فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وننزِّل من القرآن ما هو شفاء}.
{مِنْ} هاهنا لبيان الجنس، فجميع القرآن شفاء، وفي هذا الشفاء ثلاثة أقوال.
أحدها: شفاء من الضلال، لما فيه من الهدى.
والثاني: شفاء من السَّقم، لما فيه من البركة.
والثالث: شفاء من البيان للفرائض والأحكام.
وفي الرحمة قولان.
أحدهما: النعمة.
والثاني: سبب الرحمة.
قوله تعالى: {ولا يزيد الظالمين} يعني المشركين {إِلا خسارًا} لأنهم يكفرون به، ولا ينتفعون بمواعظه، فيزيد خسرانهم.
قوله تعالى: {وإِذا أنعمنا على الإِنسان}.
قال ابن عباس: الإِنسان هاهنا: الكافر، والمراد به: الوليد بن المغيرة.
قال المفسرون: وهذا الإِنعام: سَعة الرزق، وكشف البلاء.
{ونأى بجانبه} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {ونأى} على وزن نعى بفتح النون والهمزة.
وقرأ ابن عامر: ناء مثل باع.
وقرأ الكسائي، وخلف عن سليم عن حمزة: وناء بامالة النون والهمزة.
وروى خلاَّد عن سليم: {نئي} بفتح النون، وكسر الهمزة؛ والمعنى: تباعد عن القيام بحقوق النِّعم، وقيل: تعظَّم وتكبَّر.
{وإِذا مسَّه الشرُّ} أي: نزل به البلاء والفقر {كان يَؤوسًا} أي: قَنوطًا شديد اليأس، لا يرجو فضل الله.
قوله تعالى: {قل كلٌّ يعمل على شاكلته} فيها ثلاثة أقوال.
أحدها: على ناحيته، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.
قال الفراء: الشاكلة: الناحية، والجديلة، والطريقة، سمعت بعض العرب يقول: وعبد الملك إِذ ذاك على جديلته، وابن الزبير على جديلته، يريد: على ناحيته.
وقال أبو عبيدة: على ناحيته وخليقته.
وقال ابن قتيبة: على خليقته وطبيعته، وهو من الشكل.
يقال: لستَ على شكلي، ولا شاكلتي وقال الزجاج: على طريقته، وعلى مذهبه.
والثاني: على نِيَّته؛ قاله الحسن، ومعاوية بن قُرَّة.
وقال الليث: الشاكلة من الأمور: ما وافق فاعله.
والثالث: على دينه، قاله ابن زيد.
وتحرير المعنى: أن كل واحد يعمل على طريقته التي تشاكل أخلاقه، فالكافر يعمل ما يشبه طريقته من الإِعراض عند النِّعم واليأس عند الشدة، والمؤمن يعمل ما يشبه طريقته من الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، والله يجازي الفريقين.
وذكر أبو صالح عن ابن عباس: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]، وليس بشيء.
قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} في سبب نزولها قولان.
أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بناس من اليهود، فقالوا: سَلُوهُ عن الروح؟ فقال بعضهم: لا تسألوه، فيستقبلكُم بما تكرهون.
فأتاه نفر منهم، فقالوا: يا أبا القاسم: ما تقول في الروح؟ فسكت، ونزلت هذه الآية، قاله ابن مسعود.
والثاني: أن اليهود قالت لقريش: سلوا محمدًا عن ثلاث، فإن أخبركم عن اثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبي؛ سلوه عن فِتيةٍ فُقدوا، وسلوه عن ذي القرنين، وسلوه عن الرُّوح.
فسألوه عنها، ففسَّر لهم أمر الفتية في الكهف، وفسر لهم قصة ذي القرنين، وأمسك عن قصة الروح، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.
وفي المراد بالروح هاهنا ستة أقوال.
أحدها: أنه الروح الذي يحيا به البدن، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس.
