فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {أولئك الذين يدعون يبتغُون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقْرَبُ}.
الآية فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في نفر من الجن كان يعبدهم قوم من الإنس، فأسلم الجن ابتغاء الوسيلة عند ربهم، وبقي الإنس على كفرهم؛ قاله عبد الله بن مسعود.
الثاني: أنهم الملائكة كانت تعبدهم قبائل من العرب، وهذا مروي عن ابن مسعود أيضًا.
الثالث: هم وعيسى وأُمُّهُ، قاله ابن عباس ومجاهد. وهم المعنيّون بقوله تعالى: {قلِ ادعُوا الذين زعمتم مِن دونه}.
وتفسيرها أن قوله تعالى: {اولئك الذين يدعون} يحتمل وجهين:
أحدهما: يدعون الله تعالى لأنفسهم.
الثاني: يدعون عباد الله الى طاعته.
وقوله تعالى: {يبتغون إلى ربهم الوسيلة} وهي القربة، وينبني تأويلها على احتمال الوجهين في الدعاء.
فإن قيل إنه الدعاء لأنفسهم كان معناه يتوسلون إلى الله تعالى بالدعاء إلى ما سألوا.
وإن قيل دعاء عباد الله إلى طاعته كان معناه أنهم يتوسلون لمن دعوه إلى مغفرته.
{أيهم أقرَبُ} تأويله على الوجه الأول: أيهم أقرب في الإجابة. وتأويله على الوجه الثاني: أيهم أقرب إلى الطاعة.
{ويرجون رحمته ويخافون عذابهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون هذا الرجاء والخوف في الدنيا.
الثاني: أن يكونا في الآخرة.
فإن قيل إنه في الدنيا احتمل وجهين:
أحدهما: أن رجاء الرحمة التوفيق والهداية، وخوف العذاب شدة البلاء. وإن قيل إن ذلك في الآخرة احتمل وجهين:
أحدهما: أن رجاء الرحمة دوام النعم وخوف عذاب النار.
الثاني: أن رجاء الرحمة العفو، وخوف العذاب مناقشة الحساب.
ويحتمل هذا الرجاء والخوف وجهين: أحدهما: أن يكون لأنفسهم إذا قيل إن أصل الدعاء كان لهم.
الثاني: لطاعة الله تعالى إذا قيل إن الدعاء كان لغيرهم. ولا يمتنع أن يكون على عمومه في أنفسهم وفيمن دعوه.
قال سهل بن عبد الله: الرجاء والخوف ميزانان على الإنسان فإذا استويا استقامت أحواله، وإن رجح أحدهما بطل الآخر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا». اهـ.

.قال ابن عطية:

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}.
الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم في هذه الآية، ليسوا عبدة الأصنام، وإنما هم عبدة من يعقل، واختلف في ذلك. فقال ابن عباس: هي في عبدة العزير والمسيح وأمه ونحوهم، وقال ابن عباس أيضًا، وابن مسعود: هي في عبدة الملائكة، وقال ابن مسعود أيضًا: هي في عبدة شياطين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم أولئك الشياطين، وعبدتهم بقوا يعبدونهم فنزلت الآية في ذلك.
