فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)}.
{قل} أي قل يا محمد {كونوا حجارة} أي في الشدة {أو حديدًا} أي في القوة وليس هذا بأمر إلزام بل هو أمر تعجيزي أي استشعروا في قلوبكم، أنكم حجارة أو حديد في القوة {أو خلقًا مما يكبر في صدوركم} قيل: يعني السماء والأرض والجبال لأنها أعظم المخلوقات.
وقيل: يعني به الموت لأنه لا شيء في نفس ابن آدم أكبر من الموت، ومعناه لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم {فسيقولون من يعيدنا} أي من يبعثنا بعد الموت {قل الذي فطركم} أي خلقكم {أول مرة} فمن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة {فسينغضون إليك رؤوسهم} أي يحركونها إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بما تقول: {ويقولون متى هو} يعني البعث والقيامة {قل عسى أن يكون قريبًا} أي هو قريب {يوم يدعوكم} أي من قبوركم إلى موقف القيامة {فتستجيبون بحمده} قال ابن عباس: بأمره وقيل بطاعته وقيل مقرين بأنه خالقهم وباعثهم ويحمدونه حين لا ينفعهم الحمد، وقيل: هذا خطاب مع المؤمنين فإنهم يبعثون حامدين {وتظنون إن لبثتم} أي في الدنيا وقيل في القبور {إلا قليلًا} وذلك لأن الإنسان لو مكث في الدنيا وفي القبر ألوفًا من السنين، عد ذلك قليلًا بنسبة مدة القيامة والخلود في الآخرة، وقيل: إنهم يستحقرون مدة الدنيا في جنب القيامة.
قوله سبحانه وتعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المسلمين، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله.
وقل لعبادي يقولوا يعني للكفار التي هي أحسن، أي لا يكافئوهم على سفههم بل يقولون لهم يهديكم الله وكان هذا قبل الإذن في القتال والجهاد.
وقيل: نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أنه شتمه بعض الكفار، فأمره الله بالعفو.
وقيل: أمر الله المؤمنين أن يقولوا ويفعلوا الخلة التي هي أحسن وقيل الأحسن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله {إن الشيطان ينزغ بينهم} أي يفسد ويلقي العداوة بينهم {إن الشيطان كان للإنسان عدوًا مبينًا} أي ظاهر العداوة.
قوله: ربكم أعلم بكم {إن شاء يرحمكم} أي يوفقكم للإيمان فتؤمنوا {أو إن يشأ يعذبكم} أي يميتكم على الشرك فتعذبوا، وقيل معناه إن يشأ يرحمكم فينجيكم من أهل مكة، وإن يشأ يعذبكم أي يسلطهم عليكم {وما أرسلناك عليهم وكيلًا} أي حفيظًا وكفيلًا قيل: نسختها آية القتال {وربك أعلم بمن في السموات والأرض} يعني أن علمه غير مقصور عليكم بل علمه متعلق بجميع الموجودات والمعدومات ومتعلق بجميع ذات الأرضين والسموات، ويعلم حال كل أحد ويعلم ما يليق به من المصالح والمفاسد وقيل: معناه أنه عالم بأحوالهم واختلاف صورهم وأخلاقهم ومللهم وأديانهم {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} وذلك أنه اتخذ إبراهيم خليلًا وكلم موسى تكليمًا، وقال لعيسى: كن فكان وآتى سليمان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده وآتى داود زبورًا وذلك قوله تعالى: {وآتينا داود زبورًا} وهو كتاب أنزله الله على داود يشتمل على مائة وخمسون سورة، كلها دعاء وثناء على الله تعالى وتحميد وتمجيد ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود ولا أحكام.
فإن قلت: لم خص داود في هذه الآية بالذكر دون غيره من الأنبياء؟ قلت: فيه وجوه: أحدها أن الله ذكر أنه فضل بعض النبيين على بعض ثم قال تعالى: وآتينا داود زبورًا وذلك أن داود أعطي من النبوة الملك، فلم يذكره بالملك وذكر ما آتاه من الكتاب تنبيهًا على أن الفضل المذكور في هذه الآية المراد به العلم لا الملك والمال.
الوجه الثاني:
أن الله سبحانه وتعالى كتب له في الزبور أن محمدًا خاتم الأنبياء، وأن أمته خير الأمم فلهذا خصه بالذكر.
