فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{واستفزز} واستخفف. {مَنِ استطعت مِنْهُمْ} أن تستفزه والفز الخفيف. {بِصَوْتِكَ} بدعائك إلى الفساد. {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح. {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} بأعوانك من راكب وراجل، والخيل الخيالة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «يا خيل الله اركبي» والرجل اسم جمع للراجل كالصحب والركب، ويجوز أن يكون تمثيلًا لتسلطه على من يغويه بمغوار صوت على قوم فاستفزهم من أماكنهم وأجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم. وقرأ حفص: {وَرَجِلِكَ} بالكسر وغيره بالضم وهما لغتان كندس وندس ومعناه: وجمعك الرجل. وقرئ و{رجالك} و{رجالك}. {وَشَارِكْهُمْ في الأموال} بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام والتصرف فيها على ما لا ينبغي. {والأولاد} بالحث على التوصل إلى الولد بالسبب المحرم، والإِشراك فيه بتسميته عبد العزى، والتضليل بالحمل على الأديان الزائغة والحرف الذميمة والأفعال القبيحة. {وَعِدْهُمْ} المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة لطول الأمل. {وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُورًا} اعتراض لبيان مواعيده الباطلة، والغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب.
{إِنَّ عِبَادِى} يعني المخلصين، وتعظيم الإِضافة والتقييد في قوله: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} يخصصهم {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان} أي على إغوائهم قدرة. {وكفى بِرَبّكَ وَكِيلًا} يتوكلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة.
{رَّبُّكُمُ الذي يُزْجِى} هو الذي يجري. {لَكُمُ الفلك في البحر لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} الريح وأنواع الأمتعة التي لا تكون عندكم. {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما تعسر من أسبابه.
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر في البحر} خوف الغرق. {ضَلَّ مَن تَدْعُونَ} ذهب عن خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم. {إِلاَّ إِيَّاهُ} وحده فإنكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه فلا تدعون لكشفه إلا إياه، أو ضل كل من تعبدونه عن إغاثتكم إلا الله. {فَلَمَّا نجاكم} من الغرق. {إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ} عن التوحيد. وقيل اتسعتم في كفران النعمة كقول ذي الرمة:
عَطَاء فَتَى تَمَكَّنَ فِي المَعَالي ** فَأَعْرَضَ فِي المَكَارِمِ وَاسْتَطَالاَ

{وَكَانَ الإنسان كَفُورًا} كالتعليل للإعراض.
{أَفَأَمِنتُمْ} الهمزة فيه للإِنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإِعراض، فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قادر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره. {أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر} أن يقلبه الله وأنتم عليه، أو يقلبه بسببكم فبكم حال أو صلة ليخسف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده، وفي ذكر الجانب تنبيه على أنهم لما وصلوا الساحل كفروا وأعرضوا وأن الجوانب والجهات في قدرته سواء لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك. {أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} ريحًا تحصب أي ترمي بالحصباء {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلًا} يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفضله.
{أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ} في البحر. {تَارَةً أخرى} بخلق دواع تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه. {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مّنَ الريح} لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته. {فَيُغْرِقَكُم} وعن يعقوب بالتاء على إسناده إلى ضمير {الريح}. {بِمَا كَفَرْتُمْ} بسبب إشراككم أو كفرانكم نعمة الإِنجاء. {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} مطالبًا يتبعنا بانتصار أو صرف. اهـ.

.قال ابن جزي:

{قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا}
المعنى لو كنتم حجارة أو حديدًا لقدرنا على بعثكم وإحيائكم، مع أن الحجارة والحديد أصلب الأشياء وأبعدها عن الرطوبة التي في الحياة، فأولى وأحرى أن يبعث أجسادكم ويحيي عظامكم البالية، فذكر الحجارة والحديد تنبيهًا بهما على ما هو أسهل في الحياة منهما، ومعنى قوله: كونوا أي كونوا في الوهم والتقدير، وليس المراد به التعجيز كما قال بعضهم في ذلك {أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} قيل: يعني السموات والأرض والجبال، وقيل: بل أحال على فكرتهم عمومًا في كل ما هو كبير عندهم: أي لو كنتم حجارة أو حديدًا أو شيئًا أكبر عندكم من ذلك وأبعد عن الحياة لقدرنا على بعثكم {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} أي يحركونها تحريك المستبعد للشيء والمستهزئ {وَيَقُولُونَ متى هُوَ} أي متى يكون البعث.
