فصل: (سورة الإسراء: الآيات 76- 77)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الإسراء: الآيات 76- 77]

{وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا (77)}.
{وَإِنْ كادُوا} وإن كاد أهل مكة {لَيَسْتَفِزُّونَكَ} ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم {مِنَ الْأَرْضِ} من أرض مكة {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ} لا يبقون بعد إخراجك {إِلَّا} زمانا {قَلِيلًا} فإن اللّه مهلكهم وكان كما قال، فقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل. وقيل: معناه ولو أخرجوك لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم. ولم يخرجوه، بل هاجر بأمر ربه. وقيل: من أرض العرب. وقيل: من أرض المدينة، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما هاجر حسدته اليهود وكرهوا قربه منهم، فاجتمعوا إليه وقالوا: يا أبا القاسم، إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام وهي بلاد مقدّسة وكانت مهاجر إبراهيم، فلو خرجت إلى الشام لآمنا بك واتبعناك، وقد علمنا أنه لا يمنعك من الخروج إلا خوف الروم، فإن كنت رسول اللّه فاللّه مانعك منهم، فعسكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أميال من المدينة وقيل بذي الحليفة، حتى يجتمع إليه أصحابه ويراه الناس عازما على الخروج إلى الشام لحرصه على دخول الناس في دين اللّه، فنزلت، فرجع. وقرئ: لا يلبثون. وفي قراءة أبىّ: لا يلبثوا على إعمال إذا.
فإن قلت: ما وجه القراءتين؟ قلت: أما الشائعة فقد عطف فيها الفعل على الفعل، وهو مرفوع لوقوعه خبر كاد، والفعل في خبر كاد واقع موقع الاسم. وأما قراءة أبىّ ففيها الجملة برأسها التي هي إذا لا يلبثوا، عطف على جملة قوله: {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ}. وقرئ: خلافك. قال:
عفت الدّيار خلافهم فكأنّما ** بسط الشّواطب بينهنّ حصيرا

أى بعدهم {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا} يعني أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم، فسنة اللّه أن يهلكهم، ونصبت نصب المصدر المؤكد، أي: سن اللّه ذلك سنة.

.[سورة الإسراء: الآيات 78- 79]

{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا (79)}.
دلكت الشمس: غربت. وقيل: زالت.
وروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: أتانى جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت الشمس، فصلى بى الظهر. واشتقاقه من الدلك، لأن الإنسان يدلك عينه عند النظر إليها، فإن كان الدلوك الزوال فالآية جامعة للصلوات الخمس، وإن كان الغروب فقد خرجت منها الظهر والعصر. والغسق: الظلمة، وهو وقت صلاة العشاء {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} صلاة الفجر، سميت قرآنا وهو القراءة، لأنها ركن، كما سميت ركوعا وسجودا وقنوتا. وهي حجة على ابن علية والأصم في زعمهما أن القراءة ليست بركن {مَشْهُودًا} يشهده ملائكة الليل والنهار، ينزل هؤلاء، ويصعد هؤلاء، فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار. أو يشهده الكثير من المصلين في العادة. أو من حقه أن يكون مشهودًا بالجماعة الكثيرة. ويجوز أن يكون {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} حثا على طول القراءة في صلاة الفجر، لكونها مكثورا عليها، ليسمع الناس القرآن فيكثر الثواب، ولذلك كانت الفجر أطول الصلوات قراءة {وَمِنَ اللَّيْلِ} وعليك بعض الليل {فَتَهَجَّدْ بِهِ} والتهجد ترك الهجود للصلاة، ونحوه التأثم والتحرّج. ويقال أيضا في النوم: تهجد {نافِلَةً لَكَ} عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس، وضع نافلة موضع تهجدا، لأن التهجد عبادة زائدة فكان التهجد والنافلة يجمعهما معنى واحد. والمعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة فريضة عليك خاصة دون غيرك، لأنه تطوع لهم {مَقامًا مَحْمُودًا} نصب على الظرف، أي: عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاما محمودا. أو ضمن يبعثك معنى يقيمك. ويجوز أن يكون حالا بمعنى أن يبعثك ذا مقام محمود. ومعنى المقام المحمود: المقام الذي يحمده القائم فيه، وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجب الحمد من أنواع الكرامات. وقيل: المراد الشفاعة، وهي نوع واحد مما يتناوله.
وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: مقام يحمدك فيه الأولون والآخرون، وتشرف فيه على جميع الخلائق: تسأل فتعطى، وتشفع فتشفع، ليس أحد إلا تحت لوائك.
وعن أبى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: هو المقام الذي أشفع فيه لأمّتى.
وعن حذيفة يجمع الناس في صعيد واحد، فلا تتكلم نفس، فأوّل مدعوّ محمد صلى اللّه عليه وسلم فيقول: «لبيك وسعديك والشرّ ليس إليك، والمهدىّ من هديت، وعبدك بين يديك وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت» قال: فهذا قوله: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا}.

