فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قوله: {أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه} في محل النصب واختلفوا في العامل فيه على أقوال.
الأول: أنه ثاني مفعولي منع لأنك تقول: منعته كذا، ومثله: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالأيات} [الإسراء: 59] {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ} [الإسراء: 94].
الثاني: قال الأخفش: يجوز أن يكون على حذف من كأنه قيل: منع مساجد الله من أن يذكر فيها اسمه.
الثالث: أن يكون على البدل من مساجد الله.
الرابع: قال الزجاج: يجوز أن يكون على معنى كراهة أن يذكر فيها اسمه، والعامل فيه منع. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه} مفعول ثان لمنع أو مفعول من أجله بمعنى منعها كراهية أن يذكر أو بدل اشتمال من مساجد والمفعول الثاني إذن مقدر أي عمارتها أو العبادة فيها أو نحوه أو الناس مساجد الله تعالى أو لا تقدير؛ والفعل متعدّ لواحد وكنى بذكر اسم الله تعالى عما يوقع في المساجد من الصلوات والتقربات إلى الله تعالى بالأفعال القلبية والقالبية المأذون بفعلها فيها.
{وسعى في خَرَابِهَا} أي هدمها وتعطيلها، وقال الواحدي: إنه عطف تفسير لأن عمارتها بالعبادة فيها {أولئك} الظالمون المانعون الساعون في خرابها. اهـ.

.قال الفخر:

السعي في تخريب المسجد قد يكون لوجهين.
أحدهما: منع المصلين والمتعبدين والمتعهدين له من دخوله فيكون ذلك تخريبًا.
والثاني: بالهدم والتخريب وليس لأحد أن يقول: كيف يصح أن يتأول على بيت الله الحرام ولم يظهر فيه التخريب لأن منع الناس من إقامة شعار العبادة فيه يكون تخريبًا له، وقيل: إن أبا بكر رضي الله عنه كان له موضع صلاة فخربته قريش لما هاجر. اهـ.

.قال الشوكاني:

والمراد بالسعي في خرابها: هو السعي في هدمها، ورفع بنيانها، ويجوز أن يراد بالخراب تعطيلها عن الطاعات التي وضعت لها، فيكون أعم من قوله: {أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه} فيشمل جميع ما يمنع من الأمور التي بنيت لها المساجد، كتعلم العلم وتعليمه، والقعود للاعتكاف، وانتظار الصلاة، ويجوز أن يراد ما هو أعم من الأمرين من باب عموم المجاز، كما قيل في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله} [التوبة: 18]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والسعي أصله المشي ثم صار مجازًا مشهورًا في التسبب المقصود كالحقيقة العرفية نحو {ثم أدبر يسعى} [النازعات: 22] ويعدى بفي الدالة على التعليل نحو: سعيت في حاجتك فالمنع هنا حقيقة على الرواية الأولى المتقدمة في سبب النزول والسعي مجاز في التسبب غير المقصود فهو مجاز على مجاز.
وأما على الروايتين الأخريين فالمنع مجاز والسعي حقيقة لأن بختنصر وطيطس لم يمنعا أحدًا من الذكر ولكنهما تسببا في الخراب بالأمر بالتخريب فأفضى ذلك إلى المنع وآل إليه. اهـ.

.قال الفخر:

