فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَيْءٍ}.
قال ابن عرفة: حكاية هذه المقالة إما على سبيل الإبطال لها أو على سبيل التقرير لها والموافقة عليها والأول باطل لئلا يلزم أن يكون كل فريق منهم على شيء، والثاني باطل لئلا يلزم عليه أنّها لو حكيت على سبيل أنها حق لم يصح ترتب الذم عليهم مع أن مساق الآية يقتضي ذمهم على ذلك.
قال: وأجيب عنه: بأن اليهودية والنصرانية لهما اعتباران فهما من حيث أصلهما الذي نشآ عنه وهو موسى وعيسى حق ومن حيث دعوى المنتمين إليهما والمتدينين بهما باطل، فقول اليهود: {ليست النَصارَى عَلى شَيء} إبطال لأصل ملّة النصرانية وليس هو ابطال لدعوى المنتمين إليها، فحكيت هذه المقالة على معنى الإبطال لها أو ذمّ قائلها أي قولهم ذلك وإبطالهم له باطل، بل هم على شيء باعتبار أصل الملة لا باعتبار الدعوى وهذا حق وهو على حذف الصفة أي ليسوا على شيء ديني.
قال الزمخشري: هذه مبالغة عظيمة لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء.
قال ابن عرفة: الزّمخشري ضعيف في أصول الدّين، وقد تقدم الإجماع على أن المحال ليس بشيء باعتبار المعنى، واختلفوا في الإطلاق اللّفظي والتسمية هل يطلق عليه لفظ شيء أم لا؟ فمنعه أهل السنة وأجازه المعتزلة وهما مسألتان:
فهذه لا ينبني عليها إيمان ولا كفر، والأخرى توهّم أن للمعدوم تقررا في الأزل ويلزمهم بها الكفر.
قيل لابن عرفة: لم قال: {وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب} ولم يقل: وهم يعلمون الكتاب؟
فقال: التلاوة هنا تستلزم العلم.
قال ابن عرفة: فإن قلت: لم قال: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى} فجمع المقالتين معا هناك وفرقهما هنا ولم يقل: وقالوا ليست النصارى واليهود على شيء؟ قال: عادتهم يجيبون بأن المقالتين هناك محصورتان لا ثالث لهما فيعلم بالضرورة أن النصارى قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، واليهود قالوا: لن يدخل الجنة إلا اليهود، وأما هنا فلو قيل: وقالوا: ليست اليهود والنصارى على شيء لأوهم أن المسلمين هم الذين قالوا ذلك والكتاب جنس يشمل التوراة والإنجيل.
قوله تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ}.
تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك وغيرهم. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء}، قيل: المراد عامة اليهود وعامة النصارى، فهذا من الإخبار عن الأمم السالفة، وتكون أل للجنس، ويكون في ذلك تقريع لمن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفريقين، وتسلية له صلى الله عليه وسلم، إذ كذبوا بالرسل وبالكتب قبله.
وقيل: المراد يهود المدينة ونصارى نجران، حيث تماروا عند الرسول وتسابوا، وأنكرت اليهود الإنجيل ونبوّة عيسى، وأنكرت النصارى التوراة ونبوّة موسى.
فتكون حكاية حال، وأل للعهد، أو المراد بذلك رجلان: رجل من اليهود، يقال له نافع بن حرملة، قال لنصارى نجران: لستم على شيء، وقال رجل من نصارى نجران لليهود: لستم على شيء، فيكون قد نسب ذلك للجميع، حيث وقع من بعضهم، كما يقال: قتل بنو تميم فلانًا، وإنما قتله واحد منهم، وذلك على سبيل المجاز والتوسع، ونسبة الحكم الصادر من الواحد إلى الجمع.
وهو طريق معروف عند العرب في كلامها، نثرها ونظمها.
ولما جمعهم في المقالة الأولى، وهي: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى}، فصلهم في هذه الآية، وبين قول كل فريق في الآخر.