.[سورة الإسراء: آية 80]

{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا (80)}.
قرئ: مدخل ومخرج بالضم والفتح: بمعنى المصدر. ومعنى الفتح: أدخلنى فأدخل مدخل صدق، أي: أدخلنى القبر مدخل صدق: إدخالا مرضيا على طهارة وطيب من السيئات، وأخرجنى منه عند البعث إخراجا مرضيا، ملقى بالكرامة، آمنا من السخط، يدل عليه ذكره على أثر ذكر البعث.
وقيل: نزلت حين أمر بالهجرة، يريد إدخال المدينة والإخراج من مكة. وقيل: إدخاله مكة ظاهرا عليها بالفتح، وإخراجه منها آمنا من المشركين. وقيل: إدخاله الغار وإخراجه منه سالما. وقيل إدخاله فيما حمله من عظيم الأمر- وهو النبوّة- وإخراجه منه مؤديا لما كلفه من غير تفريط. وقيل: الطاعة. وقيل: هو عام في كل ما يدخل فيه ويلابسه من أمر ومكان {سُلْطانًا} حجة تنصرني على من خالفني، أو ملكا وعزا قويا ناصرا للإسلام على الكفر مظهرا له عليه، فأجيبت دعوته بقوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ}، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}، {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} ووعده لينزعنّ ملك فارس والروم، فيجعله له. وعنه صلى اللّه عليه وسلم: أنه استعمل عتاب بن أسيد على أهل مكة وقال: «انطلق فقد استعملتك على أهل اللّه» فكان شديدا على المريب، لينا على المؤمن وقال: لا واللّه لا أعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه، فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق. فقال أهل مكة: يا رسول اللّه، لقد استعملت على أهل اللّه عتاب بن أسيد أعرابيا جافيًا، فقال صلى اللّه عليه وسلم: «إنى رأيت فيما يرى النائم كأنّ عتاب بن أسيد أتى باب الجنة، فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالا شديدا حتى فتح له فدخلها، فأعز اللّه به الإسلام لنصرته المسلمين على من يريد ظلمهم، فذلك السلطان النصير».

.[سورة الإسراء: آية 81]

{وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقًا (81)}.
كان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما صنم كل قوم بحيالهم.
وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: كانت لقبائل العرب يحجون إليها وينحرون لها، فشكا البيت إلى اللّه عز وجل فقال: أي رب، حتى متى تعبد هذه الأصنام حولي دونك، فأوحى اللّه إلى البيت: إنى سأحدث لك نوبة جديدة، فأملأك خدودا سجدا، يدفون إليك دفيف النسور، يحنون إليك حنين الطير إلى بيضها. لهم عجيج حولك بالتلبية. ولما نزلت هذه الآية يوم الفتح قال جبريل عليه السلام لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: خذ مخصرتك ثم ألقها، فجعل يأتى صنما صنما وهو ينكت بالمخصرة في عينه ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا، وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير صفر فقال: يا على، ارم به، فحمله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى صعد فرمى به فكسره، فجعل أهل مكة يتعجبون ويقولون: ما رأينا رجلا أسحر من محمد صلى اللّه عليه وسلم. وشكاية البيت والوحى إليه: تمثيل وتخييل {وَزَهَقَ الْباطِلُ} ذهب وهلك، من قولهم: زهقت نفسه، إذا خرجت. والحق: الإسلام.
والباطل: الشرك {كانَ زَهُوقًا} كان مضمحلا غير ثابت في كل وقت.

