فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {... لأحتنكن ذُرِّيته إلاّ قليلًا}
فيه ستة تأويلات:
أحدها: معناه لأستولين عليهم بالغلبة، قاله ابن عباس.
الثاني: معناه لأضلنهم بالإغواء.
الثالث: لأستأصلنهم بالإغواء.
الرابع: لأستميلنهم، قاله الأخفش.
الخامس: لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل يجذبها وهو افتعال من الحنك إشارة إلى حنك الدابة.
السادس: معناه لأقطعنهم إلى المعاصي، قال الشاعر:
أشْكوا إليك سَنَةً قد أجحفت ** جهْدًا إلى جهدٍ بنا وأضعفت

واحتنكَتْ أَمْولُنا واجتلفت

قوله عز وجل: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك}
فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: واستخف، وهذا قول الكلبي والفراء.
الثاني: واستجهل.
الثالث: واستذل من استطعت، قاله مجاهد.
{بصوتك} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه صوت الغناء واللهو، قاله مجاهد.
الثاني: أنه صوت المزمار، قاله الضحاك.
الثالث: بدعائك إلى معصية الله تعالى وطاعتك، قاله ابن عباس.
{وأجلب عليهم بخيلك ورجَلِكِ} والجلب هو السوْق بجلبه من السائق، وفي المثل: إذا لم تغلب فأجلب.
وقوله: {بخيلك ورجلك} أي بكل راكب وماشٍ في معاصي الله تعالى.
{وشاركهم في الأموال والأولاد} أما مشاركتهم في الأموال ففيها أربعة أوجه:
أحدها: أنها الأموال التي أصابوها من غير حلها، قاله مجاهد.
الثاني: أنها الأموال التي أنفقوها في معاصي الله تعالى، قاله الحسن.
الثالث: ما كانوا يحرّمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، قاله ابن عباس.
الرابع: ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الضحاك.
وأما مشاركتهم في الأولاد ففيها أربعة أوجه:
أحدها: أنهم أولاد الزنى، قاله مجاهد.
الثاني: أنه قتل الموؤودة من أولادهم، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه صبغة أولادهم في الكفر حتى هوّدوهم ونصّروهم، قاله قتادة. الرابع: أنه تسمية أولادهم عبيد آلهتهم كعبد شمس وعبد العزَّى وعبد اللات، رواه أبو صالح عن ابن عباس. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)}.
المعنى: واذكر إذ قلنا، وكذلك {إذ} [الإسراء: 60] في الآية المتقدمة: هي منصوبة بفعل مضمر، وقد تقدم في غير موضع ذكر خلق آدم وأمر السجود، واختلف في قوله: {إلا إبليس} فقيل هو استثناء منقطع، لأن {إبليس} لم يكن من الملائكة، وقيل هو متصل لأن إبليس من الملائكة، وقوله: {طينًا} يصح أن يكون تمييزًا، ويصح أن يكون حالًا، وقاس {إبليس} في هذه النازلة فأخطأ، وذلك أنه رأى الفضيلة لنفسه، من حيث رأى النار أفضل من الطين، وجهل أن الفضائل في الأشياء، إنما تكون حيث خصصها الله تعالى، ولا ينظر إلى أصولها. وذكر الطبري عن ابن عباس أن إبليس هو الذي أمره الله فأخذ من الأرض طينة آدم، والمشهور أنه ملك الموت، وكفر إبليس في أن جهل صفة العدل من الله تعالى، حين لحقته الأنفة، والكبر، وكان أصل ذلك الحسد، ولذلك قيل: إن أول ما عصي الله بالحسد، وظهر ذلك من إبليس، من قوله: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي} {أنا خير منه} [الأعراف: 11] حسبما ذكر الله في آية أخرى. فهذا هو النص بأن فعلك غير مستقيم، والكاف في قوله: {أرأيتك} هي كاف خطاب ومبالغة في التنبيه، لا موضع لها من الإعراب، فهي زائدة، ومعنى أرأيت: أتأملت ونحوه، كأن المخاطب بها ينبه المخاطب ليستجمع لما ينصه عليه بعد، وقال سيبويه: هي بمعنى أخبرني، ومثل بقوله أرأيتك زيدًا أبو من هو؟ وقاله الزجاج: في {آياتنا} [طه: 56] ولم يمثل، وقول سيبويه: صحيح حيث يكون بعدها استفهام كمثاله، وأما في هذه الآية، فهي كما قلت، وليست التي ذكر سيبويه رحمه الله، وقرأ ابن كثير: {أخرتني} بياء في الوصل والوقف، وهذا هو الأصل، وليس هذا الموضع كالقافية التي يحسن فيها الحذف، كمثل قول الأعشى: المتقارب:
فهل يمنعني ارتياد البلاد ** من حذر الموت أن يأتين

