فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فدل الواحد على الجنس؛ وقرأ الباقون بجزم الجيم وهو جمع الراجل.
{وَشَارِكْهُمْ في الاموال}، أي ما أكل من الأموال بغير طاعة الله تعالى وما جمع من الحرام؛ ويقال: {وَشَارِكْهُمْ في الاموال} وهو ما جعلوا من الحرث والأنعام نصيبًا لآلهتهم؛ ويقال: كل طعام لم يذكر اسم الله عليه فللشيطان فيه شركة.
قال الفقيه رضي الله عنه حدّثنا الفقيه أبو جعفر قال: حدّثنا أحمد بن حنبل قال: حدّثنا سفيان بن يحيى قال: حدّثنا أبو مطيع، عن الربيع بن زيد، عن أبي محمد وهو رجل من أصحاب أنس قال: قال إبليس لربه: يا رب جعلت لبني آدم بيوتًا فما بيتي؟ قال الحمام.
قال: وجعلت لهم مجالس فما مجلسي؟ قال: السوق.
قال: وجعلت لهم قرآنًا فما قرآني؟ قال الشعر.
قال: وجعلت لهم حديثًا فما حديثي؟ قال: الكذب.
قال: وجعلت لهم أذانًا فما أذاني؟ قال: المزمار.
قال: وجعلت لهم رسلًا فما رسلي؟ قال: الكهنة.
قال: وجعلت لهم كتابًا فما كتابي؟ قال الوشم.
قال: وجعلت لهم طعامًا فما طعامي؟ قال: كل ما لم يذكر عليه اسم الله.
قال: وجعلت لهم شرابًا فما شرابي؟ قال: كل مسكر.
قال وجعلت لهم مصايد فما مصايدي؟ قال: النساء.
ثم قال: {وَشَارِكْهُمْ في الاموال}، يعني: كل نفقة في معصية الله تعالى.
{والأولاد}، أي أولاد الزنى، فهذا قول مجاهد وسعيد بن جبير؛ ويقال: هو ما سموا أولادهم عبد العزى وعبد الحارث؛ ويقال كل معصية بسبب الولد؛ ويقال: إذا جامع الرجل أهله ولم يذكر اسم الله تعالى، جامع معه الشيطان؛ ويقال: المرأة النائحة والسكرانة يجامعها الشيطان، فيكون له شركة في الولد.
قال الفقيه أبو الليث: هذا الكلام مجاز لا على وجه الحقيقة، إنما يراد به المثل.
ثم قال: {وَعَدَّهُمْ}، أي مَنِّهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث.
{وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُورًا}، أي باطلًا.
قوله: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان}، أي حجة ويقال: نفاذ الأمر.
{وكفى بِرَبّكَ وَكِيلًا}، أي كفيلًا على ما قال؛ ويقال: حفيظًا لهم؛ وقال أبو العالية: إنَّ عبادي الَّذين لا يطيعونك.
ثم ذكر الدلائل والنعم ليطيعوه ولا يطيعوا الشيطان.
ثم قال: {رَّبُّكُمُ الذي يُزْجِى لَكُمُ الفلك}، أي يسيِّر لكم الفلك.
{فِى البحر لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ}، أي من رزقه.
{إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، أي رحيم بكم.
ثم قال: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر في البحر}، أي إذا أصابكم الخوف وأهوال البحر.
{ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ}، أي بطل من تدعون من الآلهة وتخلصون بالدعاء لله تعالى.
{فَلَمَّا نجاكم إِلَى البر}، يعني: من أهوال البحر.
{أَعْرَضْتُمْ}، أي تركتم الدعاء والتضرع ورجعتم إلى عبادة الأوثان.
{وَكَانَ الإنسان كَفُورًا}، أي الكافر كفورًا بأنعم الله.
ثم قال: {أَفَأَمِنتُمْ} إن عصيتموه {أَن يَخْسِفَ بِكُمُ} أي يغور بكم، {جَانِبَ البر}، يعني: إلى الأرض السفلى؛ وقال مقاتل: يعني: ناحية من البر.
{أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا}، أي حجارة من فوقكم كما أرسل على قوم لوط.
{ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلًا}، أي مانعًا يمنعكم.
قوله: {أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ}، أي البحر {تَارَةً أخرى}، يعني: مرة أخرى.
{فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مّنَ الريح}، أي ريحًا شديدًا؛ {فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ} بالله وبنعمه، {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا}، أي من يتبعنا ويطالبنا بدمائكم، كقوله: {يا أيها الذين ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد والانثى بالانثى فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فاتباع بالمعروف وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بإحسان ذلك تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178]، أي مطالبة حسنة؛ ويقال: يعني: ثائرًا ولا ناصرًا، لينتقم لكم مني.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {إن نَخْسِفْ بِكُمْ} {أَوْ نُرْسِلُ} {أن نُعِيدُكُمْ} هذه الخمسة كلها بالنون، وقرأ الباقون كلها بالياء. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} في الشدة والقوة {أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} يعني خلقًا مما يكبر عندكم عن قبول الحياة وبعثكم وعملكم على [.........] احياؤه فإنه يجيئه، وقيل: ما يليه من بعد ورائهم الموت، وقيل: السموات والأرض، وقيل: أراد به البعث وقيل الموت.
وقال أكثر المفسرين: ليست في نفس بني آدم أكبر من الموت، يقول: لو كنتم الموت لأُميتنكم ولأبعثنكم.
سفيان عن مجاهد وعكرمة في قوله: {أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} قالا: الموت.
وروى المعمر عن مجاهد قال: السماء والأرض والجبال يقول كونوا ماشئتم فإن الله يميتكم ثمّ يبعثكم {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا} خلقًا جديدًا بعد الموت {قُلِ الذي فَطَرَكُمْ} خلقكم {أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} أي يحركون رؤوسهم متعجبين ومستهزئين يقال: نغضت سنه إذا حركت وأقلعت من أصله.
قال الراجز:
أبغض نحوى رأسه وأقنعا...
وقال آخر:
لما رأسني الغضت لي الرأسا

وقال الحجاج: [أمسك بقضبًا لابني] مستهدجا.
{وَيَقُولُونَ متى هُوَ قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} يعني هو قريب لأن عسى من الله واجب نظيره قوله: {لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63]، و{لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} [الشورى: 17].
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} من قبوركم إلى [موقف يوم القيامة] {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ}. قال ابن عباس: بأمره.
قتادة: بمعرفته وطاعته، ويحمدونه [وهو مستحق] للحمد.
{وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ} في الدنيا في قبوركم {إِلاَّ قَلِيلًا} زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على أهل لا إله إلاّ الله وحشة في قبرهم ولا حشرهم، كأني بأهل لا إله إلاّ الله وهم ينفضون التراب عن رؤسهم ويقولون {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} [فاطر: 34] الآية».
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ التي هِيَ أَحْسَنُ} نزلت في عمر بن الخطاب، وذلك أن رجلًا من العرب شتمه فأمره الله تعالى بالعفو.
الكلبي: كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية على ذلك.
وقل لعبادي المؤمنين يقولوا للكافرين التي هي أحسن يعني الكلمة التي هي أحسن لا تكافئهم.
قال الحسن: يقول هداك الله يرحمك الله، وهذا قبل أن أمروا بالجهاد.
وقيل: الأحسن كلمة الأخلاص لا إله إلاّ الله {إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} يفتري، وألقى بينهما العداوة ويعزى بينهم {إِنَّ الشيطان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} يوفقكم فتؤمنوا {أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} يميتكم على الشرك فيعذبكم، قاله ابن حريج.
وقال الكلبي: إن الله يرحمكم فيحفظكم من أهل مكة، وإن يشأ يعذبكم فيسلطهم عليكم {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} وكفيلًا، نسختها آية القتال {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ والأرض} فجعلهم مختلفين في أخلاقهم من أمورهم وأحوالهم ومالهم، كما يختلف بعض المتقين على بعض.
