فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال إبراهيم اللقاني: لا شك في ثبوت أصل التكليف بالطاعات العملية في حقهم وأما نحو الإيمان فهو فيهم ضروري فيستحيل تكليفهم به، وقال السبكي في فتاويه: الجن مكلفون بكل شيء من هذه الشريعة لأنه إذا ثبت أنه عليه الصلاة والسلام مرسل إليهم كما هو مرسل إلى الإنس وأن الدعوة عامة والشريعة كذلك لزمتهم جميع التكاليف التي توجد فيهم أسبابها إلا أن يقوم دليل على تخصيص بعضها فنقول: إنه يجب عليهم الصلاة والزكاة إن ملكوا نصابًا بشرطه والحج وصوم رمضان وغيرها من الواجبات ويحرم عليهم كل حرام في الشريعة بخلاف الملائكة فإنا لا نلتزم أن هذه التكاليف كلها ثابتة في حقهم إذا قلنا بعموم الرسالة إليهم بل يحتمل ذلك ويحتمل الرسالة في شيء خاص اهـ.
ولا مانع من أن يكلفهم كلهم بما جاءه من ربه جل جلاله بواسطة بعضهم على أنه ليس كل ما جاء به عليه الصلاة والسلام حاصلًا بوساطة الملك فيمكن أن يكون ما كلفوا به لم يكن بوساطة أحد منهم، وأنكر بعضم إرساله صلى الله عليه وسلم إليهم وبعدم الإرسال إليهم جزم الحليمي والبيهقي من الشافعية ومحمود بن حمزة الكرماني في كتابه العجائب والغرائب من الحنفية بل نقل البرهان النسفي والفخر الرازي في تفسيريهما الاجماع عليه وجزم به من المتأخرين زين الدين العراقي في نكتة علي ابن الصلاح والجلال المحلي في شرح جمع الجوامع وصريح آية {لِيَكُونَ للعالمين نَذِيرًا} [الفرقان: 1] إذ العالم ما سوى الله تعالى وصفاته، وخبر مسلم أرسلت إلى الخلق كافة يؤيد المذهب الأول، نعم استدل أهل المذهب بما استدلوا به وفيه ما فيه، وقد ادعى بعض الناس أن الآية تؤيد مذهبهم لأنه تعالى خص فيها الملك بالإرسال إلى الملائكة فيتعين أن يكون هو الرسول إليهم لا البشر سواء كان بينه وبينهم مناسبة أم لا وقد سمعت ما نقل عن العلامة القطب وصاحب التقريب من أن المراد لنزلنا عليهم رسولًا حال كونه ملكًا لا بشرًا.
وأجيب بأنه بعد إرخاء العنان لا تدل الآية إلا على تعين إرسال الملك إلى الملائكة إذا كانوا في الأرض يمشون مطمئنين بدل البشر ولا يلزم منه أن لا يصح إرسال البشر إليهم إذا لم يكونوا كذلك لجواز أن يكون حكمة التعين في الصورة الأولى سوى المناسبة المترتب عليها سهولة الاجتماع والتلقي شيء آخر لا يوجد في الصورة الثانية وذلك أنه إذا كان أهل الأرض ملائكة وأرسل إليهم بشر له قوة الإلقاء إليهم والإفاضة عليهم، نحو إرسال رسل البشر عليهم السلام إليهم صعب بحسب الطبع على ذلك الرسول بقاؤه معهم زمنًا يعتد بهم كما يبقى رسل البشر مع البشر كذلك إلا أن يجعل مشاركًا لهم فيما جبلوا عليه ويلحق بهم وهو أشبه شيء بإخراجه عن الطبيعة البشرية بالمرة فيكون العدول عن إرسال ملك إلى إرساله أشبه شيء بالعبث المنافي للحكمة. اهـ فتدبر.
فلعل الله سبحانه يمن عليك بما روى الغليل وتأمل في جميع ما تقدم فلعلك توفق بعون الله تعالى إلى الجرح والتعديل.