وقرأ نافع وأبو عمرو بالياء في الوصل وبحذفها في الوقف، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي: {أخرتن} بحذف الياء في الوصل والوقوف، وهذا تشبيه بياء قاض ونحوه، لكونها ياء متطرقة قبلها كسرة، ومنه قوله تعالى: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه} [هود: 105] وقوله: {لأحتنكن} معناه: لأميلن ولأجرن، وهو مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشد على حنكها بحبل أو غيره فتنقاد، وألسنة تحتنك المال، أي تجتره، ومنه قول الشاعر:
تشكو إليك سنة قد أجحفت ** جهدًا إلى جهة بنا فأضعفت

واحتنكت أموالنا وجلفت

ومن هذا الشعر، قال الطبري {لأحتنكن} معناه: لاستأصلن، وعبر ابن عباس في ذلك ب لأستولين، وقال ابن زيد لأضلن، وهذا بدل اللفظ لا تفسير، وحكم إبليس بهذا الحكم على ذرية آدم، من حيث رأى الخلقة مجوفة مختلفة الأجزاء وما اقترن بها من الشهوات والعوارض، كالغضب ونحوه، ثم استثنى القليل، لعلمه أنه لابد أن يكون في ذريته من يصلب في طاعة الله، وقوله: {اذهب} وما بعده من الأوامر، هو صيغة افعل من التهديد، كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] و{تبعك} معناه في طريق الكفر الذي تدعو إليه، فالآية في الكفار وفي من ينفذ عليه الوعيد من العصاة وقوله: {جزاء} مصدر في موضع الحال، والموفور المكمل {واستفزز} معناه استخف واخدع حتى يقع في إرادتك، تقول استفزني فلان في كذا إذا خدعك حتى تقع في أمر أراده، ومن الخفة قيل لولد البقرة فز ومثله قول زهير:
كما استغاث بسيىء فز غيطلة ** خاف العيون فلم ينظر به الحشك

والصوت هنا: هو الغناء والمزامير والملاهي، لأنها أصوات كلها مختصة بالمعاصي، فهي مضافة إلى {الشيطان}، قاله مجاهد، وقيل معناه: بدعائك إياهم إلى طاعتك، قال ابن عباس: صوته، كل داع إلى معصية الله، والصواب أن يكون الصوت يعم جميع ذلك. وقوله: {وأجلب} أي هول؛ والجلبة: الصوت الكثير المختلط الهائل، وقرأ الحسن: {واجلُب} بوصل الألف وضم اللام. وقوله: {بخيلك ورجلك} قيل هذا مجاز واستعارة، بمعنى: اسع سعيك، وابلغ جهدك، وقيل معناه: أن له من الجن خيلًا ورجلًا، قاله قتادة، وقيل المراد: فرسان الناس ورجالتهم، المتصرفون في الباطل، فإنهم كلهم أعوان إبليس على غيرهم، قاله مجاهد وقرأ الجمهور: {ورجْلك} بسكون الجيم، وهو جمع راجل، كتاجر وتجر، وصاحب وصحب، وشارب وشرب، وقرأ حفص عن عاصم: {ورجِلك} بكسر الجيم على وزن فعل، وكذلك قرأ الحسن وأبو عمرو بخلاف عنه، وهي صفة؛ تقول فلان يمشي رجلًا، غير راكب، ومنه قول الشاعر: البسيط:
أنا أقاتل عن ديني على فرسي ** ولا كذا رجلًا إلا بأصحابي