وعلى شيء: في موضع خبر ليس، ويحتمل أن يكون المعنى: على شيء يعتد به في الدين، فيكون من باب حذف الصفة، نظير قوله:
لقد وقعت على لحم

أي لحم منيع، وأنه ليس من أهلك، أي من أهلك الناجين، لأنه معلوم أن كلًا منهم على شيء، أو يكون ذلك نفيًا على سبيل المبالغة العظيمة، إذ جعل ما هما عليه، وإن كان شيئًا كلا شيء.
هذا والشيء يطلق عند بعضهم على المعدوم والمستحيل، فإذا نفى إطلاق اسم الشيء على ما هم عليه، كان ذلك مبالغة في عدم الاعتداد به، وصار كقولهم أقل من لا شيء.
{وهم يتلون الكتاب}: جملة حالية، أي وهم عالمون بما في كتبهم، تالون له.
وهذا نعي عليهم في مقالتهم تلك، إذ الكتاب ناطق بخلاف ما يقولونه، شاهدة توراتهم ببشارة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وصحة نبوّتهما.
وإنجيلهم شاهد بصحة نبوة موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، إذ كتب الله يصدق بعضها بعضًا.
وفي هذا تنبيه لأمّة محمد صلى الله عليه وسلم في أن من كان عالمًا بالقرآن، يكون واقفًا عنده، عاملًا بما فيه، قائلًا بما تضمنه، لا أن يخالف قوله ما هو شاهد على مخالفته منه، فيكون في ذلك كاليهود والنصارى.
والكتاب هنا قيل: هو التوراة والإنجيل.
وقيل: التوراة، لأن النصارى تمتثلها.
{كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم}: الذين لا يعلمون: هم مشركو العرب في قول الجمهور.
وقيل: مشركو قريش.
وقال عطاء: هم أمم كانوا قبل اليهود والنصارى.
وقال قوم: المراد اليهود، وكأنه أعيد قولهم: أي قال اليهود مثل قول النصارى، ونفى عنهم العلم حيث لم ينتفعوا به فجعلوا لا يعلمون.
والظاهر القول الأول.
وقال الزمخشري: أي مثل ذلك الذي سمعت على ذلك المنهاج.
قال: الجهلة الذين لا علم عندهم ولا كتاب، كعبدة الأصنام، والمعطلة ونحوهم قالوا: لكل أهل دين ليسوا على شيء، وهو توبيخ عظيم لهم، حيث نظموا أنفسهم مع علمهم في سلك من لا يعلم.
والظاهر أن الكاف من كذلك في محل نصب، إما على أنها نعت لمصدر محذوف تقديره: قولًا مثل ذلك القول، {قال الذين لا يعلمون}، أو على أنه منصوب على الحال من المصدر المعرفة المضمر الدال عليه قال، التقدير: مثل ذلك القول قاله، أي قال القول الذين لا يعلمون، وهذا على رأي سيبويه.
وعلى الوجهين تنتصب الكاف بقال، وانتصب على هذين التقديرين مثل قولهم على البدل من موضع الكاف.
وقيل: ينتصب مثل قولهم على أنه مفعول بيعلمون، أي الذين لا يعلمون مثل مقالة اليهود والنصارى، قالوا: مثل: مقالتهم، أي توافق الذين لا يعلمون مقالات النصارى، واليهود مع اليهود والنصارى في ذلك، أن من جهل قول اليهود والنصارى وافقهم في مثل ذلك القول.
وجوّزوا أن تكون الكاف في موضع رفع بالابتداء، والجملة بعده خبر، والعائد محذوف تقديره: مثل ذلك قاله الذين.
ولا يجوز لقال أن ينصب مثل قولهم نصب المفعول، لأن قال قد أخذ مفعوله، وهو الضمير المحذوف العائد على المبتدأ، فينتصب إذ ذاك مثل قولهم على أنه صفة لمصدر محذوف، أو على أنه مفعول ليعلمون، أي مثل قولهم يعني اليهود والنصارى.
قال الذين لا يعلمون اعتقاد اليهود والنصارى.
