فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وقوله: {ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض} قال البيضاوي: هو متنزل من الجملة التي قبله منزلة الدليل لأن الذي يكون له ملك السماوات والأرض لا جرم أن يكون قديرًا على كل شيء ولذا فصلت هذه الجملة عن التي قبلها.
وعندي أن موجب الفصل هو أن هاته الجملة بمنزلة التكرير للأولى لأن مقام التقرير ومقام التوبيخ كلاهما مقام تكرير لما به التقرير والإنكار تعديدًا على المخاطب. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)}.
سُنَّتُه سبحانه أن يجذب أولياءه عن شهود مُلْكِه إلى رؤية مِلْكِه، ثم يأخذهم من مُطالعةِ مِلْكه إلى شهود حقِّه، فيأخذهم من رؤية آياته إلى رؤية صفاته، ومن رؤية صفاته إلى شهود ذاته. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَمَا لَكُم مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}.
مثل قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} والجواب كالجواب أنه على تقدير أن يوجد ولي أو ناصر فلا يوجد إلا من هو في أنهى درجات الولاية والنصرة، فنفي ذلك المعنى المتوهم المقدر الوجود سواء. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (107)}.
وبعد أن بين الله سبحانه وتعالى لنا أن هناك آيات نسخت في القرآن.. أراد أن يوضح لنا أنه سبحانه له طلاقة القدرة في كونه يفعل ما يشاء.. ولذلك بدأ الآية الكريمة: {ألم تعلم}.. وهذا التعبير يسمى الاستفهام الاستنكاري أو التقريري.. لأن السامع لا يجد إلا جوابا واحدا بأنه يقر ما قاله الله تبارك وتعالى.. ويقول نعم يا رب أنت الحق وقولك الحق.
قوله تعالى: {ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض}.. الملك يقتضي مالكا ويقتضي مملوكا.. ويقتضي قدرة على استمرار هذا الملك وعدم زواله.. فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أنه يقدر ويملك المقدرة.. والإنسان ليست له قدرة التملك ولا المقدرة على استبقاء ما يملكه.. والإنسان لا يملك الفعل في الكون.. إن أراد مثلا أن يبني عمارة قد لا يجد الأرض.. فإن وجد الأرض قد لا يجد العامل الذي يبني.. فإن وجده قد لا يجد مواد البناء.. فإن وجد هذا كله قد تأتي الحكومة أو الدولة وتمنع البناء على هذه الأرض.. أو أن تكون الأرض ملكا لإنسان آخر فتقام القضايا ولا يتم البناء.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض}.. أي أن كل شيء في الوجود هو ملك لله وهو يتصرف بقدرته فيما يملك.. ولذلك عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة.. كان اليهود يملكون المال ولهم معرفة ببعض العلم الدنيوي لذلك سادوا المدينة.. وبدأوا يمكرون برسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين.. والله تبارك وتعالى طمأن رسوله بأن طلاقة القدرة في الكون هي لله وحده.. وأنه إذا كان لهم ملك فإنه لا يدوم لأن الله ينزع الملك ممن يشاء ويعطيه لمن يشاء.. ولذلك حينما يأتي يوم القيامة ويهلك الله الأرض ومن عليها.. يقول سبحانه: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} من الآية 16 سورة غافر.
ويرد جل جلاله بشهادة الذات للذات فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} من الآية 16 سورة غافر.
ومادام الله هو المالك وحده.. فإنه يستطيع أن ينزع من اليهود وغيرهم من الدنيا كلها ما يملكونه.. ويحدثنا العلماء أن العسس وهم الجنود الذين يسيرون ليلا لتفقد أحوال الناس وجدوا شخصا يسير ليلا.. فلما تقدموا منه جرى فجروا وراءه إلي أن وصل إلي مكان خرب ليستتر فيه.. تقدم العسس وأمسكوا به وإذا بهم يجدون جثة القتيل.. فأخذوه ليحاكموه فقال لهم أمهلوني لأصلي ركعتين لله.. فأمهلوه فصلى ثم رفع يديه إلي السماء وقال اللهم إنك تعلم أنه لا شاهد على براءتي إلا أنت.. وأنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة فأسألك ذلك في نفسك.. فبينما هم كذلك إذا أقبل رجل فقال.. أنا قاتل هذا القتيل وأنا أقر بجريمتي.. فتعجب الناس وقالوا لماذا تقر بجريمتك ولم يرك أحد ولم يتهمك أحد.. فقال لهم والله ما أقررت إنما جاء هاتف فأجرى لساني بما قلت.. فلما أقر القاتل بما فعل وقام ولى المقتول وهو أبوه فقال.. اللهم إني أشهدك إني قد أعفيت قاتل ابني من دينه وقصاصه.