وقد اختلف الناس في ماهيَّة الروح، ثم اختلفوا هل الروح النَّفْسُ، أم هما شيئان فلا يحتاج إِلى ذكر اختلافهم لأنه لا برهان على شيء من ذلك وإِنما هو شيء أخذوه عن الطب والفلاسفة؟ فأما السلف، فانهم أمسكوا عن ذلك، لقوله تعالى: {قل الروح من أمر ربي}، فلما رأَوا أن القوم سألوا عن الروح فلم يُجابوا، ولوحي ينزل، والرسول حيّ، علموا أن السكوت عما لم يُحَطْ بحقيقة عِلمه أولى.
والثاني: أن المراد بهذا الروح: ملك من الملائكة على خِلْقة هائلة، روي عن عليٍّ عليه السلام، وابن عباس، ومقاتل.
والثالث: أن الروح: خَلْق من خلق الله عز وجل صوَّرهم على صُوَر بني آدم، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والرابع: أنه جبريل عليه السلام، قاله الحسن، وقتادة.
والخامس: أنه القرآن، روي عن الحسن أيضًا.
والسادس: أنه عيسى بن مريم، حكاه الماوردي.
قال أبو سليمان الدمشقي: قد ذكر الله تعالى الروح في مواضع من القرآن، فغالب ظني أن الناقلين نقلوا تفسيره من موضعه إِلى موضع لا يليق به، وظنوه مثله، وإِنما هو الروح الذي يحيى به ابن آدم.
وقوله: {من أمر ربي} أي: من عِلمه الذي منع أن يعرفه أحد.
قوله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إِلا قليلًا} في المخاطبين بهذا قولان.
أحدهما: أنهم اليهود، قاله الأكثرون.
والثاني: أنهم جميع الخلق، عِلمهم قليل بالإِضافة إِلى علم الله عز وجل، ذكره الماوردي.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية، وبين قوله تعالى: {ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} [البقرة: 269]؟
فالجواب: أن ما أوتيه الناس من العلم، وإِن كان كثيرًا، فهو بالإِضافة إِلى عِلم الله قليل.
قوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إِليك}.
قال الزجاج: المعنى: لو شئنا لمحوناه من القلوب والكتب، حتى لا يوجد له أثر، {ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} أي: لا تجدَ من يتوكل [علينا] في ردّ شيء منه، {إِلا رحمة من ربك} هذا استنثاء ليس من الأول، والمعنى: لكن الله رحمك فأثبت ذلك في قلبك وقلوب المؤمنين.
وقال ابن الأنباري: المعنى: لكن رحمة من ربك تمنع من أن تُسْلَبَ القرآن، وكان المشركون قد خاطبوا نساءهم من المسلمين في الرجوع إِلى دين آبائهم، فهدَّدهم الله عز وجل بسلب النِّعمة، فكان ظاهر الخطاب للرسول، ومعنى التهدُّدِ للأمة.
وقال أبو سليمان: {ثم لا تجد لك به} أي: بما نفعله بك، من إِذهاب ما عندك {وكيلًا} يدفعنا عما نريده بك.
وروي [عن] عبد الله بن مسعود أنه قال: يسرى على القرآن في ليلة واحدة، فيجيء جبريل من جوف الليل، فيذهب به من صدورهم ومن بيوتهم، فيصبحون لا يقرؤون آية، ولا يحسنونها.
وردّ أبو سليمان الدمشقي صحة هذا الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام: «إِن الله لا يقبض العلم انتزاعًا» وحديث ابن مسعود مروي من طُرُقٍ حِسان، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالعلم ما سوى القرآن، فإن العلم ما يزال ينقرض حتى يكون رفع القرآن آخر الأمر. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ} قرأ الجمهور بالنون.
وقرأ مجاهد: {ويُنْزِل} بالياء خفيفة، ورواها المروزيّ عن حفص.
و{مِن} لابتداء الغاية، ويصح أن تكون لبيان الجنس؛ كأنه قال: وننزل ما فيه شفاء من القرآن.
وفي الخبر: «من لم يَسْتَشْفِ بالقرآن فلا شفاه الله».
وأنكر بعض المتأولين أن تكون {مِن} للتبعيض؛ لأنه يحفظ من أن يلزمه أن بعضه لا شفاء فيه.
