فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الدعاء: النداء إلى المحشر بكلام تسمعه الخلائق، يدعوهم الله تعالى فيه بالخروج.
وقيل: بالصيحة التي يسمعونها؛ فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة.
قال صلى الله عليه وسلم: «إنكم تُدْعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم».
{فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} أي باستحقاقه الحمد على الإحياء.
وقال أبو سهل: أي والحمد لله؛ كما قال:
فإني بحمد الله لا ثوب فاجر ** لبِسْتُ ولا من غَدْرة أتقنّع

وقيل: حامدين لله تعالى بألسنتكم.
قال سعيد بن جُبير: تخرج الكفار من قبورهم وهم يقولون سبحانك وبحمدك؛ ولكن لا ينفعهم اعتراف ذلك اليوم.
وقال ابن عباس: {بحمده} بأمره؛ أي تقرّون بأنه خالقكم.
وقال قتادة: بمعرفته وطاعته وقيل: المعنى بقدرته وقيل: بدعائه إياكم.
قال علماؤنا: وهو الصحيح؛ فإن النفخ في الصور إنما هو سبب لخروج أهل القبور؛ وبالحقيقة إنما هو خروج الخلق بدعوة الحق، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} فيقومون يقولون سبحانك اللهم وبحمدك.
قال: فيوم القيامة يوم يُبدأ بالحمد ويُختم به؛ قال الله تعالى: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} وقال في آخره {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحق وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين} [الزمر: 75].
{وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا}.
يعني بين النفختين؛ وذلك أن العذاب يُكفّ عن المعذَّبين بين النفختين، وذلك أربعون عامًا فينامون؛ فذلك قوله تعالى: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [ياس: 52] فيكون خاصًا للكفار.
وقال مجاهد: للكافرين هَجْعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صِيح بأهل القبور قاموا مذعورين.
وقال قتادة: المعنى أن الدنيا تحاقرت في أعينهم وقلّت حين رأوا يوم القيامة.
الحسن: {وتَظُنُّون إن لبثتم إلا قليلًا} في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة.
قوله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ التي هِيَ أَحْسَنُ}
تقدّم إعرابه. والآية نزلت في عمر بن الخطاب.
وذلك أن رجلًا من العرب شتمه، وسبّه عمر وهَمّ بقتله، فكادت تثير فتنة فأنزل الله تعالى فيه: {وقُلْ لِعِبادِي يقولوا التي هِي أحسن} ذكره الثعلبيّ والماوَرْدِيّ وابن عطية والواحدِيّ.
وقيل: نزلت لما قال المسلمون: اِيذن لنا يا رسول الله في قتالهم فقد طال إيذاؤهم إيانا، فقال: «لم أُومَرْ بعدُ بالقتال» فأنزل الله تعالى: {وقل لِعِبادِي يقولوا الّتِي هِي أحسن}؛ قاله الكلبي.
وقيل: المعنى قل لعبادي الذين اعترفوا بأني خالقهم وهم يعبدون الأصنام، يقولوا التي هي أحسن من كلمة التوحيد والإقرار بالنبوة.
وقيل: المعنى وقل لعبادي المؤمنين إذا جادلوا الكفار في التوحيد، أن يقولوا الكلمة التي هي أحسن.
كما قال: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} وقال الحسن: هو أن يقول للكافر إذا تشطط: هداك الله! يرحمك الله! وهذا قبل أن أمِروا بالجهاد.
وقيل: المعنى قل لهم يأمروا بما أمر الله به وينهوا عما نهى الله عنه؛ وعلى هذا تكون الآية عامّةً في المؤمن والكافر، أي قل للجميع.
والله أعلم.
وقالت طائفة: أمر الله تعالى في هذه الآية المؤمنين فيما بينهم خاصّةً، بحسن الأدب وإلانةِ القول، وخفض الجناح واطراح نزغات الشيطان؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: «وكونوا عباد الله إخوانًا» وهذا أحسن، وتكون الآية محكمة.
قوله تعالى: {إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} أي بالفساد وإلقاء العداوة والإغواء.
وقد تقدّم في آخر الأعراف ويوسف.
يقال: نزغ بيننا أي أفسد؛ قاله اليزيدي.
وقال غيره: النزغ الإغراء.
{إِنَّ الشيطان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} أي شديد العداوة.
وقد تقدّم في البقرة.
وفي الخبر «أن قومًا جلسوا يذكرون الله عز وجل فجاء الشيطان ليقطع مجلسهم فمنعته الملائكة فجاء إلى قوم جلسوا قريبًا منهم لا يذكرون الله فحرّش بينهم فتخاصموا وتواثبوا فقال هؤلاء الذاكرون قوموا بنا نصلح بين إخواننا فقاموا وقطعوا مجلسهم وفرح بذلك الشيطان» فهذا من بعض عداوته.
قوله تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} هذا خطاب للمشركين، والمعنى: إن يشأ يوفقكم للإِسلام فيرحمكم، أو يميتكم على الشرك فيعذبكم؛ قاله ابن جُريج.
و{أعلم} بمعنى عليم؛ نحو قولهم: الله أكبر، بمعنى كبير.
وقيل: الخطاب للمؤمنين؛ أي إن يشأ يرحكم بأن يحفظكم من كفار مكة، أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم؛ قاله الكلبي.
{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} أي وما وكلّناك في منعهم من الكفر ولا جعلنا إليك إيمانهم.
وقيل: ما جعلناك كفيلًا لهم تؤخذ بهم؛ قاله الكلبي.
وقال الشاعر:
ذكرت أبا أرْوَى فبتّ كأنني ** بردّ الأمور الماضيات وكيل

