فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{وقضى} أمر {رَبُّكَ}.
قال ابن عبّاس وقتادة والحسن قال زكريا بن سلام: جاء رجل إلى الحسن وقال إنه طلق امرأته ثلاثًا، فقال: إنك عصيت ربك وبانت منك امرأتك. فقال الرجل: قضى الله ذلك عليَّ.
قال الحسن وكان فصيحًا: ما قضى الله، أي ما أمر الله وقرأ هذه الآية {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} فقال الناس: تكلم الحسن في القدر.
وقال مجاهد وابن زيد: وأوصى ربك، ودليل هذا التأويل قراءة علي وعبد الله وأُبيّ: ووصى ربك.
وروى أبو إسحاق الكوفي عن شريك بن مزاحم أنه قرأ: ووصى ربك وقال: إنهم [أدغوا] الواو بالصاد فصارت قافًا.
وقال الربيع بن أنس: وأوجب ربك إلاّ تعبدو إلاّ إياه.
{وبالوالدين إِحْسَانًا} أي وأمر بالأبوين إحسانًا بّرًا بهما وعطفًا عليهما {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر} الكسائي بالالف، وقرأ الباقون: يبلغن بغير الألف على الواحدة وعلى هذه القراءة قوله: {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} كلام مستأنف كقوله: {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} [المائدة: 71] وقوله: {وَأَسَرُّواْ النجوى} [طه: 62] ثمّ ابتدأ فقال: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} فيه ثلاث لغات بفتح الفاء حيث قد رفع وهي قراءة أهل مكة والشام واختيار يعقوب وسهيل.
و{أُفّ} بالكسر والتنوين وهي قراءة أهل المدينة وأيوب وحفص.
و{أُفّ} مكسور غير منون وهي قراءة الباقين من القراء، وكلها لغات معروفة معناها واحد.
قال ابن عبّاس: هي كلمة كراهة. مقاتل: الكلام الرديء الغليظ.
أبو عبيد: أصل الأف والتف الوسخ على الأصابع إذا فتلته وفرق الآخرون بينهما فقيل الأف ما يكون في المغابن من العرق والوسخ، والتف ما يكون في الأصابع، وقيل: الأف وسخ الأذن والتف وسخ [الأظفار] وقيل: الأف وسخ الظفر والتف ما رفعت يدك من الأرض من شيء حقير.
{وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} لاتزجرهما {وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} حسنًا جميلًا.
وقال ابن المسيب: كقول العبد المذنب للسيد الفظ.
وقال عطاء: لا تسمهما ولا تكنّهما وقل لهما: يا أبتاه ويا أماه.
مجاهد في هذه الآية: إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويُحدثان فلا تتعذرهما.
ولا تقل لهما أف حين ترى الأذى وتميط عنهما الخراء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيرًا [ولا توذهما] [وروى سعيد بن المسيب: أن [العاق] يموت ميتة سوء، وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله: إن أبوي بلغا من الكبر أني أُوليهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما؟ قال صلى الله عليه وآله: «لا فإنهما كانا يفعلان لك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل وأنت تريد موتهما».
{واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة}.
قال عروة بن الزبير: إن لهما حتّى لا يمتنع من شيء أحياه.
مقاتل: أَلِنْ لهما جانبك فاخضع لهما.
وقرأ الحسن وسعيد بن جبير وعاصم الحجدي: جناح الذل بكسر الذال أي لا تستصعب معهما.
{وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.
قال ابن عبّاس: هو منسوخ بقوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانوا أُوْلِي قربى} [التوبة: 113] الآية.
روى شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضى الله تعالى مع رضا الوالدين وسخط الله مع سخط الوالدين».
عطاء عن عائشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقال للعاق إعمل ماشئت إني لا أغفر لك ويقال للبار إعمل ماشئت وإني أغفر لك».
روى عطاء عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح أمس وأصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة، وإن أمسى وأصبح مسخطًا لوالديه أصبح وله بابان إلى النار وان واحدًا فواحد».
