فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
في {ما} قولان:
أحدهما وهو الظاهر أنها مفعول مقدم ل {ننسخ}، وهي شرطية أيضًا جازمة ل {ننسخ} ولكنها واقعة موصع المصدر، و{من آية} هو المفعول به، والتقدير: أي شؤء ننسخ كقوله: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ} [الإسراء: 110]، أو: أيَّ نَسْخ نَنْسَخ من آية، قاله أبو البقاء وغيره، وقالوا: مجيء {ما} مصدرًا جائز؛ وأنشدوا: الكامل:
نَعَبَ الغُرَابُ فَقُلْتُ بَيْنٌ عَاجِلٌ ** ما شئْتَ إذْ ظَعَنُوا لِبَيْنٍ فَانْعَبِ

ورد هذا القول بشيئين:
أحدهما: أنه يلزم خلوّ جملة الجزاء من ضمير يعود على اسم الشرط، وهو غير جائز، لما تقدم عند قوله: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ} [البقرة: 97].
والثاني: أن {مِنْ} لا تزاد في الموجب، والشرط موجب، وهذا فيه خلاف لبعض البصريين أجاز زيادتها في الشرط؛ لأنه يشبه النفي، ولكنه خلاف ضعيف.
وقرأ ابن عامر: {نُنْسِخْ} بضم النون، وكسر السين من أنسخ.
قال أبو حاتم: هو غلط وهذه جُرْأة منه على عادته.
وقال أبو علي: ليست لغة؛ لأنه لا يقال: نسخ وأنسخ بمعنى، ولا هي للتعدية؛ لأن المعنى يجيْ: ما نكتب من آية، وما ننزل من آية، فيجيء القرآن كله على هذا منسوخًا، وليس الأمر كذلك، فلم يبق إلا أن يكون المعنى: ما نَجِده منسوخًا كما يقال: أحمدته وأبخلته، أي: وجدته كذلكن ثم قال وليس نجده منسوخًا إلاّ بأن ننسخه، فتتفق القراءتان في المعنى، وإن اختلفتا في اللفظ.
فالهمزة عنده ليست للتعدية.
وجعل الزمخشري، وابن عطية الهمزة للتعدية، إلا أنهما اختلفا في تقدير المفعول الأول المحذوف، وفي معنى الإنساخ، فجعل الزمخشري المفعول المحذوف جبريل عليه السّلام، الإنساخ هو الأمر بنسخها، أي: الإعلام به.
وجعل ابن عطية المعفول ضمير النبي عليه السلام، والإنساخ إباحة النَّسْخ لنبيه، كأنه لما نسخها أباح له تركها، فسمى تلك الإباحة إنساخًا.
وخرج ابن عطية القراءة على كون الهمزة للتعدية من وجه آخر، وهو من نسخ الكتاب، وهو نقله من غير إزالة له.
قال: ويكون المعنى: ما نكتب وننزل من اللَّوح المحفوظ، أو ما نؤخر فيه، ونتركه فلا ننزله، أي ذلك فعلنا فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله، فيجيء الضميران في {منها} و{مثلها} عائدين على الضمير في {نَنسَأْهَا}.
قال أبو حيان: وذهل عن القاعدة، هي أنه لابد من ضمير يعود من الجزاء على اسم الشرط، و{ما} في قوله: {ما ننسخ} شرطية، وقوله: {أو ننسأها} عائد على الآية، وإن كان المعنى ليس عائدًا عليهها من حيث اللفظ والمعنى، بل إنما يعود عليها من حيث اللفظ فقط نحو: عندي درهم ونصفه، فهو في الحقيقة على إضمار {ما} الشرطية، التقدير: أو ما ننسأ من آية ضرورة أن المنسوخ غير المنسوء، ولكن يبقى قوله: ما ننسخ من آية مفلتًا من الجواب؛ إذ لا رابط يعود منه إليه، فبطل هذا المعنى الذي قاله.
قوله: {مِنْ آيةٍ} {من} للتبعيض، فهي متعلقة بمحذوف؛ لأنها صفة لاسم الشرط، ويضعف جعلها حالًا، والمعنى: أي شيء ننسخ من الآيات، ف {آية}: مفرد وقع موقع الجمع، وكذلك تخريج كل ما جاء من هذا التركيب: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} [فاطر: 2] {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله} [النحل: 53]، هذا المجرور هو المخصص والمبين لاسم الشرط؛ وذلك أن فيه إبْهَامًا من جهة عمومه، ألا ترى أنك لو قلت من يكرم أكرم تناول النساء والرجال.
فإذا قلت: من الرجال بيّنت وخصّصت ما تناوله اسم الشرط.
وأجاز أبو البقاء رحمه الله تعالى فيها وجهين آخرين:
أحدهما: أنها في موضع نصب على التمييز، والمُمَيَّز {ما} ولتقدير: أيَّ شيء ننسخ، قال: ولا يحسن أن تقدر: أي آية ننسخ، لأنك لا تجمع بين {آية}، وبين المميز بآية، لا تقول: أي آية ننسخ من آية، يعنى أنك لو قدرت ذلك لا ستغنيت عن التمييز.
