فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} الأكنة: جمع كنان.
وقد تقدّم تفسيره في الأنعام، وقيل: هو حكاية لما كانوا يقولونه، من قولهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة: 88] {وفي آذننا وقر ومن بينا وبينك حجاب} [فصلت: 5].
و{أَن يَفْقَهُوهُ} مفعول لأجله، أي: كراهة أن يفقهوه، أو لئلا يفقهوه، أي: يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني {وفي آذانهم وقرا} أي: صممًا وثقلًا، وفي الكلام حذف، والتقدير: أن يسمعوه.
ومن قبائح المشركين أنهم كانوا يحبون أن يذكر آلهتهم كما يذكر الله سبحانه، فإذا سمعوا ذكر الله دون ذكر آلهتهم نفروا عن المجلس، ولهذا قال الله: {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده} أي: واحدًا غير مشفوع بذكر آلهتهم، فهو مصدر وقع موقع الحال {وَلَّوْاْ على أدبارهم نُفُورًا} هو مصدر، والتقدير: هربوا نفورًا، أو نفروا نفورًا؛ وقيل: جمع نافر كقاعد وقعود.
والأوّل أولى.
ويكون المصدر في موضع الحال أي: ولوا نافرين.
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} أي: يستمعون إليك متلبسين به من الاستخفاف بك وبالقرآن واللغو في ذكرك لربك وحده، وقيل: الباء زائدة والظرف في {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} متعلق بـ {أعلم} أي: نحن أعلم وقت يستمعون إليك بما يستمعون به، وفيه تأكيد للوعيد، وقوله: {وَإِذْ هُمْ نجوى} متعلق بأعلم أيضًا، أي: ونحن أعلم بما يتناجون به فيما بينهم وقت تناجيهم، وقد كانوا يتناجون بينهم بالتكذيب والاستهزاء، {يقول} بدل من {إذ هم نجوى}.
{إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا} أي: يقول كل منهم للآخرين عند تناجيهم: ما تتبعون إلاّ رجلًا سحر فاختلط عقله وزال عن حدّ الاعتدال.
قال ابن الأعرابيّ: المسحور الذاهب العقل الذي أفسد، من قولهم: طعام مسحور إذا أفسد عمله، وأرض مسحورة أصابها من المطر أكثر مما ينبغي فأفسدها؛ وقيل: المسحور: المخدوع، لأن السحر حيلة وخديعة، وذلك لأنهم زعموا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يتعلم من بعض الناس، وكانوا يخدعونه بذلك التعليم.
وقال أبو عبيدة: معنى {مسحورًا} أن له سحرًا، أي: رئة، فهو لا يستغني عن الطعام والشراب فهو مثلكم، وتقول العرب للجبان: قد انتفخ سحره، وكل من كان يأكل من آدمي أو غيره مسحور، ومنه قول امرىء القيس:
أرانا موضعين لأمر غيب ** ونسحر بالطعام وبالشراب

أي: نغذى ونعلل.
قال ابن قتيبة: لا أدري ما حمله على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسرّوه بالوجوه الواضحة.
{انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال} أي قالوا تارة: إنك كاهن، وتارة ساحر، وتارة شاعر، وتارة مجنون {فضّلواْ} عن طريق الصواب في جميع ذلك {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلًا} إلى الهدى أو إلى الطعن الذي تقبله العقول ويقع التصديق له لا أصل الطعن، فقد فعلوا منه ما قدروا عليه؛ وقيل: لا يستطيعون مخرجًا لتناقض كلامهم كقولهم: ساحر مجنون.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش سَبِيلًا} قال: على أن يزيلوا ملكه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السموات العلى، فلما رجع قال: «سمعت تسبيحًا من السموات العلى مع تسبيح كثير سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلوّ بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى» وأخرج ابن مردويه عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدّة فقال: «أطت السماء ويحقها أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلاّ فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده» وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوحًا قال لابنه: يا بني آمرك أن تقول: سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق» قال الله تعالى: {وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ}.
وأخرج أحمد، وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال: ما من عبد سبّح تسبيحة إلاّ سبّح ما خلق الله من شيء، قال الله {وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} قال ابن كثير: إسناده فيه ضعف.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قرصت نملة نبيًا من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه: من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح» وأخرج النسائي، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمرو قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال: «نقيقها تسبيح» وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} قال: الزرع يسبح وأجره لصاحبه، والثوب يسبح ويقول الوسخ: إن كنت مؤمنًا فاغسلني إذن.
وأخرج أبو الشيخ عنه قال: كل شيء يسبح إلاّ الكلب والحمار.
وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال: أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول: ما صِيد من صيدٍ ولا عضد من شجرة إلاّ بما ضيعت من التسبيح.
وأخرجه أحمد في الزهد، وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال: أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه.
وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه.
وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه.
وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية {وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} قال: في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا ويسبح له كذا.
وأخرج أحمد، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سرورًا، فنادته ضفدعة: يا داود، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء.
وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال: كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال: ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت: يا داود، أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله: {وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ}.
وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات.
وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ} [المسد: 1] أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول:
مذممًا أبينا