ابن عطية: وليس يلزمه هذا، بل يصح أن تكون للتبعيض بحسب أن إنزاله إنما هو مبعَّض؛ فكأنه قال: وننزل من القرآن شيئًا شفاء؛ ما فيه كله شفاء.
الثانية: اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين: أحدهما أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الرّيب، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله تعالى.
الثاني شفاء من الأمراض الظاهرة بالرُّقى والتعوّذ ونحوه.
وقد روى الأئمة واللفظ للدارقطنيّ عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه لم في سَرِيّة ثلاثين راكبًا قال: فنزلنا على قوم من العرب فسألناهم أن يُضيفونا فأبَوْا؛ قال: فُلِدغ سيد الحيّ، فأتونا فقالوا: فيكم أحد يَرْقِي من العقرب؟ في رواية ابن قَتّة: إن الملك يموت.
قال: قلت أنا نعم، ولكن لا أفعل حتى تعطونا.
فقالوا: فإنا نعطيكم ثلاثين شاة.
قال: فقرأت عليه {الحمد لله رب العالمين} سبع مرات فبرأ.
في رواية سليمان بن قتة عن أبي سعيد: فأفاق وبرأ.
فبعث إلينا بالنُّزل وبعث إلينا بالشاء، فأكلنا الطعام أنا وأصحابي وأبَوْا أن يأكلوا من الغنم، حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر فقال: «وما يدريك أنها رقية» قلت: يا رسول الله، شيء ألقي في رُوِعي قال: «كلوا وأطعمونا من الغنم» خرّجه في كتاب السنن.
وخرّج في كتاب المديح من حديث السَّرِيّ بن يحيى قال: حدثني المعتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن الحسن عن أبي أُمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ينفع باذن الله تعالى من البرص والجنون والجذام والبطن والسُّلّ والحمُى والنّفْس أن تكتب بزعفران أو بمشق يعني المَغْرة أعوذ بكلمات الله التامة وأسمائه كلّها عامةً من شر السّامة والعامّة ومن شر العين اللامّة ومن شر حاسد إذا حسد ومن أبي فَروة وما ولد» كذا قال، ولم يقل من شر أبي قِترة.
العين اللامّة: التي تصيب بسوء.
تقول: أعِيذه من كل هامّة لامّة.
وأما قوله: أعيذه من حادثات اللّمة فيقال: هو الدهر.
ويقال الشدة.
والسامة: الخاصة.
يقال: كيف السامة والعامة.
والسامة السم.
ومن أبي فروة وما ولد.
وقال: ثلاثة وثلاثون من الملائكة أتْوا ربّهم عز وجل فقالوا: وَصَبٌ بأرضنا.
فقال: خذوا تربة من أرضكم فامسحوا نواصيَكم.
أو قال: نواصيكم رقية محمد صلى الله عليه وسلم لا أفلح من كتمها أبدًا أو أخذ عليها صَفَدا.
ثم كتب فاتحة الكتاب وأربع آيات من أول البقرة، والآية التي فيها تصريف الرياح وآية الكرسي والآيتين اللتين بعدها، وخواتيم سورة البقرة من موضع {وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} إلى آخرها، وعشرًا من أوّل آل عمران وعشرًا من آخرها، وأوّل آية من النساء، وأوّل آية من المائدة، وأوّل آية من الأنعام، وأوّل آية من الأعراف، والآية التي في الأعراف {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض} [الأعراف: 54] حتى تختم الآية؛ والآية التي في يونس من موضع {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ به السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]، والآية التي في طه {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صنعوا إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} [طه: 69]، وعشرا من أوّل الصافات، و{قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، والمعوِّذَتين.
تكتب في إناء نظيف ثم تغسل ثلاث مرات بماء نظيف ثم يحثو منه الوجع ثلاث حَثَوات ثم يتوضأ منه كوضوئه للصلاة ويتوضأ قبل وضوئه للصلاة حتى يكون على طهر قبل أن يتوضأ به ثم يصب على رأسه وصدره وظهره ولا يستنجي به ثم يصلي ركعتين ثم يستشفي الله عز وجل؛ يفعل ذلك ثلاثة أيام، قدر ما يكتب في كل يوم كتابًا.