والثاني: أنها زائدة و{آية} حال، والمعنى: أي شيء ننسخ قليلًا أو كثيرًا، وقد جاءت {آية} حالًا في قوله: {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} [الاعراف: 73] أي: علامة وهذا فاسد؛ لأن الحال لا تجر ب {من}، وقد تقدم أنه مفعول بها، و{من} زائدة على القول يجعل {ما} واقعة موقع المصدر، فهذه أربعة أوجه.
قوله تعالى: {أوْ نُنْسِهَا} {أو} هنا للتقسيم، و{نُنْسِهَا} مجزوم عطفًا على فعل الشرط قبله.
وفيها ثلاث عشرة قراءة: {نَنْسَأَهَا} بفتح حرف المضارعة: وسكون النون، وفتح السين مع الهمزة، وبها قرأ أبو عمرو وابن كثير.
الثانية: كذلك إلا أنه بغير همزن ذكرها أبو عبيد البكري عن سعد بن أبي وَقّاص رضي الله عنه.
قال ابن عطية: وأرواه وهم.
الثالثة: {تَنْسَها} بفتح التاء التي للخطاب، بعدها نون ساكنة وسين مفتوحة من غير همز، وهي قراءة الحسن، وتروى عن ابن أبي وقاص، فقيل لسعد بن أبي وقاص: إن سعيد بن المسيب يقرؤها بنون أولى مضمومة وسين مكسورة فقال: إن القرآن لم ينزل على المسيب، ولا على ابن المسيب وتلا: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] {واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] يعني سعد بذلك أن نسبة النسيان إليه عليه الصلاة والسلام موجودة في كتاب الله، فهذا مثله.
الرابعة: كذلك إلا أنه بالهمز.
الخامسة: كذلك إلا أنه بضم التاء، وهي قراءة أبي حيوة.
السادسة: كذلك إلا أنه بغير همز، وهيى قراءة سعيد ابن المسيب.
السابعة: {نُنْسِهَا} بضم حرف المضارعة وسكون النون وكسر السين من غير همز، وهي قراءة باقي السبعة.
الثامنة: كذلك إلا أنه بالهمزة.
التاسعة: نُنَسِّها بضم احرف المضارعة وفتح النون وكسر السين مشددة، وهي قراءة الضَّحاك، وأبي رجاء.
العاشرة: {نُنْسِك}، بضمّ حرف المضارعة، وسكون النون، وكسر السين، وكاف بعدها للخطاب.
الحادية عشرة: كذلك إلا أنه بفتح النون الثانية، وتشديد السين مكسورة، وتروى عن الضحاك، وأبى رجاء أيضًا.
الثانية عشرة: كذلك إلاَّ أنه بزيادة ضمير الآية بعد الكاف {نُنَسِّكَها} وهي قراءة حذيفة، وكذلك هي في مصحف سالم مولاه.
الثالثة عشرة: {ما نُنْسِك من آية أو نَنْسخْها فَجِيءْ بمثلها} وهي قراءة الأعمش، وهكذا ثبت في مصحف عبدالله.
فأما قراءة الهَمْز على اختلاف وجوهها، فمعناها التأخير من قولهم: نَنَسأَ الله، وأنسأ الله في أَجَلك أي: أَخَّرَهُ، وبِعْتُه نَسِيئَةً أي متأخرًا.
وتقول العرب: نَسَأْت الإبل عن الحوض أنْسَؤُهَا نَسْئًا، وأنسأ الإبل: إذا أخرها عن ورودها يومين فأكثرن فمعنى الآية على هذا فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: نؤخر نسخها، ونزولها، وهو قول عطاء.
الثاني: نمحها لفظًا وحكمًا، وهو قول ابن زيد.
الثالث: نُمضها فلا نَنْسَخْها، وهو قول أبي عبيد، قال الشاعر: الطويل:
أَمُونٍ كَألوَاحِ الإِرَانِ نَسَأْتُهَا ** عَلَى لاَحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ

وهو ضعيف لقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا}؛ لأن ما أُمْضِي وأُقِرَّ لا يقال فيه: فَأْت بخير منه.
وأما قراءة غير الهمز على اختلاف وجوهها أيضًا ففيها احتمالان:
أظهرهما: أنها من النِّسْيَان، وحينئذ يحتمل أن يكون المراد به في بعض القراءات ضدّ الذكر، وفي بعضها الترك.
فإن قيل: وقوع هذا النسيان يتمنع عقلًا ونقلًا.
أما العقل فلأن القرآن لابد من انتقاله إلى أهل التواتر، والنيسان على أهل التواةتر بأجمعهم ممتنع.
وأما النقل فلقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
والجواب عن الأول من وجهين:
الأول: أن النسيان يصح بأن يأمر الله تعالى بطرحه من القرآن، وإخراجه من جملة ما يلتى، ويؤتى به في الصَّلاة ويحتج به، فإذا زال حكم التعبُّد به قال: العهد نسي، وإن ذكر فعلى طريق ما يذكر خبر الواحد، فيصير لهذا الوجه منسيًا من الدصورن وأيضًا روى: أنهم كانوا يقرءون السور، فيصبحون وقد نسوها.