الوجه الثالث:
أن اليهود زعمت أن لا نبي بعد موسى، ولا كتاب بعد التوراة فكذبهم الله بقوله: وآتينا داود زبورًا ومعنى الآية أنكم لن تنكروا تفضيل النبيين، فكيف تنكرون تفضيل النبي صلى الله عليه سلم وإعطاءه القرآن وأن الله آتى موسى التوراة، وداود الزبور وعيسى الأنجيل فلم يبعد أن يفضل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
قوله: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه} وذلك أن الكفار أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف، فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم فقال الله: قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دونه {فلا يملكون كشف الضر عنكم} أي الجوع والقحط {ولا تحويلًا} أي إلى غيركم أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر، ومقصود الآية الرد على المشركين، حيث قالوا ليس لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله فنحن المقربين إليه، وهم الملائكة.
ثم إنهم اتخذوا لذلك الملك الذي عبدوه تمثالًا وصورة وقد اشتغلوا بعبادته فاحتج على بطلان قولهم بهذه الآية وبين عجز آلهتهم ثم قال تعالى: {أولئك الذين يدعون} أي الذين يدعون المشركون آلهة {يبتغون إلى ربهم الوسيلة} أي القربة والدرجة العليا.
قال ابن عباس: هم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم.
وقال عبد الله بن مسعود: نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن فأسلم أولئك الجن، ولم يعلم الإنس بذلك فتمسكوا بعبادتهم فعيرهم الله وأنزل هذه الآية.
قوله تعالى: {أيهم أقرب} معناه، ينظرون أيهم أقرب إلى الله فيتوسلون به، وقيل: أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله، ويتقرب إليه بالعمل الصالح وازدياد الخير والطاعة {ويرجون رحمته} أي جنته {ويخافون عذابه} وقيل: معناه يرجون ويخافون كغيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة {إن عذاب ربك كان محذورًا} أي حقيقًا بأن يحذره كل أحد من ملك مقرب، ونبي مرسل فضلًا عن غيرهم من الخلائق.
قوله سحانه وتعالى: {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة} أي بالموت والخراب {أو معذبوها عذابًا شديدًا} أي بالقتل وأنواع العذاب إذا كفروا وعصوا، وقيل: الإهلاك في حق المؤمنين الإماتة وفي حق الكفار العذاب قال عبد الله بن مسعود: إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله في هلاكها {كان ذلك في الكتاب} أي في اللوح المحفوظ {مسطورًا} أي مكتوبًا مثبتًا.
عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أو ما خلق الله القلم فقال له: اكتب فقال: ما أكتب: قال: القدر وما هو كائن إلى يوم القيامة إلى الأبد». أخرجه الترمذي.
قوله سبحانه وتعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} قال ابن عباس سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبًا وفضة وأن ينحي الجبال عنهم ليزرعوا فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئت أن أستأني بهم فعلت وإن شئت أن أوتيهم ما سألوا فعلت، فإن لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل تستأني بهم» فأنزل الله {وما منعنا أن نرسل الآيات} أي التي سألها الكفار قومك {إلا أن كذب بها الأولون} أي فأهلكناهم فإن لم يؤمن قومك بعد إرسال الآيات أهلكناهم، لأن من سنتنا في الأمم إذا سألوا الآيات ثم لم يؤمنوا بعد إتيانها أن نهلكهم ولا نمهلهم وقد حكمنا بإمهال هذه الأمة إلى يوم القيامة، ثم ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت فأهلكوا فقال تعالى: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} أي بينة، وذلك لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم {فظلموا بها} أي جحدوا أنها من عند الله.
وقيل: فظلموا أنفسهم بتكذيبها فعاجلناهم بالعقوبة {وما نرسل بالآيات} المقترحة {إلا تخويفًا} أي وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا من العذاب، فإن لم يخافوا وقع عليهم.
وقيل: معناه وما نرسل بالآيات يعني العبر والدلالات، إلا تخويفًا إي إنذارًا بعذاب الآخرة إن لم يؤمنوا فإن الله سبحانه وتعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون.
قوله: {وإذ قلنا لك} أي واذكر يا محمد إذ قلنا لك {إن ربك أحاط بالناس} أي إن قدرته محيطة بهم فهم في قبضته وقدرته لا يقدرون على الخروج من مشيئته وإذا كان الأمر كذلك فهم لا يقدرون على أمر من الأمور إلا بقضائه وقدره وهو حافظك ومانعك منهم، فلا تهبهم وامض لما أمرك من التبليغ للرسالة، فهو ينصرك ويقويك على ذلك {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} الأكثرون من المفسرين على أن المراد ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات.
قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه سلم ليلة المعراج وهي ليلة أسري به إلى بيت المقدس أخرجه البخاري.
وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج وغيرهم.
والعرب تقول: رأيت بعيني رؤية ورؤيا فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك وكذبوا فكانت فتنة للناس، وازداد المخلصون إيمانًا.
وقال قوم: أسري بروحه دون جسده وهو ضعيف.