ظاهر الآية يقتضي أن هذا الفعل أعظم أنواع الظلم وفيه إشكال لأن الشرك ظلم على ما قال تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] مع أن الشرك أعظم من هذا الفعل، وكذا الزنا وقتل النفس أعظم من هذا الفعل، والجواب عنه: أقصى ما في الباب أنه عام دخله التخصيص فلا يقدح فيه. اهـ.
قال الفخر:
ظاهر الكلام أن الذين آمنوا وسعوا في تخريب المسجد هم الذين يحرم عليهم دخوله إلا خائفين، وأما من يجعله عامًا في الكل فذكروا في تفسير هذا الخوف وجوهًا:
أحدها: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين على حال الهيبة وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلًا أن يستولوا عليهم ويمنعوا المؤمنين منها، والمعنى ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوهم.
وثانيها: أن هذا بشارة من الله للمسلمين بأنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم حتى لايدخل المسجد الحرام واحد منهم إلا خائفًا يخاف أن يؤخذ فيعاقب، أو يقتل أن لم يسلم، وقد أنجز الله صدق هذا الوعد فمنعهم من دخول المسجد الحرام، ونادى فيهم عام حج أبو بكر رضي الله عنه: ألا لا يحجن بعد العام مشرك، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بإخراج اليهود من جزيرة العرب، فحج من العام الثاني ظاهرًا على المساجد لا يجترئ أحد من المشركين أن يحج ويدخل المسجد الحرام، وهذا هو تفسير أبي مسلم في حمل المنع من المساجد على صدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام عام الحديبية ويحمل هذا الخوف على ظهور أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وغلبته لهم بحيث يصيرون خائفين منه ومن أمته.
وثالثها: أن يحمل هذا الخوف على ما يلحقهم من الصغار والذل بالجزية والإذلال.
ورابعها: أنه يحرم عليهم دخول المسجد الحرام إلا في أمر يتضمن الخوف نحو أن يدخلوا للمخاصمة والمحاكمة والمحاجة، لأن كل ذلك يتضمن الخوف والدليل عليه قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شاهدين على أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ} [التوبة: 17].
وخامسها: قال قتادة والسدي: قوله: {إِلاَّ خَائِفِينَ} بمعنى أن النصارى لا يدخلون بيت المقدس إلا خائفين، ولا يوجد فيه نصراني إلا أوجع ضربًا وهذا التأويل مردود، لأن بيت المقدس بقي أكثر من مائة سنة في أيدي النصارى بحيث لم يتمكن أحد من المسلمين من الدخول فيه إلا خائفًا، إلى أن استخلصه الملك صلاح الدين رحمه الله في زماننا.
وسادسها: أن قوله: {مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ} وإن كان لفظه لفظ الخبر لكن المراد منه النهي عن تمكينهم من الدخول، والتخلية بينهم وبينه كقوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} [الأحزاب: 53].
أما قوله تعالى: {لَهُمْ في الدنيا خِزْيٌ} فقد اختلفوا في الخزي، فقال بعضهم: ما يلحقهم من الذل بمنعهم من المساجد، وقال آخرون بالجزية في حق أهل الذمة وبالقتل في حق أهل الحرب، واعلم أن كل ذلك محتمل فإن الخزي لا يكون إلا ما يجري مجرى العقوبة من الهوان والإذلال فكل ما هذه صفته يدخل تحته وذلك ردع من الله تعالى عن ثباتهم على الكفر لأن الخزي الحاضر يصرف عن التمسك بما يوجبه ويقتضيه، وأما العذاب العظيم فقد وصفه الله تعالى بما جرى مجرى النهاية في المبالغة، لأن الذين قدم ذكرهم وصفهم بأعظم الظلم، فبين أنهم يستحقون العقاب العظيم. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ} اللام في {لَهُمْ} إما للاختصاص على وجه اللياقة كما في الجل للفرس، والمراد من الخوف الخوف من الله تعالى، وإما للاستحقاق كما في الجنة للمؤمن والمراد من الخوف الخوف من المؤمنين، وإما لمجرد الارتباط بالحصول، أي: ما كان لهم في علم الله تعالى وقضائه أن يدخلوها فيما سيجئ إلا خائفين والجملة على الأول: مستأنفة جواب لسؤال نشأ من قوله تعالى: {وسعى في خَرَابِهَا} كأنه قيل: فما اللائق بهم؟ والمراد من الظلم حينئذٍ وضع الشيء في غير موضعه.
وعلى الثاني: جواب سؤال ناشئ من قوله سبحانه: {مِنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ} كأنه قيل: فما كان حقهم؟ والمراد من الظلم التصرف في حق الغير وعلى الثالث: اعتراض بين كلامين متصلين معنى، وفيه وعد المؤمنين بالنصرة وتخليص المساجد عن الكفار وللاهتمام بذلك وسطه وقد أنجز الله تعالى وعده والحمد لله؛ فقد روي أنه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكرًا مسارقة، وقال قتادة: لا يوجد نصراني في بيت المقدس إلا انتهك ضربًا، وأبلغ إليه في العقوبة، ولا نقض باستيلاء الأقرع، وبقاء بيت المقدس في أيدي النصارى أكثر من مائة سنة إلى أن استخلصه الملك صلاح الدين لأن الإنجاز يستدعي تحقيقه في وقت ما، ولا دلالة فيه على التكرار، وقيل: النفي بمعنى النهي ومعناه على طريق الكناية النهي عن التخلية والتمكين من دخولهم المساجد، وذلك يستلزم أن لا يدخلوها إلا خائفين من المؤمنين، فذكر اللازم وأريد الملزوم، ولا يخفى أن النهي عن التخلية والتمكين المذكور في وقت قوة الكفار ومنعهم المساجد لا فائدة فيه سوى الإشعار بوعد المؤمنين بالنصرة والاستخلاص منهم، فالحمل عليه من أول الأمر أولى. اهـ.