انتهى ما قالوه في هذا الوجه، وهو ضعيف لاستعمال الكاف اسمًا، وذلك عندنا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، مع أنه قد تؤوّل ما ورد من ذلك وأجاز ذلك، أعني أن تكون اسمًا في الكلام، ويحذف الضمير العائد على المبتدأ المنصوب بالفعل، الذي لو قدر خلوه من ذلك الضمير لتسلط على الظاهر قبله فنصبه، وذلك نحو: زيد ضربته.
نص أصحابنا على أن هذا الضمير لا يجوز حذفه إلا في الشعر، وأنشدوا:
وخالد يحمد ساداتنا ** بالحق لا يحمد بالباطل

أي: يحمده ساداتنا.
وعن بعض الكوفيين في جواز حذف نحو: هذا الضمير تفصيل مذكور في النحو.
{فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا في يختلفون}: أي يفصل، والفصل: الحكم، أو يريهم من يدخل الجنة عيانًا، ومن يدخل النار عيانًا، قاله الزجاج، أو يكذبهم جميعًا ويدخلهم النار، أو يثيب من كان على حق، ويعذب من كان على باطل.
وكلها أقوال متقاربة.
والظرفان والجار الأول معمولان ليحكم، وفيه متعلق بيختلفون. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَيء وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَئ}.
المراد يهود المدينة ووفد نصارى نجران تماروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسابوا وأنكرت اليهود الإنجيل ونبوة عيسى عليه السلام وأنكر النصارى التوراة ونبوة موسى عليه السلام فأل في الموضعين للعهد وقيل: المراد عامة اليهود وعامة النصارى وهو من الإخبار عن الأمم السالفة، وفيه تقريع لمن بحضرته صلى الله عليه وسلم وتسلية له عليه الصلاة والسلام إذ كذبوا بالرسل والكتب قبله فأل في الموضعين للجنس، والأول: هو المروي في أسباب النزول، وعليه يحتمل أن يكون القائل كل واحد من آحاد الطائفتين وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون المراد بذلك رجلين رجل من اليهود يقال له نافع بن حرملة ورجل من نصارى نجران ونسبة ذلك للجميع حيث وقع من بعضهم وهي طريقة معروفة عند العرب في نظمها ونثرها وهذا بيان لتضليل كل فريق صاحبه بخصوصه إثر بيان تضليله كل من عداه على وجه العموم، و{على شَئ} خبر ليس، وهو عند بعض من باب حذف الصفة أي شيء بعتد به في الدين لأنه من المعلوم أن كلًا منهما على شيء، والأوْلى عدم اعتبار الحذف، وفي ذلك مبالغة عظيمة لأن الشيء كما يشير إليه كلام سيبويه ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فإذا نفى مطلقًا كان ذلك مبالغة في عدم الاعتداد بما هم عليه وصار كقولهم أقل من لا شيء {وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب} حال من الفريقين بجعلهما فاعل فعل واحد لئلا يلزم إعمال عاملين في معمول واحد أي قالوا ذلك وهم عالمون بما في كتبهم الناطقة بخلاف ما يقولون، وفي ذلك توبيخ لهم وإرشاد للمؤمنين إلى أن من كان عالمًا بالقرآن لا ينبغي أن يقول خلاف ما تضمنه، والمراد من الكتاب الجنس فيصدق على التوراة والإنجيل، وقيل: المراد به التوراة لأن النصارى تمتثلها أيضًا.
