فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ} الذي يبلّغك إلى كمالك اللائقِ بك من بعد الموت الأكبرِ كما انبعثْتَ من النوم الذي هو الموتُ الأصغرُ بالصلاة والعبادة {مَقَامًا} نُصب على الظرفية على إضمار فيقيمَك، أو تضمين البعثِ معنى الإقامة إذ لابد من أن يكون العاملُ في مثل هذا الظرفِ فعلًا فيه معنى الاستقرارِ، ويجوز أن يكون حالًا بتقدير مضافٍ أي يبعثك ذا مَقام {مَّحْمُودًا} عندك وعند جميعِ الناس، وفيه تهوينٌ لمشقة قيامِ الليل. وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المقامُ المحمودُ هو المقامُ الذي أشفع فيه لأمتي» وعن ابن عباس رضي الله عنهما: مقامًا يحمَدُك فيه الأولون والآخرون وتُشرف فيه على جميع الخلائق تسأل فتعطى وتشفع فتُشفّع ليس أحدٌ إلا تحت لوائِك.
وعن حذيفةَ رضي الله عنه: يُجْمَعُ الناسُ في صَعيدٍ واحد فلا تتكلم فيه نفسٌ، فَأَوَّلُ مَدْعُوَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم فيقولُ: لبّيكَ وسَعْدَيْكَ والشرُّ ليسَ إليكَ والمَهْديُّ من هَدَيْتَ وعبدُكَ بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجا منكَ إلا إليكَ تباركتَ وتعاليتَ سبحانك ربَّ البيت.
{وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى} أي القبرَ {مُدْخَلَ صِدْقٍ} أي إدخالًا مرضيًا {وَأَخْرِجْنِى} أي منه عند البعثِ {مُخْرَجَ صِدْقٍ} أي إخراجًا مَرْضيًا مَلْقيًّا بالكرامة، فهو تلقينٌ للدعاء بما وعده من البعث المقرونِ بالإقامة المعهودةِ التي لا كرامةَ فوقها، وقيل: المرادُ إدخالُ المدينةِ والإخراجُ من مكةَ، وتغييرُ ترتيبِ الوجودِ لكون الإدخالِ هو المقصدُ، وقيل: إدخالُه عليه السلام مكةَ ظاهرًا عليها وإخراجُه منها آمنًا من المشركين، وقيل: إدخالُه الغارَ وإخراجُه منه سالمًا، وقيل: إدخالُه فيما حمله من أعباء الرسالةِ وإخراجُه منه مؤديًا حقَّه، وقيل: إدخالُه في كل ما يلابسه من مكان أو أمرٍ وإخراجُه منه، وقرئ مَدخل ومَخرج بالفتح على معنى أدخلني فأدخُلَ دخولًا وأخرجني فأخرُجَ خروجًا كقوله:
وعضةُ دهرٍ يا ابنَ مروانَ لم تدَع ** من المال إلا مُسحَتٌ أو مجلِّفُ

أي لم تدَع فلم يبْقَ {واجعل لّى مِن لَّدُنْكَ سلطانا نَّصِيرًا} حجةً تنصُرني على من يخالفني أو مُلكًا وعزًا ناصرًا للإسلام مظهِرًا له على الكفر، فأجيبت دعوتُه عليه السلام بقوله عز وعلا: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون} {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرض} {وَقُلْ جَاء الحق} أي الإسلامُ والوحيُ الثابتُ الراسخ {وَزَهَقَ الباطل} أي ذهب وهلك الشركُ والكفرُ وتسويلاتُ الشيطان، من زهَق روحُه إذا خرج {إِنَّ الباطل} كائنًا ما كان {كَانَ زَهُوقًا} أي شأنُه أن يكون مضمحلًا غيرَ ثابتٍ وهو عِدةٌ كريمةٌ بإجابة الدعاءِ بالسلطان النصيرِ الذي لُقِّنه. عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عليه السلام دخل مكةَ يوم الفتح وحول البيت ثلاثُمائةٍ وستون صنمًا فجعل ينكُت بمِخْصَرة كانت بيده في أعينها واحدًا واحدًا ويقول: جاء الحقُ وزهق الباطلُ فينكبّ لوجهه حتى أَلقْى جميعَها، وبقيَ صنمُ خُزاعةَ فوق الكعبة وكان من صُفْر فقال: «يا عليُّ ارمِ به» فصعِد فرمى به فكسره. اهـ.