وقال ابن عباس أيضًا: هي في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه، وأي ذلك كان، فمعنى الآية: قل لهؤلاء الكفرة {ادعوا} عند الشدائد، و{الضر} هؤلاء المعبودين، فإنهم لا يملكون كشفه ولا تحويله عنكم، ثم أخبرهم على قراءة ابن مسعود وقتادة {تدعون} بالتاء، أو أخبر النبي عليه السلام على قراءة الجمهور، {يدعون} بالياء من تحت، أن هؤلاء المعبودين، يطلبون التقرب إلى الله والتزلف إليه وأن هذه حقيقة حالهم، وقرأ ابن مسعود {إلى ربك}، والضمير في {ربهم} للمتبعين أو للجميع، و{الوسيلة}، هي القربة، وسبب الوصول إلى البغية، وتوسل الرجل: إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما، وقال عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة... ومنه قول النبي عليه السلام: «من سأل الله لي الوسيلة» الحديث. و{أيهم} ابتداء، و{أقرب} خبر، و{أولئك} يراد به المعبودون وهو: ابتداء خبره {يبتغون} والضمير في {يدعون} للكفار، وفي {يبتغون} للمعبودين، والتقدير: نظرهم ووكدهم أيهم أقرب وهذا كما قال عمر بن الخطاب في حديث الراية بخيبر: فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها أي يتبارون في طلب القرب، وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله، وقال ابن فورك وغيره: إن الكلام من قوله: {أولئك الذين} راجع إلى النبيين المتقدم ذكرهم، ف {يدعون} على هذا من الدعاء، بمعنى الطلبة إلى الله، والضمائر لهم في {يدعون} وفي {يبتغون} وباقي الآية بين. وقوله تعالى: {وإن من قرية} الآية: أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه ليس مدينة من المدن إلا هي هالكة قبل يوم القيامة بالموت والفناء، هذا مع السلامة وأخذها جزءًا أو هي معذبة مأخوذة مرة واحدة فهذا عموم في كل مدينة و{من} لبيان الجنس، وقيل المراد الخصوص {وإن من قرية} ظالمة، وحكى النقاش أنه وجد في كتاب الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية استقراء البلاد المعروفة اليوم، وذكر الهلاك كل قطر منها صفة، ثم ذكر نحو ذلك عن وهب بن منبه، فذكر فيه أن هلاك الأندلس وخرابها يكون بسنابك الخيل واختلاف الجيوش فيها، وتركت سائرها لعدم الصحة في ذلك، والمعلوم أن كل قرية تهلك، إما من جهة القحوط والخسف غرقًا، وإما من الفتن، أو منهما، وصور ذلك كثيرة لا يعلمها إلا الله عزّ وجل، فأما ما هلك بالفتنة، فعن ظلم ولا بد، إما في كفر أو معاص، أو تقصير في دفاع، وحزامة، وأما القحط فيصيب الله به من يشاء، وكذلك الخسف.
وقوله: {مهلكوها} الضمير لها، وفي ضمن ذلك الأهل، وقوله: {معذبوها} هو على حذف مضاف، فإنه لا يعذب إلا الأهل، وقوله: {في الكتاب} يريد في سابق القضاء، وما خطه القلم في اللوح المحفوظ، والمسطور المكتوب إسطارًا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه}
في سبب نزولها قولان.
أحدهما: أن نفرًا من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم الجن والنفر من العرب لا يشعرون، فنزلت هذه الآية والتي بعدها، روي عن ابن مسعود.
والثاني: أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة، ويقولون: هي تشفع لنا عند الله، فلما ابتلوا بالقحط سبع سنين، قيل لهم: {ادعوا الذين زعمتم}، قاله مقاتل، والمعنى: قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة، {فلا يملكون كشف الضُّرِّ عنكم ولا تحويلًا} له إِلى غيركم.
قوله تعالى: {أولئك الذين يَدْعون} في المشار إِليهم ب {أولئك} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم الجن الذين أسلموا.
والثاني: الملائكة.
وقد سبق بيان القولين.
والثالث: أنهم المسيحُ، وعزيرٌ، والملائكةُ، والشمسُ، والقمرُ، قاله ابن عباس.
وفي معنى {يدعون} قولان.
أحدهما: يعبدون، أي: يدعونهم آلهة، وهذا قول الأكثرين.
والثاني: أنه بمعنى يتضرعون إِلى الله في طلب الوسيلة.
وعلى هذا يكون قوله: {يدعون} راجعًا إِلى {أولئك}، ويكون قوله: {يبتغون} تمامًا للكلام.
وعلى القول الأول: يكون {يدعون} راجعًا إِلى المشركين، ويكون قوله: {يبتغون} وصفًا ل {أولئك} مستأنَفًا.
وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن: {تدعون} بالتاء قال ابن الأبناري: فعلى هذا، الفعلُ مردودٌ إِلى قوله: {فلا يملكون كشف الضُّرِّ عنكم}.
ومن قرأ {يدعون} بالياء، قال: العرب تنصرف من الخطاب إِلى الغَيبة إِذا أُمن اللَّبْس.
ومعنى {يدعون}: يدعونهم آلهة.
وقد فسرنا معنى {الوسيلة} في [المائدة: 35].
وفي قوله: {أيُّهم أقرب} قولان ذكرهما الزجاج.
أحدهما: أن يكون {أيهم} مرفوعًا بالابتداء، وخبره {أقرب}، ويكون المعنى: يطلبون الوسيلة إِلى ربهم، ينظرون أيُّهم أقرب إِليه فيتوسَّلون إِلى الله به.
