فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثاني: القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من شاء من عباده المؤمنين، كما قال: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيْمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22].
الثالث: جبريل كقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 193- 194]، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ} [البقرة: 97]، وهو روح القدس، قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} [النحل: 102].
الرابع: الروح التي سأل عنها اليهود فأجيبوا بأنها من أمر الله. وقد قيل إنها الروح المذكورة في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُون} [النبأ: 38]، وإنها الروح المذكورة في قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [القدر: 4].
الخامس: المسيح عيسى ابن مريم. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] أما أرواح بني آدم فلم تقع تسميتها بالقرآن إلا بالنفس، قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27]، وقال: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2]، وقال: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]، وقال: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ} [الأنعام: 93]، وقال: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمهَا فُجُورَها وَتَقْوَها} [الشمس: 7- 8]، وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت} [آل عِمْرَان: 185].
وأما في السنة فجاءت بلفظ النفس والروح. انتهى.
قال ابن كثير: رواية عبد الله في الصحيح المتقدمة، تقتضي فيما يظهر ببادئ الرأي، أن هذه الآية مدنية. وأنها إنما أنزلت حين سأله اليهود عن ذلك في المدينة. مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية. كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك. أو إنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه، وهي هذه الآية: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} انتهى.
وقد روى ابن جرير عن قتادة: أن الروح في الآية هو جبريل عليه السلام وحكاه عن ابن عباس.
أقول: الذي أراه متعينًا في الآية، لسابقها ولاحقها، أن المراد بالروح الوحي بالقرآن، وهو قريب من قول قتادة. ووجه تعينه أن هذه الآية في سياق ذكر القرآن وتنزيله والمنة بكونه شفاء ورحمة، وقد سمى تعالى الوحي بالقرآن روحًا. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]، وقال تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه} [غافر: 15] فكانوا إذا سمعوا الروح، وصدعوا بالإيمان به، يتعنتون في السؤال عنه؛ استبعادًا لأن يكون من لدنه سبحانه، ولأن يكون بشر مثله مبعوثًا بأمره تعالى أن يبين لهم أنه وحي أوحاه الله، وأنه روح من لدنه، وإلقاء من أمره. ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إي وَرَبِّي} [يونس: 53] وقوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عن النَّبأِ العَظيمِ الَّذي هُمْ فيهِ مُخْتَلفُونَ} [النبأ: 1- 3] أي: بعضهم ينكره وبعضهم يتردد في صحته، وذلك لأنهم قوم جاهليون، لا عهد لهم بالعلوم والمعارف، فضلًا عن الوحي وخصائص النبوة؛ للأمية والجهالة الفاشيتين فيهم، كما أشير إليه بقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا} أي: مما تناله مشاعركم وتصل إليه فطنكم. وما هو في جنب معلومات لا تحصى، إلا كالقطرة من البحر والذرة من الكثيب، والقاعدة أن القرآن متجاوب الأطراف، يفسر بعضه بعضًا.
وجميع ما ذكره المتقدمون، غير ما ذكرناه، جرى مع ما يحتمله نظم الآية الكريمة. وكذا رواية ابن مسعود أنه أجيب بها اليهود؛ لأنها لما كان لها وجوه من المعاني، ومنها ما سألوا عنه، ألقموا بها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم أشار تعالى إلى نعمته فيما أوحاه من هذا التنزيل والهداية به، بقوله سبحانه:{وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} أي: من القرآن الذي هو شفاء ورحمة للمؤمنين، وإنما عبر عنه بالموصول، تفخيمًا لشأنه. ووصفًا له بما هو في حيز الصلة، وإعلامًا بأنه ليس من قبيل كلام المخلوق: {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} أي: من يتوكل علينا برده.
{إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} أي: ولكن رحمة من ربك تركته غير مُشاءٍ الذهاب به بل تولت حفظه.
قال الزمخشري: وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظًا، بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه. فعلى كل ذي علم أن لا يغفل عن هاتين المنتين والقيام بشكرهما. وهما منة الله عليه بحفظه العلم ورسوخه في صدره، ومنته عليه في بقاء المحفوظ {إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} أي: تفضله بالإيحاء والتعليم الرباني، والاصطفاء للرسالة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}.
عطف على جملة {وقل جاء الحق وزهق الباطل} [الإسراء: 81] على ما في تلك الجملة والجمل التي سبقتها من معنى التأييد للنبيء ومن الإغاظة للمشركين ابتداء من قوله: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذين أوحينا إليك} [الإسراء: 73].