{كذلك قَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} وهم مشركو العرب في قول الجمهور، وقيل: مشركو قريش، وقيل: هم أمم كانوا قبل اليهود والنصارى، وأما القول بأنهم اليهود وأعيد قولهم مثل قول النصارى ونفى عنهم العلم حيث لم ينتفعوا به فالظاهر أنه قول: {الذين لاَ يَعْلَمُونَ} والكاف من {كذلك} في موضع نصب على أنه نعت لمصدر محذوف منصوب بقال مقدم عليه أي قولًا مثل قول اليهود والنصارى {قَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} ويكون {مِّثْلَ قَوْلِهِمْ} على هذا منصوبًا ب {يَعْلَمُونَ} والقول بمعنى الاعتقاد، أو بقال على أنه مفعول به أو بدل من محل الكاف، وقيل: {كذلك} مفعول به و{مَثَلُ} مفعول مطلق، والمقصود تشبيه المقول بالمقول في المؤدي والمحصول، وتشبيه القول بالقول في الصدور عن مجرد التشهي والهوى والعصبية، وجوزوا أن تكون الكاف في موضع رفع بالابتداء والجملة بعده خبره والعائد محذوف أي قاله، و{مَثَلُ} صفة مصدر محذوف، أو مفعول {يَعْلَمُونَ} ولا يجوز أن يكون مفعول قال لأنه قد استوفى مفعوله، واعترض هذا بأن حذف العائد على المبتدأ الذي لو قدر خلو الفعل عن الضمير لنصبه مما خصه الكثير بالضرورة ومثلوا له بقوله:
وخالد يحمد ساداتنا ** بالحق لا تحمد بالباطل

وقيل: عليه وعلى ما قبله أن استعمال الكاف اسمًا وإن جوزه الأخفش إلا أن جماعة خصوه بضرورة الشعر مع أنه قد يؤل ما ورد منه فيه على أنه لا يخفى ما في توجيه التشبيهين دفعًا لتوهم اللغوية من التكلف والخروج عن الظاهر، ولعل الأولى أن يجعل {مِّثْلَ قَوْلِهِمْ} إعادة لقوله تعالى: {كذلك} للتأكيد والتقرير كما في قوله تعالى: {جَزؤُهُ مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 5 7] وبه قال بعض المحققين، وقد يقال: إن كذلك ليست للتشبيه هنا بل لإفادة أن هذا الأمر عظيم مقرر، وقد نقل الوزير عاصم بن أيوب في شرح قول زهير:
كذلك خيمهم ولكل قوم ** إذا مستهم الضراء خيم

عن الإمام الجرجاني إن {كذلك} تأتي للتثبيت إما لخبر مقدم وإما لخبر متأخر وهي نقيض كلا لأن كلا تنفي وكذلك تثبت ومثله {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ المجرمين} [الحجر: 2 1] وفي شرح المفتاح الشريفي إنه ليس المقصود من التشبيهات هي المعاني الوضعية فقط إذ تشبيهات البلغاء قلما تخلو من مجازات وكنايات فنقول: إنا رأيناهم يستعملون كذا وكذا للاستمرار تارة نحو عدل زيد في قضية فلان كذا وهكذا أي عدل مستمر، وقال الحماسي:
هكذا يذهب الزمان ويفنى ال ** علم فيه ويدرس الأثر

نص عليه التبريزي في شرح الحماسة وله شواهد كثيرة، وقال في شرح قول أبي تمام:
كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر

إنه للتهويل والتعظيم وهو في صدر القصيدة لم يسبق ما يشبه به، وسيأتي لذلك تتمة إن شاء الله تعالى، وإنما جعل قول أولئك مشبهًا به لأنه أقبح إذ الباطل من العالم أقبح منه من الجاهل، وبعضهم يجعل التشبيه على حد {إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا} [البقرة: 275] وفيه من المبالغة والتوبيخ على التشبه بالجهال ما لا يخفى وإنما وبخوا، وقد صدقوا إذ كلا الدينين بعد النسخ ليس بشيء لأنهم لم يقصدوا ذلك وإما قصد كل فريق إبطال دين الآخر من أصله والكفر بنبيه وكتابه على أنه لا يصح الحكم بأن كلا الدينين بعد النسخ ليس بشيء يعتدّ به لأن المتبادر منه أن لا يكون كذلك في حد ذاته وما لا ينسخ منهما حق واجب القبول والعمل فيكون شيئًا معتدًا به في حد ذاته وإن يكن شيئًا بالنسبة إليهم لأنه لا انتفاع بما لم ينسخ مع الكفر بالناسخ.
