فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}.
قوله تعالى: {لاَ يَأْتُونَ}: فيه وجهان، أظهرهما: أنه جوابٌ للقسمِ الموطَّأ له باللام. والثاني: أنه جواب الشرط، واعتذروا به عن رفعِه بأنَّ الشرطَ ماضٍ فهو كقوله:
وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ ** يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حِرِمُ

واستشهدوا عليه بقولِ الأعشى:
لئِنْ مُنِيْتَ بنا عن غِبِّ معركةٍ ** لا تُلْفِنا مِنْ دماءِ القومِ نَنْتَفِلُ

فأجاب الشرطَ مع تقدُّمِ لامِ التوطئة، وهو دليلٌ للفراء ومَنْ تبعه على ذلك. وفيه رَدٌّ على البصريين، حيث يُحَتِّمون جوابَ القسمِ عند عدمِ تقدُّم ذي خبرٍ.
وأجاب بعضهم بأنَّ اللامَ في البيت ليست للتوطِئةِ بل مزيدةٌ، وهذا ليس بشيء لأنه لا دليلَ عليه. وقال الزمخشري: ولولا اللامُ الموطِّئة لجاز أن يكونَ جوابًا للشرط كقولِه:
يقولُ لا غائبٌ

لأنَّ الشرطَ وقع ماضيًا. وناقشه الشيخُ: بأنَّ هذا ليس مذهبَ سيبويه ولا الكوفيين والمبرد؛ لأنَّ مذهب سيبويه في مثلِه أن النيةَ به التقديمُ، ومذهبَ الكوفيين والمبرد أنه على حذف الفاء، وهذا مذهبٌ ثالثٌ قال بعضُ الناس.
قوله: {وَلَوْ كَانَ} جملةٌ حاليةٌ، وقد تقدَّم تحقيق هذا، وأنه كقولِه عليه السلام: «أَعطُوا السائل ولو جاء على فرس» و{لبعضٍ} متعلِّقٌ ب {ظَهير}.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)}.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا}: مفعولُه محذوف. وقيل: {مِنْ} زائدة في {مِن كُلِّ مَثَلٍ} وهو المفعولُ، قاله ابن عطية وهو مذهبُ الكوفيين والأخفش.
وقرأ الحسن: {صَرَفْنا} بتخفيفِ الراء، وقد تقدَّم نظيرُه.
قوله: {إِلاَّ كُفُورًا} مفعولٌ به، وهو استثناءٌ مفرغ لأنه في قوة: لم يَفْعلوا إلا الكُفور.
{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)}.
قوله تعالى: {حتى تَفْجُرَ}: قرأ الكوفيون {تَفْجُرَ} بفتح التاء وسكونِ الفاء وضمِّ الجيم خفيفةً، مضارعَ فَجَر. والباقون بضمِّ التاءِ وفتحِ الفاء وكسرِ الجيم شديدةً، مضارع فَجَّر للتكثير. ولم يختلفوا في الثانية أنها بالتثقيلِ للتصريحِ بمصدرِها. وقرأ الاعمش: {تُفْجِرَ} بضمِّ التاءِ وسكونِ الفاء وكسر الجيم خفيفةً، مضارعَ أَفْجر بمعنى فَجَرَ، فليس التضعيفُ ولا الهمزةُ مُعَدِّيَيْنِ.
و{يَنْبوعًا} مفعولٌ به، ووزنُه يَفْعُول لأنَّه مِنْ النَّبْعِ، واليَنْبُوعُ: العَيْنُ تفورُ من الأرض.
{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)}.
قوله تعالى: {خِلالَهَا} نصبٌ على الظرفِ، وتقدَّم تحقيقُه أول السورة.
{أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)}.
قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ}: العامَّةُ على إسناد الفعل للمخاطب. و{السماءَ} مفعولٌ بها. ومجاهد على إسنادِه إلى {السماء} فَرَفْعُها به.
قوله: {كِسْفًا} قرأ نافعٌ وابنُ عامرٍ وعاصمٌ هنا بفتح السين، وفَعَل ذلك حفصٌ في الشعراء وفي سبأ. والباقون بسكونها في المواضعِ الثلاثةِ. وقرأ ابن ذكوان بسكونها في الروم بلا خلافٍ، وهشامٌ عنه الوجهان، والباقون بفتحها.
فمَنْ فتح السينَ جعله جمعَ كِسْفة نحو: قِطْعَة وقِطَع، وكِسْرة وكِسَر، ومَنْ سَكَّن جعله جمع كِسْفَة أيضًا على حَدِّ سِدْرة وسِدْر، وقَمْحة وقَمْح.
وجوَّز أبو البقاء فيه وجهين آخرين، أحدُهما: أنه جمعٌ على فَعَل بفتح العينِ، وإنما سُكِّن تخفيفًا، وهذا لا يجوز لأنَّ الفتحةَ خفيفةٌ يحتملُها حرفُ العلة، حيث يُقَدَّر فيه غيرُها فكيف بالحرف الصحيح؟. قال: والثاني: أنه فَعْل بمعنى مَفْعول كالطَّحْن بمعنى مَطْحون، فصار في السكون ثلاثةُ أوجهٍ.
وأصل الكَسْفِ القَطْع. يقال: كَسَفْتُ الثوبَ قطعتُه. وفي الحديثِ في قصة سليمان مع الصافنات الجياد: أنه كَسَفَ عراقيبَها أي: قطعها. وقال الزجاج: كَسَفَ الشيء بمعنى غَطَّاه. وقيل: ولا يُعرفُ هذا لغيرِه.
وانتصابُه على الحالِ، فإنْ جَعَلْناه جمعًا كان على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذات كِسَفٍ، وإنْ جعلناه فِعْلًا بمعنى مَفْعول لم يَحْتَج إلى تقدير، وحينئذ فيقال: لِمَ لَمْ يؤنَّث؟ ويجاب: بأنَّ تأنيثَ السماء غيرُ حقيقي، أو بأنها في معنى السقف.
قوله: {كما زَعَمْتَ} نعتٌ لمصدرٍ محذوف، أي: إسقاطًا مثلَ مَزْعُومِك، كذا قدَّره أبو البقاء.
قوله: {قَبِيْلًا} حالٌ من {الله والملائكة} أو مِنْ أحدِهما، والآخرُ محذوفةٌ حالُه، أي: بالله قبيلًا والملائكةِ قبيلًا. كقوله:
كنتُ منه ووالدي بريئًا

