فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثالث: يمكن أن يكون المراد ما ذكره الله تعالى في هذه السورة في قوله: {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الإسراء: 68] فقيل اجعل السماء قطعًا متفرقة كالحاصب وأسقطها علينا.
ورابعها: قولهم: {أَوْ تَأْتِىَ بالله والملئكة قَبِيلًا} وفي لفظ القبيل وجوه.
الأول: القبيل بمعنى المقابل كالعشير بمعنى المعاشر، وهذا القول منهم يدل على جهلهم حيث لم يعلموا أنه لا يجوز عليه المقابلة ويقرب منه قوله: {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْء قُبُلًا} [الأنعام: 111].
والقول الثاني: ما قاله ابن عباس يريد فوجًا بعد فوج.
قال الليث وكل جند من الجن والإنس قبيل وذكرنا ذلك في قوله:
{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} [الأعراف: 27].
القول الثالث: إن قوله: {قبيلًا} معناه ها هنا ضامنًا وكفيلًا، قال الزجاج: يقال قبلت به أقبل كقولك كفلت به أكفل، وعلى هذا القول فهو واحد أريد به الجمع كقوله تعالى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].
والقول الرابع: قال أبو علي معناه المعاينة والدليل عليه قوله تعالى: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة أَوْ نرى رَبَّنَا} [الفرقان: 21].
وخامسها: قولهم: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن زُخْرُفٍ} قال مجاهد: كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيت في قراءة عبد الله: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن ذَهَبَ} قال الزجاج: الزخرف الزينة يدل عليه قوله تعالى: {حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت} [يونس: 24] أي أخذت كمال زينتها ولا شيء في تحسين البيت وتزيينه كالذهب.
وسادسها: قولهم: {أَوْ ترقى في السماء} قال الفراء: يقال رقيت وأنا أرقى رقي ورقيا وأنشد:
أنت الذي كلفتني رقي الدرج ** على الكلال والمشيب والعرج

وقوله: {في السماء} أي في معارج السماء فحذف المضاف، يقال رقي السلم ورقي الدرجة ثم قالوا: {وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ} أي لن نؤمن لأجل رقيك: {حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا مّنَ السماء} فيه تصديقك قال عبد الله بن أمية: لن نؤمن حتى تضع على السماء سلمًا ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك منشور معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أن الأمر كما تقول.
ولما حكى الله تعالى عن الكفار اقتراح هذه المعجزات قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ سبحان رَبّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا} وفيه مباحث:
المبحث الأول:
أنه تعالى حكى من قول الكفار قولهم: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} إلى قوله: {قُلْ سبحان رَبّى} [الإسراء: 90-93] وكل ذلك كلام القوم وإنا لا نجد بين تلك الكلمات وبين سائر آيات القرآن تفاوتًا في النظم فصح بهذا صحة ما قاله الكفار لو نشاء لقلنا مثل هذا.
والجواب: أن هذا القرآن قليل لا يظهر فيه التفاوت بين مراتب الفصاحة والبلاغة فزال هذا السؤال.
البحث الثاني:
هذه الآيات من أدل الدلائل على أن المجيء والذهاب على الله محال لأن كلمة سبحان للتنزيه عما لا ينبغي، وقوله: {سبحان ربي} تنزيه لله تعالى عن شيء لا يليق به أو نسب إليه مما تقدم ذكره وليس فيما تقدم ذكره شيء لا يليق بالله إلا قولهم أو {تأتي بالله} فدل هذا على أن قوله: {سبحان رَبّى} تنزيه لله عن الإتيان والمجيء وذلك يدل على فساد قول المشبهة في أن الله تعالى يجيء ويذهب، فإن قالوا: لم لا يجوز أن يكون المراد تنزيه الله تعالى عن أن يتحكم عليه المتحكمون في اقتراح الأشياء؟ قلنا القوم لم يتحكموا على الله، وإنما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إن كنت نبيًا صادقًا فاطلب من الله أن يشرفك بهذه المعجزات فالقوم تحكموا على الرسول وما تحكموا على الله فلا يليق حمل قوله: {سبحان رَبّى} على هذا المعنى فوجب حمله على قولهم أو تأتي بالله.
البحث الثالث:
تقرير هذا الجواب أن يقال: إما أن يكون مرادكم من هذا الاقتراح أنكم طلبتم الإتيان من عند نفسي بهذه الأشياء أو طلبتم مني أن أطلب من الله تعالى إظهارها على يدي لتدل على كوني رسولًا حقًا من عند الله.