وقرأ قتادة وعكرمة: {ورجالك وشاركهم في الأموال} عام: لكل معصية يصنعها الناس بالمال، فإن ذلك المصرف في المعصية، هو خط إبليس، فمن ذلك البحائر وشبهها، ومن ذلك مهر البغي، وثمن الخمر، وحلوان الكاهن، والربا، وغير ذلك مما يوجد في الناس دأبًا. وقوله: {والأولاد} عام لكل ما يصنع في أمر الذرية من المعاصي فمن ذلك الإيلاد بالزنا، ومن ذلك تسميتهم عبد شمس، وعبد الجدي، وأبا الكويفر، وكل اسم مكروه ومن ذلك الوأد الذي كانت العرب تفعله، ومن ذلك صنعهم في أديان الكفر، وغير هذا، وما أدخل النقاش من وطء الجن وأنه تحبل المرأة من الإنس فضعيف كله. وقوله: {وعدهم} أي منّهم بما لا يتم لهم، وبأنهم غير مبعوثين، فهذه مشاركة في النفوس، ثم أخبر الله تعالى أنه يعدهم {غرورًا} منه، لأنه لا يغني عنهم شيئًا، وقوله: {إن عبادي} الآية، قول من الله تعالى لإبليس، وقوله: {عبادي} يريد المؤمنين في الكفر، والمتقين في المعاصي، وخصهم باسم العباد، وإن كان اسمًا عامًا لجميع الخلق، من حيث قصد تشريفهم والتنويه بهم، كما يقول رجل لأحد بنيه إذا رأى منه ما يحب: هذا ابني، على معنى التنبيه منه والتشريف له، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: «هذا خالي فليرني امرؤ خاله» والسلطان الملكة والتغلب، وتفسيره هنا بالحجة قلق، ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام: {وكفى بربك} يا محمد حافظًا للمؤمنين، وقيمًا على هدايتهم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)}.
قوله تعالى: {آسْجُدُ} قرأه الكوفيون: بهمزتين.
وقرأه الباقون: بهمزة مطوَّلة؛ وهذا استفهام إِنكار، يعني به: لم أكن لأفعل.
قوله تعالى: {لمن خلقتَ طينًا} قال الزجاج: {طينًا} منصوب على وجهين.
أحدهما: التمييز، المعنى: لمن خلقتَه من طين.
والثاني: على الحال، المعنى: أنشأتَه في حال كونه من طين.
ولفظ {قال أرأيتَك} جاء هاهنا بغير حرف عطف، لأن المعنى: قال آسجد لمن خلقتَ طينًا، وأرأيتَكَ، وهي في معنى: أخبرني، والكاف ذُكرت في المخاطبة توكيدًا، والجواب محذوف، والمعنى: أَخبِرني عن هذا الذي كرَّمت عليَّ، لم كرَّمتَهُ عليَّ وقد خلقتَني من نار وخلقتَه من طين؟! فحذف هذا، لأن في الكلام دليلًا عليه.
قوله تعالى: {لئن أَخَّرْتَنِ إِلى يوم القيامة} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمر: {أخرتني} بياء في الوصل.
ووقف ابن كثير بالياء.
وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، بغير ياء في وصل ولا في وقف.
قوله تعالى: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِيَّتَهُ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لأَستولِيَنَّ عليهم، قاله ابن عباس، والفراء.
والثاني: لأُضِلَّنَّهم، قاله ابن زيد.
والثالث: لأَستأصلنَّهم؛ يقال: احْتَنَكَ الجرادُ ما على الأرض: إِذا أكله؛ واحْتَنَكَ فلانٌ ما عند فلان من العلم: إِذا استقصاه، فالمعنى: لأَقودنَّهم كيف شئتُ، هذا قول ابن قتيبة.
فإن قيل: من أين عَلِمَ الغيب.
فقد أجبنا عنه في سورة [النساء: 119].
قوله تعالى: {إِلا قليلًا} قال ابن عباس: هم أولياء الله الذين عصمهم.
قوله تعالى: {قال اذهب} هذا اللفظ يتضمن إِنظاره؛ {فمن تبعك}، أي: تبع أمرك منهم، يعني: ذرية آدم.
والموفور: الموفَّر.
