فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويجوز أن يكون عطف {وقرآن الفجر} عطفَ جملة والكلام على الإغراء، والتقدير: والزَمْ قرآنَ الفجر، قاله الزجاج.
فيعلم أن قراءة القرآن في كل صلاة حتم.
وهذا مجمل في كيفية الصلوات.
ومقادير ما تشتمل عليه من القرآن بينته السنّة المتواترة والعرف في معرفة أوقات النهار والليل.
وجملة {إن قرآن الفجر كان مشهودًا} استئناف بياني لوجه تخصيص صلاة الصبح باسم القرآن بأن صلاة الفجر مشهودة، أي محضورة.
وفُسِّر ذلك بأنها تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار، كما ورد في الحديث: «وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح» وذلك زيادة في فضلها وبركتها.
وأيضًا فهي يحضرها أكثر المصلين لأن وقتها وقت النشاط وبعدها ينتظر الناس طلوع الشمس ليخرجوا إلى أعمالهم فيكثر سماع القرآن حينئذٍ.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}.
عطف على {وقرآن الفجر} [الإسراء: 78] فإنه في تقدير جملة لكونه معمولًا لفعل أقم [الإسراء: 78].
وقدم المجرور المتعلق ب {تهجّدْ} على متعلقه اهتمامًا به وتحريضًا عليْه.
وبتقديمه اكتسب معنى الشرط والجزاء فجعل متعلقه بمنزلة الجزاء فأدخلت عليه فاء الجزاء.
وهذا مستعمل في الظروف والمجرورات المتقدمة على متعلقاتها، وهو استعمال فصيح.
ومنه قوله تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين: 26] وقول النبي: ففيهما فَجَاهِدْ، وتقدم عند قوله تعالى: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} في سورة [براءة: 7].
وجَعل الزجاج والزمخشري قوله: {ومن الليل} في معنى الإغراء بناءً على أن نصب {وقرآن الفجر} [الإسراء: 78] على الإغراء فيكون {فتهجد} تفريعًا على الإغراء تفريع مفصل على مجمل، وتكون {من} اسمًا بمعنى بعض كالتي في قوله: {من الذين هادوا يحرفون الكلم} [النساء: 46] وهو أيضًا حسن.
وضمير {به} للقرآن المذكور في قوله: {وقرآن الفجر} [الإسراء: 78] وإن كان المعاد مقيدًا بكونه في الفجر والمذكورُ هنا مرادًا مُطلقهُ، كقولك: عندي درهم ونصفه، أي نصف درهم لا نصف الدرهم الذي عندك، والباء للسببية.
والتهجد: الصلاة في أثناء الليل، وهو اسم مشتق من الهجود، وهو النوم.
فمادة التفعل فيه للإزالة مثل التحَرج والتأثم.
والنافلة: الزيادة من الأمر المحبوب.
واللام في {لك} متلعقة ب {نافلة} وهي لام العلة، أي نافلة لأجلك.
وفي هذا دليل على أن الأمر بالتهجد خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فالأمر للوجوب.
وبذلك انتظم في عداد الصلوات الواجبة فبعضها واجب عليه وعلى الأمة، وبعضها واجب عليه خاصة ويعلم منه أنه مرغب فيه كما صرحت به آية سورة [المزمل: 20] {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك} إلى قوله: {ما تيسر منه} وفي هذا الإيجاب عليه زيادة تشريف له، ولهذا أعقب بوعد أن يبعثه الله مقامًا محمودًا.
فجملة {عسى أن يبعثك} تعليل لتخصيصه بإيجاب التهجد عليه، والرجاء من الله تعالى وعد.
فالمعنى: ليبعثك ربك مقامًا محمودًا.
والمقام: محل القيام.
والمراد به المكان المعدود لأمر عظيم، لأنه من شأنه أن يقوم الناس فيه ولا يجلسوا، وإلا فهو المجلس.
وانتصب {مقامًا} على الظرفية ل {يبعثك}.
ووصفُ المقام بالمحمود وصف مجازي.
والمحمود من يقوم فيه، أي يحمد أثره فيه، وذلك لغنائه عن أصحاب ذلك المقام، ولذلك فسر المقام المحمود بالشفاعة العظمى.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر: أن الناس يصيرون يوم القيامة جُثًا بضم الجيم وتخفيف المثلثة أي جماعات كل أمة تتبع نبيئها يقولون: يا فلان أشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود، وفي جامع الترمذي عن أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودا} قال: «هي الشفاعة» قال: هذا حديث حسن صحيح، وقد ورد وصف الشفاعة في صحيح البخاري مفصلًا، وذلك مقام يحمده فيه كل أهل المحشر.
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)}.