والأول باطل لأني بشر والبشر لا قدرة له على هذه الأشياء والثاني أيضًا باطل لأني قد أتيتكم بمعجزة واحدة وهي القرآن والدلالة على كونها معجزة فطلب هذه المعجزات طلب لما لا حاجة إليه ولا ضرورة فكأن طلبها يجري مجرى التعنت والتحكم وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكم على الله فسقط هذا السؤال فثبت أن قوله: {قُلْ سبحان رَبّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا} جواب كاف في هذا الباب، وحاصل الكلام أنه سبحانه بين بقوله: {سبحان رَبّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا} كونهم على الضلال في الإلهيات، وفي النبوات.
أما في الإلهيات فيدل على ضلالهم قوله: {سبحان ربي} أي سبحانه عن أن يكون له إتيان ومجيء وذهاب وأما في النبوات فيدل على ضلالهم قوله: {هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا} وتقريره ما ذكرناه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجُر لنا من الأرض ينبوعًا}.
التفجير تشقيق الأرض لينبع الماء منها، ومنه سمي الفجر لأنه ينشق عن عمود الصبح، ومنه سمي الفجور لأنه شق الحق بالخروج إلى الفساد.
الينبوع: العين التي ينبع منها الماء، قال قتادة ومجاهد: طلبوا عيونًا ببلدهم.
{أو تكون لك جنةٌ من نخيلٍ وعنب} سألوا ذلك في بلد ليس ذلك فيه.
{أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا} أي قطعًا. قرئ بتسكين السين وفتحها، فمن قرأ بالتسكين أراد السماء جميعها، ومن فتح السين جعل المراد به بعض السماء، وفي تأويل ذلك وجهان:
أحدهما: يعني حيزًا، حكاه ابن الأنباري، ولعلهم أرادوا به مشاهدة ما فوق السماء.
الثاني: يعني قطعًا، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة. والعرب تقول. أعطني كسفة من هذا الثوب أي قطعة منه. ومن هذا الكسوف لانقطاع النور منه، وعلى الوجه الثاني لتغطيته بما يمنع من رؤيته.
{أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يعني كل قبيلة على حدتها، قاله الحسن.
الثاني: يعني مقابلة، نعاينهم ونراهم، قاله قتادة وابن جريج.
الثالث: كفيلًا، والقبيل الكفيل، من قولهم تقبلت كذا أي تكفلت به، قاله ابن قتيبة.
الرابع: مجتمعين، مأخوذ من قبائل الرأس لاجتماع بعضه إلى بعض ومنه سميت قبائل العرب لاجتماعها، قاله ابن بحر.
قوله عز وجل: {أو يكون لك بيت من زخرف} فيه وجهان:
أحدهما: أن الزخرف النقوش، وهذا قول الحسن.
الثاني: أنه الذهب، وهذا قول ابن عباس وقتادة، قال مجاهد: لم أكن أدري ما الزخرف حتى سمعنا في قراءة عبد الله: بيت من ذهب.
وأصله من الزخرفة وهو تحسين الصورة، ومنه قوله تعالى: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت} [يونس: 24].
والذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك نفر من قريش قال ابن عباس: هم عتبة ابن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان والأسود بن عبد المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وعبد الله بن أمية والعاص بن وائل وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن} الآية، سبب هذه الآية أن جماعة من قريش قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد جئتنا بآية غريبة غير هذا القرآن، فإنا نقدر على المجيء بمثل هذا، فنزلت هذه الآية المصرحة بالتعجيز، المعلمة بأن جميع الخلائق لو تعاونوا إنسًا وجنًا على ذلك لم يقدروا عليه، والعجز في معارضة القرآن إنما وقع في النظم والرصف لمعانيه، وعلة ذلك الإحاطة التي لا يتصف بها إلا الله عز وجل، والبشر مقصر ضرورة بالجهل والنسيان والغفلة وأنواع النقص، فإذا نظم كلمة خفي عنه للعلل التي ذكرنا أليق الكلام بها في المعنى، وقد ذكرت هذه المسألة في صدر هذا الديوان، وقوله: {لا يأتون بمثله} في موضع رفع، و{لا} متلقية قسمًا، واللام في قوله: {لئن} مؤذنه غير لازمة قد تحذف أحيانًا، وقد تجيء هذه اللام مؤكدة فقط، ويجيء الفعل المنفي مجزومًا، وهذا اعتماد على الشرط ومنه قول الأعمش: [البسيط]
لئن منيت بنا عن غر معركة ** لا تلفنا عن دماء القوم ننتقل

والظهير المعين، ومنه قوله عز وجل: {وإن تظاهرا عليه} [التحريم: 4] الآية: وفهمت العرب بخلوص فهمها في ميز الكلام ودربتها به ما لا نفهمه نحن، ولا كل من خالطته حضارة، ففهموا العجز عنه ضرورة ومشاهدة، وعلمه الناس بعدهم استدلالًا ونظرًا، ولكل حصل علم قطعي، لكن ليس في مرتبة واحدة، وهذا كما علمت الصحابة شرع النبي وأعماله مشاهدة علم ضرورة وعلمنا نحن المتواتر من ذلك بنقل التواتر، فحصل للجميع القطع، لكن في مرتبتين، وفهم إعجاز القرآن أرباب الفصاحة الذين لهم غرائب في ميز الكلام، ألا ترى إلى فهم الفرزدق شعر جرير في شعر ذي الرمة في قوله: يُعد الناسبون إلى تميم. الأبيات كلها، وألا ترى قصة جرير في نوادره مع الفرزدق: في قول الفرزدق: على م تلفتين، وفي قوله: تلفت أنها تحت ابن قين.
