لعن الله من ذبح لغير الله، ثم تولى غير مولاه، ولعن الله العاق لوالديه، ولعن الله من نقض منار الأرض».
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آبائكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلًا فليقبل ذلك منه محقًا كان أو مبطلًا، فإن لم يفعل لم يرد على الحوض».
وأخرج الحاكم، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا: «بروا آباءكم».
وأخرج أحمد والحاكم وصححه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد هاجرت من الشرك- ولكنه الجهاد- هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي قال: أذنا لك؟ قال: لا. قال: فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك مجاهد، وإلاّ، فبرّهما».
وأخرج أحمد في الزهد، عن وهب بن منبه رضي الله عنه أن موسى- عليه الصلاة والسلام- سأل ربه عز وجل فقال: يا رب، بم تأمرني؟ قال: بأن لا تشرك بي شيئًا قال: وبم؟ قال: وتبر والدتك قال: وبم؟ قال: وبوالدتك قال: وبم؟ قال: بوالدتك؟ قال وهب رضي الله عنه: إن البر بالوالدين يزيد في العمر، والبر بالوالدة ينبت الأصل.
وأخرج أحمد في الزهد، عن عمرو بن ميمون رضي الله عنه قال: رأى موسى عليه السلام رجلًا عند العرش، فغبطه بمكانه، فسأل عنه فقالوا: نخبرك بعمله، لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ولا يمشي بالنميمة، ولا يعق والديه. قال: «أي رب، ومن يعق والديه»؟ قال: «يستسب لهما حتى يسبا».
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن ماجة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رجلًا أتاه فقال: إن امرأتي بنت عمي وإني أحبها، وإن والدتي تأمرني أن أطلقها، فقال: لا آمرك أن تطلقها، ولا آمرك أن تعصي والدتك، ولكن أحدثك حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: «إن الوالدة أوسط باب من أبواب الجنة فإن شئت فأمسك وإن شئت فدع».
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الحسن رضي الله عنه قال: للأم ثلثا البر وللأب الثلث.
وأخرج أحمد وابن ماجة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر».
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بر الوالدين يجزئ من الجهاد».
وأخرج ابن أبي شيبة، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قيل له: ما حق الوالد على الولد؟ قال: لو خرجت من أهلك ومالك ما أديت حقهما.
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد، عن علي بن أبي طالب قال: إذا مالت الأفياء، وراحت الأرواح، فاطلبوا الحوائج إلى الله، فإنها ساعة الأوّابين، وقرأ {فإنه كان للأوّابين غفورًا}.
وأخرج هناد، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في قوله: {فإنه كان للأوّابين غفورًا} قال: الأوّاب الذي يذنب، ثم يستغفر، ثم يذنب، ثم يستغفر، ثم يذنب ثم يستغفر.
وأخرج هناد، عن عبيد بن عمير رضي الله عنه في قوله: {فإنه كان للأوّابين غفورًا} قال: الأوّاب الذي يتذكر ذنوبه في الخلاء، فيستغفر منها. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
قوله تعالى: {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ}: يجوز أَنْ تكونَ أنْ مفسِّرةً؛ لأنها بعد ما هو بمعنى القول، ولا ناهيةٌ. ويجوز أَنْ تكونَ الناصبةَ، ولا نافيةٌ، أي: بأنْ لا، ويجوزُ أن تكونَ المخففةَ، واسمُها ضميرُ الشأن، ولا ناهيةٌ أيضًا، والجملةُ في مثل هذا إشكالُ: من حيث وقوعُ الطلبِ خبرًا لهذا الباب. ومثلُه في هذا الإشكالِ قولُه: {أَن بُورِكَ مَن فِي النار} [النمل: 8]، وقوله: {أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَآ} [النور: 9] لكونِه دعاءً وهو طَلَبٌ أيضًا، ويجوز أَنْ تكونَ الناصبةَ ولا زائدة. قال أبو البقاء: ويجوز أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ، [أي:] أَلْزَمَ ربُّك عبادَته ولا زائدةٌ. قال الشيخ: وهذا وهمٌ لدخولِ إلا على مفعولِ {تَعْبدوا} فَلَزِم أن يكونَ نَفْيًا أو نهيًا.