قتادة: في هذه الآية اتخذ الله إبراهيم خليلًا، وكلم الله موسى تكليمًا، فقال لعيسى كن فيكون وأتى سليمان مُلكًا عظيمًا لاينبغي لأحد من بعده، وأتى داود زبورًا كتابًا علمه داود فيه دعاء وتحميد وتمجيد وليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود وغفر [لمحمد] ما تقدم من ذنبه وما تأخر {قُلِ ادعوا ا؛ لَّذِينَ زَعَمْتُم} أنها آلهة {مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلًا} [عنكم] إلى غيركم، قيل: هو ما أصابهم من القحط سبع سنين.
{أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ}. قتادة عن عبد الله بن عبد الزنجاني عن ابن مسعود أنه قرأ {أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ} بالتاء.
وقرأهما الباقون: بالياء يبتغون.
{إلى رَبِّهِمُ الوسيلة} القربة إلى ربهم {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} إليه {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} قال ابن عبّاس ومجاهد وأكثر العلماء: هم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم.
وقال عبد الله بن مسعود: كان نفر من الانس يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم الجن ولم يعلم الانس الذين كانوا يعبدونهم بإسلامهم فتمسكوا بعبادتهم فغيرهم الله بذلك وأنزل هذه الآية.
{وَإِن مِّن قَرْيَةٍ} يعني وما من قرية {إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة} أي مخربوها ومهلكوا أهلها بالسيف {أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} بأنواع العذاب إذا كفروا وعصوا.
وقال بعضهم: هذه الآية عامة.
قال مقاتل: أما الصالح فبالموت وأما الطالح فبالعذاب.
قال ابن عبّاس: إذا ظهر الزنا والربا في أهل قرية أذن الله في هلاكها.
{كَانَ ذلك فِي الكتاب} في اللوح المحفوظ {مَسْطُورًا} مكتوبًا {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات}.
قال ابن عبّاس: قال أهل مكة: إجعل لنا الصفا ذهبًا، فأوحى الله الى رسوله: إن شئت أن تسنأتي بهم فقلت وإن شئت أوتيهم ما سألوا، فقلت: فإن لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم. فقال صلى الله عليه وسلم لا بل تستأني بهم فأنزل الله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات} التي سألها كفار قومك {إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} فأهلكناهم فإن لم يؤمن قومك أهلكتهم أيضًا لأن من خسفنا في الأمم إذا سألوا الآيات فيأتيهم ثم لم يؤمنوا أن نعذبهم ونهلكهم ولا نمهلهم، فإن الأوّل في محل النصب وقوع المنبع عليه، وإن الثانية في محل رفع ومجاز الأول: سمعنا إرسال الآيات إلاّ تكذيب الأولين بها قالوا {وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً} مضيئة بينة {فَظَلَمُواْ بِهَا} أي [قروا] بها إنها من عند الله {وَمَا نُرْسِلُ بالآيات} بالعبر والدلالات {إِلاَّ تَخْوِيفًا} للعباد ليؤمنوا ويتذكروا فإن لم يفعلوا عذبوا.
قال قتادة: إن الله يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعيون أو يذكرون أو يرجعون، ذكر أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود فقال: يا أيها الناس إن الله ليس يعتبكم فأعتبوه.
وروى محمّد بن يوسف عن الحسن في قوله عزّ وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا} قال الموت الذريع.
{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس} فهم في قبضته لا يقدرون على الخروج من مشيئته وهو مانعك منهم وحافظك فلا تَهَبْهُم وأمض لما أمرك به في تبليغ رسالته، قاله أكثر المفسرين.
قال ابن عبّاس: يعني أحاط علمه بهم فلا يخفى عليه منهم شيء.
مقاتل والبراء: أحاط بالناس يعني أهل مكة أي أنها ستفتح لك.
{وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ}.