فقال رجل: يارسول الله وإن ظلماه؟ قال: «وإن ظلماه، ثلاث مرات».
وروى رشيد بن سعد عن أبي هاني الخولاني عن أبي عمر القصبي قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله دلني على عمل أعمله يقربني إلى الله؟ قال: «هل لك والدة ووالد؟ قال: نعم. قال: فإنما يكفي مع البر بالوالدين العمل اليسير».
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} من بر الوالدين وعقوقهما {إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ} أبرارًا مطيعين فيما أمركم الله به بعد تقصير كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين، وغير ذلك من فرائض الله {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ} بعد المعصية والهفوة {غَفُورًا}.
وقال سعيد بن جبير في هذه الآية: هو الرجل يكون منه المبادرة إلى أبويه لا يريد بذلك إلاّ الخير، فإنه لا يؤخذ به.
واختلف المفسرون في معنى الأوابين:
فقال سعيد بن جبير: الراجعين إلى الخير، سعيد بن المسيب: الذي يذنب ثمّ يتوب ثمّ يذنب ثمّ يتوب.
مجاهد عن عبيد بن عمر: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلا فيستغفر الله تعالى عنها.
عمرو بن دينار: هو الذي يقول: اللهم اغفر لي ما أصبت في [مجلسي] هذا.
ابن عبّاس: الراجع إلى الله فيما [لحق به وينويه] والأواب فعال من أوب إذا رجع.
قال عبيد بن الأبرص: وكل ذي غيبة يؤوب وغايب الموت لا يؤوب.
وقال عمرو بن شرحبيل: وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عبّاس دليله قوله و{ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10].
الوالبي: عنه المطيعين المخبتين.
قتادة: المصلين. عون العقيلي: هم الذين يصلون صلاة الضحى.
ابن المنكدر: بين المغرب والعشاء.
روى ابن إدريس عن أبيه عن سعيد بن جبير قال: الأوابين الرغابين.
{وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ} يعني صلة الرحم. وقال بعضهم: عني بذلك قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم روى السدي عن ابن الديلمي قال: قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام أقرأت القرآن؟ قال نعم؟ قال: أفما قرأت في بني إسرائيل {وَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ} قال: انكم القرابة الذين أمر الله أن يوتى حقه؟ قال: نعم.
{والمسكين وابن السبيل} يعني مار الطريق، وقيل: الضيف {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} ولا تنفق مالك في المعصية.
وروى سلمة بن كهيل عن أبي [عبيدة] عن ابن الضرير أنه سأل ابن مسعود ما التبذير؟ فقال: إنفاق المال في غير حقه.
وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في [الحق ما كان] تبذيرًا، فلو أنفق يدا في باطل كان تبذيرًا به.
وقال شعيب: كنت أمشي مع أبي إسحاق في طريق الكوفة، فأتى على دار تبنى بجص وآجر فقال: هذا التبذير في قول عبد الله: إنفاق المال في غير حقه.
{إِنَّ المبذرين كانوا إِخْوَانَ الشياطين} أولياؤهم وأعوانهم، والعرب تقول: لكل [من يلزم] سنّة قوم وتابع أمرهم هو أخوهم {وَكَانَ الشيطان لِرَبِّهِ كَفُورًا} جحود النعمة.
{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} الآية نزلت في منجع وبلال وصهيب وسالم وخباب، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في الأحايين ما يحتاجون إليه ولا يجد لهم متسعًا، فيعرض عنهم حياءً منهم فأنزل الله عزّ وجل: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ} يعني وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم حقوقهم عند مسألتهم إياك مالا يجد إليه سبيلًا حياءً منهم.
{ابتغآء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ} ابتغاء رزق من الله {تَرْجُوهَا} أن يأتيك {فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا} ليّنًا وعدهم وعدًا جميلًا {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً} الآية.