وقرأ الجمهور: {قَضَى} فعلًا ماضيًا، فقيل: هي على موضوعِها الأصلي: قال ابنُ عطية: ويكون الضمير في {تَعْبُدوا} للمؤمنين من الناسِ إلى يومِ القيامةِ وقيل: هي بمعنى أَمَر. وقيل: بمعنى أَوْحَى، وقيل: بمعنى حَكَم، وقيل: بمعنى أَوْجَبَ أو ألزم.
وقرأ بعضُ وَلَد معاذِ بن جَبَل {وقضاء} اسمًا مصدرًا مرفوعًا بالابتداء، و{أَلاَّ تعبدوا} خبرُه.
قوله: {وبالوالدين إِحْسَانًا} قد تقدَّم نظيرُه في البقرة. وقال الحوفي: الباءُ متعلقةٌ بـ {قضى} ويجوز أن تكونَ متعلقةً بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: واَوْصى بالوالدين إحسانًا، وإحسانًا مصدر، أي: يُحْسِنون بالوالدين إحسانًا.
وقال الواحديُّ: الباءُ مِنْ صلة الإِحسانِ فَقُدِّمَتْ عليه كما تقول: بزيدٍ فانْزِلْ. وقد مَنَعَ الزمخشريُّ هذا الوجهَ قال: لأنَّ المصدرَ لا يتقدَّم عليه معمولُه. قلت: والذي ينبغي أن يُقال: إن هذا المصدرَ إنْ عَنَى به أنه يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدريٍّ وفِعْلٍ فالأمرُ على ما ذَكَرَ الزمخشريُّ، وإن كان بدلًا مِنَ اللفظ بالفعلِ فالأمرُ على ما قال الواحديُّ، فالجوازُ والمنعُ بهذين الاعتبارين.
وقال ابنُ عطية: قوله: {وبالوالدَيْن إحسانًا} عطف على أنْ الأولى، أي: أَمَر اللهُ أَنْ لا تعبدوا إلا إياه، وأن تُحْسِنوا بالوالدَيْن إحسانًا. واختار الشيخُ أَنْ يكون {إحسانًا} مصدرًا واقعًا موقعَ الفعلِ، وأنَّ (أنْ) مفسرةٌ، ولا ناهيةٌ. قال: فيكون قد عَطَفَ ما هو بمعنى الأمرِ على نَهْيٍ كقولِه:
يقولون لا تَهْلِكْ أَسَىً وتَجَمَّلِ

قلت: وأَحْسَنَ وأساء يتعدِّيان بإلى وبالباء. قال تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بي} [يوسف: 100] وقال كثِّير عَزِّة:
أسِيْئي بنا أو أَحْسِنِي لا مَلومةٌ

وكأنه ضُمِّن أَحْسَن لمعنى {لَطُف} فتعدَّى تعديتَه.
قوله: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ} قرأ الأخَوان: {يَبْلُغانِّ} بألفِ التثنيةِ قبل نونِ التوكيدِ المشدَّدةِ المكسورةِ، والباقون دونَ ألفٍ وبفتحِ النون. فأمَّا القراءةُ الأولى ففيها أوجهٌ، أحدها: أن الألفَ ضميرُ الوالدين لتقدُّم ذكرهما، و{أَحَدُهما} بدلٌ منه، و{أو كِلاهما} عطفٌ عليه. وإليه نحا الزمخشريُّ وغيرُه. واستشكله بعضُهم بأنَّ قوله: {أحدُهما} بدلُ بعضٍ مِنْ كل، لا كلٍّ من كل، لأنه غيرُ وافٍ بمعنى الأول، وقوله بعد ذلك {أو كِلاهما} عطفٌ على البدلِ، فيكونُ بدلًا، وهو مِنْ بدل الكلِّ من الكل؛ لأنه مرادفٌ لألف التثنية. لكنه لا يجوز أن يكونَ بدلًا لعُرُوِّه عن الفائدة؛ إذ المستفادُ من ألفِ التثنيةِ هو المستفادُ مِنْ {كِلاهما} فلم يُفِدِ البدلُ زيادةً على المبدلِ منه.