.قال الألوسي:

{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} نصب على المصدرية أي سننا سنة من إلخ وهي أن لا ندع أمة تستفز رسولها لتخرجه من بين ظهرانيها تلبث بعده إلا قليلًا فالسنة لله عز وجل وأضيفت للرسل عليهم السلام لأنها سنت لأجلهم، ويدل على ذلك قوله سبحانه: {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} حيث أضاف السنة إليه تعالى، وقال الفراء: انتصب {سَنَةٍ} على إسقاط الخافض أي كسنة فلا يوقف على قوله تعالى: {قَلِيلًا} [الإسراء: 76] فالمراد تشبيه حاله صلى الله عليه وسلم بحال من قبله لا تشبيه الفرد بفرد من ذلك النوع؛ وجوز أبو البقاء أن يكون مفعولًا به لفعل محذوف أي اتبع سنة إلخ كما قال سبحانه: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] والأنسب بما قبل ما قبل، وكأنه اعتبر الأوامر بعد وهو خلاف ما عليه عامة المفسرين، والتحويل التغيير أي لا تجد لما أجرينا به العادة تغييرًا أي لا يغيره أحد.
والمراد من نفي الوجدان هنا وفيما أشبهه نفي الوجود ودليل نفي وجود من يغير عادة الله تعالى أظهر من الشمس في رابعة النهار، وللإمام كلام في هذا المقام لا يخلو عن بحث، ثم إنه تعالى بعد أن ذكر كيد الكفار وسلى نبيه عليه الصلاة والسلام بما سلى أمره أن يقبل على شأنه من عبادة ربه تعالى شأنه ووعده بما يغبطه عليه كل الخلق ويتضمن ذلك إرشاده إلى أن لا يشغل قلبه بهم أو أنه سبحانه بعد أن قدم القول في الإلهيات والمعاد والنبوات أمر بأشرف العبادات بعد الإيمان وهي الصلاة فقال جل وعلا: {أَقِمِ الصَّلَاةَ} أي المفروضة {لِدُلُوكِ الشمس} أي لزوالها عن دائرة نصف النهار وهو المروى عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس في رواية وأنس وأبي برزة الأسلمي والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد، ورواه الإمامية عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما وخلق آخرين، وأخرج ابن جرير وإسحاق بن راهويه في مسنده وابن مردويه في تفسيره والبيهقي في المعرفة عن أبي مسعود عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر وقيل لغروبها» وهو المروى عندنا عن علي كرم الله تعالى وجهه، وأخرجه ابن مردويه، والطبراني، والحاكم وصححه، وغيرهم عن ابن مسعود، وابن المنذر، وغيره عن ابن مسعود، وروي عن زيد بن أسلم، والنخعي، والضحاك:
ومصابيح ليست باللواتي يقودها ** نجوم ولا بالأفلاك الدوالك

وأصل مادة د ل ك تدل على الانتقال ففي الزوال انتقال من دائرة نصف النهار إلى ما يليها وفي الغروب انتقال من دائرة الأفق إلى ما تحتها وكذا في الدلك المعروف انتقال اليد من محل إلى آخر بل كل ما أوله دال ولام مع قطع النظر عن آخره يدل على ذلك كدلج بالجيم من الدلجة وهي سير الليل وكذا دلج بالدلو إذا مشى بها من رأس البئر للمصب ودلح بالحاء المهملة إذا مشى مشيًا متثاقلًا ولد بالعين المهملة إذا أخرج لسانه.
ودلف بالفاء إذا مشى مشية المقيد وبالقاف إذا أخرج المائع من مقره ووله إذا ذهب عقله وفيه انتقال معنوي إلى غير ذلك، وهذا المعنى يشمل كلا المعنيين السابقين وإن قيل إن الانتقال في الغروب أتم لأنه انتقال معنوي إلى غير ذلك، وهذا المعنى يشمل كلا المعنيين السابقين وإن قيل إن الانتقال في الغروب أتم لأنه انتقال من مكان إلى مكان ومن ظهور إلى خفاء وليس في الزوال إلا الأول، وقيل إن الدلوك مصدر مزيد مأخوذ من المصدر المجرد أعني الدلك المعروف وهو أظهر في الزوال لأن من نظر إلى الشمس حينئذٍ يدلك عينه ويكون على هذا في دلوك الشمس تجوز عن دلوك ناظرها، وقد يستأنس في ترجيح القول الأول مع ما سبق بأن أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم نهار ليلة الإسراء الظهر، وقد صح أن جبريل عليه السلام ابتدأ بها حين علم النبي عليه الصلاة والسلام كيفية الصلاة في يومين، وقال المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها فالأمر بإقامة الصلاة لدلوكها أمر بصلاتين الظهر والعصر، وعلى القولين الآخرين أمر بصلاة واحدة الظهر أو العصر، واللام للتأقيت متعلقة بأقم وهي بمعنى بعد كما في قول متمم بن نويرة يرثي أخاه:
فلما تفرقنا كأني ومالكا ** لطول اجتماع لم نبت ليلة معًا