{فالله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي بين اليهود والنصارى لا بين الطوائف الثلاثة لأن مساق النظم لبيان حال تينك الطائفتين والتعرض لمقالة غيرهم لإظهار كمال بطلان مقالهم والحكم الفصل والقضاء وهو يستدعي جارين فيقال: حكم القاضي في هذه الحادثة بكذا، وقد حذف هنا أحدهما اختصارًا وتفخيمًا لشأنه أي بما يقسم لكل فريق ما يليق به من العذاب، والمتبادر من الحكم بين فريقين أن يحكم لأحدهما بحق دون الآخر فكأن استعماله بما ذكر مجاز، وقال الحسن: المراد بالحكم بين هذين الفريقين تكذيبهم وإدخالهم النار وفي ذلك تشريك في حكم واحد وهو بعيد عن حقيقة الحكم، و{يَوْمٍ} متعلق ب {يُحْكِمُ} وكذا ما بعده ولا ضير لاختلاف المعنى، وفيه متعلق ب {يَخْتَلِفُونَ} لا ب {كَانُواْ} وقدم عليه للمحافظة على رءوس الآي.
ومن باب الإشارة في الآيات: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ} [البقرة: 106] أي ما نزيل من صفاتك شيئًا عن ديوان قلبك أو نخفيه بإشراق أنوارنا عليه إلا ونرقم فيه من صفاتنا التي لا تظن قابليتك لما يشاركها في الاسم والتي تظن وجود ما لا يشاركها فيك {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ} [البقرة: 107] عالم الأرواح وأرض الأجساد وهو المتصرف فيهما بيد قدرته بل العوالم على اختلافها ظاهر شئون ذاته ومظهر أسمائه وصفاته فلم يبق شيء غيره ينصركم ويليكم {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْئَلُواْ} رسول العقل من اللذات الدنية والشهوات الدنيوية {كَمَا سُئِلَ موسى} القلب {مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ} [البقرة: 108] الظلمة بالنور فقد ضل الطريق المستقيم وقالت اليهود لن يدخل الجنة المعهودة عندهم وهي جنة الظاهر وعالم الملك التي هي جنة الأفعال وجنة النفس {إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا} وقالت النصارى لن يدخل الجنة المعهودة عندهم وهي جنة الباطن وعالم الملكوت التي هي جنة الصفات وجنة القلب إلا من كان نصرانيًا، ولهذا قال عيسى عليه السلام: لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} أي غاية مطالبهم التي وقفوا على حدها واحتجبوا بها عما فوقها {قُلْ هَاتُواْ} دليلكم الدال على نفي دخول غيركم {إِن كُنتُمْ صادقين} [البقرة: 111] في دعواكم بل الدليل دل على نقيض مدعاكم فإن {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ} وخلص ذاته من جميع لوازمها وعوارضها لله تعالى بالتوحيد الذاتي عند المحو الكلي وهو مستقيم في أحواله بالبقاء بعد الفناء مشاهد ربه في أعماله راجع من الشهود الذاتي إلى مقام الإحسان الصفاتي الذي هو المشاهدة للوجود الحقاني {فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ} [البقرة: 2 11] أي ما ذكرتم من الجنة وأصفى لاختصاصه بمقام العندية التي حجبتم عنها ولهم زيادة على ذلك هي عدم خوفهم من احتجاب الذات وعدم حزنهم على ما فاتهم من جنة الأفعال والصفات التي حجبتم بالوقوف عندها {وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَئ} لاحتجابهم بالباطن عن الظاهر {وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَئ} لاحتجابهم عن الباطن بالظاهر {وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب} وفيه ما يرشدهم إلى رفع الحجاب ورؤية حقية كل مذهب في مرتبته {كذلك قَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} المراتب {مِّثْلَ قَوْلِهِمْ} فخطأ كل فرقة منهم الفرقة الأخرى ولم يميزوا بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية ولم يعرفوا وجه الحق في كل مرتبة من مراتب الوجود {فالله} تعالى الجامع لجميع الصفات على اختلاف مراتبها وتفاوت درجاتها {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} بالحق في اختلافاتهم {يَوْمٍ} قيام {القيامة} [البقرة: 3 11] الكبرى وظهور الوحدة الذاتية وتجلي الرب بصور المعتقدات حتى ينكرونه فلا يسجد له إلا من لم يقيده سبحانه حتى بقيد الإطلاق. اهـ.