لما أمره الله تعالى بالشكر الفعلي عطف عليْه الأمر بالشكر اللساني بأن يبتهل إلى الله بسؤال التوفيق في الخروج من مكان والدخول إلى مكان كيلا يضره أن يستفزه أعداؤه من الأرض ليخرجوه منها، مع ما فيه من المناسبة لقوله: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79]، فلما وعده بأن يقيمه مقامًا محمودًا ناسب أن يسأل أن يكون ذلك حاله في كل مقام يقومه.
وفي هذا التلقين إشارة إلهية إلى أن الله تعالى مُخرجه من مكة إلى مهاجَر.
والظاهر أن هذه الآية نزلت قُبيل العقبة الأولى التي كانت مقدمة للهجرة إلى المدينة.
والمُدخل والمُخرج بضم الميم وبفتح الحرف الثالث أصله اسم مكان الإدخال والإخراج.
اختير هنا الاسم المشتق من الفعل المتعدي للإشارة إلى أن المطلوب دخول وخروج ميسران من الله تعالى وواقعان بإذنه.
وذلك دعاء بكل دخول وخروج مباركيْن لتتم المناسبة بين المسؤول وبين الموعود به وهو المقام المحمود.
وهذا السؤال يعم كل مكان يدخل إليه ومكان يخرج منه.
والصدق: هنا الكمال وما يحمد في نوعه، لأن ما ليس بمحمود فهو كالكاذب لأنه يخلف ظن المتلبس به.
وقد عمت هذه الدعوة جميع المداخل إلى ما يقدر له الدخول إليه وجميع المخارج التي يخرج منها حقيقة أو مجازًا.
وعطف عليه سؤال التأييد والنصر في تلك المداخل والمخارج وغيرها من الأقطار النائية والأعمال القائم بها غيره من أتباعه وأعدائه بنصر أتباعه وخذل أعدائه.
فالسلطان: اسم مصدر يطلق على السُلطة وعلى الحجة وعلى المُلك.
وهو في هذا المقام كلمة جامعة؛ على طريقة استعمال المشترك في معانيه أو هو من عموم المشترك، تشمل أن يجعل له الله تأييدًا وحجة وغلبة ومُلكًا عظيمًا، وقد آتاه الله ذلك كله، فنصره على أعدائه، وسخر له من لم يُنوه بنهوض الحجة وظهور دلائل الصدق، ونصره بالرعب.
ومنهم من فسر المدخل والمخرج بأن المخرج الإخراج إلى فتح مكة والمدخل الإدخال إلى بلد مكة فاتحًا، وجعل الآية نازلة قبيل الفتح، فبنى عليه أنها مدنية، وهو مدخول من جهات.
وقد تقدم أن السورة كلها مكية على الصحيح.
والنصير: مبالغة في الناصر، أي سلطانًا ينصرني.
وإذ قد كان العمل القائم به النبي هو الدعوة إلى الإسلام كان نصره تأييدًا له فيما هو قائم به، فصار هذا الوصف تقييدًا للسلطان بأنه لم يسأل سلطانًا للاستعلاء على الناس، وإنما سأل سلطانًا لنصره فيما يطلب النصرة وهو التبليغ وبث الإسلام في الناس.
{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}.
أعقب تلقينه الدعاءَ بسداد أعماله وتأييده فيها بأن لقنه هذا الإعلان المنبىء بحصول إجابة الدعوة المُلْهَمَة بإبراز وعده بظهور أمره في صورة الخبر عن شيء مضى.
ولما كانت دعوة الرسول هي لإقامة الحق وإبطاللِ الباطل كان الوعد بظهور الحق وعدًا بظهور أمر الرسول وفوزه على أعدائه، واستحفظه الله هذه الكلمة الجليلة إلى أن ألقاها يوم فتح مكة على مسامع من كانوا أعداءه فإنه لما دخل الكعبة ووجد فيها وحولها الأصنام جعل يشير إليها بقضيب ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا} فتسقط تلك الأنصاب على وجوهها.
ومجيء الحق مستعمل مجازًا في إدراك الناس إياه وعملهم به وانتصار القائم به على معاضديه تشبيهًا للشيء الظاهر بالشيء الذي كان غايبًا فورد جائيًا.
و{زهَق} اضمحل بعد وجوده.
ومصدره الزُهوق والزَهَق.
وزهوق الباطل مجاز في تركه أصحابه فكأنه كان مقيمًا بينهم ففارقهم.
والمعنى: استقر وشاع الحق الذي يدعو إليه النبي وانقضى الباطل الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه.
وجملة {إن الباطل كان زهوقًا} تذييل للجملة التي قبله لما فيه من عموم يشمل كل باطل في كل زمان، وإذا كان هذا شأن الباطل كان الثبات والانتصار شأن الحق لأنه ضد الباطل فإذا انتفى الباطل ثبت الحق، وبهذا كانت الجملة تذييلًا لجميع ما تضمنته الجملة التي قبلها.