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الدعاء هنا عبارة عن البعث بالنفخ في الصور، والاستجابة عبارة عن قيامهم من القبور طائعين منقادين، وبحمده في موضع الحال أي حامدين له، وقيل: معنى بحمده بأمره {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا} يعني لبثتم في الدنيا أو في القبور.
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ التي هِيَ أَحْسَنُ} العباد هنا المؤمنون أمرهم أن يقول بعضهم لبعض كلامًا لينًا عجيبًا، وقيل: أن يقولوه للمشركين، ثم نسخ بالسيف، وإعراب يقولوا كقوله: {يُقِيمُواْ الصلاة} في سورة [إبراهيم: 31] وقد ذكر ذلك.
{قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ} قيل: يعني الملائكة، وقيل: عيسى وأمه وعزير، وقيل: نفر من الجن كان العرب يعبدونهم، والمعنى أنهم لا يقدرون على كشف الضرّ عنكم، فكيف تعبدونهم؟ {أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة} المعنى أن أولئك الآلهة الذين تدعون من دون الله يبتغون القربة إلى الله، ويرجونه، ويخافونه، فكيف تعبدونهم معه؟ وإعراب أولئك مبتدأ الذين تدعون صفة له ويبتغون خبره، والفاعل في يدعون ضمير للكفار، وفي يبتغون للآلهة المعبودين وقيل: إن الضمير في يدعون ويبتغون للأنبياء المذكورين قبل في قوله: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ}، والوسيلة هي ما يتوسل به ويتقرب {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} بدل من الضمير في يبتغون أي يبتغي الوسيلة من هو أقرب منهم، فكيف بغيره؛ أو ضمّن معنى يحرصون فكأنه قيل: يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله بالاجتهاد في طاعته، ويحتمل أن يكون المعنى أنهم يتوسلون بأيهم أقرب {مَحْذُورًا} من الحذر وهو الخوف.
{وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة} يحتمل هذا الكلام وجهين: أحدهما أن يكون بالموت والفناء الذي لابد منه، والآخر: أن يكون بأمر من الله يأخذ المدينة دفعة فيهلكها، وهذا أظهر، لأن الأول معلوم لا يفتقر إلى الإخبار به، والهلاك والتعذيب المذكوران في الآية هما في الحقيقة لأهل القرى أي مهلكو أهلها أو معذبوهم، وروي أن هلاك مكة بالحبشة، والمدينة بالجوع، والكوفة بالترك، والأندلس بالخيل، وسئل الأستاذ أبو جعفر بن الزبير عن غرناطة، فقال: أصابها العذاب يومَ قتل الموحدين بها في ثورة ابن هود، وأما هلاك قرطبة وأشبيلية وطليطلة وغيرها بأخذ الروم لها {فِي الكتاب مَسْطُورًا} يعني اللوح المحفوظ.
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} الآيات يراد بها هنا التي يقترحها الكفار فإذا رأوها ولم يؤمنوا أهلكم الله. وسبب الآية أن قريشًا اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، فأخبر الله أنه لم يفعل ذلك لئلا يكذبوا فيهلكوا، وعبر بالمنع عن تارك ذلك، وأن نرسل في موضع نصب وأن كذب في موضع رفع، ثم ذكر ناقة ثمود تنبيهًا على ذلك لأنهم اقترحوها وكانت سبب هلاكهم، ومعنى مبصرة: بينة واضحة الدلالة {وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا} إن أراد بالآيات هنا المقترحة فالمعنى أنه يرسل بها تخويفًا من العذاب العاجل وهو الإهلاك، وإن أراد المعجزات غير المقترحة فالمعنى أنه يرسل بها تخويفًا من عذاب الآخرة، ليراها الكافر فيؤمن، وقيل: المراد بالآيات هنا الرعد والزلازل والكسوف وغير ذلك من المخاوف.