أي كفيل.
قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السماوات والأرض وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ} أعاد بعد أن قال: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} ليبيّن أنه خالقهم وأنه جعلهم مختلفين في أخلاقهم وصورهم وأحوالهم ومالهم؛ {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14].
وكذا النبيّون فضّل بعضهم على بعض عن علم منه بحالهم.
وقد مضى القول في هذا في البقرة.
{وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} الزبور: كتاب ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود؛ وإنما هو دعاء وتحميد وتمجيد.
أي كما آتينا داود الزبور فلا تنكروا أن يؤتى محمد القرآن.
وهو في مُحاجّة اليهود. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)}.
الحديد معروف، نغضت سنه: تحركت قال:
ونغضت من هرم أسنانها

تنغض وتنغض نغضًا ونغوضًا، وأنغض رأسه حركه برفع وخفض.
قال:
لما رأتني انغضت لي الرأسا

وقال الآخر:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا ** كأنه يطلب شيئًا أطعما

وقال الفراء: أنغض رأسه حركه إلى فوق وإلى أسفل.
وقال أبو الهيثم: إذا أخبر بشيء فحرك رأسه إنكارًا له فقد أنغض رأسه.
وقال ذو الرمّة:
ظعائن لم يسكنّ أكناف قرية ** بسيف ولم ينغض بهن القناطر

