فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ}.
اعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهات القوم في إنكار النبوة وأردفها بالوعيد الإجمالي وهو قوله: {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 96] ذكر بعده الوعيد الشديد على سبيل التفصيل، أما قوله: {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ} فالمقصود تسلية الرسول وهو أن الذين سبق لهم حكم الله بالإيمان والهداية وجب أن يصيروا مؤمنين ومن سبق لهم حكم الله بالضلال والجهل استحال أن ينقلبوا عن ذلك الضلال واستحال أن يوجد من يصرفهم عن ذلك الضلال، واحتج أصحابنا بهذه الآية على صحة مذهبهم في الهدى والضلال والمعتزلة حملوا هذا الإضلال تارة على الإضلال عن طريق الجنة وتارة على منع الألطاف وتارة على التخلية وعدم التعرض له بالمنع وهذه المباحث قد ذكرناها مرارًا فلا فائدة في الإعادة، أما قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} فإن قيل كيف يمكنهم المشي على وجوههم قلنا الجواب من وجهين: الأول: إنهم يسحبون على وجوههم قال تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار على وُجُوهِهِمْ} [القمر: 48].
الثاني: روى أبو هريرة قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم؟ قال: إن الذي يمشيهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم، قال حكماء الإسلام الكفار أرواحهم شديدة التعلق بالدنيا ولذاتها وليس لها تعلق بعالم الأبرار وحضرة الإله سبحانه وتعالى فلما كانت وجوه قلوبهم وأرواحهم متوجهة إلى الدنيا لا جرم كان حشرهم على وجوههم، وأما قوله: {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} فاعلم أن واحدًا قال لابن عباس رضي الله عنه: أليس أنه تعالى يقول: {وَرَأَى المجرمون النار} [الكهف: 53] وقال: {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] وقال: {دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13] وقال: {يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تجادل عَن نَّفْسِهَا} [النحل: 111] وقال حكاية عن الكفار: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] فثبت بهذه الآيات أنهم يرون ويسمعون ويتكلمون فكيف قال ههنا: {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} أجاب ابن عباس وتلامذته عنه من وجوه.
الأول: قال ابن عباس عميًا لا يرون شيئًا يسرهم صمًا لا يسمعون شيئًا يسرهم بكمًا لا ينطقون بحجة.
الثاني: قال في رواية عطاء عميًا عن النظر إلى ما جعله الله لأوليائه بكمًا عن مخاطبة الله ومخاطبة الملائكة المقربين صمًا عن ثناء الله تعالى على أوليائه.
الثالث: قال مقاتل إنه حين يقال لهم: {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ} [المؤمنون: 108] يصيرون عميًا بكمًا صمًا، أما قبل ذلك فهم يرون ويسمعون وينطقون.
الرابع: أنهم يكونون رائين سامعين ناطقين في الموقف ولولا ذلك لما قدروا على أن يطالعوا كتبهم ولا أن يسمعوا إلزام حجة الله عليهم إلا أنهم إذا أخذوا يذهبون من الموقف إلى النار جعلهم الله عميًا وبكمًا وصمًا.
والجواب: أن الآيات السابقة تدل على أنهم في النار يبصرون ويسمعون ويصيحون، أما قوله تعالى: {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} فظاهر، وأما قوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} ففيه مباحث:
البحث الأول:
قال الواحدي الخبو سكون النار، يقال: خبت النار تخبوا إذا سكن لهبها ومعنى خبت سكنت وطفئت يقال في مصدره الخبو وأخبأها المخبىء إخباء أي أخمدها ثم قال: {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} قال ابن قتيبة زدناهم سعيرًا أي تلهبًا.
البحث الثاني:
لقائل أن يقول إنه تعالى لا يخفف عنهم العذاب وقوله: {كُلَّمَا خَبَتْ} يدل على أن العذاب يخف في ذلك الوقت قلنا كلما خبت يقتضي سكون لهب النار، أما لا يدل هذا على أنه يخف العذاب في ذلك الوقت.
البحث الثالث:
قوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} ظاهره يقتضي وجوب أن تكون الحالة الثانية أزيد من الحالة الأولى وإذا كان كذلك كانت الحالة الأولى بالنسبة إلى الحالة الثانية تخفيفًا.