.[سورة الإسراء: آية 82]

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسارًا (82)}.
{وَنُنَزِّلُ} قرئ بالتخفيف والتشديد {مِنَ الْقُرْآنِ} من للتبيين، كقوله: من الأوثان.
أو للتبعيض، أي: كل شيء نزل من القرآن فهو شفاء للمؤمنين، يزدادون به إيمانا، ويستصلحون به دينهم، فموقعه منهم موقع الشفاء من المرضى.
وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه اللّه» ولا يزداد به الكافرون {إِلَّا خَسارًا} أي نقصانا لتكذيبهم به وكفرهم، كقوله تعالى: {فَزادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}.

.[سورة الإسراء: الآيات 83- 84]

{وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84)}.
{وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ} بالصحة والسعة {أَعْرَضَ} عن ذكر اللّه، كأنه مستغن عنه مستبدّ بنفسه {وَنَأى بِجانِبِهِ} تأكيد للإعراض، لأنّ الإعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه. والنأى بالجانب: أن يلوى عنه عطفه ويوليه ظهره، وأراد الاستكبار، لأنّ ذلك من عادة المستكبرين {وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ} من فقر أو مرض أو نازلة من النوازل {كانَ يَؤُسًا} شديد اليأس من روح اللّه {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ}. وقرئ: وناء بجانبه، بتقديم اللام على العين، كقولهم: راء في رأى ويجوز أن يكون من ناء بمعنى نهض {قُلْ كُلٌّ} أحد {يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ} أي على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة، من قولهم: طريق ذو شواكل وهي الطرق التي تتشعب منه، والدليل عليه قوله: {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا} أي أسدّ مذهبا وطريقة.

.[سورة الإسراء: آية 85]

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا (85)}.
الأكثر على أنه الروح الذي في الحيوان. سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من أمر اللّه، أي مما استأثر بعلمه.
وعن ابن أبى بريدة. لقد مضى النبي صلى اللّه عليه وسلم وما يعلم الروح.
وقيل: هو خلق عظيم روحانى أعظم من الملك. وقيل: جبريل عليه السلام. وقيل: القرآن.
و{مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أي من وحيه وكلامه، ليس من كلام البشر، بعثت اليهود إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف، وعن ذى القرنين، وعن الروح، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبىّ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبىّ، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة، فندموا على سؤالهم {وَما أُوتِيتُمْ} الخطاب أم أنت معناه فيه؟ فقال: بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلا، فقالوا: ما أعجب شأنك: ساعة تقول: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} وساعة تقول هذا، فنزلت: {وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} وليس ما قالوه بلازم، لأنّ القلة والكثرة تدوران مع الإضافة، فيوصف الشيء بالقلة مضافا إلى ما فوقه، وبالكثرة مضافا إلى ما تحته، فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها، إلا أنها إذا أضيفت إلى علم اللّه فهي قليلة. وقيل: هو خطاب لليهود خاصة، لأنهم قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم: قد أوتينا التوراة وفيها الحكمة، وقد تلوت {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} فقيل لهم: إن علم التوراة قليل في جنب علم اللّه.

.[سورة الإسراء: الآيات 86- 87]

{وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (86) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)}.
{لَنَذْهَبَنَّ} جواب قسم محذوف مع نيابته عن جزاء الشرط. واللام الداخلة على إن موطئة للقسم. والمعنى: إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه عن الصدور والمصاحف فلم نترك له أثرا وبقيت كما كنت لا تدرى ما الكتاب {ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ} بعد الذهاب {بِهِ} من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظا مستورا {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك، كأن رحمته تتوكل عليه بالرد، أو يكون على الاستثناء المنقطع بمعنى: ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به، وهذا امتنان من اللّه تعالى ببقاء القرآن محفوظا بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه، فعلى كل ذى علم أن لا يغفل عن هاتين المنتين والقيام بشكرهما، وهما منة اللّه عليه بحفظ العلم ورسوخه في صدره، ومنته عليه في بقاء المحفوظ.
وعن ابن مسعود:
إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة، وليصلين قوم ولا دين لهم، وإن هذا القرآن تصبحون يوما وما فيكم منه شيء. فقال رجل: كيف ذلك وقد أثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا نعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناءهم؟ فقال: يسرى عليه ليلا فيصبح الناس منه فقراء ترفع المصاحف وينزع ما في القلوب. اهـ.