فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)}.
الإزجاء: سوق الثقيل السير، إما لضعف أو ثقل حمل أو غيره، فالإبل الضعاف تزجى، ومنه قول الفرزدق: [البسيط]
على زواحف تزجيها محاسير

والسحاب تزجى ومنه قوله تعالى: {ألم تر أن الله يزجي سحابًا} [النور: 43] والبضاعة المزجاة هي التي تحتها لاختلالها أن تساق بشفاعة وتدفع بمعاون إلى الذي يقبضها، وإزجاء {الفلك} سوقه بالريح اللينة والمجاديف، و{الفلك} و. الماء الكثير عذبًا كان أو ملحًا، وقد غلب الاسم على هذا المشهور، و{الفلك} تجري فيها. وقوله: {لتبتغوا من فضله} لفظ يعم البصر، وطلب الأجر، في حج أو غزو ونحوه، ولا خلاف في جواز ركوبه للحج والجهاد والمعاش، واختلف في وجوبه للحج، أعني الكثير منه، واختلف في كراهيته للثروة وتزيد المال، وقد روي عنه أنه قال: «البحر لا أركبه أبدًا» وهذا حديث يحتمل أنه رأي رآه لنفسه، ويحتمل أنه أوحي إليه ذلك، وهذه الآية توقيف على آلاء الله وفضله عند عباده. و{الضر} لفظ يعم خوف الغرق، والامتساك في المشي، وأهول حالاته: اضطرابه وتموجه. وقوله: {ضل} معناه تلف وفقد، وهي عبارة تحقير لمن يدعي إلهًا من دون الله، والمعنى في هذه الآية أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم أنها شافعة، وأن لها فضلًا، وكل واحد منهم بالفطرة يعلم علمًا لا يقدر على مدافعته أن الأصنام لا فعل لها في الشدائد العظام، فوفقهم الله من ذلك على حالة البحر. وقوله: {أعرضتم} أي لم تفكروا في صنع الله وقت حاجتكم إليه، وقوله: {كفورًا} أي بالنعم. و{الإنسان} هنا للجنس، وكل أحد لا يكاد يؤدي شكر الله تعالى كما يجب، وقال الزجاج {الإنسان} يراد به الكفار، وهذا غير بارع. وقوله: {أفأمنتم} الآية، المعنى {أفأمنتم} أيها المعرضون الناسون الشدة، حين صرتم إلى الرخاء أن يخسف الله بكم مكانكم من البر إذا أنتم في قبضه القدرة في البحر والبر، والحاصب العارض الرامي بالبرد والحجارة ونحو ذلك، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
مستقبلين شمال الشام تضربنا ** بحاصب كنديف القطن منثور

ومنه قول الأخطل: [الكامل]
ترمي العصاة بحاصب من ثلجها ** حتى يبيت على العضاه جمالا

ومنه الحاصب الذي أصاب قوم لوط، والحصب: الرمي بالحصباء، وهي الحجارة الصغار، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: {يخسف} بالياء على معنى يخسف الله، وكذلك {يرسل} و{يعيد} و{يرسل} و{يغرق} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ذلك كله بالنون، وقرأ أبو جعفر ومجاهد: {تغرقكم} بالتاء أي الريح، وقرأ حميد {نغرقكم} بالنون حقيقة وأدغم القاف في الكاف، ورويت عن أبي عمرو وابن محيصن وقرأ الحسن وأبو رجاء {يغرّقكم} بشد الراء.
والوكيل القائم بالأمور، و{القاصف} الذي يكسر كل ما يلقى ويقصفه، و{تارة}، جمعها تارات وتير، معناه: مرة أخرى، وقرأ أبو جعفر: {من الرياح} بالجمع. والتبيع الذي يطلب ثأرًا أو دينًا، ومنه قول الشاعر: الطويل:
غدوا وغدت غزلانهم فكأنها ** ضوامن عزم لزهن تبيع

ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام: «إذا اتبع أحدكم على ملي فليتبع» فالمعنى لا تحدون من يتبع فعلنا بكم ويطب نصرتكم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ربكم الذي يزجي لكم الفُلْك} أي: يسيِّرها.
قال الزجاج: يقال: زجيت الشيء، أي: قدمته.
قوله تعالى: {لتبتغوا من فضله} أي: في طلب التجارة.
وفي {من} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها زائدة.
والثاني: أنها للتبعيض.
والثالث: أن المفعول محذوف، والتقدير: لتبتغوا من فضله الرزق والخير، ذكرهنَّ ابن الأنباري.
قوله تعالى: {إِنه كان بكم رحيمًا} هذا الخطاب خاصّ للمؤمنين، ثم خاطب المشركين فقال: {وإِذا مسَّكم الضُّرُّ في البحر} يعني: خوفَ الغَرَقِ {ضلَّ مَنْ تَدْعُون} أي: يَضِلُّ من يدعون من الآلهة، إِلا الله تعالى.
ويقال: ضَلَّ بمعنى غاب، يقال: ضَلَّ الماء في اللَّبَن: إِذا غاب، والمعنى: أنكم أخلصتم الدعاء [لله]، ونسيتم الأنداد.
وقرأ مجاهد، وأبو المتوكل: {ضَلَّ مَنْ يَدْعُون} بالياء.
{فلما نجّاكم إِلى البَرِّ أعرضتم} عن الإِيمان والإِخلاص {وكان الإِنسان} يعني الكافر {كفورًا} بنعمة ربِّه.
{أفأمنتم} إِذا خرجتم من البحر {أن يَخْسِف بكم} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {نخسف بكم} {أو نرسل} {أن نعيدكم} {فنرسل} {فنغرقكم} بالنون في الكل.
وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، بالياء في الكُلِّ.
ومعنى {نخسف بكم جانب البر} أي: نغيبكم ونذهبكم في ناحية البر، والمعنى: إِن حكمي نافذ في البر نفوذه في البحر، {أو نرسل عليكم حاصبًا} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الحاصب: حجارة من السماء، قاله قتادة.
والثاني: أنه الريح العاصف تحصب، قاله أبو عبيدة، وأنشد للفرزدق:
مُسْتَقْبِلِينَ شَمَالَ الريح تَضْرِبُهُم ** بِحَاصِبٍ كنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ

وقال ابن قتيبة: الحاصب: الريح، سميت بذلك لأنها تَحْصِبُ، أي: ترمي بالحصباء، وهي الحصى الصغار.
وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الحاصب: الريح التي فيها الحصى.
وإِنما قال في الريح: {حاصبًا} ولم يقل: حاصبة لأنه وصْفٌ لزم الريح ولم يكن لها مذكَّر تنتقل إِليه في حال، فكان بمنزلة قولهم: حائض للمرأة، حين لم يُقَلْ: رجل حائض.
قال: وفيه جواب آخر، وهو أن نعت الريح عُريٌ من علامة التأنيث، فأشبهت بذلك أسماء المذكَّر، كما قالوا: السماء أمطر، والأرض أنبت.
والثالث: أن الحاصب: التراب الذي فيه حصباء، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {ثم لاتجدوا لكم وكيلًا} أي: مانعًا وناصرًا.
قوله تعالى: {أم أمنتم أن يعيدكم فيه} أي: في البحر {تارة أخرى} أي: مَرَّة أُخرى، والجمع: تارات.
{فيرسل عليكم قاصفًا من الريح} قال أبو عبيدة: هي التي تقصف كل شيء.
قال ابن قتيبة: القاصف: [الريح التي] تقصف الشجر، أي: تكسره.
قوله تعالى: {فيُغْرِقكم} وقرأ أبو المتوكل، و[أبو] جعفر، وشيبة، ورويس: {فتغرقكم} بالتاء، وسكون الغين، وتخفيف الراء.
وقرأ أبو الجوزاء، وأيوب: {فيغرِّقكم} بالياء، وفتح الغين، وتشديدها.
وقرأ أبو رجاء مثله، إِلا أنه بالتاء، {بما كفرتم} أي: بكفركم حيث نجوتم في المرة الأولى، {ثم لاتجدوا لكم علينا به تبيعًا} قال ابن قتيبة: أي: من يتبع بدمائكم، أي: يطالبنا.
قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ريح العذاب أربع، اثنتان في البر، واثنتان في البحر، فاللَّتان في البَرِّ: الصَّرْصَر، والعَقِيم، واللتان في البحر: العاصف، والقاصف. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {رَّبُّكُمُ الذي يُزْجِي لَكُمُ الفلك فِي البحر} الإزجاء: السوق، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحَابًا}.
وقال الشاعر:
يأيها الراكب المُزْجِي مطيّتَه ** سائل بني أسَد ما هذه الصَّوْتُ