{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)}.
{قُلْ} لهم ثانيًا من جهتك بعدما قلت لهم من قبلنا ما قلت وبينت لهم ما تقتضيه الحكمة في البعثة ولم يرفعوا إليه رأسًا {كفى بالله} عز وجل وحده {شَهِيدًا} على أني قد أديت ما على من مواجب الرسالة أكمل أداء وإنكم فعلتم ما فعلتم من التكذيب والعناد، وقيل شهيدًا على أني رسول الله تعالى إليكم بإظهار المعجزة على وفق دعواي، ورجح الأول بأنه أوفق بقوله تعالى: {بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} وكذا بقوله سبحانه تعليلًا للكفاية {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ} أي الرسل والمرسل إليهم {خَبِيرَا بَصِيرًا} أي محيطًا بظواهرهم وبواطنهم فيجازيهم على ذلك، وزعم الخفاجي أن الثاني أوفق بالسباق منه إذ يكون الكلام عليه كالسابق ردًا لإنكارهم أن يكون الرسول بشرًا وإلى ذلك ذهب الإمام وأن كون الأول أوفق بقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ} إلخ لا وجه له لأن معناه التهديد والوعيد بأنه سبحانه يعلم ظواهرهم وبواطنهم وأنهم إنما ذكروا هذه الشبهة للحسد وحب الرياسة والاستنكاف عن الحق وفيه من التسلية لحبيبه صلى الله عليه وسلم ما فيه، وأنت تعلم أن إنكار كون الأول أوفق بذلك مما لا وجه له لظهور خلافه، ولا ينافيه تضمن الجملة الوعيد والتسلية، وأيضًا يبقى أمر أوفقيته بيني وبينكم في البيت ومع ذلك في تصدير الكلام بقل نوع تأييد لإرادة الأول كما لا يخفى على الذكى، هذا وإنما لم يقل سبحانه بيننا تحقيقًا للمفارقة وإبانة للمباينة، ونصب {شَهِيدًا} أما على الحال أو على التمييز. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)}.
بعد أن عُدّت أشكال عنادهم ومَظاهر تكذيبهم أعقبت ببيان العلة الأصلية التي تبعث على الجحود في جميع الأمم وهي توهمهم استحالة أن يبعث الله للناس برسالة بشرًا مثلهم.
فذلك التوهم هو مثار ما يأتونه من المعاذير، فالذين هذا أصل معتقدهم لا يرجى منهم أن يؤمنوا ولو جاءتهم كل آية، وما قصدهم من مختلف المقتَرحات إلا إرضاءُ أوهامهم بالتنصل من الدخول في الدين، فلو أتاهم الرسول بما سألوه لانتقلوا فقالوا: إن ذلك سحر، أو قلوبنا غلف، أو نحو ذلك.
ومع ما في هذا من بيان أصل كفرهم هو أيضًا رد بالخصوص لقولهم: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا} [الإسراء: 92] ورد لقولهم: {أو ترقى في السماء} [الإسراء: 93] إلى آخره.
وقوله: إلا أن قالوا {أبعث الله بشرًا رسولا} يقتضي بصريحه أنهم قالوا بألسنتهم وهو مع ذلك كناية عن اعتقادهم ما قالوه.
ولذلك جعل قولهم ذلك مانعًا من أن يؤمنوا لأن اعتقاد قائليه يمنع من إيمانهم بضده ونطقهم بما يعتقدونه يمنع من يسمعونهم من متبعي دينهم.
وإلقاء هذا الكلام بصيغة الحصر وأداة العموم جعله تذييلًا لما مضى من حكاية تفننهم في أساليب التكذيب والتهكم.
فالظاهر حمل التعريف في {الناس} على الاستغراق.
أي ما منع جميع الناس أن يؤمنوا إلا ذلك التوهم الباطل لأن الله حكى مثل ذلك عن كل أمة كذبت رسولها فقال حكاية عن قوم نوح {ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين} [المؤمنون: 24].