قلت: هذا معنى قولِ الشيخِ. وفيه نظرٌ؛ إذ لقائلٍ أن يقول: مُسَلَّمٌ أنه لم يُفِدِ البدلُ زيادةً على المبدلِ منه، لكنه لا يَضُرُّ لأنه شانُ التأكيد، ولو أفاد زيادةً أخرى غيرَ مفهومةٍ من الأولِ كان تأسيسًا لا تأكيدًا. وعلى تقدير تسليمِ ذلك فقد يُجابُ عنه بما قال ابنُ عطية فإنه قال بعد ذِكْره هذا الوجهَ وهو بدلٌ مُقَسَّمٌ كقولِ الشاعرِ:
وكنت كذي رِجْلَيْنِ رجلٍ صحيحةٍ ** ورِجْلٍ رَمَى فيها الزمانُ فَشَلَّتِ

إلا أنَّ الشيخ تعقَّب كلامَه فقال: أمَّا قولُه بدلٌ مُقَسِّمٌ كقوله: وكنتُ فليس كذلك؛ لأنَّ شرطََه العطفُ بالواو، وأيضًا فشرطُه: ان لا يَصْدُقَ المُبْدَلُ منه على أحدِ قِسْميه، لكنْ هنا يَصْدُقُ على أحدِ قسمَيْه، ألا ترى أنَّ الألفَ وهي المبدلُ منه يَصْدُقُ على أحدِ قِسْمَيْها وهو {كلاهما} فليس من البدلِ المقسِّم. ومتى سُلِّم له الشرطان لزم ما قاله.
الثاني: أن الألفَ ليست ضميرًا بل علامةُ تثنيةٍ و{أحدُهما} فاعلٌ بالفعلِ قبلَه، و{أو كلاهما} عطفٌ عليه. وقد رُدَّ هذا الوجهُ: بأن شرطَ الفعلِ المُلْحَقِ به علامة تثنيةٍ أن يكون مسندًا لمثنَّى نحو: قاما أخواك، أو إلى مُفَرَّق بالعطف بالواو خاصةً على خلاف فيه نحو: قاما زيد وعمرو، لكنَّ الصحيحَ جوازُه لورودِه سماعًا كقوله:
وقد أَسْلماه مُبْعَدٌ وحميم

والفعلُ هنا مسندٌ إلى {أحدُهما} وليس مثنى ولا مفرَّقًا بالعطف بالواوِ.
الثالث: نُقِل عن الفارسيِّ أنَّ {كلاهما} توكيدٌ، وهذا لابد من إصلاحِه بزيادةٍ، وهو أن يُجْعَلَ {أحدُهما} بدلَ بعضٍ من كل، ويُضْمَرَ بعدَه فعلٌ رافعٌ لضمير تثنية، ويقع {كلاهما} توكيدًا لذلك الضميرِ تقديرُه: أو يَبْلُغا كلاهما، إلا أنَّ فيه حَذْفَ المؤكَّد وإبقاءَ التوكيد، وفيها خلافٌ، أجازها الخليل وسيبويه نحو: مررت بزيدٍ ورأيت أخاك أنفسهما بالرفع والنصب، فالرفعُ على تقديرِ: هما أنفسُهما، والنصبُ على تقدير أَعْنِيهما أنفسَهما، ولكنْ في هذا نظرٌ: من حيث إن المنقولَ عن الفارسيِّ مَنَعَ حَذْفَ المؤكَّد وإبقاءَ توكيدِه، فكيف يُخَرَّجُ قولُه على أصلٍ لا يُجيزُه؟ وقد نصَّ الزمخشريُّ على مَنْعِ التوكيدِ فقال: فإنْ قلت: لو قيل: إمَّا يَبْلُغانِّ كلاهما كان كلاهما توكيدًا لا بدلًا، فما لكَ زَعَمْتَ أنه بدلٌ؟ قلت: لأنَّه معطوفٌ على ما لا يَصِحُّ أن يكون توكيدًا للاثنين، فانتظم في حكمِه، فوجَبَ أن يكونَ مثلَه.
قلت: يعني أنَّ أحدُهما: لا يَصْلُحُ أن يقعَ توكيدًا للمثنى ولا لغيرِهما، فكذا ما عُطِفَ عليه لأنه شريكُه.
ثم قال: فإنْ قلتَ: ما ضَرَّك لو جَعَلْتُه توكيدًا مع كونِ المعطوفِ عليه بدلًا، وعَطَفْتَ التوكيدَ على البدل؟ قلت: لو أريد توكيدُ التثنيةِ لقيل: كلاهما فحسبُ، فلمَّا قيل: {أحدهما أو كلاهما} عُلِمَ أنَّ التوكيدَ غيرُ مرادٍ فكان بدلًا مثلَ الأول.