{قل كونوا حجارة أو حديدًا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبًا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلًا}.
قال الزمخشري: لما قالوا {أئذا كنا عظامًا} قيل لهم {كونوا حجارة أو حديدًا} فردّ قوله: {كونوا} على قولهم {كنا} كأنه قيل {كونوا حجارة أو حديدًا} ولا تكونوا عظامًا فإنه يقدر على إحيائكم.
والمعنى أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم ويرده إلى حال الحياة وإلى رطوبة الحي وغضاضته بعدما كنتم عظامًا يابسة، مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره، فليس ببدع أن يردها الله بقدرته إلى حالتها الأولى، ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة ورطوبة الحي ومن جنس ما ركب به البشر، وهو أن تكونوا {حجارة} يابسة {أو حديدًا} مع أن طباعها القساوة والصلابة لكان قادرًا على أن يردكم إلى حال الحياة {أو خلقًا مما يكبر} عندكم عن قبول الحياة، ويعظم في زعمكم على الخالق احياؤه فإنه يحييه.
وقال ابن عطية: كونوا إن استطعتم هذه الأشياء الصعبة الممتنعة التأتي لابد من بعثكم.
وقوله: {كونوا} هو الذي يسميه المتكلمون التعجيز من أنواع أفعل، وبهذه الآية مثل بعضهم وفي هذا عندي نظر وإنما التعجيز حيث يقتضي بالأمر فعل ما لا يقدر عليه المخاطب كقوله تعالى: {فادرؤوا عن أنفسكم الموت} ونحوه.
وأما هذه الآية فمعناها كونوا بالتوهم والتقدير كذا وكذا {الذي فطركم} كذلك هو يعيدكم انتهى.
وقال مجاهد: المعنى {كونوا} ما شئتم فستعادون.
وقال النحاس: هذا قول حسن لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم {حجارة أو حديدًا} لبعثتم كما خلقتم أول مرة انتهى.
{أو خلقا مما يكبر في صدوركم} صلابته وزيادته على قوة الحديد وصلابته، ولم يعينه ترك ذلك إلى أفكارهم وجولانها فيما هو أصلب من الحديد، فبدأ أولًا بالصلب ثم ذكر على سبيل الترقي الأصلب منه ثم الأصلب من الحديد، أي افرضوا ذواتكم شيئًا من هذه فإنه لابد لكم من البعث على أي حال كنتم.
وقال ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمر والحسن وابن جبير والضحاك الذي يكبر الموت، أي لو كنتم الموت لأماتكم ثم أحياكم.
وهذا التفسير لا يتم إلاّ إذا أريد المبالغة لا نفس الأمر، لأن البدن جسم والموت عرض ولا ينقلب الجسم عرضًا ولو فرض انقلابه عرضًا لم يكن ليقبل الحياة لأجل الضدية.
وقال مجاهد: الذي يكبر السموات والأرض والجبال ولما ذكر أنهم لو كانوا أصلب شيء وأبعده من حلول الحياة به كان خلق الحياة فيه ممكنًا.
قالوا: من الذي هو قادر على صيرورة الحياة فينا وإعادتنا فنبههم على ما يقتضي الإعادة، وهو أن الذي أنشأكم واخترعكم أول مرة هو الذي يعيدكم و{الذي} مبتدأ وخبره محذوف التقدير {الذي فطركم أول مرة} يعيدكم فيطابق الجواب السؤال، ويجوز أن يكون فاعلًا أي يعيدكم الذي فطركم، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ، أي معيدكم الذي فطركم و{أول مرة} ظرف العامل فيه {فطركم} قاله الحوفي.
{فسينغضون} أي يحركونها على سبيل التكذيب والاستبعاد، ويقولون: متى هو؟ أي متى العود؟ ولم يقولوا ذلك على سبيل التسليم للعود.
ولكن حيدة وانتقالًا لما لا يسأل عنه لأن ما يثبت إمكانه بالدليل العقلي لا يسأل عن تعيين وقوعه، ولكن أجابهم عن سؤالهم بقرب وقوعه لا بتعيين زمانه لأن ذلك مما استأثر الله تعالى بعلمه، واحتمل أن يكون في {عسى} إضمار أي {عسى} هو أي العود، واحتمل أن يكون مرفوعها {أن يكون} فتكون تامة.
و{قريبًا} يحتمل أن يكون خبر كان على أنه يكون العود متصفًا بالقرب، ويحتمل أن يكون ظرفًا أي زمانًا قريبًا وعلى هذا التقدير يوم ندعوكم بدلًا من قريبًا.
وقال أبو البقاء: {يوم يدعوكم} ظرف ليكون، ولا يجوز أن يكون ظرفًا لاسم كان وإن كان ضمير المصدر لأن الضمير لا يعمل انتهى.
أما كونه ظرفًا ليكون فهذا مبنيّ على جواز عمل كان الناقصة في الظرف وفيه خلاف.
وأما قوله لأن الضمير لا يعمل فهو مذهب البصريين، وأما الكوفيون فيجيزون أن يعمل نحو مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح، يعلقون بعمرو بلفظ هو أي ومروري بعمرو قبيح.
والظاهر أن الدعاء حقيقة أي {يدعوكم} بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة كما قال {يوم ينادي المناد من مكان قريب} الآية ويقال: إن إسرافيل عليه السلام ينادي أيتها الأجسام البالية والعظام النخِرة والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت.
وروي في الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم» ومعنى {فتستجيبون} توافقون الداعي فيما دعاكم إليه.
وقال الزمخشري: الدعاء والاستجابة كلاهما مجاز، والمعنى يوم يبعثكم فتنبعثون مطاوعين منقادين لا تمتنعون انتهى.
والظاهر أن الخطاب للكفار إذ الكلام قبل ذلك معهم فالضمير لهم و{بحمده} حال منهم.
قال الزمخشري: وهي مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويمتنع ستركبه وأنت حامد شاكر، يعني أنك تحمل عليه وتقسر قسرًا حتى أنك تلين لين المسمح الراغب فيه الحامد عليه.