قال جابر بن عبد الله: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فيما بين الصحابة أتاه صبي فقال: «يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعًا، ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ قميصه، فقال الصبي: من ساعة إلى ساعة يظهر يعد وقتًا آخر، فعاد إلى أمه فقالت: قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانًا، فأذن بلال للصلاة فأنتظروا فلم يخرج فشغل قلوب الصحابة فدخل عليه بعضهم فرآه عاريًا فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ}» يعني ولا تمسك يدك عن النفقة في الحق، كالمشدودة يده على عنقه فلا يقدر على مدها والإعطاء.
{وَلاَ تَبْسُطْهَا} بالعطاء {كُلَّ البسط} فتعطي جميع ما تملك {فَتَقْعُدَ مَلُومًا} يلومك سائلوك إذا لم تعطيهم {مَّحْسُورًا} منقطعًا بك لا شيء عندك تنفقه، فقال: حسرته بالمسألة إذا [أكلّته] ودابة حسيرة إذا كانت كالة [رازحة] وحسير البصر إذا كل، قال الله: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 4] وقال قتادة: نادمًا على ما سلف منك.
{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ} يوسع {الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} يقتر ويضيق {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} نظيرها قوله: ولو وسع {وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض} [الشورى: 27] الآية {وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} ضيق وإقتار {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يأدون بناتهم خشية الفاقة فنهاهم الله تعالى عن ذلك وأخبرهم أن رزقهم ورزق بناتهم على الله تعالى: {إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} اختلف القراء فيه:
فقرأ أبو جعفر وابن عامر: بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة.
وقرأ ابن كثير: بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمزة.
وقرأ الآخرون: بكسر الخاء وجزم الطاء، وكلها لغات بمعنى واحد، ويكون اسمًا ومصدرًا.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا * وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} وبحقها بما روى حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها عصموا في دمائهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم على الله قيل: وما حقها؟ قال: زنا بعد إحصان وكفر بعد إيمان وقتل نفس فيقتل بها».
{وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} قوة وولاية على قاتل وليه فإن لما استفاد منه فقتله وأن الله أخل الدية وإن شاء عفا عنه.
{فَلاَ يُسْرِف فِّي القتل} قرأ حمزة والكسائي وخلف: تسرف بالتاء أي فلا تسرف أيها القاتل، ويجوز أن يكون الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد منه الأيمة والأُمة من بعده، ومن قرأ بالياء رجع إلى المولى.
واختلفوا في الاسراف ماهو: فقال ابن عبّاس: لا يقتل غير قاتله.
قال الحسن وابن زيد: كانت العرب في الجاهلية إذا قتل منهم قتيل، لم يرضوا أن يقتلوا قاتل صاحبهم حتّى يقتلوا أشرف من الذي قتله، فيعمد ولي المقتول إلى الشريف من قبيلة القاتل فيقتله بوليه ويترك القاتل، فنهى الله عن ذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعتى الناس على الله جل ثناؤه قتل غير قاتله أو قتل بدخن الجاهلية أو قتل في حرم الله».
وقال الضحاك: كان هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أول شيء نزل من القرآن في شأن القتل وكان المشركون من أهل مكة يقتلون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله: من قتلكم من المشركين فلا يحملنكم قتله إياكم على أن لا تقتلوا إلا قاتلكم، فلا يقتلوا له أبًا أو أخًا أو أحدًا فإن كانوا من المشركين فلا يحملنكم ذلك [.................] على فلا تقتلوا إلا قاتلكم. وهذا قبل أن تنزل سورة براءة وقبل أن يؤمروا بقتال المشركين.
وقال سعيد بن جبير: لا يقبل [.........] على العدة.
قتادة وطارق بن حبيب وابن كيسان: لا يمثل به.
{إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} اختلفوا في هذه الكناية [إلى من ترجع فقيل: ترجع] على ولي المقتول، هو المنصور على القاتل [فيدفع الامام] إليه القاتل، فإن شاء قتل وإن شاء عفا عنه وإن شاء أخذ الدية، وهذا قول قتادة.