وإزجاء الفلك: سوقه بالريح اللينة.
والفلك هنا جمع، وقد تقدّم.
والبحر الماء الكثير عذبا كان أو ملحا، وقد غلب هذا الاسم على المشهور.
وهذه الآية توقيف على آلاء الله وفضله عند عباده، أي ربكم الذي أنعم عليكم بكذا وكذا فلا تشركوا به شيئًا {لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} أي في التجارات وقد تقدّم {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.
قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر}.
{الضُّرُّ} لفظ يعم خوف الغرق والإمساك عن الجَرْي.
وأهوال حالاته اضطرابه وتموّجه.
{ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} {ضلَّ} معناه تَلِف وفُقد، وهي عبارة تحقيرٍ لمن يدعي إلهًا من دون الله.
والمعنى في هذه الآية: أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم أنها شافعة، وأن لها فضلًا، وكلّ واحد منهم بالفطرة يعلم علما لا يقدر على مدافعته أن الأصنام لا فعل لها في الشدائد العظام، فوقّفهم الله من ذلك على حالة البحر حيث تنقطع الحيل.
{فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ} أي عن الإخلاص.
{وَكَانَ الإنسان كَفُورًا} الإنسان هنا الكافر.
وقيل: وطبع الإنسان كفورا للنعم إلا مَن عَصَمه الله، فالإنسان لفظ الجنس.
قوله تعالى: {أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر} بيّن أنه قادر على هلاكهم في البر وإنْ سَلِموا من البحر.
والخَسْف: أن تنهار الأرض بالشيء، يقال: بئر خسيف إذا انهدم أصلها.
وعين خاسف أي غارت حدقتها في الرأس.
وعَيْنٌ من الماء خاسفة أي غار ماؤها.
وخَسَفت الشمس أي غابت عن الأرض.
وقال أبو عمرو: والخَسِيف البئر التي تحفر في الحجارة فلا ينقطع ماؤها كثرةً.
والجمع خُسُف.
وجانب البر: ناحية الأرض؛ وسماه جانبًا لأنه يصير بعد الخسف جانبًا.
وأيضًا فإن البحر جانب والبَرَّ جانب.
وقيل: إنهم كانوا على ساحل البحر، وساحله جانب البر، وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر، فحذّرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر.
{أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} يعني ريحا شديدة، وهي التي تَرْمي بالحصباء، وهي الحصى الصغار، قاله أبو عبيدة والقُتبِيّ.
وقال قتادة: يعني حجارة من السماء تَحصبهم، كما فُعل بقوم لوط.
ويقال للسحابة التي ترمي بالبَرَد: حاصب، وللريح التي تحمل التراب والحصباء حاصب وحَصِبة أيضًا.
قال لَبِيد:
جرّت عليها أن خَوَتْ من أهلها ** أذيالَها كلُّ عَصُوفٍ حَصِبْه

وقال الفَرَزْدَق:
مستقبلين شَمَال الشام يضربنا ** بحاصب كنَدِيف القطن منثور

{ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلًا} أي حافظا ونصيرًا يمنعكم من بأس الله.
قوله تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى} يعني في البحر.
{فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الريح} القاصف: الريح الشديدة التي تَكْسر بشدة؛ من قَصَف الشيءَ يَقْصِفه؛ أي كسره بشدة.
والقصف: الكسر؛ يقال: قصفت الريح السفينة.
وريح قاصف: شديدة.
ورعد قاصف: شديد الصوْت.
يقال: قَصَف الرعدُ وغيرهُ قصيفا.
والقَصيف: هشيم الشّجر.
والتقصّف التكسر.
والقصف أيضًا: اللّهو واللعب، يقال: إنها مُوَلدة.
{فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ} أي بكفركم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {نَخْسِفَ بِكم} {أو نُرْسِل عليكم} {أن نعيدكم} {فنُرْسِل عليكم} {فنُغرِقكم} بالنون في الخمسة على التعظيم، ولقوله: {علينا} الباقون بالياء؛ لقوله في الآية قبل: {إياه}.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ورُوَيْس ومجاهد: {فتغرِقكم} بالتاء نعتا للريح.
وعن الحسن وقتادة {فيغرّقكم} بالياء مع التشديد في الراء.
وقرأ أبو جعفر: {الرياح} هنا وفي كل القرآن.
وقيل: إن القاصف المهلكةُ في البر، والعاصفَ المغرقةُ في البحر؛ حكاه الماورديّ.
وقوله: {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} قال مجاهد: ثائرًا.
النحاس: وهو من الثأر.
وكذلك يقال لكل من طلب بثأر أو غيره: تبيع وتابع؛ ومنه {فاتّباع بالمعروف} أي مطالبة. اهـ.