وألا ترى إلى قول الأعرابي: عز فحكم فقطع، وألا ترى إلى استدلال الآخر على البعث بقوله: {حتى زرتم المقابر} [التكاثر: 2] فقال إن الزيارة تقتضي الانصراف ومنه علم بشار بقول أبي عمرو بن العلاء في شعر الأعشى: وأنكرتني وما كان الذي نكرت، ومنه قول الأعرابي للأصمعي: من أحوج الكريم إلى أن يقسم؟ ومن فهمهم أنهم ببدائههم يأتون بكلمة منثورة تفضل المنقح من الشعر، وأمثلة ذلك محفوظة، ومن ذلك أجوبتهم المسكتة إلى غير ذلك من براعتهم في الفصاحة، وكونهم فيها النهاية، كما كان السحر في زمن موسى، والطب في زمن عيسى، فهم مع هذه الأفهام أقروا بالعجز، ولجأ المحاد منهم إلى السيف، ورضي بالقتل والسبا وكشف الحرم، وهو كان يجد المندوحة عن ذلك بالمعارضة، وكذلك التحدي بالعشر السور، والتحدي بالسورة إنما وقع كله على حد واحد في النظم خاصة، وقيد العشر بالافتراء لأنهم ذكروا أن القرآن مفترى، فدعاهم بعقب ذكر ذلك إلى الإتيان بعشر سور مفتريات، ولم يذكر الافتراء في السورة لأنه لم يجر عنهم ذكر ذلك قبل، بل قال: {إن كنتم في ريب} [البقرة: 23] على أنه قد جاء ذكر السورة مع ذكرهم الافتراء في سورة هود وقد اختلف الناس في هذا الموضع فقيل دعوا إلى السورة المماثلة في النظم والغيوب وغير ذلك من الأوصاف، وكان ذلك من تكليف ما لا يطاق، فلما عسر عليهم خفق بالدعوة إلى المفتريات، وقيل غير هذا مما ينحل عند تحصيله.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)}.
هذه الآية تنبه على فضل الله في القرآن على العالم، وتوبيخ للكفار منهم على قبيح فعلهم، وتصريف القول هو ترديد البيان عن المعنى، وقرأ الجمهور: {صرّفنا} بتشديد الراء، وقرأ الحسن: {صرَفنا} بفتح الراء خفيفة، وقوله: {من كل مثل} يجوز أن تكون {من} لابتداء الغاية، ويكون المفعول بـ {صرفنا} مقدرًا تقديره: {ولقد صرفنا في هذا القرآن} التنبيه والعبر من كل مثل ضربناه، ويجوز أن تكون مؤكدة زائدة، التقدير {ولقد صرفنا كل مثل} وهذا كقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125]. وقوله: {فأبى} عبارة عن تكسب الكفار الكفر وإعراضهم عن الإيمان، وفي العبارة يأبى تغليظ، والكفر بالخلق والاختراع هو من فعل الله تعالى، وبالتكسب والدؤوب هو من الإنسان، و{كفورًا} مصدر كالخروج، وقوله تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك} الآية، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {حتى تُفجّر} وقرأ عاصم وحمزة الكسائي: {حتى تَفجُر} بفتح التاء وضم الجيم، وفي القرآن {فانفجرت} [البقرة: 60]، وانفجر مطاوع فجر فهذا مما يقوي القراءة الثانية، وأما الأولى فتقتضي المبالغة في التفجير. والينبوع الماء النابع، وهي صفة مبالغة إنما تقع للماء الكثير، وطلبت قريش هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وإياها عنوا بـ {الأرض}، وإنما يراد بإطلاق لفظة {الأرض} هنا الأرض التي يكون فيها المعنى المتكلم فيه، كقوله: {أو ينفوا من الأرض} [المائدة: 33] فإنما يريد من أرض تصرفهم وقطعهم السبل ومعاشهم، وكذلك أيضًا اقتراحهم الجنة إنما هو بمكة لامتناع ذلك فيها، وإلا ففي سائر البلاد كان ذلك يمكنه وإنما طلبوه بأمر إلهي في ذلك الموضع الجدب، وقرأ الجمهور: {جنة} وقرأ {حبة} المهدوي، وقوله: {فتفجّر}. تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية، كغلقت الأبواب، و{خلالها} ظرف، ومعناه أثناءها وفي داخلها، وروي في قول هذه المقالة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث طويل، مقتضاه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وعبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث وغيرهم من مشيخة قريش وسادتها، اجتمعوا عليه فعرضوا عليه أن يملكوه إن أراد الملك، أو يجمعوا له كثيرًا من المال إن أراد الغنى، أو يطبوه إن كان به داء ونحو هذا من الأقاويل، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إلى الله، وقال: «إنما جئتكم عند الله بأمر فيه صلاح دينكم ودنياكم، فإن سمعتم وأطعتم فحسن، وإلا صبرت لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم بما شاء» فقالوا له حينئذ فإن كان ما تزعمه حقًا ففجر ينبوعًا ونؤمن لك، ولتكن لك جنة إلى غير ذلك مما كلفوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا كله إلى الله، ولا يلزمني هذا ولا غيره، وإنما أنا مستسلم لأمر الله، هذا هو معنى الحديث. وفي الألفاظ اختلاف وروايات متشعبة يطول سوق جميعها، فاختصرت لذلك. وقوله تعالى: {أو تسقط السماء} الآية، قرأ الجمهور: {أو تُسقط} بضم التاء، {السماءَ} نصب، وقرأ مجاهد: {أو تَسقط السماءُ} برفع {السماءُ} وإسناد الفعل إليها، وقوله: {كما زعمت} إشارة إلى ما تلي عليهم قبل ذلك في قوله عز وجل: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفًا من السماء} [سبأ: 9]، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: {كسْفًا} بسكون السين إلا في الروم، فإنهم حركوها، ومعناه قطعًا واحدًا، قال مجاهد: السماء جميعًا وتقول العرب: كسفت الثوب ونحوه قطعته، فالكسَف بفتح السين المصدر، والكسف الشيء المقطوع، قال الزجاج: المعنى أو تسقط السماء علينا قطعًا، واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته.
قال القاضي أبو محمد: وليس بمعروف في دواوين اللغة كسف بمعنى غطى، وإنما هو بمعنى قطع، وكأن كسوف الشمس والقمر قطع منهما، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: {كسَفًا} بفتح السين أي قطعًا جمع كسفه، وقوله: {قبيلًا} قيل معناه مقابلة وعيانًا، وقيل معناه ضامنًا وزعيمًا بتصديقك، ومنه القبالة وهي الضمان والقبيل، والمتقبل الضامن، وقيل معناه نوعًا وجنسًا لا نظير له عندنا، وقرأ الأعرج {قبلًا} وقيل بمعنى المقابلة.
{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ}.
قال المفسرون: {الزخرف} الذهب في هذا الموضع، والزخرف ما تزين به، كان بذهب أو غيره، ومنه {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها} [يونس: 24] وفي قراءة عبد الله بن مسعود {أو يكون لك بيت من ذهب} قال مجاهد ما كنا نعرف الزخرف حتى قرأنا في حرف عبد الله {من ذهب} وقوله: {من السماء} يريد في الهواء علوًا، والعرب تسمي الهواء علوًا سماء لأنه في حيز السمو. ويحتمل أن يريدوا السماء المعروفة، وهو أظهر لأنه أعلمهم أن إله الخلق فيها وأنه تأتيه خبرها، و{ترقى} معناه تصعد، والرقي الصعود، ويروى أن قائل هذه المقالة هو عبد الله بن أبي أمية، فإنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا لا أؤمن لك حتى تأتي بكتاب أراك هابطًا به فيه من الله عز وجل إلى عبد الله بن أبي أمية، وروي أن جماعتهم طلبت هذا النحو منه، فأمره الله عز وجل أن يقول: {سبحان ربي} أي تنزيهًا له من الإتيان مع الملائكة قبيلًا، ومن أن يخاطبكم بكتاب كما أردتم، ومن أن اقترح أن عليه هذه الأشياء، وهل أنا إلا بشر منكم، أرسلت إليكم بالشريعة، فإنما علي التبليغ فقط، وقرأ ابن كثير وابن عامر: {قال سبحان ربي} على معنى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سبح عند قولهم. اهـ.