فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق}.
أي مخافةَ فقر، وقرئ بكسر الخاء، كانوا يئِدون بناتِهم مخافةَ الفقر فنُهوا عن ذلك {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} لا أنتم فلا تخافوا الفاقةَ بناء على علمكم بعجزكم عن تحصيل رزقِهم وهو ضمانٌ لرزقهم وتعليلٌ للنهي المذكور بإبطال موجِبه في زعمهم، وتقديمُ ضميرِ الأولاد على المخاطَبين على عكس ما وقع في سورة الأنعام للإشعار بأصالتهم في إفاضة الرزقِ أو لأن الباعثَ على القتل هناك الإملاقُ الناجزُ ولذلك قيل: من إملاق وهاهنا الإملاقُ المتوقع، ولذلك قيل: خشيةَ إملاقٍ فكأنه قيل: نرزقُهم من غير أن ينتقص من رزقكم شيءٌ فيعتريكم ما تخشَوْنه وإياكم أيضًا رزقًا إلى رزقكم {إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خطأ كَبِيرًا} تعليلٌ آخرُ ببيان أن المنهيَّ عنه في نفسه منكرٌ عظيم، والخِطْءُ الذنبُ والإثمُ يقال: خطِىءَ خِطْأً كأثِم إثمًا، وقرئ بالفتح والسكون وبفتحتين بمعناه كالحِذْر والحذَر، وقيل: بمعنى ضد الصواب، وبكسر الخاء والمد وبفتحها ممدودًا وبفتحها وحذف الهمزة وبكسرها كذلك.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ} بمباشرة مباديه القريبةِ أو البعيدة فضلًا عن مباشرته وإنما نهى عن قُربانه على خلاف ما سبق ولحِق من القتل للمبالغة في النهي عن نفسه لأن قربانه داعٍ إلى مباشرته. وتوسيطُ النهي عنه بين النهي عن قتل الأولادِ والنهي عن قتل النفسِ المحرمة على الإطلاق باعتبار أنه قتلٌ للأولاد لِما أنه تضييعٌ للأنساب فإن من لم يثبُتْ نسبُه ميِّتٌ حكمًا {الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} فَعلةً ظاهرةَ القبح متجاوزةً عن الحد {وَسَاء سَبِيلًا} أي بئس طريقًا طريقُه، فإن غصْبُ الأبضاعِ المؤدّي إلى اختلال أمر الأنسابِ وهيَجانِ الفتن، كيف لا وقد قال النبي عليه السلام: «إذا زنى العبدُ خرجَ منه الإيمانُ فكانَ على رأسه كالظُّلّةِ فإذا انقطع رجعَ إليه» وقال عليه السلام: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال عليه السلام: «إياكم والزنى فإن فيه ستَّ خصال ثلاثٌ في الدنيا وثلاثٌ في الآخرة فأما التي في الدنيا فذهابُ البهاء ودوامُ الفقر وقِصَرُ العمر، وأما التي في الآخرة فسخطُ الله تعالى وسوءُ الحساب والخلودُ في النار».
{وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله} قتْلَها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد {إِلاَّ بالحق} إلا بإحدى ثلاث: كفرٍ بعد إيمان، وزِنًا بعد إحصان، وقتلِ نفسٍ معصومةٍ عمدًا، فالاستثناءُ مفرَّغٌ أي لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحقِّ أو ملتبسين أو ملتبسةً بشيء من الأشياء، ويجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوفٍ أي لا تقتُلوها قتلًا ما إلا قتلًا متلبسًا بالحق {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا} بغير حق يوجب قتلَها أو يُبيحه للقاتل حتى إنه لا يُعتبر إباحتُه لغير القاتل فإن من عليه القصاصُ إذا قتله غيرُ من له القِصاصُ يُقتصّ له، ولا يفيده قولُ الوليِّ: أنا أمرتُه بذلك ما لم يكن الأمرُ ظاهرًا {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ} لمن يلي أمرَه من الوارث أو السلطانِ عند عدم الوارث {سلطانا} تسلّطًا واستيلاءً على القاتل يؤاخذه بالقصاص أو بالدية حسبما تقتضيه جنايتُه، أو حجةً غالبة {فَلاَ يُسْرِف} وقرئ لا تسرفْ {فّى القتل} أي لا يُسرف الوليُّ في أمر القتل بأن يتجاوز الحدَّ المشروعَ بأن يزيد عليه المُثْلة أو بأن يقتُل غيرَ القاتل من أقاربه، أو بأن يقتلَ الاثنين مكانَ الواحد كما يفعله أهلُ الجاهلية أو بأن يقتل القاتلَ في مادة الدّية وقرئ بصيغة النفي مبالغةً في إفادة معنى النهي {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} تعليلٌ للنهي والضميرُ للولي على معنى أنه تعالى نصره بأن أوجب له القِصاصَ أو الديةَ وأمَر الحكامَ بمعونته في استيفاء حقِّه فلا يبْغِ ما وارء حقِّه ولا يستزِدْ عليه ولا يخرُجْ من دائرة أمرِ الناصر. أو للمقتول ظلمًا على معنى أنه تعالى نصره بما ذُكر فلا يسرف وليُّه في شأنه أو للذي يقتله الوليُّ ظلمًا وإسرافًا، ووجهُ التعليل ظاهرٌ، وعن مجاهد أن الضميرَ في لا يسرفْ للقاتل الأول ويعضده قراءةُ فلا تسرفوا والضميران في التعليل عائدان إلى الولي أو المقتول، فالمرادُ بالإسراف حينئذ إسرافُ القاتل على نفسه بتعريضه لها للهلاك العاجل والآجلِ لا الإسرافُ وتجاوزُ الحد في القتل أي لا يسرف على نفسه في شأن القتل كما في قوله تعالى: {قُلْ يا أهل عِبَادِى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} والإملاق الفقر كما روى عن ابن عباس وأنشد له قول الشاعر:
وإني على الإملاق يا قوم ماجد ** أعد لأضيافي الشواء المصهبا

وظاهر اللفظ النهي عن جميع أنواع قتل الأولاد ذكروا كانوا أو إناثًا مخافة الفقر والفارقة لكن روى أن من أهل الجاهلية من كان يئد البنات مخافة العجز عن النفقة عليهن فنهى في الآية عن ذلك فيكون المراد بالأولاد البنات وبالقتل الوأد، والخشية في الأصل خوف يشوبه تعظيم، قال الراغب: وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه.
وقرى بكسر الخاء، والظاهر أن هذا النهي معطوف على ما تقدم من نظيره، وجوز الطبرسي أن يكون عطفه على قوله سبحانه: {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] وحينئذ فيحتمل أن يكون الفعل منصوبًا بأن كما في الفعل السابق.
{نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} ضمان لرزقهم وتعليل للنهي المذكور بإبطال موجبه في زعمهم أي نحن نرزقهم لا أنتم فلا تخافوا الفقر بناء على علمكم بعجزهم عن تحصيل رزفهم، وتقديم ضمير الأولاد على ضمير المخاطبين على عكس ما وقع في سورة الأنعام للإشعار بأصالتهم في إفاضة الرزق، وعارض هذه النكتة هناك تقدم ما يستدعي الاعتناء بشأن المخاطبين من الآيات كذا قيل.
وجوز المولى شيء الإسلام كون ذلك لأن الباعث على القتل هناك الإملاك الناجز ولذلك قيل {من إملاق} [الأنعام: 151] وههنا الإملاق المتوقع ولذلك قيل: خشية إملاق فكأنه قيل: نرزقهم من غير أن ينقص من رزقكم شيء فيعتريكم ما تخشونه وإياكم أيضًا رزقًا إلى رزقكم.
{إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} تعليل آخر ببيان أن المنهي عنه في نفسه منكر عظيم لما فيه من قطع التناسل وقطع النوع، والخطء كالإثم لفظًا ومعنى وفعلهما من باب علم.
وقرأ أبو جعفر، وابن ذكوان عن عامر: {خطأ} بفتح الخاء والطاء من غير مد، وخرج ذلك الزجاج على وجهين، الأول: أن يكون اسم مصدر من أخطأ يخطىء إذا لم يصب أي إن قتلهم كان غير صواب، والثاني: أن يكون لغة في الخطا بمعنى الإثم مثل مثل ومثل وحذر وحطر فمن استشكل هذه القراءة بأن الخطأ ما لم يتعمد وليس هذا محله فقد نادى على نفسه بقلة الإطلاع.
وقرأ ابن كثير: {خطأ} بكسر الخاء وفتح الطاء والمد وخرج على وجهين أيضًا.
الأول: أن يكون لغة في الخطء بمعنى الإثم مثل دبغ ودباغ ولبس ولباس.
والثاني: أن يكون مصدر خاطأ يخاطىء خطاء مثل قاتل يقاتل قتالًا.