وحكى مثله عن هود {ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرًا مثلكم إنكم إذًا لخاسرون} [المؤمنون: 33- 34]، وعن قوم صالح {ما أنت إلا بشر مثلنا} سورة [الشعراء: 154]، وعن قوم شُعيب {وما أنت إلا بشر مثلنا} [الشعراء: 186]، وحكى عن قوم فرعون {قالوا أنؤمن لبشرين مثلنا} [المؤمنون: 47].
وقال في قوم محمد {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب} [ق: 2].
وإذ شمل العموم كفار قريش أمر الرسول بأن يجيبهم عن هذه الشبهة بقوله: {لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين} الآية، فاختص الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم باجتثاث هذه الشبهة من أصلها اختصاصًا لم يُلقنه من سَبق من الرسل، فإنهم تلقوا تلك الشبهة باستنصار الله تعالى على أقوامهم فقال عن نوح {قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحًا ونجني ومن معي من المؤمنين} [الشعراء: 118].
وقال مثله عن هود وصالح، وقال عن موسى وهارون، {فكذبوهما فكانوا من المهلكين} [المؤمنون: 48]، فقد ادخر الله لرسوله قواطع الأدلة على إبطال الشرك وشبه الضلالة بما يناسب كونه خاتم الرسل، ولهذا قال في خطبة حجّة الوداع: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه قد رضي أن يطاع فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم.
ومعنى قوله: {لو كان في الأرض ملائكة يمشون} الخ أن الله يرسل الرسول للقوم من نوعهم للتمكين من المخالطة لأن اتحاد النوع هو قوام تيسير المعاشرة، قال تعالى: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلًا} [الأنعام: 9]، أي في صورة رجل ليمكن التخاطب بينه وبين الناس. وجملة {يمشون} وصف ل {ملائكة}. و{مطمئنين} حال. والمطمئن: الساكن. وأريد به هنا المتمكن غير المضطرب، أي مشي قرار في الأرض، أي لو كان في الأرض ملائكة قاطنون على الأرض غير نازلين برسالة للرسل لنزلنا عليهم ملكًا.
ولما كان المشي والاطمئنان في الأرض من صفة الإنسان آل المعنى إلى: لو كنتم ملائكة لنزلنا عليكم من السماء ملكًا فلما كنتم بشرًا أرسلنا إليكم بشرًا مثلكم. ومجيء الهدى هو دعوة الرسل إلى الهُدى.
{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)}.
بعد أن خص الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بتلقين الحجة القاطعة للضلالة أردف ذلك بتلقينه أيضًا ما لقنه الرسل السابقين من تفويض الأمر إلى الله وتحكيمه في أعدائه، فأمره بـ {قل كفى بالله} تسلية له وتثبيتًا لنفسه وتعهدًا له بالفصل بينه وبينهم كما قال نوح وهود {رب انصرني بما كذبون} [المؤمنون: 26]، وغيرهما من الرسل قال قريبًا من ذلك.
وفي هذا رد لمجموع مقترحاتهم المتقدمة على وجه الإجمال. ومفعول {كفى} محذوف، تقديره: كفاني. والشهيد: الشاهد، وهو المخبر بالأمر الواقع كما وقع. وأريد بالشهيد هنا الشهيد للمُحق على المبطل، فهو كناية عن النصير والحاكم لأن الشهادة سبب الحكم، والقرينَةُ قوله: {بيني وبينكم} لأن ظرف بين يناسب معنى الحُكم. وهذا بمعنى قوله تعالى: {حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين} [الأعراف: 87] وقوله: {يوم القيامة يفصل بينكم} [الممتحنة: 3].
والباء الداخلة على اسم الجلالة زائدة لتأكيد لصوق فعل {كفى} بفاعله. وأصله: كفى الله شهيدًا.
