فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)}.
أخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في الآية قال: حسد إبليس آدم عليه السلام على ما أعطاه الله من كرامة وقال: أنا ناري، وهذا طيني، فكان بدء الذنوب الكبر.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال إبليس: إن آدم خلق من تراب ومن طين خلق ضعيفًا، وإني خلقت من نار والنار تحرق كل شيء {لأحتنكن ذريته إلا قليلًا} فصدق ظنه عليهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لأحتنكن} قال: لأستولين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {لأحتنكن ذريته} قال: لأحتوينهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {لأحتنكن ذريته} قال: لأضلنهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {جزاء موفورًا} قال: وافرًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورًا} يقول: يوفر عذابها للكافر فلا يدخر عنهم منها شيء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قال: صوته كل داع دعا إلى معصية الله {وأجلب عليهم بخيلك} قال: كل راكب في معصية الله {وشاركهم في الأموال} قال: كل مال في معصية الله {والأولاد} قال: ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فيهم الحرام.
وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد} قال: كل خيل تسير في معصية الله، وكل رجل يمشي في معصية الله، وكل مال أخذ بغير حقه وكل ولد زنا.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قال: استنزل من استطعت منهم بالغناء والمزامير واللهو والباطل {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} قال كل راكب وماش في معاصي الله {وشاركهم في الأموال والأولاد} قال: كل مال أخذ بغير طاعة الله تعالى، وأنفق في غير حقه، والأولاد، أولاد الزنا.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وشاركهم في الأموال والأولاد} قال: الأموال ما كانوا يحرمون من أنعامهم والأولاد أولاد الزنا.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه، عن ابن عباس في الآية قال: مشاركته في الأموال، ان جعلوا البحيرة والسائبة والوصيلة، لغير الله ومشاركته إياهم في الأولاد سمو عبد الحارث وعبد شمس.
وأخرج ابن مردويه، عن أنس رضي الله عنه رفعه قال: قال إبليس يا رب، إنك لعنتني واخرجتني من الجنة من أجل آدم، وإني لا أستطيعه إلا بك. قال: فأنت المسلط. قال: أي رب، زدني قال: {أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد}.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر، عن ثابت رضي الله عنه قال: بلغنا أن إبليس قال: يا رب، إنك خلقت آدم وجعلت بيني وبينه عداوة، فسلطني، قال: صدورهم مساكن لك. قال: رب زدني. قال: لا يولد لآدم ولد، إلا ولد لك عشرة. قال: رب زدني. قال: تجري منهم مجرى الدم. قال: رب زدني. قال: {أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد} فشكا آدم عليه السلام إبليس إلى ربه. قال: يا رب، إنك خلقت إبليس وجعلت بيني وبينه عداوة وبغضًا، وسلطته علي، وأنا لا أطيقه إلا بك. قال: لا يولد لك ولد إلا وكلت به ملكين يحفظانه من قرناء السوء. قال: رب زدني. قال: الحسنة بعشر أمثالها قال: رب زدني. قال: لا أحجب عن أحد من ولدك التوبة ما لم يغرغر. والله أعلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} قال: عبادي الذين قضيت لهم بالجنة، ليس لك عليهم أن يذنبوا ذنبًا، إلا أغفر لهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)}.
قوله تعالى: {طِينًا}: فيه أوجهُ، أحدُها: أنه حالٌ من {لِمَنْ} فالعاملُ فيها {أَاَسْجُدُ}، أو مِنْ عائد هذا الموصولِ، أي: خلقَته طِيْنًا، فالعاملُ فيها {خَلَقْتَ}، وجاز وقوعُ طين حالًا، وإن كان جامدًا، لدلالتِه على الأصالةِ كأنه قال: متأصِّلًا من طين. الثاني: أنه منصوبٌ على إسقاطِ الخافضِ، أي: مِنْ طين، كما صَرَّح به في الآية الأخرى: {وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [ص: 76]. الثالث: أن منتصبٌ على التمييز، قاله الزجاج، وتبعه ابنُ عطية، ولا يظهرُ ذلك إذ لم يتقدَّم إيهامُ ذاتٍ ولا نسبةٍ.
{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)}.
قوله تعالى: {أَرَأَيْتَكَ}: قد ذُكِرَتْ مستوفاةً في الأنعام. وقال الزمخشري: الكافُ ُللخطاب، و{هذا} مفعول به، والمعنى: أَخْبِرْني عن هذا الذي كَرَّمْتَه علي، أي: فَضَّلْتَه لِمَ كَرَّمْتَه وأن خيرٌ منه؟ فاختصر الكلامَ. وهذا قريبٌ من كلام الحوفي.
وقال ابنُ عطية: والكافُ في {أَرَأَيْتُكَ} حرفُ خطابٍ لا موضعَ لها من الإِعراب، ومعنى {أَرَأَيْتَ} أتأمَّلْتَ ونحوه، كأنَّ المخاطِبَ يُنَبِّه المخاطَب ليستجمعَ لما يَنُصُّ عليه بعدُ وقال سيبويه: وهي بمعنى أَخْبِرْني، ومَثَّل بقوله: أَرَأَيْتك زيدًا أبو من هو؟ وقولُ سيبويهِ صحيحٌ، حيث يكون بعدها استفهامٌ كمثالِه، وأمَّا في الآية فهي كما قلتُ، وليست التي ذكر سيبويهِ. قلت: وهذا الذي ذكره ليس بمُسَلَّمٍ، بل الآيةُ كمثالِه، غايةُ ما في البابِ أنَّ المفعولَ الثاني محذوفٌ وهو الجملةُ الاستفهاميةُ المقدَّرةُ، لانعقادِ الكلام مِنْ مبتدأ وخبر، لو قلت: هذا الذي كَرَّمْتَه عليَّ لِمَ كرَّمته؟
وقال الفراء: الكافُ في محلِّ نصب، أي: أَرَأَيْتَ نفسَك كقولك: أَتَدَبَّرْتَ أخرَ أمرِك فإني صانعٌ فيه كذا ثم ابتدأ: هذا الذي كرَّمْتَ عليَّ.
وقال أبو البقاء: والمفعولُ الثاني محذوفٌ، تقديرُه: تفضيلَه أو تكريمه. قلت. وهذا لا يجوز لأنَّ المفعول الثاني في هذا البابِ لا يكونَ إلا جملةً مشتملةً على استفهام.
قال الشيخ: ولو ذهبَ ذاهبٌ إلى أنَّ الجملة القسمية هي المفعولُ الثاني لكانَ حَسَنًا. قلت: يَرُدُّ ذلك التزامُ كونِ المفعولِ الثاني جملةً مشتملةً على استفهامٍ وقد تقرَّر جميعُ ذلك في الأنعام فعليك باعتباره هنا.
قوله: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} قرأ ابن كثير بإثباتِ ياءِ المتكلمِ وصلًا ووقفًا، ونافع وأبو عمرو بإثباتِها وَصْلًا وحَذْفِها وقفًا، وهذه قاعدةُ مَنْ ذُكِرَ في الياءاتِ الزائدةِ على الرسم، والباقون بحذفها وصلًا ووقفًا، هذا كلُّه في حرفِ هذه السورةِ، أمَّا الذي في المنافقين في قوله: {لولا أخرتني} [الآية: 10] فأثبتَه الكلُّ لثبوتِها في الرسمِ الكريم.
قوله: {لأحْتَنِكَنَّ} جوابُ القسمِ المُوَطَّأ له باللام. ومعنى {لأحْتَنِكَنَّ} لأَسْتَوْلِيَنَّ عليهم استيلاءَ مَنْ جَعَلَ في حَنَكِ الدابَّةِ حَبْلًا يقودُها به فلا تأبى ولا تَشْمُسُ عليه. يقال: حَنَك فلانٌ الدابةَ واحْتَنَكها، أي: فَعَل بها ذلك، واحْتَنَكَ الجرادُ الأرض: أكلَ نباتها قال:
نَشْكُو إليك سَنَةً قد أَجْحَفَتْ