الرابع: أَنْ يرتفعَ {كلاهما} بفعلٍ مقدَّر تقديرُه: أو يبلغُ كلاهما، ويكون {إحداهما} بدلًا من ألفِ الضمير بدلَ بعضٍ من كل. والمعنى: إمَّا يَبْلُغَنَّ عندك أحدُ الوالدَيْن أو يبلُغُ كلاهما.
وأمَّا القراءةُ الثانية فواضحةٌ، وإن ما: هي إنْ الشرطية زِيْدَتْ عليها ما توكيدًا، فَأُدْغِم أحدُ المتقاربين في الآخر بعد ان قُلب إليه، وهو إدغامٌ واجب. قال الزمخشري: هي إنْ الشرطيةُ زِيْدَتْ عليها ما توكيدًا لها ولذلك دَخَلَتْ النون، ولو أُفْرِدَتْ إنْ لم يَصِحُّ دخولُها، لا تقول: إن تُكْرِمَنَّ زيدًا يُكْرِمْكَ، ولكن: إمَّا تُكْرِمنَّه.
وهذا الذي قاله أبو القاسم نصَّ سيبويهِ على خلافِه، قال سيبويه: وإن شِئْتَ لم تُقْحِمِ النونَ، كما أنك إن شِئْتَ لم تَجِيءْ بـ (ما). قال الشيخ: يعني مع النون وعَدَمِها. وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّ سيبويه إنما نصَّ على أن نونَ التوكيد لا يجبُ الإِتيانُ بها بعد أمَّا، وإن كان أبو إسحاقَ قال بوجوبِ ذلك. وقوله بعد ذلك كما أنَّك إنْ شِئْتَ لم تجيءْ بـ (ما)، ليس فيه دليلٌ على جوازِ توكيدِ الشرط مع إنْ وحدها.
و{عندك} ظرفٌ ل {يَبْلُغَنَّ} وكِلا مثنَّاةٌ معنىً من غيرِ خلافٍ، وإنما اختلفوا في تثنيتِها لفظًا: فمذهبُ البصريين أنها مفردةٌ لفظًا، ووزنُها على فِعَل ك مِعَى وألفُها منقلبةٌ عن واوٍ بدليل قلبِها تاءً في كِلْتا مؤنثَ كِلا هذا هو المشهور.
وقيل: ألفُها عن ياء وليس بشيءٍ. وقال الكوفيون- وتبعهم السهيليُّ مستدلِّين على ذلك بقوله:
في كلتِ رِجْلَيْها سُلامى واحدَه

فَنَطَق بمفرِدها-: هي مثنَّاة لفظًا، ولذلك تُعْرَبُ بالألفِ رفعًا والياء نصبًا وجرًا، فألفُها زائدةٌ على ماهية الكلمة كألف (الزيدان) ولامُها محذوفةٌ عند السهيليِّ، ولم يأتِ عن الكوفيين نَصٌّ في ذلك، فاحتمل أن يكونَ الأمرُ كما قال السهيليُّ، وأن تكونَ موضوعةً على حرفَيْن فقط، لأنَّ مِنْ مذهبِهم جوازَ ذلك في الأسماءِ المعربة.
وحكمها أنها متى أُضيفت إلى مضمرٍ أعْرِبت إعرابَ المثنى، أو إلى ظاهرٍ اُعْرِبَتْ إعرابَ المقصورِ عند جمهورِ العربِ، وبنو كنانةَ يُعْربونها إعرابَ المثنى مطلقًا فيقولون: رأيت كِلَيْ اَخَوَيْك، وكونُها جَرَتْ مَجْرى المثنى مع المضمرِ دونَ الظاهر يضيق الوقتُ عن ذكره فإنِّي حَقَّقْتُه في شرح التسهيل.
ومن أحكامِها: أنها لا تُضاف إلا إلى مثنى لفظًا ومعنى نحو: كِلا الرجلين، أو معنىً لا لفظًا نحو:، كِلانا، ولا تُضاف إلى مُفَرِّقَيْنِ بالعطفِ نحو: كِلا زيد وعمرو إلا في ضرورةٍ كقوله:
كِلا السيفِ والسَّاقِ الذي ذهبَتْ به ** على مَهَلٍ باثنين ألقاه صاحبُهْ

وكذا لا تُضافُ إلى مفردٍ مرادٍ به التثنيةُ إلا في ضرورةٍ كقوله:
إنَّ للخير والشرِّ مَدَى ** وكِلا ذلك وَجْهٌ وقَبَلْ