قال أبو علي الفارسي وإن كنا لم نجد خاطأ لكن وجد تخطأ مطاوعه فدلنا عليه وذلك في قولهم: تخطأت النبل أحشاءه، وأنشد محمد بن السوي في وصف كماءة كما في مجمع البيان:
وأشعث قد ناولته أحرش الفرى ** أدرت عليه المدجنات الهواضب

تخطأه القناص حتى وجدته ** وخرطومه في منقع الماء راسب

والمعنى على هذا إن قتلهم كان عدولًا عن الحق والصواب فقول أبي حاتم إن هذه القراءة غلط غلط.
وقرأ الحسن {خطاء} بفتح الخاء والطاء مع المد وهو اسم مصدر أخطىء كالعطاء اسم مصدر أعطى، وقرأ الزهري.
وأبو رجاء {خطا} بكسر الخاء وفتح الطاء وألف في آخره مبدلة من الهمزة وليس من قصر الممدود لأنه ضرورة لا داعي إليه، وفي رواية عن ابن عامر أنه قرأ {خطا} كعصا.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى} بمباشرة مباديه القريبة أو البعيدة فضلًا عن مباشرته، والنهي عن قربانه على خلاف ما سبق ولحق للمبالغة في النهي عن نفسه ولأن قربانه داع إلى مباشرته، وفسره الراغب بوطء المرأة من غير عقد شرعي، وجاء في المد والقصر وإذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة، وتوسيط النهي عنه بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن قتل النفس المحرمة مطلقًا كما قال شيخ الإسلام باعتبار أنه قتل للأولاد لما أنه تضييع للأنساب فإن من لم يثبت نسبه ميت حكمًا.
{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} فعلة ظاهرة القبح زائدته {وَسَاء سَبِيلًا} أي وبئس السبيل سبيلًا لما فيه من اختلال أمر الأنساب وهيجان الفتن، وقد روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن» وجاء في غير رواية أنه إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة فإن تاب ونزع رجع إليه وهو من الكبائر، وفاحشة مطلقًا على ما أجمع عليه المحققون بل في الحديث الصحيح أنه بحليلة الجار من أكبر الكبائر، وزعم الحليمي أنه فاحشة إن كان بحليلة الجار أو بذات الرحم أو بأجنبية في شهر رمضان أو في البلد الحرام وكبيرة إن كان مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية على سبيل القهر والإكراه وإذا لم يوجب حدا يكون صغيرة، ولا يخفى رده وضعف مبناه، والآية ظاهرة في أنه فاحشة مطلقًا نعم أفحش أنواعه الزنا بحليلة الجار، وقال بعضهم: أعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم فقد صحح الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من وقع على ذات محرم فاقتلوه» وزنا الثيب أقبح من زنا البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر والعالم لكمالهما أقبح من زنا القن والجاهل، وهل هو أكبر من اللواط أم لا؟ فيه خلاف وفي الأحياء أنه أكبر منه لأن الشهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر وقوعه ويعظم الضرر، ومنه اختلاط الأنساب بكثرته، وقد يعارض بأن حده أغلظ بدليل قول مالك وآخرين برجم اللوطي ولو غير محصن بخلاف الزاني.
وقد يجاب بأن المفضول قد يكون فيه مزية، وفيه ما فيه، وبالغ بعضهم فقال: إنه مطلقًا يلي الشرك في الكبر، والأصح أن الذي يلي الشرك هو القتل ثم الزنا، وخبر الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الإسلام الظاهر كما قال ابن حجر الهيثمي أنه لا أصل له، نعم روى الطبراني، والبيهقي، وغيرهما الغيبة أشد من الزنا إلا أن له ما يبين معناه وهو ما رواه ابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ عن جابر وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما: إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا أن الرجل ليزنى فيتوب الله تعالى عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه فعلم منه أن أشدية الغيبة من الزنا ليست على الإطلاق بل من جهة أن التوبة الباطنة المستوفية لجميع شروطها من الندم من حيث المعصية والإقلاع وعزم أن لا يعود مع عدم الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها مكفرة لإثم الزنا بمجردها بخلاف الغيبة فإن التوبة وإن وجدت فيها هذه الشروط لا تكفرها بل لابد وأن ينضم إليها استحلال صاحبها مع عفو فكانت الغيبة أشد من هذه الحيثية لا مطلقًا فلا يعكر الحديث على الأصح، وعلم منه أيضًا أن