{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس} المعنى اذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش يعني بشرناك بقتلهم يوم بدر وذلك قوله: {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} [القمر: 45]، وإنما قال: أحاط بلفظ الماضي وهو لم يقع لتحقيقه وصحة وقوعه بعد، وقيل: المعنى أحاط بالناس في منعك وحمايتك منهم كقوله: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: 67] {وَمَا جَعَلْنَا الرءيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} اختلف في هذه الرؤيا فقيل: إنها الإسراء، فمن قال إنه كان في اليقظة، فالرؤيا بمعنى الرؤية بالعين، ومن قال إنه كان في المنام فالرؤيا منامية، والفتنة على هذا تكذيب الكفار بذلك وارتداد بعض المسلمين حينئذ، وقيل: إنها رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في منامه هزيمة الكفار وقتلهم ببدر والفتنة على هذا تكذيب قريش بذلك؛ وقيل: إنه رأى في المنام أنه يدخل مكة فعجل في سنة الحديبية فرد عنها فافتتن بعض المسليمن بذلك؛ وقيل: رأى في المنام أن بني أمية يصعدون على منبره فاغتم بذلك {والشجرة الملعونة فِي القرآن} يعني شجرة الزقوم، وهي معطوفة على الرؤيا أي جعل الرؤيا والشجرة فتنة للناس، وذلك أن قريشًا لما سمعوا أن في جهنم شجرة زقوم سخروا من ذلك وقالوا: كيف تكون شجرة في النار والنار تحرق الشجر؟ وقال أبو جهل: ما أعرف الزقوم إلا التمر بالزبد، فإن قيل: لم لعنت شجرة الزقوم في القرآن؟ فالجواب أن المراد لعنة آكلها، وقيل: اللعنة بمعنى الإبعاد لأنها في أصل الجحيم {وَنُخَوِّفُهُمْ} الضمير لكفار قريش {طغيانا} تمييز أو حال من من أو من مفعول خلقت.
{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} الكاف من أرأيتك للخطاب، لا موضع لها من الإعراب، وهذا مفعول بأرأيت، والمعنى؛ أخبرني عن هذا الذي كرمته علي أي فضلته وأنا خير منه، فاختصر الكلام بحذف ذلك، وقال ابن عطية: أرأيتك هذا بمعنى: أتأملت ونحوه لا بمعنى أخبرني {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} معناه لأستولين عليهم ولأقودنهم، وهو مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشدّ على حنكها بحبل فتنقاد {قَالَ اذهب} قال ابن عطية، وما بعده من الأوامر: صيغة أمر على وجه التهديد، وقال الزمخشري: ليس المراد الذهاب الذي هو ضدّ المجيء، وإنما معناه: امض لشأنك الذي اخترته خذلانًا له وتخلية، ويحتمل عندي: أن يكون معناه للطرد والإبعاد {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ} كان الأصل أن يقال جزاؤهم بضمير الغيبة، ليرجع إلى من اتبعك، ولكنه ذكره بلفظ المخاطب تغليبًا للمخاطب على الغائب، وليدخل إبليس معهم {جَزَاءً مَّوْفُورًا} مصدر في موضع الحال والموفور المكمل.
{واستفزز} أي اخدع واستخف {بِصَوْتِكَ} قيل: يعني الغناء والمزامير، وقيل: الدعاء إلى المعاصي {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} أي هوّل، وهو من الجلبة وهي الصياح {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} الخيل هنا يراد بها الفرسان الراكبون على خيل، والرجل: جمع راجل وهو الذي يمشي على رجليه فقيل: هو مجاز واستعارة بمعنى: افعل جهدك، وقيل: إن له من الشيطان خيلًا ورجلًا، وقيل: المراد فرسان الناس ورجالتهم المتصرفون في الشر {وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد} مشاركته في الأموال بكسبها من الربا، وإنفاقها في المعاصي وغير ذلك، ومشاركته في الأولاد هي بالاستيلاد بالزنا وتسمية الولد عبد شمس وعبد الحارث وشبه ذلك {وَعِدْهُمْ} يعني: المواعدة الكاذبة من شفاعة الأصنام وشبه ذلك.
