فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فتكون الباء ظرفية أي {فتهجد} فيه وانتصب {نافلة}.
قال الحوفي: على المصدر أي نفلناك نافلة قال: ويجوز أن ينتصب {نافلة} بتهجد إذا ذهبت بذلك إلى معنى صل به نافلة أي صل نافلة لك.
وقال أبو البقاء: فيه وجهان أحدهما: هو مصدر بمعنى تهجد أي تنفل نفلًا و{نافلة} هنا مصدر كالعاقبة والثاني هو حال أي صلاة نافلة انتهى.
وهو حال من الضمير في {به} ويكون عائدًا على القرآن لا على وقت الذي قدره ابن عطية.
وقال الأسود وعلقمة وعبد الرحمن بن الأسود والحجاج بن عمرو: التهجد بعد نومة.
وقال الحسن: ما كان بعد العشاء الآخرة.
وقال ابن عباس: {نافلة} زيادة لك في الفرض وكان قيام الليل فرضًا عليه.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون على جهة الندب في التنفل والخطاب له والمراد هو وأمته كخطابه في {أقم الصلاة}.
وقال مجاهد والسدّي: إنما هي نافلة له قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر عام الحديبية، فإنما كانت نوافله واستغفاره فضائل من العمل وقربًا أشرف من نوافل أمته لأن هذه أعني نوافل أمته إما أن يجبر بها فرائضهم، وإما أن يحط بها خطيئاتهم.
وضعف الطبري قول مجاهد واستحسنه أبو عبد الله الرازي.
وقال مقاتل فله كرامة وعطاء لك.
وقيل: كانت فرضًا ثم رخص في تركها.
ومن حديث زيد بن خالد الجهني: رمق صلاته عليه الصلاة والسلام ليلة فصلى بالوتر ثلاث عشرة ركعة.
وعن عائشة: أنه ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.
و{عسى} مدلولها في المحبوبات الترجي.
فقيل: هي على بابها في الترجي تقديره لتكن على رجاء من {أن يبعثك}.
وقيل هي بمعنى كي، وينبغي أن يكون هذا تفسير معنى، والأجود أن أن هذه الترجية والإطماع بمعنى الوجوب من الله تعالى وهو متعلق من حيث المعنى بقوله: {فتهجد} {وعسى} هنا تامة وفاعلها {أن يبعثك}، و{ربك} فاعل بيبعثك و{مقامًا} الظاهر أنه معمول ليبعثك هو مصدر من غير لفظ الفعل لأن يبعثك بمعنى يقيمك تقول أقيم من قبره وبعث من قبره.
وقال ابن عطية: منصوب على الظرف أي في مقام محمود.
وقيل: منصوب على الحال أي ذا مقام.
وقيل: هو مصدر لفعل محذوف التقدير فتقوم {مقامًا} ولا يجوز أن تكون {عسى} هنا ناقصة، وتقدّم الخبر على الاسم فيكون {ربك} مرفوعًا اسم {عسى} و{أن يبعثك} الخبر في موضع نصب بها إلا في هذا الإعراب الأخير.
وأما في قبله فلا يجوز لأن {مقامًا} منصوب بيبعثك و{ربك} مرفوع بعسى فيلزم الفصل بأجنبي بين ما هو موصول وبين معموله.
وهو لا يجوز.
وفي تفسير المقام المحمود أقوال:
أحدهما: أنه في أمر الشفاعة التي يتدافعها الأنبياء حتى تنتهي إليه صلى الله عليه وسلم، والحديث في الصحيح وهي عدة من الله تعالى له عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الشفاعة يحمده أهل الجمع كلهم وفي دعائه المشهور: «وابعثه المقام المحمود الذي وعدته» واتفقوا على أن المراد منه الشفاعة.
الثاني: أنه في أمر شفاعته لأمته في إخراجه لمذنبهم من النار، وهذه الشفاعة لا تكون إلاّ بعد الحساب ودخول الجنة ودخول النار، وهذه لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء.
وقد روي حديث هذه الشفاعة وفي آخره: «حتى لا يبقى في النار إلاّ من حبسه القرآن» أي وجب عليه الخلود.
قال: ثم تلا هذه الآية {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا}.