وكقولِهِ:
فإنِّي وقَيَّارٌ بها لغريبُ

ذكرَه الزمخشريُ، هذا إذا جَعَلْنا {قبيلًا} بمعنى كفيلًا، أي: ضامِنًا، أو بمعنى معايَنة كما قاله الفارسيُّ. وإنْ جعلناه بمعنى جماعةً كان حالًا من {الملائكة}.
وقرأ الأعرج {قِبَلًا} من المقابلة.
{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ}.
قوله تعالى: {أَوْ ترقى}: فعل مضارعٌ منصوبٌ تقديرًا، لأنه معطوفٌ على {تَفَجُّرَ}، أي: أو حتى تَرْقَى في السماء، أي: في معارجِها، والرُّقِيُّ: الصُّعودُ. يقال: رَقِي بالكسرِ يَرْقى بالفتح رُقَيًَّا على فُعول، والأصل رُقُوْي، فَأُدْغم بعد قلبِ الواو ياءً، ورَقْيًا بزنة ضَرْب. قال الراجز:
أنتَ الذي كلَّفْتني رَقْيَ الدَّرجْ ** على الكَلالِ والمَشِيْبِ والعَرَجْ

قوله: {نَقْرَؤُه} يجوز فيه وجهان، أحدهما: أن يكون نعتًا ل {كتابًا}. والثاني: أن يكونَ حالًا مِنْ (ن) في {علينا} قاله أبو البقاء، وهي حالٌ مقدرةٌ، لأنهم إنما يقرؤونه بعد إنزالِه لا في حالِ إنزالِه.
قوله: {قُلْ سُبْحَانَ} قرأ ابنُ كثير وابنُ عامر: {قال} فعلًا ماضيًا إخبارًا عن الرسولِ عليه السلام بذلك، والباقون: {قُلْ} على الأمر أمرًا منه تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بذلك، وهي مرسومةٌ في مصاحف المكيين والشاميين: {قال} بألف، وفي مصاحِفِ غيرِهم {قُلْ} بدونها، فكلٌ وافق مصحفَه.
قوله: {إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا} يجوزُ أَنْ يكونَ {بشرًا} خبرَ {كنتُ} و{رسولًا} صفتُه، ويجوز أن يكون {رسولًا} هو الخبر، و{بَشَرًا} حالٌ مقدمةٌ عليه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}.
سائر الأنبياء معجزاتُهم باقيةٌ حُكْمًا، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم معجزته باقيةٌ عينًا، وهي القرآن الذي نتلوه، والذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا مِنْ خَلْفِه.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)}.
لا شيءَ أَحْظَى عند الأحباب من كتاب الأحباب، فهو شفاء من داء الضنى، وضياء لأسرارهم عند اشتداد البَلاَ، وفي معناه أنشدوا:
وكتبك حولي لا تفارق مضجعي ** وفيها شفاء للذي أنا كاتم

{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)}.
اقترحوا الآيات تعد إزاحة العِلَة وزوالِ الحاجة، فَرَكَضُوا في مضمارِ سوءِ الأدب، وحُرِموا الوُصْلة والقُربة. ولو أُجِيبوا إلى ما طلبوا ما ازدادوا إلا جُحْدًَا ونَكرَةٌ، وقد قيل:
إنَّ الكريمَ إذا حباك بودِّه ** سَتَرَ القبيحَ وأظهر الإحسانا