قال قوم: هي رؤيا عين وهو ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات فكان ذلك فتنة للناس، فقوم أنكروا وكذبوا، وقوم ارتدوا، وقوم صدقوا، والعرب تقول: [رأيت بعيني] رؤية ورؤيا وعلى هذا يحمل حديث معاوية أنه كان إذا سُئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت رؤيا من الله صادقة أي [رؤيا عيان] أرى الله نبيه صلى الله عليه وسلم وماذكرنا من تأويل الآية، قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وأبي مالك وقتادة ومجاهد والضحاك وابن زيد وابن جريج وعطية وعكرمة وعطية عن ابن عبّاس.
وقال آخرون: هي ما أرى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى بروحه دون بدنه فلما قصها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه [........] من أصحاب المسلمين وطعن فيها ناس من المنافقين. وهو ماروى جرير بن حازم عن أبي رجاء العطاردي، يحدث عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة أستقبل الناس بوجهه فقال: «هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ فإن كان أحدًا رأي تلك الليلة رؤيا قصها عليه فيقول فيها ما شاء الله أن يقول فسألنا يومًا. فقال: هل رأى منكم أحد الليلة رؤيا، قلنا: لا، قال: لكني أتاني الليلة آتيان فقالا لي: إنطلق فإنطلقت معهما فأخرجاني إلى أرض مستوية فإذا رجل مستلقي على قفاه ورجل قائم بيده صخرة فشدخ بها رأسه فيتبع الحجر فإذا ذهب يأخذه عاد رأسه كما كان فهو يصنع به مثل ذلك، فقلت: ما هذا؟ قالا: إنطلق فانطلقت معهما فأتينا على رجل مستلق لقفاه يرمش عينه، فإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد فإذا هو يأخذ أحد شقي وجهه فيشر شر شدقه إلى قفاه وعينه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه ثمّ يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ذلك فما يفرغ من ذلك حتّى يصبح ذلك الجانب كما كان ثمّ يعود إليه، فقلت لهما: سبحان الله ما هذا؟ قالا لي: إنطلق فانطلقت معهما فأتيا على بيت مبني مثل بناء التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد فيه النار فأطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب من أسفل ضجّوا، قلت لهما: ما هؤلاء؟ قالا لي: إنطلق فانطلقنا فأتينا على نهر من دم أحمر وإذا في البحر سابح يسبح فإذا على شاطىء النهر رجل عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرًا فيذهب فيسبح مايسبح ثمّ يرجع إليه كما رجع إليه فيفغر له فاه فألقمه حجرًا قال: فقلت ما هذا؟ قالا: إنطلق فإنطلقت فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما رأيت رجلًا وإذا هو عنده نار يحشها ويسعى حولها قلت لهما: ما هذا؟ قالا: إنطلق فإنطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نوع الربيع وإذا شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ طويل فإذا حوله صبيان كأكثر ولدان رأيتهم قط. قال: قلت ما هؤلاء؟ قالا: إنطلق فإنطلقنا فأتينا على دوحة عظيمة لم أرَ دوحة قط أعظم منها ولا أحسن قالا لي: أرق فارتقينا فانتهينا إلى مدينة مبنية من ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فأستفتحناها ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما رأيت وشطر كأقبح مارأيت، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر وإذا نهر معترض يجري كأنه المخيض من البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا وقد ذهب السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قال: فقلت لهما والله إني ما رأيت مثل الليلة عجبًا فما هذا الذي رأيت قالا إنا سنخبرك أما الذي أتيت عليه يشدخ رأسه بالحجر فإنه رجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة وأما الذي أتيت عليه يشرشر شدقه وعينه ومنخره إلى قفاه فإنه رجل يغدوا من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يحشها فإنه مالك خازن النار، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم عليه السلام وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة أما القوم الذين كانوا شطر خلقهم حسنًا وشطر قبيحًا فإنهم قوم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا فتجاوز الله عنهم، وأما الروضة فهي جنات عدن وأما المدينة التي دخلت فدار الشهداء. قال: بينما بصري صعدا فإذا مثل الذبابة البيضاء، قالا لي: هاهو ذا منزلك، وأنا جبرئيل وهذا ميكائيل. فقلت: بارك الله فيكما دعاني أدخل داري، فقالا: إنه قد بقي لك ولم تستكمله ولو استكملته دخلت دارك».