وعن أبي هريرة أنه عليه السلام قال: «المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي» فظاهر هذا الكلام تخصيص شفاعته لأمته، وقد تأوله من حمل ذلك على الشفاعة العظمى التي يحمده بسببها الخلق كلهم على أن المراد لأمته وغيرهم أو يقال إن كل مقام منهما محمود.
الثالث: عن حذيفة: يجمع الله الناس في صعيد فلا تتكلم نفس فأوّل مدعوّ محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: «لبيك وسعديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا منجأ ولا ملجأ إلا إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت» قال: فهذا قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا}.
الرابع قال الزمخشري: معنى المقام المحمود المقام الذي يحمده القائم فيه، وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات انتهى.
وهذا قول حسن ولذلك نكر {مقامًا محمودًا} فلم يتناول مقامًا مخصوصًا بل كل مقام محمود صدق عليه إطلاق اللفظ.
الخامس: ما قالت فرقة منها مجاهد وقد روي أيضًا عن ابن عباس أن المقام المحمود هو أن يجلسه الله معه على العرش.
وذكر الطبري في ذلك حديثًا وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متّهم ما زال أهل العلم يحدّثون بهذا.
قال ابن عطية: يعني من أنكر جوازه على تأويله.
وقال أبو عمرو ومجاهد: إن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما هذا والثاني في تأويل {إلى ربها ناظرة} قال: تنتظر الثواب ليس من النظر، وقد يؤوّل قوله معه على رفع محله وتشريفه على خلقه كقوله: {إن الذين عند ربك} وقوله: {ابنِ لي عندك بيتًا} و{إن الله لمع المحسنين} كل ذلك كناية عن المكانة لا عن المكان.
وقال الواحدي: هذا القول مروي عن ابن عباس وهو قول رذل موحش فظيع لا يصح مثله عن ابن عباس، ونص الكتاب ينادي بفساده من وجوه.
الأول: أن البعث ضد الإجلاس بعثت التارك وبعث الله الميت أقامه من قبره، فتفسيره البعث بالإجلاس تفسير الضد بالضد.
الثاني: لو كان جالسًا تعالى على العرش لكان محدودًا متناهيًا فكان يكون محدثًا.
الثالث: أنه قال {مقامًا} ولم يقل مقعدًا {محمودًا}، والمقام موضع القيام لا موضع القعود.
الرابع: أن الحمقى والجهّال يقولون إن أهل الجنة يجلسون كلهم معه تعالى ويسألهم عن أحوالهم الدنيوية فلا مزية له بإجلاسه معه.
الخامس: أنه إذا قيل بعث السلطان فلانًا لا يفهم منه أجلسه مع نفسه انتهى.
وفيه بعض تلخيص.
ولما أمره تعالى بإقامة الصلاة والتهجد ووعده بعثه {مقامًا محمودًا} وذلك في الآخرة أمره بأن يدعوه بما يشمل أموره الدنيوية والأخروية، فقال {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} والظاهر أنه عام في جميع موارده ومصادره دنيوية وأخروية، والصدق هنا لفظ يقتضي رفع المذام واستيعاب المدح كما تقول: رجل صدق إذ هو مقابل رجل سوء.
وقال ابن عباس والحسن وقتادة: هو إدخال خاص وهو في المدينة، وإخراج خاص وهو من مكة.
فيكون المقدم في الذكر هو المؤخر في الوقوع، ومكان الواو هو الأهم فبدىء به.
وقال مجاهد وأبو صالح: ما معناه إدخاله فيما حمله من أعباء النبوة وأداء الشرع وإخراجه منه مؤدّيًا لما كلفه من غير تفريط.
وقال الزمخشري: أدخلني القبر {مدخل صدق} إدخالًا مرضيًا على طهارة وطيب من السيئات، وأخرجني منه عند البعث إخراجًا مرضيًا ملقى بالكرامة آمنًا من السخط، يدل عليه ذكره على ذكر البعث.
وقيل: إدخاله مكة ظاهرًا عليها بالفتح، وإخراجه منها آمنًا من المشركين.
وقال محمد بن المنكدر: إدخاله الغار وإخراجه منه سالمًا.
وقيل: الإخراج من المدينة والإدخال مكة بالفتح.
وقيل: الإدخال في الصلاة والإخراج منها.
وقيل: الإدخال في الجنة والإخراج من مكة.