{إِنَّ عِبَادِي} يعني المؤمنين الذين يتوكلون على الله بدليل قوله بعد ذلك: وكفى بربك وكيلًا ونحوه: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سلطان على الذين آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99].
{يُزْجِي لَكُمُ الفلك} أي يجريها ويسيرها والفلك هنا جمع، وابتغاء الفضل في التجارة وغيرها {الضر فِي البحر} يعني خوف الغرق {ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} ضل هنا بمعنى تلف وفقد: أي تلف عن أوهامكم وخواطركم كل من تدعونه إلا الله وحده، فلجأتم إليه حينئذ دون غيره. فكيف تعبدون غيره وأنتم لا تجدون في تلك الشدة إلا إياه {وَكَانَ الإنسان كَفُورًا} أي كفورًا بالنعم، والإنسان هنا جنس.
{أَفَأَمِنْتُمْ} الهمزة للتوبيخ والفاء للعطف أي أنجوتم من البحر فأمنتم الخسف في البر {حَاصِبًا} يعني حجارة أو ريحا شديدة ترمي بالحصباء {وَكِيلًا} أي قائمًا بأموركم وناصرًا لكم {قَاصِفًا مِّنَ الريح} أي الذي يقصف ما يلقى أي يكسره {تَبِيعًا} أي مطالبًا يطالبنا بما فعلنا بكم: أي لا تجدون من ينصركم منا كقوله: {وَلاَ يَخَافُ عقباها} [الشمس: 15]. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

{قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)}.
{قل} لهم يا أشرف الخلق لا تكونوا رفاتًا بل {كونوا} أصلب من التراب {حجارة} أي: هي في غاية اليبس {أو حديدًا} أي: زائدًا على يبس الحجارة لشدّة اتصال الأجزاء. تنبيه: ليس المراد به أمر إلزام بل المراد لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله تعالى عن الإعادة وذلك كقول القائل أتطمع فيّ وأنا فلان فيقول كن من شئت كن ابن الخليفة فسأطلب منك حقي.
{أو خلقًا} غير ذلك {مما يكبر} أي: يعظم عظمة كبيرة {في صدوركم} أي: مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها فإنّ الله تعالى قادر على إعادة الحياة إليها. وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأكثر المفسرين: أنه الموت فإنه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت، أي: لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم، وقيل السموات والأرض والجبال لأنها من أعظم المخلوقات {فسيقولون} تماديًا في الاستهزاء {من يعيدنا} إذا كنا كذلك {قل الذي فطركم} أي: ابتدأ خلقكم {أوّل مرّة} ولم تكونوا شيئًا يعيدكم بالقدرة التي ابتدأكم بها فكما لم تعجز تلك عن البداءة فهي لا تعجز عن الإعادة {فسينغضون} أي: يحركون {إليك رؤوسهم} تعجبًا واستهزاء كأنهم في شدة جهلهم على غاية البصيرة من العلم بما يقولون والنغض والإنغاض تحريك بارتفاع وانخفاض {ويقولون} استهزاء {متى هو} أي: البعث والقيامة. قال الرازي: واعلم أنّ هذا السؤال فاسد لأنهم حكموا بامتناع الحشر والنشر بناء على الشبهة التي تقدمت ثم إنّ الله تعالى بيَّن بالبرهان الباهر كونه ممكنًا في نفسه فقولهم متى هو كلام لا تعلق له بالمبحث فإنه لما ثبت بالدليل العقلي كونه ممكن الوجود في نفسه وجب الاعتراف بإمكانه فأما أنه متى يوجد فذلك لا يمكن إثباته من طريق العقل بل إنما يمكن إثباته بالدليل السمعي فإن أخبر الله تعالى عن ذلك الوقت المعين عرف وإلا فلا سبيل إلى معرفته لأنه تعالى بين في القرآن أنه لا يطلع احدًا من الخلق على وقته المعين فقال تعالى: {إنّ الله عنده علم الساعة} [لقمان] وقال: {إنما علمها عند ربي} [الأعراف] وقال تعالى: {إنّ الساعة آتية اكاد أخفيها} [طه] فلا جرم.