فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)}.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: {قَالَ اذهب} هذا أمر إهانة. أي اجهد جهدك، فقد أنظرناك {فَمَن تَبِعَكَ} أي أطاعك من ذرية آدم {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا} أي وافرًا. عن مجاهد وغيره. وقال الزمخشري وأبو حيان: {اذهب} ليس من الذهاب الذي هو نقيض المجيء، وإنما معناه: امض لشأنك الذي اخترته. وعقبه بذكر ما جره سوء اختياره في قوله: {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا}.
وهذا الوعيد الذي أوعبد به إبليس ومن تبعه في هذه الآية الكريمة بينه أيضًا في مواضع أخر. كقوله: {قَالَ فالحق والحق أَقُولُ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 84-85]، وقوله: {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ والغاوون وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [الشعراء: 94-95] إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {جَزَاءً} مفعول مطلق منصوب بالمصدر قبله. على حد قول ابن مالك في الخلاصة:
بمثله أو فعل أو وصف نصب ** وكونه أصلًا لهذين انتخب

والذي يظهر لي: أن قول من قال إن {موفورًا} بمعني وافر لا داعي له. بل {موفورًا} اسم مفعول على بابه.
من قولهم: وفر الشيء يفره، فالفاعل وافر، والمفعول موفور. ومنه قول زهير:
ومن يجعل المعرو من دون عرضه ** يفره ومن لا يتق اشتم يشتم

وعليه: فالمعنى جزاء مكملًا متممًا. وتستعمل هذه المادة لأزمة أيضًا تقول: وفر ماله فهو وافر. أي كثير. وقوله: {موفورًا} نعت للمصدر قبله كما هو واضح، والعلم عند الله تعالى.
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: هذا أمر قدري. كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83] أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجًا، وتسوقهم إليها سوقًا انتهى.
قال مقيدة عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن صيغ الأمر في قوله: {واستفزز}، وقوله: {وَأَجْلِبْ ً}، وقوله: {وَشَارِكْهُمْ} إنما هي للتهديد، أي افعل ذلك فسترى عاقبته الوخيمة. كقوله: {إاعملوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وبهذا جزم أبو حيان في البحر، وهو واضح كما ترى. وقوله: {واستفزز} أي استخف م استطعت أن تستفزه منهم. فالمفعول محذوف لدلالة المقام عليه. والاستفزاز: الاستخفاف. ورجل فز: أي خفيف. ومنه قيل لولد البقرة: فزز لخفة حركته. ومنه قول زهير:
كما استغاث بسيىء فز غليطة ** خاف العيون ولم ينظر به الحشك

والسيىء في بيت زهير بالسين المهملة مفتوحة بعدها ياء ساكنة وآخره همز: اللبن الذي يكون في أطراف الأخلاف قبل نزول الدرة. والحشك اصله السكون. لأنه مصدر حشكت الدرة: إذا امتلأت، وإنما حركه زهير للوزن. والغليظة هنا: بقرة الوحش ذات اللبن. وقوله: {بِصَوْتِكَ} قال مجاهد: هو اللهو والغناء والمزامير. أي استخف من استطعت أن تستخفه منهم باللهم والغناء والمزامير. وقال ابن عباس: صوته يشمل كل داع دعا إلى معصية. لأن ذلك إنما وقع طاعة له. وقيل {بِصَوْتِكًَ}: أي وسوستك. وقوله: {وَأَجْلِبْ} اصل الإجلاب: السوق بجلبة من السائق. والجلبة: الأصوات. تقول العرب: أجلب على فرسه، وجلب عليه: إذا صاح به من خلف واستحثه للسبق. والخي تطلق على نفس الأفراس، وعلى الفوارس الراكبين عليها، وهو المراد في الآية. والرجل: جمع راجل، كما قدمنا أن التحقيق جمع الفاعل وصفا على فعل بفتح فسكون وأوضحنا أمثلته بكثرة، واخترنا أنه جمع موزد أغفله الصرفيون: إذ ليست فعل بفتح فسكون عندهم من صيغ الجموع. فيقولون فيما ورد من ذلك كراجل ورجل، وصاحب وصحب، وراكب وركب، وشارب وشرب- إنه اسم جمع لا جمع. وهو خلاف التحقيق.
وقرأ حفص عن عاصم: {ورجلك} بكسر الجيم لغة في الرجل جمع راجل. وقال الزمخشري: هذهى القراءة على أن فعلًا بمعنى فاعل، نحو تعب وتاعب ومعناه وجمعك الرجل. اهـ. أي الماشيين على أرجلهم.
{وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد}.
أما مشراركته لهم في الأموال- فعلى أصناف منها: ما حرموا على أنفسهم من أموالهم طاعة له.
كالبحائر والسوائب ونحو ذلك، وما يأمرهم به من إنفاق اللأموال في معصية الله تعالى، وما يأمرهم به من اكتساب الأموال بالطرق المحرمة شرعًا كالربا والغصب وأنواع الخيانات. لأنهم إنما فعلو ذلك طاعة له.