وقيل: الإدخال فيما أمر به والإخراج مما نهاه عنه.
وقيل: {أدخلني} في بحار دلائل التوحيد والتنزيه، {وأخرجني} من الاشتغال بالدليل إلى معرفة المدلول والتأمل في آثار محدثاته إلى الاستغراق في معرفة الأحد الفرد.
وقال أبو سهل: حين رجع من تبوك وقد قال المنافقون: {ليخرجنّ الأعز منها الأذل} يعني إدخال عز وإخراج نصر إلى مكة، والأحسن في هذه الأقوال أن تكون على سبيل التمثيل لا التعيين، ويكون اللفظ كما ذكرناه يتناول جميع الموارد والمصادر.
وقرأ الجمهور: {مدخل} و{مخرج} بضم ميمهما وهو جار قياسًا على أفعل مصدر، نحو أكرمته مكرمًا أي إكرامًا.
وقرأ قتادة وأبو حيوة وحميد وإبراهيم بن أبي عبلة بفتحهما.
وقال صاحب اللوامح: وهما مصدران من دخل وخرج لكنه جاء من معنى {أدخلني} {وأخرجني} المتقدمين دون لفظهما ومثلهما {أنبتكم من الأرض نباتًا} ويجوز أن يكونا اسم المكان وانتصابهما على الظرف، وقال غيره: منصوبان مصدرين على تقدير فعل أي {أدخلني} فأدخل {مدخل صدق} {وأخرجني} فأخرج {مخرج صدق}.
والسلطان هنا قال الحسن: التسليط على الكافرين بالسيف، وعلى المنافقين بإقامة الحدود.
وقال قتادة: ملكًا عزيزًا تنصرني به على كل من ناواني.
وقال مجاهد: حجة بينة.
وقيل: كتابًا يحوي الحدود والأحكام.
وقيل: فتح مكة.
وقيل: في كل عصر {سلطانًا} ينصرك دينك و{نصيرًا} مبالغة في ناصر.
وقيل: فعيل بمعنى مفعول، أي منصورًا، وهذه الأقوال كلها محتملة لقوله: {سلطانًا نصيرًا} وروي أنه تعالى وعده ذلك وأنجزه له في حياته وتممه بعد وفاته.
قال قتادة: و{الحق} القرآن و{الباطل} الشيطان.
وقال ابن جريج: الجهاد و{الباطل} الشرك.
وقيل: الإيمان والكفر.
وقال مقاتل: جاءت عبادة الله وذهبت عبادة الشيطان، وهذه الآية نزلت بمكة ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستشهد بها يوم فتح مكة وقت طعنه الأصنام وسقوطها لطعنه إياها بمخصرة حسبما ذكر في السير.
و{زهوقًا} صفة مبالغة في اضمحلاله وعلم ثبوته في وقت مّا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} نُصب على المصدرية أي سنّ الله تعالى سُنةً وهي أن يُهلك كلَّ أمة أَخرجت رسولَهم من بين أظهرِهم، فالسنةُ لله تعالى وإضافتُها إلى الرسل لأنها سُنّتْ لأجلهم على ما ينطِق به قوله عز وجل: {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} أي تغيّرًا.
{أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} لزوالها كما ينبىء عنه قولُه عليه الصلاة والسلام: «أتاني جبريلُ عليه السلام لدُلوك الشمس حين زالت فصلّى بي الظهرَ». واشتقاقُه من الدّلْك لأن من نظر إليها حينئذ يدُلك عينه، وقيل: لغروبها من دلَكَت الشمس أي غربت، وقيل: أصلُ الدلوك الميلُ فينتظم كِلا المعنيين، واللامُ للتأقيت مِثلُها في قولك: لثلاثٍ خلَوْن {إِلَى غَسَقِ الليل} إلى اجتماع ظلمتِه وهو وقتُ صلاةِ العِشاء، وليس المرادُ إقامتَها فيما بين الوقتين على وجه الاستمرارِ بل إقامةَ كل صلاةٍ في وقتها الذي عُيِّن لها ببيان جبريلَ عليه السلام، كما أن أعدادَ ركعاتِ كل صلاةٍ موكولةٍ إلى بيانه عليه السلام، ولعل الاكتفاءَ ببيان المبدأ والمنتهى في أوقات الصلواتِ من غير فصل بينها لما أن الإنسانَ فيما بين هذه الأوقاتِ على اليقظة فبعضُها متصلٌ ببعض بخلاف أولِ وقتِ العشاءِ والفجرِ، فإنه باشتغاله فيما بينهما بالنوم ينقطع أحدُهما عن الآخر ولذلك فُصل وقتُ الفجر عن سائر الأوقات، وقيل: المرادُ بالصلاة صلاةُ المغرب، والتحديدُ المذكور بيانٌ لمبدئه ومنتهاه واستُدِل به على امتداد وقتِه إلى غروب الشفق، وقوله تعالى: {وَقُرْءَانَ الفجر} أي صلاةَ الفجر نُصب عطفًا على مفعول أقم أو على الإغراء قاله الزجّاج، وإنما سُمِّيت قرآنا لأن رُكنُها كما تُسمّى ركوعًا وسجودًا واستُدل به على الركنية، ولكن لا دِلالةَ له على ذلك لجواز كونِ مدارِ التجوز كونَ القراءة مندوبةً فيها. نعم لو فُسّر بالقراءة في صلاة الفجر لدل الأمرُ بإقامتها على الوجوب فيها نصًا وفيما عداها دِلالةً، ويجوز أن يكون {وقرآنَ الفجر} حثًّا على تطويل القراءةِ في صلاة الفجر {إِنَّ قُرْءَانَ الفجر} أظهر في مقام الإضمارِ إبانةً لمزيد الاهتمامِ به {كَانَ مَشْهُودًا} يشهده ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار أو شواهدُ القدرة من تبدُّل الضياء بالظلمة والانتباهِ بالنوم الذي هو أخو الموتِ، أو يشهده كثيرٌ من المصلين أو من حقه أن يشهَده الجمُّ الغفيرُ فالآيةُ على تفسير الدُّلوك بالزوال جامعةٌ للصلوات الخمس، وعلى تفسيره بالغروب لِما عدا الظهرَ والعصر.
{وَمِنَ الليل} قيل: هو نصبٌ على الإغراء أي الزمْ بعضَ الليل، وقيل: لا يكون المغرى به حرفًا ولا يجدي نفعًا كونُ معناها التبعيضَ، فإن واو مع ليست اسمًا بالإجماعِ وإن كانت بمعنى الاسمِ الصريحِ بل هو منصوبٌ على الظرفية بمضمر أي قم بعضَ الليل {فَتَهَجَّدْ بِهِ} أي أزِلْ وألقِ الهجودَ أي النوم فإن صيغةَ التفعّل تجيء للإزالة كالتحرّج والتحنّث والتأثّم ونظائرِها، والضميرُ المجرورُ للقرآن من حيث هو لا بقيد إضافتِه إلى الفجر أو البعضِ المفهوم من قوله تعالى: {وَمِنَ الليل}، أي تهجد في ذلك البعضِ على أن الباء بمعنى في، وقيل: منصوبٌ بتهجد أي تهجدْ بالقرآن بعضَ الليل على طريقة وإياي فارهبون {نَافِلَةً لَّكَ} فريضةً زائدةً على الصلوات الخمسِ المفروضةِ خاصةً بك دون الأمة ولعله هو الوجهُ في تأخير ذكرِها عن ذكر صلاةِ الفجر مع تقدم وقتها على وقتها أو تطوعًا، لكن لا لكونها زيادةً على الفرائض بل لكونها زيادةً له صلى الله عليه وسلم في الدرجات على ما قال مجاهد والسدي، فإنه عليه السلام مغفورٌ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيكون تطوعُه زيادةً في درجاته بخلاف من عداه من الأمة فإن تطوعَهم لتكفير ذنوبهم وتدارُكِ الخللِ الواقعِ في فرائضهم، وانتصابُها إما على المصدرية بتقدير تنفّلْ أو بجعل تهجدْ بمعناه أو بجعل نافلةً بمعنى تهجدًا فإن ذلك عبادةٌ زائدةٌ، وإما على الحالية من الضمير الراجعِ إلى القرآن أي حالَ كونها صلاةً نافلةً، وإما على المفعولية لتهجّدْ إذا جُعل بمعنى صلِّ وجعل الضميرُ المجرور للبعض، أي فصلِّ في ذلك البعضِ نافلةً لك.