ومنه كتبته لثلاث خلون من شهر كذا وتكون بمعنى عند أيضًا، وقال الواحدي: هي للتعليل لأن دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ} أي إلى شدة ظلمته كما قال الراغب وغيره وهو وقت العشاء.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني ما الغسق؟ فقال: دخول الليل بظلمته وأنشد قول زهير بن أبي سلمى:
ظلت تجود يداها وهي لاهية ** حتى إذا جنح الإظلام والغسق

وقال النضر بن شميل: غسق الليل دخول أوله، قال الشاعر:
إن هذا الليل قد غسقا ** واشتكيت الهم والأرقا

وهو عنده وقت المغرب، وروي ذلك عن مجاهد، وأصله من السيلان يقال غسقت العين تغسق إذا هملت بالماء كان الظلمة تنصب على العالم، وقيل: المراد من غسق الليل ما يعم وقتي المغرب والعشاء وهو ممتد إلى الفجر كما أن المراد بدلوك الشمس ما يعم وقتي الظهر والعصر ففي الآية بدخول الغاية تحت المغيا وبضم ما بعد إشارة إلى أوقات الصلوات الخمس، واختاره جماعة من الشيعة واستدلوا بها على أن وقت الظهر موسع إلى غروب الشمس ووقت المغرب موسع إلى انتصاف الليل وهي أحد أدلة الجمع في الحضر بلا عذر الذي ذهبوا إليه وأيدوا ذلك بما رواه العياشي بإسناده عن عبيدة، وزرارة عن أبي عبد الله أنه قال في هذه الآية: إن الله تعالى افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها إلا أن هذه قبل هذه ومنها صلاتان أول وقتهما غروب الشمس إلى انتصاف الليل ألا إن هذه قبل هذه وهو مرتضى المرتضى في أوقات الصلاة، والمعتمد عليه عند جمهور المفسرين أن دلوك الشمس وقت الظهر وغسق الليل وقت العشاء كما ينبىء عنه إقحام الغسق وعدم الاكتفاء بإلى الليل، والجار والمجرور متعلق بأقم، وأجاز أبو البقاء تعلقه بمحذوف وقع حالًا من الصلاة أي ممدودة إلى الليل والأول أولى وليس المراد بإقامة الصلاة فيما بين هذين الوقتين على وجه الاستمرار بل إقامة كل صلاة في وقتها الذي عين لها ببيان جبريل عليه السلام الثابت في الروايات الصحيحة التي لم يروها من شهد أحد من الأئمة الطاهرين بزندقتهم ونجاسة بواطنهم كما أن إعداد ركعات كل صلاة موكولة إلى بيانه عليه الصلاة والسلام، ولعل الاكتفاء ببيان المبدأ والمنتهى في أوقات الصلاة من غير فصل بينها لما أن الإنسان فيما بين هذه الأوقات على اليقظة فبعضها متصل ببعض بخلاف وقت العشاء والفجر فإنه باشتغاله فيما بينهما بالنوم عادة ينقطع أحدهما عن الآخر ولذلك فصل وقت الفجر عن سائر الأوقات، ثم إن المستدل من الشيعة بالآية لا يتم له الاستدلال بها على جواز الجمع بين صلاتي الظهر.
والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء ما لم يضم إلى ذلك شيئًا من الأخبار فءنها إذا لم يضم إليها ذلك أولى بأن يستدل بها على جواز الجمع بين الأربعة جميعها لا بين الاثنتين والاثنتين ولا يخفى ما في الاستدلال بها على هذا المطلب ولذا لم يرتضه أبو جعفر منهم، نعم ما ذهبوا إليه مما يؤيده ظواهر بعض الأحاديث الصحيحة كحديث ابن عباس وهو في صحيح مسلم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جمعًا بالمدينة، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثمانيًا جميعًا وسبعًا جميعًا من غير خوف ولا سفر.
واختلف في تأويله فمنهم من أوله بأنه جمع بعذر المطر والجمع بسبب ذلك تقديمًا وتأخيرًا مذهب الشافعي في القديم وتقديمًا فقط في الجديد بالشرط المذكور في كتبهم، وخص مالك جواز الجمع بالمطر في المغرب والعشاء، وهذا التأويل مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف لما في صحيح مسلم عنه أيضًا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، وكون المراد ولا مطر كثير لا يرتضيه ذو إنصاف قليل والشذوذ غير مسلم، ومنهم من أوله بأنه كان في غيم فصلى صلى الله عليه وسلم الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن أول وقت العصر دخل فصلاها، وفيه أنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر إلا أنه لا احتمال في المغرب والعشاء، ومنهم من أوله بأنه عليه الصلاة والسلام أخر الأولى إلى آخر وقتهاف صلاها فيه فلما فرغ منها دخل وقت الثانية فصلاها فصارت الصورة صورة جمع، وفيه أنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، ويرده أيضًا ما صح عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة فجاء رجل من بني تميم فجعل لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته، ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار وهذا قول الإمام أحمد والقاضي حسين من الشافعية، واختاره منهم الخطابي والمتولي والروياني وقال النووي: هو المختار في التأويل ومذهب جماعة من الأئمة جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الإمام الشافعي، وعن أبي إسحاق المروزي، وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر ما صح عن ابن عباس ورواه مسلم أيضًا أنه لما قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر قيل له: لم فعل ذلك؟ فقال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته وهو من الحرج بمعنى المشقة فلم يعلله بمرض ولا غيره، ويعلم مما ذكرنا أن قول الترمذي في آخر كتابه ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة ناشىء من عدم التتبع، نعم ما قاله في الحديث الثاني صحيح فقد صرحوا بأنه حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه.
وقال ابن الهمام: إن حديث ابن عباس معارض بما في مسلم من حديث ليلة التعريس أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى» وللبحث في ذلك مجال.
ومذهب الإمام أبي حنيفة عدم جواز جمع صلاتي الظهر والعصر في وقت إحداهما والمغرب والعشاء كذلك مطلقًا إلا بعرفات فيجمع فيها بين الظهر والعصر بسبب النسك وإلا بمزدلفة فيجمع فيها بين المغرب والعشاء بسبب ذلك أيضًا واستدل بما استدل.
وفي الصحيحين وسنن أبي داود وغيره ما لا يساعده على التخصيص، وأنت تعلم أن الاحتياط فيما ذهب إليه الإمام رضي الله تعالى عنه فالمحتاط لا يخرج صلاة الظهر مثلًا عن وقتها المتيقن الذي لا خلاف فيه إلى وقت فيه خلاف، وقد صرح غير واحد بأنه إذا وقع التعارض يقدم الأحوط وتعارض الأخبار في هذا الفصل مما لا يخفى على المتتبع، هذا وزعم بعضهم أن المراد بالصلاة المأمور بإقامتها صلاة المغرب والتحديد المذكور بيان لمبدأ وقتها ومنتهاه على أن الغاية خارجة واستدل به على امتداده إلى غروب الشفق وهو خلاف ما ذهب إليه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في الجديد من أنه ينقضي بمضي قدر زمن وضوء وغسل وتيمم، وطلب خفيف وإزالة خبث مغلظ يعم البدن والثوب والمحل وستر عورة واجتهاد في القبلة وأذان وإقامة وألحق بهما سائر سنن الصلاة المتقدمة كتعمم وتقمص ومشي لمحل الجماعة وأكل جائع حتى يشبع وسبع ركعات ولعل الزمان الذي يسع كل هذا يزيد على زمن ما بين غروب الشمس وغروب الشفق أي شفق كان في أكثر الاعراض، ثم لا يخفى أنه إذا كان المراد من غسق الليل وقت العشاء وفسر الغسق باجتماع الظلمة وشدتها كان ذلك مؤيدًا لما في ظاهر الرواية عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من أن أول وقت العشاء حين يغيب الشفق وهو اللغة الحمرة المعلومة لأن تفسيره بالبياض قد جاء أيضًا، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر ومعاذ بن جبل وعائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ورواه عبد الرازق عن أبي هريرة وعن عمر بن عبد العزيز، وبه قال الأوزاعي والمزني وابن المنذر والخطابي، واختاره المبرد: وثعلب، وما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول وقت العشاء حين يغيب الأفق» ظاهر في كون الشفق البياض إذ لا غيبوبة للأفق إلا بسقوطه؛ نعم ذهب صاحباه إلى أنه الحمرة وهو قول ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، ورواه أسد بن عمرو عن الإمام أيضًا لكنه خلاف ظاهر الرواية عنه، والصحيح المفتي به عندنا ما جاء في ظاهر الرواية، وقد نص على ذلك المحقق ابن الهمام والعلامة قاسم وابن نجيم وغيرهما، وما قاله الإمام أبو المفاخر من أن الإمام رجع إلى قولهما وقال إنه الحمرة لما ثبت عنده من حمل عامة الصحابة إياه على ذلك وعليه الفتوى وتبعه المحبوبي وصدر الشريعة ليس بشيء لأن الرجوع لم يثبت ودون إثباته مع نقل الكافة عن الكافة خلافه خرط القتاد، وكذا دعوى حمل عامة الصحابة خلاف المنقول كما سمعت حتى أن البيهقي لم يرو أن الشفق الحمرة إلا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.