والمعنى: ظهر الحق في هذه الأمة وانقضى الباطل فيها، وذلك شأن الباطل فيما مضى من الشرائع أنه لا ثبات له.
ودل فعل {كان} على أن الزهوق شنشنة الباطل، وشأنه في كل زمان أنه يظهر ثم يضمحل، كما تقدم في قوله تعالى: {أكان للناس عجبًا} في صدر سورة [يونس: 2]. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} الآية.
فد بينا في سورة النساء: أن هذه الآية الكريمة من الآيات اتلي إشارت لأوقات الصلاة. لأن قوله: {لِدُلُوكِ الشمس} أي لزوالها على التحقيق، فيتناول وقت الظهر والعصر. بدليل الغاية في قوله: {إلى غَسَقِ الليل} أي ظلامه، وذلك يشمل وقت المغرب والعشاء. وقوله: {وَقُرْآنَ الفجر} أي صلاة الصبح، كما تقدم إيضاحه واشرنا للآيات المشيرة لأوقات الصلوات. كقوله: {وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفًا مِّنَ الليل} [هود: 114] الآية، وقوله: {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] الآية. وأتممنا بيان ذلك من السنة في الكلام على قوله: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103] فراجعة هنلك إن شئت. والعلم عند الله تعالى.
{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}.
الحق بلغة العرب: الثابت الذي ليس بزائل ولا مضمحل. والباطل: هو الذاهب المضحل. والمراد بالحق في هذه الآية: هوز ما في هذا القرآن العظيم والسنة النبوية م دين الإسلام. والمراد بالباطل فيها: الشرك بالله، والمعاصي المخالفة لدين الإسلام.
وقد بن جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الإسلام جاء ثابتًا راسخًا، وأن الشرك بالله زهق. أي ذهب واضمحل وزال. تقول العرب: زهقت نفسه: إذا خرجت وزالت من جسده.
ثم بين جل وعلا أن الباطل كان زهوقاص، أي مضمحلًا غير ثابت في كل وقت. وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع. وذكر أن الحق يزيل الباطل ويذهبه. كقوله: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحق عَلاَّمُ الغيوب قُلْ جَآءَ الحق وَمَا يُبْدِىءُ الباطل وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 48-49]، وقوله: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18] الآية.
وقال صاحب الدُّ المنثور في الكلام على هذه الآية الكريمة: أخرج ابن أبي شيبة، والبخاري ومسلم، والترمذي والنسائي، وابن جرير وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النَّبي صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: {جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] {قُلْ جَآءَ الحق وَمَا يُبْدِىءُ الباطل وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49].
وأخرج بان أبي شيبة وأبو يعلى وابن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا. فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت لوجهها، وقال: {جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا}.
وأخرج الطبراني في الصغير، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا. فشد لهم إبليس أقدامها بالرصاص. فجاء ومعه قضيب فجعل يهوي غلى كل صنم فيخر لوجهه فيقول: {جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا} حتى مر عليها كلها.
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: وفي هذه الآية دليل على كسر نصب المشركين وجميع الأوثان إذا غلب عليهم. ويدخل المعنى كسر آلة الباطل كله وما لا يصلح إلا لمعصية الله كالطنابير والعيدان والمزامير التي لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله.
قال ابن المنذر: وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من المد والخشب وشبهها، وكل ما يتخذه الناس مما لا منفعة فيه إلا اللهو المنفي عنه، ولا يجوز بيع شيء منه إلا الأصنام التي تكون من الذهب والفضة والحديد والرصاص إذا غيرت عما هي عليه وصارب نقرًا أو قطعًا فيجوز بيعها والشراء بها.
قال المهلب: وما كسر من الآت الباطل وكان في حبسها بعد كسرها منفعة فصاحبها أولى بها مكسورة. إلا أن يرى الإمام حرقها بالنار على معنى التشديد والعقوبة في المال. وقد تقدم حرق ابن عمر رضي الله عنه. وقد هم النَّبي صلى الله عليه وسلم بتحريق دور من تخلف عن صلاة الجماعة وهذا أصل في العقوربة في المال. مع قوله صلى الله عليه وسلم في الناقة التي لعنتها صاحبتها: «دعوها فإنها ملعونة» فأزال ملكها عنها تأديبًا لصاحبتها، وعقوبة لها فيما دعت عليه بما دعت به. وقد أراق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبنًا شيب بماء على صاحبه. اهـ الغرض من كلام القرطبي رحمه الله تعالى. وقوله صلى الله عليه وسلم: «والله لينزلن عيسى ابن مريم حكمًا عدلًا فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير» الحديث- من قبيل ما ذكرنا دلالة الآية عليه والعلم عند الله تعالى. اهـ.