فإنه بعد أن امتن عليه بأن أيده بالعصمة من الركون إليهم وتبشيره بالنصرة عليهم وبالخلاص من كيدهم، وبعد أن هددهم بأنهم صائرون قريبًا إلى هلاك وأن دينهم صائر إلى الاضمحلال، أعلن له ولهم في هذه الآية: أن ما منه غيظهم وحنقهم، وهو القرآن الذي طمعوا أن يسألوا النبي أن يبدله بقرآن ليس فيه ذكر أصنامهم بسوء، أنه لا يزال متجددًا مستمرًا، فيه شفاء للرسول وأتباعه وخسارة لأعدائه الظالمين، ولأن القرآن مصدرُ الحق ومَدحَض الباطل أعقب قولُه: {جاء الحق وزهق الباطل} [الإسراء: 81] بقوله: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة} الآية.
ولهذا اختير للإخبار عن التنزيل الفعل المضارع المشتق من فَعَّلَ المضاعف للدلالة على التجديد والتكرير والتكثير، وهو وعد بأنه يستمر هذا التنزيل زمنًا طويلًا.
و{ما هو شفاء} مفعول {ننزل}.
و{من القرآن} بيان لما في {ما} من الإبهام كالتي في قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} [الحج: 30]، أي الرجس الذي هو الأوثان.
وتقديم البيان لتحصيل غرض الاهتمام بذكر القرآن مع غرض الثناء عليه بطريق الموصولية بقوله: {ما هو شفاء ورحمة} إلخ، للدلالة على تمكن ذلك الوصف منه بحيث يعرف به.
والمعنى: ننزل الشفاء والرحمة وهو القرآن.
وليست {مِن} للتبعيض ولا للابتداء.
والشفاء حقيقته زوال الداء، ويستعمل مجازًا في زوال ما هو نقص وضلال وعائق عن النفع من العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة والأخلاق الذميمة تشبيهًا له ببرء السقم، كقول عنترة:
ولقد شَفَى نفسي وابرأ سُقمها ** قيلُ الفوارس ويْكَ عنترَ قَدّمِ

والمعنى: أن القرآن كله شفاءً ورحمة للمؤمنين ويزيد خسارة للكافرين، لأن كل آية من القرآن من أمره ونهيه ومواعظه وقصصه وأمثاله ووعده ووعيده، كل آية من ذلك مشتملة على هَديٍ وصلاححِ حالٍ للمؤمنين المتبعينَه، ومشتملة بضد ذلك على ما يزيد غيظ المستمرين على الظلم، أي الشرك، فيزدادون بالغيظ كراهية للقرآن فيزدادون بذلك خسارًا بزيادة آثامهم واستمرارهم على فاسد أخلاقهم وبُعْدِ ما بينهم وبين الإيمان.
وهذا كقوله: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسًا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} [التوبة: 124- 125].
وفي الآية دليل على أن في القرآن آيات يشتفى بها من الأدواء والآلام ورد تعيينها في الأخبار الصحيحة فشملتها الآية بطريقة استعمال المشترك في معنييه.
وهذا مما بينا تأصيله في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير.
والأخبار الصحيحة في قراءة آيات معينة للاستشفاء من أدواء موصوفة بله الاستعاذة بآيات منه من الضلال كثيرة في صحيح البخاري وجامع الترمذي وغيرهما، وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله في سرية ثلاثين راكبًا فنزلنا على قوم من العرب فسألناهم أن يضيفونا فأبوا فلُدغ سيد الحَيّ فأتونا، فقالوا: أفيكم أحد يَرقي من العقرب؟ قال: قلت: نعم ولكن لا أفعل حتى يُعطونا، فقالوا: فإنا نعطيكم ثلاثين شاة، قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب سبع مرات فبرأ، الحديث.
وفيه: حتى أتينا رسول الله فأخبرته فقال: «وما يُدريكَ أنها رُقْيَة، قلت: يا رسول الله شيءٌ ألقي في روعي أي إلهام ألهمه الله قال: كلوا وأطعمونا من الغنم» فهذا تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم بصحة إلهام أبي سعيد رضي الله عنه.
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)}.
لما كان القرآن نعمة عظيمة للناس، وكان إعراض المشركين عنه حرمانًا عظيمًا لهم من خيرات كثيرة، ولم يكن من شأن أهل العقول السليمة أن يرضوا بالحرمان من الخير، كان الإخبار عن زيادته الظالمين خسارًا مستغربًا من شأنه أن يثير في نفوس السامعين التساؤل عن سبب ذلك، أعقب ذلك ببيان السبب النفساني الذي يوقع العقلاء في مهواة هذا الحرمان، وذلك بعد الاشتغال بما هو فيه من نعمة هَويها وأولع بها، وهي نعمة تتقاصر عن أوج تلك النعم التي حرم منها لولا الهوى الذي علق بها والغرور الذي أراه إياها قصَارى المطلوب، وما هي إلا إلى زوال قريب، كما أشار إليه قوله تعالى: {وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا} [المزمّل: 11] وقوله: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل} [آل عمران: 196- 197].