والجواب: الزيادة حصلت في الحالة الأولى أخف من حصولها في الحالة الثانية فكان العذاب شديدًا ويحتمل أن يقال لما عظم العذاب صار التفاوت الحاصل في أوقاته غير مشعور به نعوذ بالله منه ولما ذكر تعالى أنواع هذا الوعيد قال {ذَلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ} والباء في قوله: {بأنهم كفروا} باء السببية وهو حجة لمن يقول العمل علة الجزاء، والله أعلم.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)}.
اعلم أنه تعالى لما أجاب عن شبهات منكري النبوة عاد إلى حكاية شبهة منكري الحشر والنشر ليجيب عنها وتلك الشبهة هي أن الإنسان بعد أن يصير رفاتًا ورميمًا يبعد أن يعود هو بعينه وأجاب الله تعالى عنه بأن من قدر على خلق السموات والأرض لم يبعد أن يقدر على إعادتهم بأعيانهم وفي قوله: {قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} قولان: الأول: المعنى قادر على أن يخلقهم ثانيًا فعبر عن خلقهم ثانيًا بلفظ المثل كما يقول المتكلمون أن الإعادة مثل الابتداء.
القول الثاني: المراد قادر على أن يخلق عبيدًا آخرين يوحدونه ويقرون بكمال حكمته وقدرته ويتركون ذكر هذه الشبهات الفاسدة وعلى هذا التفسير فهو كقوله تعالى: {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [إبراهيم: 19] وقوله: {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [التوبة: 39] قال الواحدي والقول هو الأول لأنه أشبه بما قبله ولما بين الله تعالى بالدليل المذكور أن البعث والقيامة أمر ممكن الوجود في نفسه أردفه بأن لوقوعه ودخوله في الوجود وقتًا معلومًا عند الله وهو قوله: {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لاَّ رَيْبَ فِيهِ} ثم قال تعالى: {فأبى الظالمون إَلاَّ كُفُورًا} أي بعد هذه الدلائل الظاهرة أبوا إلا الكفر والنفور والجحود. {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
أن الكفار لما قالوا؛ {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] طلبوا إجراء الأنهار والعيون في بلدتهم لتكثر أموالهم وتتسع عليهم معيشتهم فبين الله تعالى لهم أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله لبقوا على بخلهم وشحهم ولما أقدموا على إيصال النفع إلى أحد وعلى هذا التقدير فلا فائدة في إسعافهم بهذا المطلوب الذي التمسوه فهذا هو الكلام في وجه النظم، والله أعلم.
المسألة الثانية:
قوله: {لَّوْ أَنتُمْ} فيه بحث يتعلق بالنحو وبحث آخر يتعلق بعلم البيان، أما البحث النحوي: فهو أن كلمة {لو} من شأنها أن تختص بالفعل لأن كلمة {لو} تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره والاسم يدل على الذوات والفعل هو الذي يدل على الآثار والأحوال والمنتفى هو الأحوال والآثار لا الذوات فثبت أن كلمة {لو} مختصة بالأفعال وأنشدوا قول المتلمس:
لو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ** نصبت لهم فوق العرانين مأتما

والمعنى لو أراد غير أخوالي وأما البحث المتعلق بعلم البيان فهو أن التقديم بالذكر يدل على التخصيص فقوله: {أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} دلالة على أنهم هم المختصون بهذه الحالة الخسيسة والشح الكامل.
المسألة الثالثة:
خزائن فضل الله ورحمته غير متناهية فكان المعنى أنكم لو ملكتم من الخير والنعم خزائن لا نهاية لها لبقيتم على الشح وهذا مبالغة عظيمة في وصفهم بهذا الشيء ثم قال تعالى: {وَكَانَ الإنسان قَتُورًا} أي بخيلًا يقال قتر يقتر قترًا وأقتر إقتارًا وقتر تقتيرًا إذا قصر في الإنفاق فإن قيل فقد دخل في الإنسان الجواد الكريم فالجواب من وجوه.