.قال البيضاوي:

{أولئك} أي المانعون {مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ} ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخشوع فضلًا عن أن يجترئوا على تخريبها، أو ما كان الحق أن يدخلوها إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلًا عن أن يمنعوهم منها، أو ما كان لهم في علم الله وقضائه، فيكون وعدًا للمؤمنين بالنصرة واستخلاص المساجد منهم وقد نجز وعده. وقيل: معناه النهي عن تمكينهم من الدخول في المسجد، واختلف الأئمة فيه فجوز أبو حنيفة ومنع مالك، وفرق الشافعي بين المسجد الحرام وغيره. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} جملة مستأنفة تغني عن سؤال ناشئ عن قوله: {من أظلم} أو عن قوله: {سعى} لأن السامع إذا علم أن فاعل هذا أظلم الناس أو سمع هذه الجرأة وهي السعي في الخراب تطلب بيان جزاء من اتصف بذلك أو فعل هذا.
ويجوز كونها اعتراضًا بين {من أظلم} وقوله: {لهم في الدنيا خزي}.
والإشارة بأولئك بعد إجراء الأوصاف الثلاثة عليهم للتنبيه على أنهم استُحضروا بتلك الأوصاف ليُخْبَر عنهم بعد تلك الإشارة بخبرهم جديرون بمضمونه على حد ما تقدم في {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة: 5] وهذا يدل على أن المقصود من هذه الجمل ليس هو بيان جزاء فعلهم أو التحذير منه بل المقصود بيان هاته الحالة العجيبة من أحوال المشركين بعد بيان عجائب أهل الكتاب ثم يرتب العقاب على ذلك حتى تعلم جدارتهم به وقد ذكر لهم عقوبتين دنيوية وهي الخوف والخزي وأخروية وهي العذاب العظيم.
ومعنى {ما كان لهم أن يدخلوها إلا خافين} أنهم لا يكون لهم بعد هذه الفَعلة أن يدخلوا تلك المساجد التي منعوها إلا وهم خائفون فإن ما كان إذا وقع أن والمضارع في خبرها تدل على نفي المستقبل وإن كان لفظ كان لفظ الماضي وأن هذه هي التي تستتر عند مجيء اللام نحو {ما كان الله ليعذبهم} فلا إشعار لهذه الجملة بمضى.
واللام في قوله: {لهم} للاستحقاق أي ما كان يحق لهم الدخول في حالة إلا في حالة الخوف فهم حقيقيون بها وأحرياء في علم الله تعالى وهذا وعيد بأنهم قدر الله عليهم أن ترفع أيديهم من التصرف في المسجد الحرام وشعائر الله هناك وتصير للمسلمين فيكونوا بعد ذلك لا يدخلون المسجد الحرام إلا خائفين، ووعد للمؤمنين وقد صدق الله وعده فكانوا يوم فتح مكة خائفين وجلين حتى نادى منادي النبيء صلى الله عليه وسلم: «من دخل المسجد الحرام فهو آمن» فدخله الكثير منهم مذعورين أن يؤخذوا بالسيف قبل دخولهم.
وعلى تفسير {مساجد الله} بالعموم يكون قوله: {ما كان لهم أن يدخلوها} أي منعوا مساجد الله في حال أنهم كان ينبغي لهم أن يدخلوها خاشعين من الله فيفسر الخوف بالخشعية من الله فلذلك كانوا ظالمين بوضع الجبروت في موضع الخضوع فاللام على هذا في قوله: {ما كان لهم} للاختصاص وهذا الوجه وإن فرضه كثير من المفسرين إلا أن مكان اسم الإشارة المؤذن بأن ما بعده ترتب عما قبله ينافيه لأن هذا الابتغاء متقرر وسابق على المنع والسعي في الخراب.
وقوله: {لهم في الدنيا خزي} استئناف ثان ولم يعطف على ما قبله ليكون مقصودًا الاستئناف اهتمامًا به لأن المعطوف لكونه تابعًا لا يهتم به السامعون كمال الاهتمام ولأنه يجري من الاستئناف الذي قبله مجرى البيان من المبين فإن الخزي خوف والخزي الذل والهوان وذلك ما نال صناديد المشركين يوم بدر من القتل الشنيع والأسر، وما نالهم يوم فتح مكة من خزي الانهزام.
وقوله: {ولهم في الآخرة عذاب عظيم} عطفت على ما قبلها لأنها تتميم لها إذ المقصود من مجموعهما أن لهم عذابين عذابًا في الدنيا وعذابًا في الآخرة.
وعندي أن نزول هذه الآية مؤذن بالاحتجاج على المشركين من سبب انصراف النبيء عن استقبال الكعبة بعد هجرته فإن منعهم المسلمين من المسجد الحرام أشد من استقبال غير الكعبة في الصلاة على حد قوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله} [البقرة: 217]. اهـ.