والثاني: أن يكون {أيهم أقرب} بدلًا من الواو في {يبتغون}، فيكون المعنى: يبتغي أيُّهم هو أقرب الوسيلةَ إِلى الله، أي: يتقرَّب إِليه بالعمل الصالح.
قوله تعالى: {وإن من قرية إِلا نحن مُهْلِكوها}
{إِن} بمعنى ما، والقرية الصالحة هلاكها بالموت، والعاصية بالعذاب، والكتاب: اللوح المحفوظ، والمسطور: المكتوب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ}
لما ابتليت قريش بالقَحْط وشَكُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الله هذه الآية؛ أي ادعوا الذين تعبدون من دونه وزعمتم أنهم آلهة.
وقال الحسن: يعني الملائكة وعيسى وعزيرًا.
ابن مسعود: يعني الجن.
{فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ} أي القحط سبع سنين، على قول مقاتل.
{وَلاَ تَحْوِيلًا} من الفقر إلى الغنى ومن السَّقَم إلى الصحة.
قوله تعالى: {أولئك الذين يَدْعُونَ} {أولئك} مبتدأ {الذِين} صفة {أولئك} وضمير الصلة محذوف؛ أي يدعونهم.
يعني أولئك المدعوّون.
و{يَبْتَغُونَ} خبر، أو يكون حالًا، و{الّذِين يَدْعُون} خبر؛ أي يدعون إليه عبادًا أو عبادة إلى عبادته.
وقرأ ابن مسعود {تدعون} بالتاء على الخطاب.
الباقون بالياء على الخبر.
ولا خلاف في {يبتغون} أنه بالياء.
وفي صحيح مسلم من كتاب التفسير عن عبد الله بن مسعود في قوله عز وجل: {أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة} قال: نفر من الجن أسلموا وكانوا يُعبدون، فبَقِيَ الذين كانوا يَعبدون على عبادتهم وقد أسلم النفر من الجن.
في رواية قال: نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن فأسلم الجنيون والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون؛ فنزلت: {أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة}.
ومنه أيضًا أنهم الملائكة كانت تعبدهم قبائل من العرب؛ ذكره الماوردي.
وقال ابن عباس ومجاهد: عُزير وعيسى.
و{يبتغون} يطلبون من الله الزلفة والقربة، ويتضرعون إلى الله تعالى في طلب الجنة، وهي الوسيلة.
أعلمهم الله تعالى أن المعبودين يبتغون القربة إلى ربهم.
والهاء والميم في {ربهم} تعود على العابدين أو على المعبودين أو عليهم جميعًا.
وأما {يدعون} فعلى العابدين.
{ويبتغون} على المعبودين.
{أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} ابتداء وخبر.
ويجوز أن يكون {أيّهم أقرب} بدلًا من الضمير في {يبتغون}، والمعنى يبتغي أيهم أقرب الوسيلة إلى الله.
{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} أي مَخُوفًا لا أمان لأحد منه؛ فينبغي أن يُحذر منه ويُخاف.
وقال سهل بن عبد الله: الرجاء والخوف زمانان على الإنسان، فإذا استوَيَا استقامت أحواله، وإن رجح أحدهما بطل الآخر.
قوله تعالى: {وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا} أي مخربوها.
{قَبْلَ يَوْمِ القيامة أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} قال مقاتل: أما الصالحة فبالموت، وأما الطالحة فبالعذاب.
وقال ابن مسعود: إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذِن الله في هلاكهم.
فقيل: المعنى وإن من قرية ظالمة؛ يقوّي ذلك قوله: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59].
أي فليتق المشركون، فإنه ما من قرية كافرة إلا سيحل بها العذاب.
{كَانَ ذلك فِي الكتاب} أي في اللّوح.
{مَسْطُورًا} أي مكتوبًا.
والسطر: الخط والكتابة وهو في الأصل مصدر.
والسَّطَر بالتحريك، مثله.
قال جرير:
من شاء بايعته ماليِ وخُلْعَتَه ** ما تُكْمِل الَّتيْمُ في ديوانهم سَطَرَا

الخلعة بضم الخاء: خيار المال.
والسطر جمع أسطار؛ مثل سبب وأسباب، ثم يجمع على أساطير.
وجمع السطر أسطر وسطور؛ مثل أفلس وفلوس.
والكتاب هنا يراد به اللوح المحفوظ. اهـ.