وقال قوم كان له معراجان: معراج رؤية عين في اليقظة ومعراج رؤيا منام.
وقيل: أراد بهذه الرؤيا ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، أنه دخل مكة هو وأصحابه فعجل المسير إلى مكة قبل الأجل، فصده المشركون فرجع إلى المدينة فكان رجوعه في ذلك العام بعدما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم، ثم دخل مكة في العام المقبل وأنزل الله لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن ولد الحكم بن أمية يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة فساءه ذلك.
فإن اعترض معترض على هذا التفسير وقال السورة مكية وهاتان الواقعتان كانتا بالمدينة أجيب بأنه لا إشكال فيه فإنه لا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذلك بمكة، ثم كان ذلك حقيقة بالمدينة {والشجرة الملعونة في القرآن} يعني شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى في سورة الصافات والعرب تقول لكل طعام كريه: طعام ملعون والفتنة فيها أن أبا جهل قال: إن ابن أبي كبشة يعني النبي صلى الله علي وسلم توعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يزعم أنه تنبت فيها شجرة وتعلمون أن النار تحرق الشجر.
وقيل: إن عبد الله بن الزبعري قال: إن محمدًا يخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر، فقال أبو جهل: يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بزبد وتمر فقال يا قوم فإن هذا ما يخوفكم به محمد، فأنزل الله سبحانه وتعالى حين عجبوا أن يكون في النار شجر {إنا جعلناها فتنة للظالمين} الآيات.
فإن قلت: أين لعنت شجرة الزقوم في القرآن، قلت: لعنت حيث لعن الكفار الذين يأكلونها لأن الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن، وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز.
وقيل وصفها الله تعالى باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة، وهي في أصل جهنم في أبعد مكان من الرحمة، وقال ابن عباس: في رواية عنه إن الشجرة الملعونة هي الكشوث الذي يلتوي على الشجر والشوك فيجففه {ونخوفهم فما يزيدهم} أي التخويف {إلا طغيانًا كبيرًا} أي تمردًا وعتوًا عظيمًا قوله سبحانه وتعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينًا} أي من طين وذلك أن آدم خلق من تراب الأرض من عذبها وملحها، فمن خلق من العذب فهو سعيد ومن خلق من الملح فهو شقي {قال} يعني إبليس {أرأيتك} الكاف للمخاطب والمعنى أخبرني {هذا الذي كرمت علي} أي فضلته {لئن أخرتن} أي أمهلتني {إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته} أي لأستأصلنهم بالاضلال.
وقيل: معناه لأقودنهم كيف شئت.
وقيل: لأستولين عليهم بالإغواء {إلا قليلًا} يعني المعصومين الذي استثناهم الله تعالى في قوله: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} {قال} الله تعالى: {اذهب} أي امض لشأنك وليس هو من الذهاب الذي هو ضد المجيء {فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم} أي جزاؤك وجزاء أتباعك {جزاء موفورًا} أي مكملًا.
قوله سبحانه وتعالى: {واستفزز} أي استخفف واستزل واستعجل وأزعج {من استعطت منهم} أي من ذرية آدم {بصوتك} قال ابن عباس: معناه بدعائك إلى معصية الله وكل داع إلى معصية الله فهو من جند إبليس.
وقيل: أراد بصوتك الغناء والمزامير واللهو واللعب {واجلب عليهم بخيلك ورجلك} أي أجمع عليهم مكايدك وحبائلك، واحثثهم على الإغواء.
وقيل: معناه استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم.
يقال: إن له خيلًا ورجلًا من الجن والإنس فكل من قاتل أو مشى في معصية الله، فهو من جند إبليس.
وقيل: المراد منه ضرب المثل كما تقول للرجل المجد في الأمر جئتنا بخيلك ورجلك {وشاركهم في الأموال والأولاد} أما المشاركة في الأموال فكل مال أصيب من حرام أو أنفق في حرام، وقيل هو الربا، وقيل: هو ما كانوا يذبحونه لآلهتهم ويحرمونه كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
وأما المشاركة في الأولاد فروي عن ابن عباس أنها الموؤدة، وقيل: أولاد الزنا.
وعن ابن عباس أيضًا هي تسميتهم أولادهم بعبد العزى، وعبد الحارث وعبد شمس ونحوه، وقيل: هو أن يرغبوا أولادهم في الأديان الباطلة الكاذبة، كاليهودية والنصرانية والمجوسية ونحوها.
وقيل إن الشيطان يقعد على ذكر الرجل وقت الجماع فإذا لم يقل بسم الله أصاب معه امرأته وأنزل في فرجها كما نزل الرجل.