أما مشاركته لهم في الأولاد فعلى اصناف أيضًا:
منها- قتلهم بعض أولادهم طاعة له.
ومنها- أنهم يمجسون أولادهمويهودونهم وينصرونهم طاعة له ومولاة.
ومنها- تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد العزى ونحو ذلك، لأنهم بذلك سموا أولادهم عبيدًا لغير الله طاعة له. ومن ذلك أولاد الزنى. لأنهم إنما تسببوا في وجودهم بارتكاب الفاحشة طاعة له إلى غير ذلك.
فإذا عرفت هذا- فاعلم أن الله قد بين في آيات من كتابه بعض ما تضمنته هذه الآيو من مشاركة الشيطان لهم في الأموال والأولاد، كقوله: {قَدْ خَسِرَ الذين قتلوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ الله افترآء عَلَى الله قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140] فقتلهم اولادهم المذكور في هذه الآية طاعة للشيطان مشاركة منه لهم في أولادهم ايضًا. وكقوله: {وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيبًا فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا} [الأنعام: 136] الآية، وكقوله: {وَقَالُواْ هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا افترآء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 138]، وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} [يونس: 59]، غلى غير ذلك من الآيات. ومن الآحاديث المبينة بعض مشاركته لهم فيما ذكر- ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» وما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو أن أحدكم إذاأراد أن يأتي أهله فقال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان» انتهى.
فاجتيال الشياطين لهم عن دينهم، وتحريمها عليهم ما أحل الله لهم في الحديث الأول، وضرها لهم لو تركوا التسمية في الحديث الثاني: كل ذلك من أنواع مشاركتهم فيهم. وقوله: «فاجتالهم» أصله افتعل من الجولان: أي استخفتهم الشياطين فجالوا معهم في الضلال. يقال: جال واجتال: إذا ذهب وجاء، ومنه الجولان في الحرب: واجتال الشيء: إذا ذهب به وساقه. واللعم عند الله تعالى. والأمر في قوله: {وَعِدْهُمْ} كالأمر في قوله: {واستفزز}، وقوله: {وَأَجْلِب}. وقد قدمنا أنه للتهديد.
وقوله: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إِلاَّ غُرُورًا} بين فيه أن مواعيد الشيطان كلها غرور وباطل. كوعده لهم بأن الأصنام تشفع لهم وتقربهم عند الله زلفى، وأن الله لما جعل لهم المال والولد في الدنيا سيجعل لهم مثل ذلك في الآخرة، إلى غير ذلك من المواعيد الكاذبة.
وقد بين تعالى هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُورًا} [النساء: 120]، وقوله: {ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وارتبتم وَغرَّتْكُمُ الأماني حتى جَآءَ أَمْرُ الله وَغَرَّكُم بالله الغرور} [الحديد: 14]، وقوله: {وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم: 22]، إلى غير ذلك من الآيات. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)}.
أي: تذكّروا أن الحسد قديم قِدَم وجود الإنسان على هذه الأرض، تذكّروا ما كان من أمر آدم عليه السلام وإبليس لعنه الله، فهي مسألة قديمة ومستمرة في البشر إلى يوم القيامة.
والمعنى: واذكُرْ يا محمد، وليذكر معك قومك إذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم. وسبق أنْ تكلمنا عن السجود، ونشير هنا إلى أن السجود لا يكون إلا الله تعالى، لكن إذا كان الأمر بالسجود لغير الله من الله تعالى، فليس لأحد أن يعترض على هذا السجود؛ لأنه بأمر الله الذي يعلم أن سجودهم لآدم ليس عَيْبًا وليس قَدْحًا في دينهم وعبوديتهم للحق سبحانه وتعالى؛ لأن العبودية طاعة أوامر.
والمراد بالملائكة المدبرات أمرًا، الذين قال الله فيهم: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ..} [الرعد: 11]
وقد أمرهم الله بالسجود لآدم؛ لأنه سيكون أبا البشر، وسوف يُسخّر له الكون كله، حتى هؤلاء الملائكة سيكونون في خدمته؛ لذلك أمرهم الله بالسجود له سجودَ طاعة وخضوع لما أريده منكم، إذن: السجود لآدم ليس خضوعًا لآدم، بل خضوعًا لأمر الله لهم.
وقوله تعالى: {إَلاَّ إِبْلِيسَ..} [الإسراء: 61]
فهِم البعض منها أن إبليس كان من الملائكة، ونحن نعذر أصحاب هذا الفهم لو عزلنا هذه الآية عن بقية الآيات التي تحدثتْ عن هذه القضية، لكن طالما نتكلم في موضوع عام مثل هذا، فيجب استحضار جميع الآيات الواردة فيه لتتضح لنا الصورة كاملة.