وعن الثاني أنه معارض بقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى إِلاَّ مَا شَاءَ الله} [الأعلى: 6، 7] وبقوله: {واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24].
والثاني: أن أصله الهمز من النَّسِيء، وهو التأخير، إلا أنه أبدل من الهمز ألف فحينئذ تتحد القراءتان.
ثم من قرأ من القراء: {ننساها} من الثلاثي فواضح.
وأما من قرأ منهم من أَفْعَل، وهم نافع وابن عامر والكوفيون، فمعناه عندهم: {نُنْسِكها}، أي: نجعلك ناسيًا لها، أو يكون المعنى نأمر بتركهان يقال: أنسيته الشيء، أي: أمرته بتركه، ونَسِيتُهُ: تَرَكْتُهُ؛ وأنشدوا: الرجز:
إنَّ عَلَيَّ عُقْبَةً أَقْضِيهَا ** لَسْتُ بِنَاسِيهَا وَلاَ مُنْسِيهَا

أي: لا تاركها ولا آمرًا بتركها.
وقال الزجاج: هذه القراءة لا يتوجّه فيها معنى الترك، لا يقال: أنسى بمعنى ترك.
قال الفارسي وغيره: ذلك متّجه؛ لأنه بمعنى نجحعلك تتركها، وضعف الزجاج أيضًا تحمل الآية على معنى النسيان ضد الذكر وقال: إن هذا لم يكن له عليه السلام ولا نسي قرآنًا.
بدليل قوله تعالى: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86]، أي: لم نفعل شيئًا من ذلك.
وأجاب الفارسي بأن معناه لم نذهب بالجميع.
قوله تعالى: {نَأتِ} هو جواب الشرط، ودجاء فعل الشرط والجزاء مضارعين، وهذا التركيب أفضح التراكيب، أعن: مجيئها مضارعين.
قوله: {بِخَيْرٍ مِنْهَا} متعلّق ب {نَأْتِ}، وفي خير هنا قولان:
الظاهر منهما: أنها على بابها من كونها للتفضيل، وذلك أن الآتي به إن كان أخفّ من المنسوخ، أو المسنوء، فخيريته بالنسبة إلى سقوط أعباء التكليف، وإن كان أثقل فخيرته بالنسبة إلى زيادة الثواب.
وقوله تعالى: {أو مثلها} أي: في التكليف والثواب، وهذا واضح.
والثاني: أن خيرًا هنا مصدرًا، وليس من التفضيل في شيء، وإنما هو خير من الخُيُور، كخير في قوله: {أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 105] و{من} لابتداء الغاية، والجار والمجرور صفة لقوله: {خير} أي: خير صادر من جهتها، والمعنى عند هؤلاء: ما ننسخ من آية أو نؤخّرها نَأْت بخير من الخيور من جهة المَنْسوخ أو المنسوء.
وهذا بعيد جدًّا لقوله بعد ذلك: {أوْ مِثْلِهَا} فإنه لا يصح عطفه على {بخير} على هذا المعنى، اللَّهم إلا أن يقصد الخير عد التكليف، فيكون المعنى: نأت بخير من الخُيُور، وهو عدم التكليف، أو نأت بمثل المنسوخ أو المنسوء.
وأما عطف {مثلها} على الضمير في {منها}، فلا يجوز إلأَ عند الحكوفيين لعدم أعادة الخافض.
وقوله: {مَا نَنْسَخْ} فيه التفات من غَيْبة إلى تكلم، ألا ترى أن قبلة {وَاللهُ يَخْتَصُّ}، {واللهُ ذُو الفَضْلِ}.
قوله: {أَلَم تَعْلَمْ} هذا استفهام معناه التقرير، فلذلك لم يحتج إلى معادل يعطف عليه ب {أم}، و{أم} في قوله: {أَمْ تُرِيْدُونَ} منقطعة هذا هو الصحيح في الآية.
قال ابن عطية: ظاهره الاستفهام المَحْضُ، فالمعادل هنا على قول جماعة: {أم تريدون}، وقال قوم: {أم} منقطعة، فالمعادل محذوف تقديره: أم علمتم، هذا إذا أريد بالخطاب أمته عليه السلام.
أما إذا أريد هو به، فالمعادل محذوف لا غير، وكلا القولين مروي. انتهى.
وهذا فيه نظر؛ لما مرَّ أن المراد به التقرير، فهو كقوله: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1].
والاستفهام بمعنى التقرير كثير جدًّا لاسيما إذا دخل على نفي كما مثلته لك.
وفي قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله} التفاتان.
أحدهما: خروج من خطاب جماعة، وهو {خير من ربكم}.
والثاني: خروج من ضمير المتكلّم المعظم نفسه إلى الغيبة بالاسم الظاهر، فلم يقل: ألم تعلموا أننا، وذلك لما لا يخفى من التعظيم والتَّفخْيم.
و{أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {أن} وما في حَيِّزها، إما سادة مسدّ مفعولين كما هو مذهب الجمهور، أو واحد، والثاني محذوف كما هو مذهب الأخفش. اهـ. باختصار.