ودينه قلينا

وأمره عصينا

ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآنًا اعتصم به كما قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبيّ فقالت: يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر: لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} قال: الحجاب المستور: أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَلَّوْاْ على أدبارهم نُفُورًا} قال: الشياطين.
وأخرج ابن مردويه عنه في قوله: {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} قال: عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}.
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {واتخذ من الملائكة إناثًا} قالت اليهود: الملائكة بنات الحق! وفي قوله: {قل لو كان معه آلهة} الآية. يقول: {لو كان معه آلهة} إذا لعرفوا فضله ومزيته عليهم، فابتغوا ما يقربهم إليه، إنهم ليس كما يقولون.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {إذًا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلًا} قال: على أين ينزلوا ملكه.
قوله تعالى: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات، عن عبد الرحمن بن قرط رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عليه السلام عن يمينه، وميكائيل عليه السلام عن يساره، فطارا به حتى بلغ السموات العلى، فلما رجع قال: «سمعت تسبيحًا في السموات العلى مع تسبيح كثير، سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلو بما علا سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن لوط بن أبي لوط قال: بلغني أن تسبيح سماء الدنيا، سبحان ربنا الأعلى، والثانية سبحانه وتعالى، والثالثة سبحانه وبحمده، والرابعة سبحانه لا حول ولا قوة إلا به، والخامسة سبحان محيي الموتى وهو على كل شيء قدير، والسادسة سبحان الملك القدوس، والسابعة سبحان الذي ملأ السموات السبع والأرضين السبع عزة ووقارًا.
وأخرج ابن مردويه، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هزة فقال: «أطت السماء وحق لها أن تئط قالوا: وما الأطيط؟ قال: تناقضت السماء ويحقها أن تنقض، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا فيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده».
وأخرج ابن مردويه، عن علي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {تسبح له السموات السبع والأرض} بالتاء.
قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه، إن نوحًا قال لابنه يا بني؛ آمرك أن تقول: سبحان الله، فإنها صلاة الخلق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق» قال الله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}.
وأخرج أحمد وابن مردويه، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن نوحًا لما حضرته الوفاة قال لابنيه: آمركما بسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق كل شيء».
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في فضائل الذكر، عن عائشة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صوت الديك صلاته، وضربه بجناحيه سجوده وركوعه» ثم تلا هذه الآية: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ينادي مناد من السماء، اذكروا الله يذكركم، فلا يسمعها أول من الديك، فيصيح فذلك تسبيحه.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا وجوه الدواب، فإن كل شيء يسبح بحمده».
وأخرج أبو الشيخ، عن عمر رضي الله عنه قال: لا تلطموا وجوه الدواب، فإن كل شيء يسبح بحمده، وأخرج أحمد عن معاذ بن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- إنه مر على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل- فقال لهم: «اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرًا للهِ منه».
وأخرج ابن مردويه، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما تستقل الشمس فيبقى من خلق الله تعالى إلا سبح الله بحمده إلا ما كان من الشيطان وأغنياء بني آدم».