انظر إلي طلاقة قدرة الحق سبحانه وتعالى.. القاتل أراد أن يختفي ولكن انظر إلي دقة السؤال من السائل أو المتهم البريء.. وقد صلى ركعتين لله.. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أنه إذا حزبنا أمر قمنا إلي الصلاة فليس أمامنا إلا هذا الباب.. وبعد أن صلى سأل الله أنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة ولا يشهد ببراءتي أحد إلا أنت فأسألك ذلك في نفسك وبعد ذلك كان ما كان. وهذه القصة تدلنا على أننا في قبضة الله.. أردنا أو لم نرد.. بأسباب أو بغير أسباب.. لماذا؟.. لأن الله له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير.
وقوله تعالى: {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير}.. الولي هو من يواليك ويحبك.. والنصير هو الذي عنده القدرة على أن ينصرك وقد يكون النصير غير الولي.. الحق تبارك وتعالى يقول أنا لكم ولي ونصير أي محب وأنصركم على من يعاديكم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أَلَمْ تعْلَمْ} جزم ب {لم}، وحروف الاستفهام لا تغير عمل العامل، وقوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ} خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ووالمراد أمته، لقوله: {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}.
وفي قوله: {مُلْك} وجهان:
أحدهما: أنه مبتدأ، وخبره مقدم عليه، والجملة في محلّ رفع خبر ل {أن}.
والثاني: أنه مرفوع بالفاعلية، رَفَعَهُ الجار قبله عند الأخفش، لا يقال: إن الجار هنا قد اعتمد لوقوعه خبرًا ل {أن}، فيرفع الفاعل عند الجميع؛ لأن الفائدة لم تتم به، فلا يجعل خبرًا.
والمُلْك بالضم الشيء المملوك، وكذلك هو بالكسر، إلا أنَّ المضموم لا يستعمل إلا في مواضع السّعة وبسط السلطان.
وتقدم الكلام في حقيقة الملك في قوله: {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4].
قوله: {وَمَا لَكُمْ} يجوز في {ما} وجهان.
أحدهما: أن تكون تميمة، فلا عمل لها، فيكون {لكم} خبرًا مقدمًا، و{من ولِيّ} مبتدأ مؤخرًا زيدت فيه {من} فلا تعلّق لها بشيء.
والثاني: أن تكون حجازية، وذلك عند من يجيز تقديم خبرها ظرفًا أةو حرف جر، فيكون {لكم} في محلّ نصب خبرًا مقدمًا، و{مِنْ وَلِيّ} اسمها مؤخرًا، و{من} فيه زائدة أيضًا.
و{من دون الله} فيه وجهان:
أحدهما: أنه متعلّق بما تعلق به {لكم} من الاستقرار المقدر، و{من} لا بتداء الغاية.
والثاني: أنه في محلّ نصب على الحال من قوله: {من ولي أو نصير}لأنه في الأصل صفة للنكرة، فلما قدم عليها انتصب حالًا قاله أبو البقاء رحمه الله تعالى.
فعلى هذا يتعلّق بمحذوف غير الذي تعلّق به {لَكُمْ}، ومعنى {مِنْ دُونِ اللهِ} سِوَى الله؛ كما قال أمية بن أبي الصلت البسيط:
يَا نَفْسُ مَالَكِ دُونَ اللهِ مِنْ واقِ ** وَمَا عَلَى حَدَثَانِ الدَّهْرِ مِنْ بَاقِ

والولي: من وليت أمر فلان، أي قمت به، ومنه: وليّ العهد أى: المقيم بما عهد إليه من أمر المسلمين.
{وَلاَ نَصِيرٍ} عطف على لفظ {وليّ} ولو قرئ برفعه على الموضع لكان جائزًا، وأتى بصيغة فعيل في {ولي} و{نصير}؛ لأنها أبلغ من فاعل، ولأن {وليًا} أكثر استعمالًا من {وَالٍ} ولهذا لم يجئ في القرآن إلا في سورة الرعد.
وأيضًا لتواخي الفواصل وأواخر الآي.
وفي قوله: {لكم} التفاتٌ من خطاب الواحد لخطاب الجماعة، وفيه مناسبة، وهو أن المَنْفِيَّ صار نصّاَ في العموم بزيادة {من} فناسب كون المنفي عنه كذلك فَجُمِعَ لذلك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (108):

قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان رسخ ما ذكره سبحانه من تمام قدرته وعظيم مملكته وما أظهر لذاته المقدس من العظم بتكرير اسمه العلَم وإثبات أن ما سواه عدم فتأهلت القلوب للوعظ صدعها بالتأديب بالإنكار الشديد فقال: {أم} أي أتريدون أن تردوا أمر خالقكم في النسخ أم {تريدون أن} تتخذوا من دونه إلهًا لا يقدر على شيء بأن {تسألوا رسولكم} أن يجعل لكم إلهًا غيره {كما سئل موسى} ذلك.