وكذا الملولُ إذا أراد قطيعةً ** مَلَّ الوصال وقال كان وكانا

{قُلْ سُبْحَانَ رَبّىِ هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا}: قل يا محمد: سبحان ربي! مِنْ أين لي الإتيان بما سألتم من جهتي؟ فهل وَصْفِي إلا العبودية؟ وهل أنا إلا بَشَر؟ قال تعالى: {لَّن يَسْتَنكِفَ المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ} [النساء: 172]. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {وإن كادوا ليفتنونك} أي من عمى قلوبهم {ولولا أن ثبتناك} بالقول الثابت وهو قول لا إله إلا الله إلى أن بلغت حقيقة لا إله إلا الله {شيئًا قليلًا} وإنما وصفه بالقلة لأن بشريته مغلوبة وروحانيته غالبة. {ضعف الحياة وضعف الممات} أي نحيي نفسك وأذقناك عذاب حياتها واستيلائها على الروح ونميت قلبك. وأذقناك عذاب مماته وضعف روحك وبعده عن الحق. {سنة من قد أرسلنا} أي جرت عادة الله تعالى بأن يجعل لكل نبي عدوًا يؤذيه ويمكر به. ثم بين طريق خلاص الأنبياء والأولياء عن ورطة الابتلاء فقال: {أقم الصلاة} أي أدّها بالقلب الحاضر نهارًا وليلًا. {إن قرآن الفجر كان مشهودًا} بشواهد الحق بل الحق مشهود له. ثم {أدخلني مدخل صدق} يعني السير في الله بالله {وأخرجني مخرج صدق} من حولي وأنانيتي {واجعل لي من لدنك} لا من لدن غيرك.
وفيه أن كل ذي مقام فإنه لا يصل إلى مقام إلا بسعي يلائم الوصول إلى ذلك المقام كقوله: {وسعى لها سعيها} [الإسراء: 19]. روي أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض حاجة فقال صلى الله عليه وسلم: «ما تريد؟ فقال: مرافقتك في الجنة. فقال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ فقال الرجل: بلى مرافقتك في الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأعني على نفسك بكثرة السجود» {جاء الحق} من الواردات والشواهد وتجلي صفات الجمال والجلال {وزهق الباطل} وهو كل ما خلا الله من الموجودات ومن الخواطر كقوله:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل

{وننزل من القرآن ما هو شفاء} لأن كلام الحبيب طبيب القلوب.
إن الأحاديث من سلمى تسليني

{قل الروح من أمر ربي} قال العارفون: لله تعالى عالمان: عالم الأمر الذي خلق لا من شيء، وعالم الخلق الذي خلق من شيء ويعبر عنهما بالآخرة والدنيا والملكوت والملك والغيب والشهادة. والمعنى والصورة والباطن والظاهر والأرواح والأجسام، وما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما خلق الله جوهرة»- وفي رواية- «درّة فنظر إليها فذابت» «أول ما خلق الله اللوح» «أول ما خلق الله روحي» وفي رواية «نوري» «وأول ما خلق الله العقل» «وأول ما خلق الله القلم» وما قيل عن بعض السلف إن أول ما خلق الله على الإطلاق ملك كروبي. فالأسماء مختلفة والمسمى واحد وهو روح النبي صلى الله عليه وسلم. فباعتبار أنه كان درة صدف الموجودات سمي درة وجوهرة، وباعتبار نورانيته سمي نورًا، وباعتبار وفور عقله سمي عقلًا، إذ قال له أقبل إلى الدنيا رحمة للعالمين فأقبل. ثم قال له: أدبر أي ارجع إلى ربك فأدبر عن الدنيا ورجع إلى المعراج، ثم قال له: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقًا أحب إليّ منك، بك أعرف، وبك آخذ، يعني طاعة من أخذ منك الدين والشريعة، وبك أعطي أي بشفاعتك أعطي الدرجات العالية، وبك أعاقب الكافرين وبك أثبت المؤمنين. وباعتبار جريان الأمور على وفق متابعته والاقتداء به سمي قلمًا، وباعتبار غلبات صفات الملائكة عليه سمي ملكًا كروبيًا، ولأن كل الأرواح خلقت من روحه كان أم الأرواح وروحها فلهذا قيل له أمي. وقد ورد في الحديث: «آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة» ولما كان الروح خليفة الله تعالى اتصف بالأزلية دون الأبدية، ولما كان الجسد خليفة الروح فبالروح قوامه وقيامه لم يكن الجسد أزليًا ولا أبديًا إلا بتبعية الروح. ثم أخبر عن عزة القرآن وغيرة الرحمن بقوله: {ولئن شئنا لنذهبن} الآية. وفيه أنه لا يقدر على الإتيان والذهاب به إلا الله تعالى لكنه أكد هذا المعنى بقوله: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن} والمراد بالجن كل ما هو مستور عن العيون فيتناول الملائكة أيضًا. وفيه أنه لا مثل لصفاته حتى الكلام كما أنه لا مثل لذاته والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.