الزنا لا يحتاج في التوبة منه إلى استحلال وهو ما صرح به غير واحد من المحققين وهو مع ذلك من الحقوق المتعلقة بالآدمي كيف لا وهو من الجناية على الإعراض والأنساب، ومعنى قولهم إن الزنا لا يتعلق به حق آدمي أي من المال ونحوه وعدم اشتراط الاستحلال لا يدل على أنه ليس من الحقوق المتعلقة بالآدمي مطلقًا، وإنما لم يشترط الاستحلال لما يترتب على ذكره من زيادة العار والظن الغالب بأن نحو الزوج أو القريب إذا ذكر له ذلك يبادر إلى قتل الزاني أو المزني بها أو إلى قتلهما معًا ومع ما ذكر كيف يمكن القول باشتراطه، وقد صرح بنحو ذلك حجة الإسلام الغزالي في منهاج العابدين فقال في ضمن تفصيل قال الأذرعي: إنه في غاية الحسن والتحقيق أما الذنب في الحرم فإن خنته في أهله وولده فلا وجه للاستحلال والإظهار لأنه يولد فتنة وغيظًا بل تتضرع إلى الله سبحانه ليرضيه عنك ويجعل له خيرًا كثيرًا في مقابلته فإن أمنت الفتنة والهيج وهو نادر فتستحل منه، وقد ق الأذرعي في مواضع في الحسد والتوبة منه: ويشبه أن يحرم الإخبار به إذا غلب على ظنه أن لا يحلله وأنه يتولد منه عداوة وحقد وأذى للمخبر، ثم قال: ويجوز أن ينظر إلى المحسود فإن كان حسن الخلق بحيث يظن أنه يحلله تعين أخباره ليخرج من ظلامته بيقين وإن غلب على ظنه أن إخباره يجر شرًا وعداوة حرم إخباره قطعًا وإن تردد فالظاهر ما ذكره النووي من عدم الوجوب والاستحباب فإن النفس الزكية نادرة وربما جر ذلك شرًا وعداوة وإن حلله بلسانه اه، فإذا كان هذا في الحسد مع سهولته عند أكثر الناس وعدم مبالاتهم به ون ثم أطلق النووي عدم الإخبار فقال: المختار بل الصواب أنه لا يجب إخبار المحسود بل لا يستحب ولو قيل يكره لم يبعد فما بالك في الزنا المستلزم أن الزوج والقريب يقتل فيه بمجرد التوهم فكيف مع التحقق ويعلم من الأخبار أن ثمرات الزنا قبيحة منها أنه يورد النار والعذاب الشديد وأنه يورث الفقر وذهاب البهاء وقصد العمر وأنه يؤخذ بمثله من ذرية الزاني، ولما قيل لبعض الملوك ذلك أراد تجربته بابنة له وكانت غاية في الحسن فأنزلها مع امرأة وأمرها أن لا تمنع أحدًا أراد التعرض لها بأي شيء شاء وأمرها بكشف وجهها فطافت بها في الأسواق فما مرت على أحد إلا وأطرق حياء وخجلًا منها فلما طافت بها المدينة كلها ولم يمد أحد نظره إليها رجعت بها إلى دار الملك فلما أرادت الدخول أمسكها إنسان وقبلها ثم ذهب عنها فادخلتها على الملك وذكرت له القصة فسجد شكرًا وقال: الحمد لله تعالى ما وقع مني في عمري قط إلا قبلة وقد قوصصت بها نسأل الله سبحانه أن يعصمنا وذراينا ومن ينسب إلينا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقرأ أبي بن كعب كما أخرجه عنه ابن مردويه {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلًا إِلاَّ مَن تَابَ فَإِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} فذكر لعمر رضي الله تعالى عنه فأتاه فسأله فقال أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لك عمل إلا الصفق بالنقيع وهذا إن صح كان قبل العرضة الأخيرة.
{وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله} أي حرمها الله تعالى، والمراد حرم قتلها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد {إِلاَّ بالحق} متعلق بلا تقتلوا والباء للسببية والاستثناء مفرغ أي لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، ويجوز أن يكون الًا من الفاعل أو المفعول أي لا تقتلوا إلا ملتبسين بالحق أو لا تقتلوها إلا ملتبسة بالحق، وجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوف أي لا تقتلوها قتلًا ما إلا قتلًا ملتبسًا بالحق والأول أظهر، وأما تعلقه بحرم فبعيد وإن صح، وفسر الحق بما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود لا يحل دم امرىء يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة، ونقض الحصر بدفع الصائل فإن ذلك ربما أدى إلى القتل، ودفع بأن المراد ما يكون بنفسه مقصودًا به القتل وما ذكر المقصود به الدفع وقد يفضي إليه في الجملة، والحق عدم انحصار الحق فيما ذكر وهو في الخبر ليس بحقيقي، وقد ذهب الشافعية إلى أن ترك الصلاة كسلًا مبيح للقتل وكذا اللواطة عند جمع من الأجلة.