فإذا كان دليل أصحاب هذا القول: الالتزام بأن الله قال: {فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ..} [الإسراء: 61]
وقد كان الأمر للملائكة فهو منهم، سوف نُسلِّم لهم جدلًا بصحة قولهم، لكن ماذا يقولون في قَوْل الحق سبحانه في القرآن الذي أخذوا منه حجتهم: {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ..} [الكهف: 50]
فإنْ كان دليلكم الالتزام، فدليلنا نصٌّ صريح في أنه من الجن، فإنْ قال قائل: كيف يكون من الجن ويُؤاخَذ على أنه لم يسجد؟
نقول: إبليس من الجن بالنصِّ الصريح للقرآن الكريم، لكن الحق سبحانه وتعالى آخذه على عدم السجود لآدم واعتبره من الملائكة؛ لأنه كان مطيعًا عن اختيار، والملائكة مطيعون عن جِبلَّة وعن طبيعة.
فبذلك كانت منزلة إبليس أعلى من منزلة الملائكة، لأنه مختار أن يطيع أو أن يعصي، لكنه أطاع مع قدرته على العصيان فأصبح جليس الملائكة، بل طاووس الملائكة الذي يزهو عليهم ويتباهى بأنه صالح للاختيار في العصيان، ومع ذلك ألزم نفسه منهج الله.
فإذا أصبح في منزلة أعلى من الملائكة وأصبح في حضرتهم، فإن الأمر إذا توجَّه إلى الأدنى في الطاعة فإن الأعلى أَوْلَى بهذا الأمر، وكذلك إن اعتبرناه أقلّ منهم منزلة، وجاء الأمر للملائكة بالسجود فإن الأمر للأعلى أمر كذلك للأدنى، وهكذا إنْ كان أعلى فعليه أن يسجد، وإنْ كان أدنى فعليه أنْ يسجدَ.
وقد ضربنا لذلك مثلًا- ولله المثل الأعلى- إذا دخل رئيس الجمهورية على الوزراء فإنهم يقومون له إجلالًا واحترامًا، وهَبْ أن معهم وكلاء وزارات فإنهم سوف يقومون أيضًا؛ لأنهم ارتفعوا إلى مكان وجودهم.
ومن الإشكالات التي أثارها المستشرقون حول هذا الموضوع اعتراضهم على قول القرآن عن إبليس مرة: {أَبَى} ومرة أخرى: {اسْتَكْبَرَ} ومرة: {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} وكذلك قوله مرة: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ..} [ص: 75]، ومرة أخرى يقول: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ..} [الأعراف: 12]
وقد سبق أن تحدثنا عن قصور هؤلاء في فَهْم أساليب العربية؛ لأنها ليستْ لديهم ملَكَة، والمتأمل في هذه الأساليب يجدها منسجمة يُكمل بعضها بعضًا.
فالإباء قد يكون مجرد امتناع لا عن استكبار، فالحق سبحانه يريد أن يقول: إنه أبى استكبارًا، فتنوّع الأسلوب القرآني ليعطينا هذا المعنى.
أما قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ..} [ص: 75] و{مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ..} [الأعراف: 12]
صحيح أن في الأولى إثباتًا وفي الأخرى نفيًا، والنظرة العَجْلَى تقول: إن ثمة تعارضًا بين الآيتين، مما حمل العلماء على القول بأن لا في الآية الثانية زائدة، فالأصل {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ..} [ص: 75]
والقول بوجود حروف زائدة في كتاب الله قول لا يليق، ونُنزّه المتكلم سبحانه أن يكون في كلامه زيادة، والمتأدب منهم يقول لا حرف وَصْل، كأنه يستنكف أن يقول: زائدة.
والحقيقة أن لا هنا ليست زائدة، وليست للوَصْل، بل هي تأسيس يضيف معنى جديدًا، لأن {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ..} [ص: 75] كأنه همَّ أن يسجد، فجاءه مَنْ يمنعه عن السجود، لأنه لا يقال: ما منع من كذا إلا إذا كان لديك استعداد للفعل، وإلا من أيّ شيء سيمنعك؟
أما و{مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ..} [الأعراف: 12] تعني: ما منعك بإقناعك بأن لا تسجد، فالمعنيان مختلفان، ونحن في حاجة إليهما معًا.
ثم يقول تعالى: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا..} [الإسراء: 61]
والهمزة للاستفهام الذي يحمل معنى الاعتراض أو الاستنكار، وقد فُسِّرت هذه الآية بآيات أخرى، مثل قوله تعالى: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12]
فالمخلوقية لله مُتفق عليها، إنما الاختلاف في عنصر المخلوقية هذا من نار وهذا من طين، لكن من قال لك يا إبليس: إن النار فوق الطين، أو خير منه؟ من أين أتيتَ بهذه المقولة وكلاهما مخلوق لله، وله مهمة في الكون؟ وهل نستطيع أن نقول: إن العين خير من الأذن مثلًا؟ أم أن لكل منهما مهمتها التي لا تؤديها الأخرى؟