ولما كان سؤالهم ذلك في زمن يسير أثبت الجار فقال: {من قبل} أي قبل هذا الزمان إذ قال قومه بعد ما رأوا من الآيات وقد مرّوا بقوم يعكفون على أصنام لهم: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} [الأعراف: 138] وقالوا: {أرنا الله جهرة} [النساء: 153].
وقالوا: {لن نصبر على طعام واحد} [البقرة: 61] وكانوا يتعنتون عليه في أحكام الله بأنواع التعنتات كما تقدم.
والإرادة في الخلق نزوع النفس لباد تستقبله- قاله الحرالي.
وأدل دليل على ما قدرته قوله عطفًا على ما تقديره: فيكفروا فإنه من سأل ذلك فقد تبدل الكفر بالإيمان {ومن يتبدل الكفر بالإيمان} أي يأخذ الكفر بدلًا من الإيمان بالإعراض عن الآيات وسؤال غيرها أو التمسك بما نسخ منه، وعبر بالمضارع استجلابًا لمن زل بسؤال شيء من ذلك إلى الرجوع بالتوبة ليزول عنه الاستمرار فيزول الضلال {فقد ضل سواء السبيل} أي عدله ووسطه فلم يهتد إليه وإن كان في بينات منه، فإن من حاد عن السواء أوشك أن يبعد بعدًا لا سلامة معه {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153] وكثيرًا ما كان يتزلزل طوائف من الناس عند تبدل الآيات وتناسي الأحكام وبحسب ما يقع في النفس من تثاقل عنه أو تحامل على قبوله يلحقه من هذا الضلال عن سواء هذا السبيل؛ وفيه إشعار بأن الخطاب للذين آمنوا، لأن المؤمنين المعرفين بالوصف لا يتبدل أحوالهم من إيمان الكفر، لأن أحدًا لا يرتد عن دينه بعد أن خالط الإيمان بشاشة قلبه {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} [البقرة: 256] {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى}؛ [لقمان: 22] وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا بعد أن أعطاكموه» فبذلك يتضح مواقع خطاب القرآن مع المترتبين في أسنان القلوب بحسب الحظ من الإيمان والإسلام والإحسان- قاله الحرالي.
وعرف {السبيل} بأنه المشتمل على قوام السائر فيه والسالك له من نحو الرعي والسقي وشبهه، والسواء بأنه من الشيء أسمحه بالأمر الذي قصد له، قال: ويقال هو وسطه وخياره. اهـ.

.سبب النزول:

قال ابن الجوزي:
قوله تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم}.
في سبب نزولها خمسة أقوال.
أحدها: أن رافع بن حريملة، ووهب بن زيد، قالا لرسول الله: ائتنا بكتاب نقرؤه تنزله من السماء علينا، وفجر لنا أنهارًا حتى نتبعك، فنزلت الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أن قريشًا سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، فقال: «هو لكم كالمائدة لبني إِسرائيل إن كفرتم فأبوا» قاله مجاهد.
والثالث: أن رجلًا قال: يا رسول الله لو كانت كفاراتنا ككفارات بني إسرائيل، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا نبغيها، ما أعطاكم الله، خير مما أعطى بني إسرائيل، كانوا إذا أصاب أحدهم الخطيئة؛ وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها، فإن كفرها كانت له خزيًا في الدنيا، وإن لم يكفرها كانت له خزيًا في الآخرة، فقد أعطاكم الله خيرًا مما أعطى بني إسرائيل» فقال: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا} [النساء: 110] وقال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن» فنزلت هذه الآية.
قاله أبو العالية.
والرابع: أن عبد الله بن أبي أمية المخزومي أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، في رهط من قريش، فقال: يا محمد: والله لا أؤمن بك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلًا، فنزلت هذه الآية.
ذكره ابن السائب.
والخامس: أن جماعة من المشركين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا.
وقال آخر: لن أؤمن لك حتى تسير لنا جبال مكة، وقال عبد الله بن أبي أمية: لن أؤمن لك حتى تأتي بكتاب من السماء، فيه: من الله رب العالمين إلى ابن أبي أمية: اعلم أني قد أرسلت محمدا إلى الناس.
وقال آخر: هلا جئت بكتابك مجتمعًا، كما جاء موسى بالتوراة.
فنزلت هذه الآية.
ذكره محمد بن القاسم الأنباري. اهـ.