قال ابن قتيبة: يقال: وفَّرْتُ ماله عليه، ووَفَرْتُه، بالتخفيف والتشديد.
قوله تعالى: {واستَفْزِز مَن استطعتَ منهم} قال ابن قتيبة: اسْتَخِفَّ، ومنه تقول: استَفَزَّني فلان.
وفي المراد بصوته قولان.
أحدهما: أنه كل داعٍ دعا إِلى معصية الله، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الغناء والمزامير، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {وأَجْلِب عليهم} أي: صِح {بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ} واحثثهم عليهم بالإِغراء؛ يقال: أجلبَ القوم وجلَّبوا: إِذا صاحوا.
وقال الزجاج: المعنى: اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك؛ فعلى هذا تكون الباء زائدة.
قال ابن قتيبة: والرَّجْلُ: الرَّجَّالة؛ يقال: رَاجِلٌ ورَجْل، مثل تاجر وتَجْر، وصاحِب وصَحْب.
قال ابن عباس: كلّ خيل تسير في معصية الله، وكلّ رَجُل يسير في معصية الله.
وقال قتادة: إِن له خيلًا ورَجْلًا من الجن والإِنس.
وروى حفص عن عاصم: {بخيلك ورَجِلِكَ} بكسر الجيم، وهي قراءة ابن عباس، وابي رزين، وأبي عبد الرحمن السُّلَمي.
قال أبو زيد: يقال: رَجُلٌ رَجِلٌ: للراجل، ويقال: جاءنا حافيًا رجِلًا.
وقرأ ابن السميفع، والجحدري: {بخيلك ورُجَّالك} برفع الراء وتشديد الجيم مفتوحة وبألف بعدها.
وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعكرمة: {ورِجَالك} بكسر الراء وتخفيف الجيم مع ألف.
قوله تعالى: {وشاركهم في الأموال} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنها ما كانوا يحرِّمونه من أنعامهم، رواه عطية عن ابن عباس.
والثاني: الأموال التي أصيبت من حرام، قاله مجاهد.
والثالث: التي أنفقوها في معاصي الله، قاله الحسن.
والرابع: ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الضحاك.
فأما مشاركته إِياهم في الأولاد، ففيها أربعة أقوال.
أحدها: أنهم أولاد الزنا، رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك.
والثاني: الموؤودة من أولادهم، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أنه تسمية أولادهم عبيدًا لأوثانهم، كعبد شمس، وعبد العزى، وعبد مناف، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والرابع: ما مَجَّسُوا وهوَّدُوا ونصَّرُوا، وصبغُوا من أولادهم غير صبغة الإِسلام، قاله الحسن، وقتادة.
قوله تعالى: {وعِدْهم} قد ذكرناه في قوله: {يعدهم ويمنِّيهم...} إِلى آخر الآية [النساء: 120].
وهذه الآية لفظها لفظ الأمر، ومعناها التهديد، ومثلها في الكلام أن تقول للانسان: اجهد جهدك فسترى ما ينزل بك.
قال الزجاج: إذا تقدم الأمرَ نهيٌ عما يؤمر به، فمعناه التهديد والوعيد، تقول للرجل: لا تدخُلَنْ هذه الدار؛ فإذا حاول أن يدخلها قلت: ادخُلها وأنت رجل، فلستَ تأمره بدخولها، ولكنك تُوعِده وتهدِّده، ومثله {اعملوا ما شئتم} [فصِّلت: 40]، وقد نُهُوا أن يعملوا بالمعاصي.
وقال ابن الأنباري: هذا أمر معناه التهديد، تقديره: إِن فعلت هذا عاقبناك وعذَّبناك، فنقل إِلى لفظ الأمر عن الشرط، كقوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29].
قوله تعالى: {إِن عبادي ليس لك عليهم سلطان} قد شرحناه في [الحجر: 42].
قوله تعالى: {وكفى بربك وكيلًا} قال الزجاج: كفى به وكيلًا لأوليائه يعصمهم من القبول من إِبليس. اهـ.