الأول: أن الأصل في الإنسان البخل لأنه خلق محتاجًا والمحتاج لابد أن يحب ما به يدفع الحاجة وأن يمسكه لنفسه إلا أنه قد يجود به لأسباب من خارج فثبت أن الأصل في الإنسان البخل.
الثاني: أن الإنسان إنما يبذل لطلب الثناء والحمد وللخروج عن عهدة الواجب فهو في الحقيقة ما أنفق إلا ليأخذ العوض فهو في الحقيقة بخيل.
الثالث: إن المراد بهذا الإنسان المعهود السابق: وهم الذين قالوا {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90]. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ومن يهد الله فهو المهتدِ} معناه من يحكم الله تعالى بهدايته فهو المهتدي بإخلاصه وطاعته.
{ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه} فيه وجهان:
أحدهما: ومن يحكم بضلاله فلن تجد له أولياء من دونه في هدايته.
الثاني: ومن يقض الله تعالى بعقوبته لم يوجد له ناصر يمنعه من عقابه.
{ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم} فيه وجهان:
أحدهما: أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم، من قول العرب: قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا.
الثاني: أنه يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كمن يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه.
{عُمْيًا وبكمًا وصمًا} فه وجهان:
أحدهما: أنهم حشروا في النار عُمي الأبصار بُكم الألسن صُمّ الأسماع ليكون ذلك يزادة في عذابهم، ثم أبصروا لقوله تعالى: {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها} [الكهف: 53] وتكلموا لقوله تعالى: {دَعوا هنالك ثبورًا} [الفرقان: 13] وسمعوا، لقوله تعالى: {سمعوا لها تغيظًا وزفيرًا} [الفرقان: 12].
وقال مقاتل بن سليمان: بل إذا قال لهم {اخسئوا فيها ولا تكلمُون} [المؤمنون: 18] صاروا عميًا لا يبصرون، صُمًّا لا يسمعون، بكمًا لا يفقهون.
الثاني: أن حواسهم على ما كانت عليه، ومعناه عمي عما يسرّهم، بكم عن التكلم بما ينفعهم، صم عما يمتعهم، قاله ابن عباس والحسن.
{مأواهم جهنم} يعني مستقرهم جهنم.
{كلما خبت زدناهم سعيرًا} فيه وجهان:
أحدهما: كلما طفئت أوقدت، قاله مجاهد.
الثاني: كلما سكن التهابها زدناهم سعيرًا والتهابًا، قاله الضحاك، قال الشاعر:
وكُنّا كَالحَرِيقِ أَصَابَ غَابًا ** فَيَخْبُو سَاعَةً ويَهُبُّ سَاعا

وسكون التهابها من غير نقصان في الآمهم ولا تخفيف من عذابهم.
قوله عز وجل: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي} فيه وجهان:
أحدهما: خزائن الأرض الأرزاق، قاله الكلبي.
الثاني: خزائن النعم، وهذا أعم.
{إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق} فيه وجهان:
أحدهما: لأمسكتم خشية الفقر، والإنفاق الفقر، قاله قتادة وابن جريج.
الثاني: يعني أنه لو ملك أحد المخلوقين خزائن الله تعالى لما جاد بها كجود الله تعالى لأمرين:
أحدهما: أنه لابد أن يمسك منها لنفقته وما يعود بمنفعته.
الثاني: أنه يخاف الفقر ويخشى العدم، والله عز وجل يتعالى في جوده عن هاتين الحالتين.
{وكان الإنسان قتورًا} فيه تأويلان:
أحدهما: مقترًا، قاله قطرب والأخفش.
الثاني: بخيلًا، قاله ابن عباس وقتادة.
واختلف في هذا الآية على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في المشركين خاصة، قاله الحسن. الثاني: أنها عامة، وهو قول الجمهور. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} قرأ نافع، وأبو عمرو بالياء في الوصل، وحَذَفاها في الوقف وأثبتها يعقوب في الوقف، وحذفها الأكثرون في الحالتين.
{من يهد الله} قال ابن عباس: من يرد الله هداه {فهو المهتد ومن يُضْلِل فلن تجد لهم أولياء من دونه} يَهدونهم.