.قال الفخر:

في أحكام المساجد:
وفيه وجوه:

.الأول: في بيان فضل المساجد:

ويدل عليه القرآن والأخبار والمعقول، أما القرآن فآيات، أحدها: قوله تعالى: {وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَدًا} [الجن: 18].
أضاف المساجد إلى ذاته بلام الاختصاص ثم أكد ذلك الاختصاص بقوله: {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَدًا}.
وثانيها: قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله مَنْ ءَامَنَ بالله واليوم الآخر} [التوبة: 18] فجعل عمارة المسجد دليلًا على الإيمان، بل الآية تدل بظاهرها على حصر الإيمان فيهم، لأن كلمة إنما للحصر.
وثالثها: قوله تعالى: {فِى بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والأصال} [النور: 36].
ورابعها: هذه الآية التي نحن في تفسيرها وهي قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مساجد الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه} فإن ظاهرها يقتضي أن يكون الساعي في تخريب المساجد أسوأ حالًا من المشرك لأن قوله: {ومن أظلم} يتناول المشرك لأنه تعالى قال: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] فإذا كان الساعي في تخريبه في أعظم درجات الفسق وجب أن يكون الساعي في عمارته في أعظم درجات الإيمان.
وأما الأخبار، فأحدها: ما روى الشيخان في صحيحيهما أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أراد بناء المسجد فكره الناس ذلك وأحبوا أن يدعه، فقال عثمان رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى لله مسجدًا بنى الله له كهيئته في الجنة».
وفي رواية أخرى: «بنى الله له بيتًا في الجنة».
وثانيها: ما روى أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: «أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها».
واعلم أن هذا الخبر تنبيه على ما هو السر العقلي في تعظيم المساجد وبيانه أن الأمكنة والأزمنة إنما تتشرف بذكر الله تعالى، فإذا كان المسجد مكانًا لذكر الله تعالى حتى أن الغافل عن ذكر الله إذا دخل المسجد اشتغل بذكر الله والسوق على الضد من ذلك، لأنه موضع البيع والشراء والإقبال على الدنيا وذلك مما يورث الغفلة عن الله، والإعراض عن التفكر في سبيل الله، حتى أن ذاكر الله إذا دخل السوق فإنه يصير غافلًا عن ذكر الله لا جرم كانت المساجد أشرف المواضع والأسواق أخس المواضع.