فهذه الجملة مضمونها مقصود بذاته استفيد بيانها بوقوعها عقب التي قبلها.
والتعريف في {الإنسان} تعريف الجنس، وهو يفيد الاستغراق وهو استغراق عرفي، أي أكثر أفراد الإنسان لأن أكثر الناس يومئذٍ كفار وأكثر العرب مشركون.
فالمعنى: إذا أنعمنا على المشركين أعرضوا وإذا مسهم الشر يئسوا، وهذا مقابل حال أهل الإيمان الذين كان القرآن شفاءً لأنفسهم وشكر النعمة من شِيمهم والصبر على الضر من خلقهم.
والمراد بالإنعام: إعطاء النعمة.
وليس المراد النعم الكاملة من الإيمان والتوفيق، كما في قوله: {صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7].
وقوله: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصدّيقين} [النساء: 69].
والإعراض: الصد، وضد الإقبال.
وتقدم عند قوله تعالى: {فأعرض عنهم وعِظهم} في سورة [النساء: 63]، وقوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} في سورة [الأنعام: 68].
والنأي: البعد، وتقدم في قوله تعالى: {وينأون عنه} في سورة [الأنعام: 26].
والجانب: الجنب.
وهو الجهة من الجسد التي فيها اليد، وهما جانبان: يمين ويسار.
والباء في قوله: {بجانبه} للمصاحبة، أي بَعِدَ مصاحبًا لجانبه، أي مبعدًا جانبه.
والبُعد بالجانب تمثيل الإجفال من الشيء، قال عنترة:
وكأنما ينأى بجانب دَفّها الْ ** وَحْشِيّ من هزج العشي مؤوم

فالمفاد من قوله: {وناء بجانبه} صد عن العبادة والشكر.
وهذا غير المفاد من معنى {أعرض} فليس تأكيدًا له، فالمعنى: أعرض وتباعد.
وحذف متعلق {أعرض ونأى} لدلالة المقام عليه من قوله: {أنعمنا على الإنسان}، أي أعرض عنا وأجفل منا، أي من عبادتنا وأمرنا ونهينا.
وقرأ الجمهور: {وناء} بهمزة بعد النون وألف بعد الهمزة.
وقرأ ابن عامر في رواية ابن ذكوان وأبو جعفر: {وناء} بألف بعد النون ثم همزة.
وهذا من القلب المكاني لأن العرب قد يتطلبون تخفيف الهمزة إذا وقعت بعد حرف صحيح وبعدها مدة فيقلبون المدة قبل الهمزة لأن وقوعها بعد المد أخف.
من ذلك قولهم: راء في رأى، وقولهم: آرام في أرْام، جمع رئم، وقيل: ناء في هذه القراءة بمعنى ثقل، أي عن الشكر، أي في معنى قوله تعالى: {ولكنه أخلد إلى الأرض} [الأعراف: 176].
وجملة {وإذا مسه الشر كان يؤسًا} احتراس من أن يتَوهم السامع من التقييد بقوله: {وإذا أنعمنا} أنه إذا زالت عنه النعمة صلح حاله فبين أن حاله ملازم لنكران الجميل في السراء والضراء، فإذا زالت النعمة عنه لم يقلع عن الشرك والكفر ويتب إلى الله ولكنه ييَأس من الخير ويبقى حنقًا ضيق الصدر لا يعرف كيف يتدارك أمره.
ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله في سورة [فصلت: 51] {وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} كما سيأتي هنالك.
ودل قوله: {كان يؤسًا} على قوة يأسه إذ صيغ له مثال المبالغة.
وأقحم معه فعل {كان} الدال على رسوخ الفعل، تعجيبًا من حاله في وقت مس الضر إياه لأن حالة الضر أدعى إلى الفكرة في وسائل دفعه، بخلاف حالة الإعراض في وقت النعمة فإنها حالة لا يستغرب فيها الازدهاء لما هو فيه من النعمة.
{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)}.
هذا تذييل، وهو تنهية للغرض الذي ابتدىء من قوله: {ربكم الذي يزجى لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله} [الإسراء: 66] الراجع إلى التذكير بنعم الله تعالى على الناس في خلال الاستدلال على أنه المتصرف الوحيد، وإلى التحذير من عواقب كفران النعم.
وإذ قد ذكر في خلال ذلك فريقان في قوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} الآية [الإسراء: 71]، وقوله: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا} [الإسراء: 82].
ولما في كلمة {كل} من العموم كانت الجملة تذييلًا. وتنوين {كل} تنوين عوض عن المضاف إليه، أي كل أحد مما شمله عموم قوله: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} [الإسراء: 72] وقوله: {ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا} [الإسراء: 82] وقوله: {وإذا أنعمنا على الإنسان} [الإسراء: 83].