وجملة {إنه كان بعباده خبيرا بصيرًا} تعليل للاكتفاء به تعالى، والخبير: العليم. وأريد به العليم بالنوايا والحقائق، والبصير: العليم بالذوات والمشاهداتتِ من أحوالها. والمقصود من اتباعه به إحاطةُ العلم وشموله. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)}.
هذا امانع المذكور هنا عادي. لأنه جرت عادة جميع الأمم باستغرابهم بعث الله رسلًا من البشر. كقوله: {قالوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} [إبراهيم: 10] الآية، وقوله: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47] الآية، وقوله: {أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} [القمر: 24]، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات فقالوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: 6] الآية، وقوله: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ} [المؤمنون: 34] إلى غير ذلك من الآيات.
والدليل على أن المانع في هذه الآية عادي: أنه تعالى بمانع آخر غير هذا في سورة الكهف وهو قوله: {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأولين أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب قُبُلًا} [الكهف: 55] فهذا المانع المذكور في الكهف مانع حقيقي. لأن من أراد الله به سنة الأولين: من الإهلاك، أة أن يأتيه العذاب قبلًا- فإرادته به ذلك مانعة من خلاف المراد. لاستحالة أن يقع خلاف مراده جل وعلا. بخلاف المانع في آية بني إسرائيل هذه، قهو مانع عادي يصح تخلفه. وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب.
{قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)}.
بين جل وعلا في هذه الآية: أن الرسول يلزم أن يكون من جنس المرسل إليهم. فلو كان مرسلًا رسولًا إلى الملائكة لنزل عليهم ملكًا مثلهم. أي وإذا ارسل إلى البشر أرسل لهم بشرًا مثلهم.
وقد اوضح هذا المعنىة في مواضع أخر. كقوله: {وَقَالُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمر ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 8-9]، وقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نوحي إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 7]، وقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِي الأسواق} [الفرقان: 20] كما تقدم إيضاحه. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)}.
أي: ما منعهم من الإيمان إلا هذه المسألة: أن يكون الرسول بشرًا، هذه هي القضية التي وقفت في حلوقهم: {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا} [الإسراء: 94]
والمتأمِّل في مسألة التبليغ عن الله يجد أنها لا يمكن أنْ تتم إلا ببشر، فكيف يبلغ البشر جنس آخر، ولابد للتلقِّي عن الله من وسائط بين الحق سبحانه وتعالى وبين الناس؛ لأن البشر لا يستطيع أنْ يتلقّى عن القُوة العليا مباشرة، فإذنْ: هناك مراحل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51]
لكن الرسول البشري كيف يُكلِّم الله؟ لابد أنْ نأتي برسول من الجنس الأعلى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلًا..} [الحج: 75] وهذا مرحلة، ثم يصطفي رسولًا من البشر يتلقّى عن الملَكِ كي يستطيع أنْ يُبلِّغكم؛ لأنكم لا تقدرون على اللقاء المباشر يتلقى عن الملك كي يستطيع أن يبلغكم؛ لأنكم لا تقدرون على اللقاء المباشر مع الحق سبحانه.
ونضرب لذلك مثلًا- ولله المثل الأعلى: أنت إذا أردتَ إضاءة لمبة صغيرة وعندك تيار كهربائي عالٍ، هل يمكن أنْ تُوصِّله بهذه اللمبة؟ لا لأنها ستحرق فورًا، إذن: ما الحل؟ الحل أنْ تأتي بجهاز وسيط يُقلِّل لك هذا التيار القوي، ويعطي اللمبة على قَدْر حاجتها فتضيء.
كذلك الحق سبحانه يصطفي من الملائكة رسلًا يمكنهم التلقِّي عن الله ويصطفي من البشر رسلًا يمكنهم التلقِّي عن الملائكة، ثم يُبلّغ الرسول المصطفى من البشر بني جنسه. إذن: فماذا يُزعجكم في أنْ يكون الرسول بشرًا؟ ولماذا تعترضون على هذه المسألة وهي أمر طبيعي؟