جَهْدًا إلى جَهْدٍ بنا فأضعفَتْ

واحتنكَتْ أموالَنا وجَلَّفَتْ

وحكى سيبويه: أحْنَكُ الشاتَيْن، أي: آكَلُهما، أي: أكثرُهما أَكْلًا.
{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)}.
قوله تعالى: {اذهب فَمَن}: تقدَّم أنَّ الباءَ تُدْغَمُ في الفاءِ في ألفاظٍ منها هذه، عند أبي عمروٍ والكسائيِّ وحمزةَ في رواية خلاَّدٍ عنه بخلافٍ في قوله: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولئك} [الحجرات: 11].
قوله: {جزاؤُكم} يجوز أن يكونَ الخطابُ التغليبَ لأنه تقدَّم غائبٌ ومخاطبٌ في قولِه: {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} فغلَّب المخاطَب، ويجوز أن يكونَ الخطابُ مرادًا به {مَنْ} خاصةً ويكونُ ذلك على سبيل الالتفات.
قوله: {جَزاءً} في نصبِه أوجهٌ، أحدُها: أنه منصوبٌ على المصدرِ، الناصبُ له المصدرُ قبله، وهو مصدرٌ مبيِّن لنوعِ المصدرِ الأول. الثاني: أنه منصوبٌ على المصدرِ أيضًا لكن بمضمرٍ، أي: يُجازَوْن جزاءً. الثالث: أنه حالٌ موطِّئة كجاء زيد رجلًا صالحًا. الرابع: أنه تمييزٌ وهو غيرُ مُتَعَقَّل.
و{مَوْفُورًا} اسمُ مفعولٍ مِنْ وَفَرْتُه، ووفَرَ يُستعمل متعدِّيًا، ومنه قولُ زهير:
ومن يَجْعَلِ المعروفَ مِنْ دُوْنِ عِرْضِهِ ** يَفِرْه ومَنْ لا يَتَّقِ الشتم يُشْتَمِ

