فصل: فصل في العقاب على الحسد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في العقاب على الحسد:

قال الفخر:
اعلم أن النفرة القائمة بقلب الحاسد من المحسود أمر غير داخل في وسعه، فكيف يعاقب عليه؟ وأما الذي في وسعه أمران:
أحدهما: كونه راضيًا بتلك النفرة.
والثاني: إظهار آثار تلك النفرة من القدح فيه والقصد إلى إزالة تلك النعمة عنه وجر أسباب المحبة إليه، فهذا هو الداخل تحت التكليف. اهـ.
قال الفخر:
المراد أنهم كانوا يريدون رجوع المؤمنين عن الإيمان من بعد ما تبين لهم أن الإيمان صواب وحق، والعالم بأن غيره على حق لا يجوز أن يريد رده عنه إلا بشبهة يلقيها إليه، لأن المحق لا يعدل عن الحق إلا بشبهة والشبهة ضربان، أحدهما: ما يتصل بالدنيا وهو أن يقال لهم: قد علمتم ما نزل بكم من إخراجكم من دياركم وضيق الأمر عليكم واستمرار المخافة بكم، فاتركوا الإيمان الذي ساقكم إلى هذه الأشياء، والثاني: في باب الدين: بطرح الشبه في المعجزات أو تحريف ما في التوراة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب} وهم طائفة من أحبار اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد: ألم تروا إلى ما أصابكم، ولو كنتم على الحق لما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم، رواه الواحدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
وروي أن فنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس ونفرًا من اليهود قالوا ذلك لحذيفة رضي الله تعالى عنه من حديث طويل، ذكر الحافظ ابن حجر أنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث.
{لَوْ يَرُدُّونَكُم} حكاية لودادتهم، وقد تقدم الكلام على لو هذه فأغنى عن الإعادة {مِن بَعْدِ إيمانكم كُفَّارًا} أي مرتدين، وهو حال من ضمير المخاطبين يفيد مقارنة الكفر بالرد فيؤذن بأن الكفر يحصل بمجرد الارتداد مع قطع النظر إلى ما يرد إليه، ولذا لم يقل لو يردونكم إلى الكفر، وجوز أن يكون حالًا من فاعل وَدّ واختار بعضهم أنه مفعول ثان ليردونكم على تضمين الرد معنى التصيير إذ منهم من لم يكفر حتى يرد إليه فحيتاج إلى التغليب كما في {لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88] على أن في ذلك يكون الكفر المفروض بطريق القسر وهو أدخل في الشناعة، وفي قوله تعالى: {مِن بَعْدِ} مع أن الظاهر عن لأن الرد يستعمل بها تنصيص بحصول الإيمان لهم، وقيل: أورد متوسطًا لإظهار كمال فظاعة ما أرادوه وغاية بعده عن الوقوع إما لزيادة قبحه الصاد للعاقل عن مباشرته، وإما لممانعة الإيمان له كأنه قيل: من بعده إيمانكم الراسخ، وفيه من تثبيت المؤمنين ما لا يخفي. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى بين أن حبهم لأن يرجعوا عن الإيمان إنما كان لأجل الحسد.
قال الجبائي: عنى بقوله: {كَفَّارًا حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} أنهم لم يؤتوا ذلك من قبله تعالى وإن كفرهم هو فعلهم لا من خلق الله فيهم، والجواب أن قوله: {مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق ب {ود} على معنى أنهم أحبوا أن ترتدوا عن دينكم، وتمنيهم ذلك من قبل شهوتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق لأنهم ودّوا ذلك من بعد ما تبين لهم أنكم على الحق فكيف يكون تمنيهم من قبل طلب الحق؟ الثاني: أنه متعلق بحسدًا أي حسدًا عظيمًا منبعثًا من عند أنفسهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{حَسَدًا} علة لِوَدّ لا ليردونكم لأنهم يودون ارتدادهم مطلقًا لا ارتدادهم المعلل بالحسد، وجوزوا أن يكون مصدرًا منصوبًا على الحال أي حاسدين ولم يجمع لأنه مصدر، وفيه ضعف لأن جعل المصدر حالًا كما قال أبو حيان لا ينقاس.
وقيل: يجوز أن يكون منصوبًا على المصدر والعامل فيه محذوف يدل عليه المعنى أي حسدوكم حسدًا وهو كما ترى.
{مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} متعلق بمحذوف وقع صفة إما للحسد أي حسدًا كائنًا من أصل نفوسهم فكأنه ذاتي لها، وفيه إشارة إلى أن بلغ مبلغًا متناهيًا، وهذا يؤكد أمر التنوين إذا جعل للتكثير أو التعظيم، وإما للوداد المفهوم من وَدّ أي ودادًا كائنًا من عند أنفسهم وتشهيهم لا من قبل التدبر والميل إلى الحق، وجعله ظرفًا لغوًا معمولًا لِوَدّ أو حسدًا كما نقل عن مكي يبعده أنهما لا يستعملان بكلمة من كما قاله ابن الشجري.
{مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق} بالنعوت المذكورة في التوراة والمعجزات وهذا كالدليل على تخصيص الكثير بالأحبار لأن التبين بذلك إنما كان لهم لا للجهال، ولعل من قال: إن الودادة من عوامهم أيضًا لئلا يبطل دينهم الذي ورثوه وتبطل رياسة أحبارهم الذين اعتقدوهم واتخذوهم رؤساء، فالمراد من الكثير جميعهم من كفارهم ومنافقيهم ويكون ذكره لإخراج من آمن منهم سرًا وعلانية يدعي أن التبين حصل للجميع أيضًا إلا أن أسبابه مختلفة متفاوتة وهذا هو الذي يغلب على الظن فإن من شاهد هاتيك المعجزات الباهرة والآيات الزاهرة يبعد منه كيفما كان عدم تبين الحق ومعرفة مطالع الصدق إلا أن الحظوظ النفسانية والشهوات الدنية والتسويلات الشيطانية حجبت من حجبت عن الإيمان وقيدت من قيدت في الخذلان. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا} فهذا يدل على أن اليهود بعدما أرادوا صرف المؤمنين عن الإيمان احتالوا في ذلك بإلقاء الشبه على ما بيناه، ولا يجوز أن يأمرهم تعالى بالعفو والصفح على وجه الرضا بما فعلوا، لأن ذلك كفر، فوجب حمله على أحد أمرين، الأول: أن المراد ترك المقابلة والإعراض عن الجواب، لأن ذلك أقرب إلى تسكين الثائرة في الوقت، فكأنه تعالى أمر الرسول بالعفو والصفح عن اليهود فكذا أمره بالعفو والصفح عن مشركي العرب بقوله تعالى: {قُل لّلَّذِينَ ءامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} [الجاثية: 14] وقوله: {واهجرهم هَجْرًا جميلًا} [المزمل: 10] ولذلك لم يأمر بذلك على الدوام بل علقه بغاية فقال: {حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} وذكروا فيه وجوهًا:
أحدها: أنه المجازاة يوم القيامة عن الحسن، وثانيها: أنه قوة الرسول وكثرة أمته.
وثالثها: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين، إنه الأمر بالقتال لأن عنده يتعين أحد أمرين: إما الإسلام، وإما الخضوع لدفع الجزية وتحمل الذل والصغار، فلهذا قال العلماء: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الأخر} [التوبة: 29] وعن الباقر رضي الله عنه أنه لم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال حتى نزل جبريل عليه السلام بقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يقاتلون بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} [الحج: 39] وقلده سيفًا فكان أول قتال قاتل أصحاب عبد الله بن جحش ببطن نخل وبعده غزوة بدر، وههنا سؤالان: السؤال الأول: كيف يكون منسوخًا وهو معلق بغاية كقوله: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل} [البقرة: 187] وإن لم يكن ورود الليل ناسخًا فكذا ههنا، الجواب: أن الغاية التي يعلق بها الأمر إذا كانت لا تعلم إلا شرعًا لم يخرج ذلك الوارد شرعًا عن أن يكون ناسخًا ويحل محل قوله: {فاعفوا واصفحوا} إلى أن أنسخه عنكم.
السؤال الثاني: كيف يعفون ويصفحون والكفار كانوا أصحاب الشوكة والقوة والصفح لا يكون إلا عن قدرة؟ والجواب: أن الرجل من المسلمين كان ينال بالأذى فيقدر في تلك الحالة قبل اجتماع الأعداء أن يدفع عدوه عن نفسه وأن يستعين بأصحابه، فأمر الله تعالى عند ذلك بالعفو والصفح كي لا يهيجوا شرًا وقتالًا.
القول الثاني: في التفسير قوله: {فاعفوا واصفحوا} حسن الاستدعاء، واستعمل ما يلزم فيه من النصح والإشفاق والتشدد فيه، وعلى هذا التفسير لا يجوز نسخه وإنما يجوز نسخه على التفسير الأول. اهـ.

.قال الألوسي:

{فاعفوا واصفحوا} العفو ترك عقوبة المذنب، والصفح ترك التثريب والتأنيب وهو أبلغ من العفو إذ قد يعفو الإنسان ولا يصفح، ولعله مأخوذ من تولية صفحة الوجه إعراضًا أو من تصفحت الورقة إذا تجاوزت عما فيها.
وآثر العفو على الصبر على أذاهم إيذانًا بتمكين المؤمنين ترهيبًا للكافرين.
{حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} هو واحد الأوامر؛ والمراد به الأمر بالقتال بقوله سبحانه: {قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} إلى {وَهُمْ صاغرون} [التوبة: 9 2] أو الأمر بقتل قريظة وإجلاء بني النضير، وقيل: واحد الأمور، والمراد به القيامة أو المجازاة يومها أو قوة الرسالة وكثرة الأمة، ومن الناس من فسر الصفح بالاعراض عنهم وترك مخالطتهم وجعل غاية العفو إتيان آية القتال وغاية الإعراض إتيان الله تعالى أمره، وفسره بإسلام من أسلم منهم كما قاله الكلبي وليس بشيء لأنه يستلزم أن يحمل الأمر على واحد الأوامر وواحد الأمور، وهو عند المحققين جمع بين الحقيقة والمجاز، وعن قتادة والسدي، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن الآية منسوخة بآية السيف، واستشكل ذلك بأن النسخ لكونه بيانًا لمدة الانتهاء بالنسبة إلى الشارع ودفعًا للتأبيد الظاهري من الإطلاق بالنسبة إلينا يقتضي أن يكون الحكم المنسوخ خاليًا عن التوقيت والتأبيد فإنه لو كان مؤقتًا كان الناسخ بيانًا له بالنسبة إلينا أيضًا ولو كان مؤبدًا كان بدءًا لا بيانًا بالنسبة إلى الشارع والأمر هاهنا مؤقت بالغاية وكونها غير معلومة يقتضي أن تكون آية القتال بيانًا لإجماله وبذلك تبين ضعف ما أجاب به الإمام الرازي وتبعه فيه كثيرون من أن الغاية التي يتعلق بها الأمر إذا كانت لا تعلم إلا شرعًا لم يخرج الوارد من أن يكون ناسخًا ويحل محل {فاعفوا واصفحوا} إلى أن أنسخه لكم فليس هذا مثل قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى اليل} [البقرة: 187] وأما تأييد الطيبي له بحكم التوراة والإنجيل لأنه ذكر فيهما انتهاء مدة الحكم بهما بإرسال النبي الأمي بنحو قوله تعالى: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الامى الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ في التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157] وكان ظهوره صلى الله عليه وسلم نسخًا فيرد عليه ما في التلويح من أن الواقع فيهما البشارة بشرع النبي صلى الله عليه وسلم، وإيجاب الرجوع إليه وذلك لا يقتضي توقيت الأحكام لاحتمال أن يكون الرجوع إليه باعتبار كونه مفسرًا أو مقررًا أو مبدلًا للبعض دون البعض فمن أين يلزم التوقيت بل هي مطلقة يفهم منها التأبيد فتبديلها يكون نسخًا؛ وأجيب عن الاستشكال بأنه لا يبعد أن يقال: إن القائلين بالنسخ أرادوا به البيان مجازًا أو يقال: لعلهم فسروا الغاية باماتتهم أو بقيام الساعة، والتأبيد إنما ينافي إطلاق الحكم إذا كان غاية للوجوب، وأما إذا كان غاية للواجب فلا، ويجري فيه النسخ عند الجمهور قاله مولانا الساليكوتي إلا أن الظاهر لا يساعده فتدبر. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}.
رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: نَسَخَتْهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} وقَوْله تَعَالَى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} وقَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ}.
قَالَ: نَسَخَ هَذَا كُلَّهُ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وقَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ} الْآيَةُ، وَمِثْلُهُ قوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} وقَوْله تَعَالَى: {ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُتَارَكَةً.
فَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا أُنْزِلَتْ قَبْلَ لُزُومِ فَرْضِ الْقِتَالِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ؛ وَإِنَّمَا كَانَ الْغَرَضُ الدُّعَاءَ إلَى الدِّينِ حِينَئِذٍ بِالْحِجَاجِ وَالنَّظَرِ فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ، وَأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُوجَدُ مَعَ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَنَحْوُهُ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} وقَوْله تَعَالَى: {قَالْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} وقَوْله تَعَالَى: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى} {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} وَنَحْوُهَا مِنْ الْآيِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا أَظْهَرْهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ ثُمَّ لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقِتَالِ بَعْدَ قَطْعِ الْعُذْرِ فِي الْحِجَاجِ وَتَقْرِيرِهِ عِنْدَهُمْ حِينَ اسْتَقَرَّتْ آيَاتُهُ وَمُعْجِزَاتُهُ عِنْدَ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي وَالدَّانِي وَالْقَاصِي بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْأَخْبَارِ الْمُسْتَفِيضَةِ الَّتِي لَا يُكَذَّبُ مِثْلُهَا وَسَنَذْكُرُ فَرْضَ الْقِتَالِ عِنْدَ مَصِيرِنَا إلَى الْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ}.
هذه الآية في أهل الكتاب كما هو واضح من السياق، والأمر في قوله: {بِأَمْرِهِ}.
قال بعض العلماء: هو واحد الأوامر.
وقال بعضهم: هو واحد الأمور، فعلى القول الأول، بأنه الأمر الذي هو ضد النهي، فإن الأمر المذكور هو المصرَّح به في قوله: {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، وعلى القول بأنه واحد الأمور، فهو ما صرح الله به في الآيات الدالة على ما أوقع باليهود من القتل والتشريد كقوله: {فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء لَعَذَّبَهُمْ} [الحشر: 2- 3] الآية، إلى غير ذلك من الآيات، والآية غير منسوخة على التحقيق. اهـ.