والآيةُ الكريمةُ من هذا، ويُستعمل لازمًا يقال: وَفَرَ المالُ.
قوله تعالى: {واستفزز}: جملةٌ أمريةٌ عُطِفَتْ على مِثلِها من قوله: {اذهَبْ}. و{مَنِ استطعت} يجوز فيه وجهان، أحدُهما: أنها موصولةُ في محلِّ نصب مفعولًا للاستفزاز، أي: استفزِزْ الذي استطعْتَ استفزازَه منهم. والثاني: أنها استفهاميةٌ منصوبةُ المحلِّ ب {استطعْتَ} قاله أبو البقاء، وليس بظاهرٍ لأنَّ {اسْتَفْزِزْ} يطلبه مفعولًا به، فلا يُطقع عنه، ولو جَعَلْناه استفهامًا لكان مُعَلَّقًا له، وليس هو بفعلٍ قلبي فيعلَّق.
والاسْتِفْزاز: الاستخفاف، واستفزَّني فلانٌ: استخفَّني حتى خَدَعني لمِا يريده. قال:
يُطيع سَفيهَ القوم إذ يستفزُّه ** ويَعْصي حليمًا شَيَّبَتْه الهزاهِزُ

ومنه سُمِّي ولدُ البقرة: فزًَّا، قال الشاعر:
كما استغاثَ بسَيْءٍ فَزُّ غَيْطَلَةٍ ** خافَ العيونَ ولم يُنْظَرْ به الحَشَكُ

وأصلُ الفَزِّ: القَطْعُ، يقال: تَفَزَّز الثوبُ، أي: تقطَّع.
قوله: {وأَجْلِبْ}، أي: اجْمَعْ عليهم الجموعَ مِنْ جُنْدِك يقال: أَجْلَبَ عليه وجَلَبَ، أي: جَمَعَ عليه الجموعَ. وقيل: أَجْلَبَ عليه: توعَّده بشرٍّ. وقيل: أَجْلَبَ عليه: أعان، وأجلب، أي: صاح صِياحًا شديدًا، ومنه الجَلَبَة، أي: الصِّياح.
قوله: {وَرَجِلِك} قرأ حفصٌ بكسرِ الجيمِ، والباقون بسكونها، فقراءة حفصٍ: رَجِل فيها بمعنى رَجُل بالضم بمعنى راجل يُقال: رَجِلَ يَرْجَلُ إذا صار راجِلًا، فيكون مثل: حَذِر وحَذُر، ونَدِس ونَدُس، وهو مفردٌ أريد به الجمعُ. وقال ابن عطية: هي صفةٌ يقال: فلان يمشي رَجِلًا إذا كان غيرَ راكبٍ، ومنه قولُ الشاعر:
رَجِلًا إلا بأصحابي

قلت: يشير إلى البيتِ المشهور وهو:
فما أُقاتلُ عن ديني على فَرَسي ** إلا كذا رَجِلًا إلا بأصحابي

أراد: فارسًا ولا راجلًا.
وقال الزمخشريُّ: على أن فَعِلًا بمعنى فاعِل نحو: تَعِب وتاعب، ومعناه: وجَمْعك الرَّجِلُ، وتُضَمُّ جيمُه أيضًا فيكون مثلَ: حَذُر وحَذِر، ونَدُس ونَدِس، وأخواتٍ لهما.
وأما قراءةُ الباقين فتحتملُ أَنْ تكون تخفيفًا مِنْ رَجِل بكسر الجيم أو ضمِّها، والمشهورُ: أنه اسمُ جمع لراجِل كرَكْب وصَحْب في راكِب وصاحِب. والأخفش يجعل هذا النحوَ جمعًا صريحًا.
وقرأ عكرمةُ {ورِجالك} جمع رَجِل بمعنى راجِل، أو جمع راجِل كقائم وقيام. وقرئ: {ورُجَّالك} بضمِّ الراء وتشديد الجيم، وهو جمع راجِل كضارِب وضُرَّاب.
والباء في {بخَيْلِك} يجوز أن تكونَ الحالية، أي: مصاحَبًا بخيلك، وأن تكون مزيدةً كقوله:
لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَر

وقد تقدَّم في البقرة..
قوله: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان} من بابِ الالتفاتِ وإقامةِ الظاهر مُقامَ المضمرِ؛ إذ لو جَرَى على سَنَنِ الكلامِ الأول لقال: وما تَعِدُهم، بالتاء من فوق.
قوله: {إِلاَّ غُرُورًا} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه نعتُ مصدرٍ محذوفٍ وهو نفسُه مصدرٌ، الأصل: إلا وَعْدًا غرورًا، فيجيء فيه ما في رجلٌ عَدْلٌ، أي: إلا وَعْدًا ذا غرور، أو على المبالغة أو على: وعدًا غارًَّا، ونسب الغرورَ إليه مجازًا. الثاني: أنه مفعولٌ مِنْ أجلِه، أي: ما يَعِدُهم ممَّا يَعِدُهم من الأماني الكاذبة إلا لأجل الغُرور. الثالث: أنه مفعولٌ به على الاتِّساع، أي: ما يَعِدُهم إلا الغرورَ نفسَه. اهـ.