فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان اليهود الذين أمروا قريشًا بسؤال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الروح التي مضى الجواب عنها- كما في بعض الروايات- وعن أهل الكهف وذي القرنين الآتي شرح قصتيهما في الكهف، نبههم على سؤالهم- إن كانوا يقبلون كلامهم- عن أمر موسى عليه السلام في كونه كهذا النبي الكريم في أنه بشر مع كونه رسولًا وفي كونه أتى بالخوارق فكذب بها المعاندون فاستؤصل المكذب، فقال تعالى: {فسئل} أي يا أعظم خلقنا! {بني إسراءيل} أي عامة الذين نبهوا قريشًا على أمر الروح عن حديث موسى عليه السلام أو المؤمنين كعبد الله بن سلام وأصحابه {إذ} أي عن ذلك حين {جاءهم} أي جاء آباءهم، فوقع له من التكذيب بعد إظهار المعجزات الباهرات ما وقع لك، ولم يكذب لخلل من أمره ولا لقوة من عدوه على مدافعة العذاب، وإنما كان جهلًا وعنادًا، ليكون ذلك مسلاة لك وعلمًا على خبث طباعهم وحجة قاطعة عليهم {فقال} أي فذهب إلى فرعون فأمره بإرسالهم معه فأبى فأظهر له الآيات واحدة بعد أخرى فتسبب عن ذلك ضد ما يقتضيه الحال، وهو أن قال {له فرعون} عتوًا واستكبارًا: {إني لأظنك} أكد قوله لما أظهر موسى عليه السلام مما يوجب الإذعان له والإيمان والإنكار لأن يكذبه أحد {يا موسى مسحورًا} أي فكل ما ينشأ عنك فهو من آثار السحر الذي بك، خيال لا حقيقة له، وأنت في الحقيقة مسحور، ولوجود السحر عنك ساحر، قال أبو عبيد: كما يقال: ميمون- بمعنى يأمن.
وكأنه موه على جنوده لما أراهم آية اليد بهذه الشبهة، وهذا كما قالت قريش {إن تتبعون إلا رجلًا مسحورًا} وقالوا في موضع آخر: ساحر، فإنهم ربما أطلقوا اسم المفعول مريدين اسم الفاعل مبالغة في أنه كالمجبر على الفعل، وفي الأمر بسؤال اليهود تنبيه على ضلالهم، قال الشيخ ولي الدين الملوي: ولعل منه اقتباس الأئمة في المناظرة مطالبة اليهود والنصارى ونحوهم بإثبات نبوة أنبيائهم، فكل طريق يسلكون يسلك مثله في تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكل اعتراض يوردونه يورد عليهم مثله، وما كان جوابًا لهم فهو جواب لنا، ومن تفطن للآية الكريمة رأى منها العجب في ذلك- انتهى ولم يؤمن فرعون على تواتر تلك الآيات وعظمها، فكأنه قيل: فما قال موسى عليه السلام؟ فقيل: {قال} لفرعون: {لقد علمت} أي أنا بضم التاء على قراءة الكسائي ليفيد أن عنده العلم القطعي بأن ما أتى به منزل من ربه، فهو أعقل أهل ذلك الزمان وليس على ما ادعاه فرعون، أو بفتح التاء- على قراءة الباقين أي أنك يا فرعون صرت بما أظهرته أنا من الأدلة في عداد من يعلم أنه {ما أنزل} على يدي {هؤلاء} الآيات {إلا رب السماوات والأرض} أي خالقهما ومدبرهما حال كون هذه الآيات. أي بينات ثابتًا أمرها عليًا قدرها، يبصر بها صدقي، وأما السحر فإنه لا يخفى على أحد أنه خيال لا حقيقة له {وإني} أي وإن ظننتني يا فرعون مسحورًا {لأظنك} أكد لما كان مع فرعون من ينكر قوله ويظهر القطع بسعادة فرعون {يا فرعون مثبورًا} أي ملعونًا مطرودًا مغلوبًا مهلكًا ممنوعًا من الخير فاسد العقل، وظني قريب إلى الصحة بخلاف ظنك لعنادك لرب العالمين، لوضوح مكابرتك للبصائر التي كشف عنها وبها الغطاء، فهي أوضح من الشمس، وذلك لإخلادك إلى الحال التي أنت بها وكسلك عن الانتقال عنها إلى ما هو أشرف منها، وقد بينت مدار ثبر في {لا تثريب} في سورة يوسف عليه السلام، فإذا راجعتها اتضح لك ما أشرت إليه {فأراد} أي فما تسبب عن هذا الذي هو موجب الإيمان في العادة إلا أن فرعون أراد {أن يستفزهم} أي يستخف موسى ومن آمن معه ويخرجهم فيكونوا كالماء إذا سال، من قولهم: فز الجرح: سال {من الأرض} بالنفي والقتل للتمكن من استعباد الباقين كما أراد هؤلاء أن يستفزوك من الأرض ليخرجوك منها للتمكن مما هم عليه من الكفر والعناد؛ ثم أخذ يحذرهم سطواته بما فعل بمن كانوا أكثر منهم وأشد فقال: {فأغرقناه} أي فتسبب عن ذلك أن رددنا- بما لنا من العظمة- كيده في نحره: فلم نقدره على مراده واستفززناه نحن فلم يقدر على الامتناع، بل خف غير عالم بما نريد به حتى أدخلناه في البحر حيث أدخلنا بني إسرائيل فأنجيناهم وأغرقناه {ومن معه جميعًا} كما جرت به سنتنا فيمن عاند بعد أن رأى الخوارق وكفر النعمة وأفرط في البغي بعد ظهور الحق، فليحذر هؤلاء مثل ذلك ولا سيما إذا أخرجنا رسولنا من بين ظهرانيهم ففي هذه الآية وأمثالها بشارة له بإسلاكنا له في النصرة، والتمكن سبيل إخوانه من الرسل عليهم السلام {وقلنا} أي بما لنا من العظمة التي لا يتعاظمها شيء.
ولما كان هذا القول غير مستغرق لزمان البعد، أثبت الجار فقال تعالى: {من بعده} أي الإغراق {لبني إسراءيل} الذين كانوا تحت يده أذل من العبيد لتقواهم وإحسانهم: {اسكنوا الأرض} أي مطلق الأرض إشارة إلى أن فرعون كان يريد محوهم عن الأرض أو إلى أن سكناهم مع وجوده كانت عدمًا، لما بهم من الذل- والأرض التي أراد أن يستفزهم منها، وهي أرض مصر، أي صيروا بحيث تسكنونها لا يد لأحد عليكم، ولا مانع لكم مما تريدون منها، كما كان فرعون وجنوده إذا شئتم مملكين فيها بعد أن كنتم عبيدًا تسامون سوء العذاب {فإذا جاء} أي مجيئًا محققًا {وعد الآخرة} أي القيامة بعد أن سكنتم الأرض أحياء ودفنتم فيها أمواتًا {جئنا} أي بما لنا من العظمة {بكم} منها {لفيفًا} أي بعثناكم وإياهم مختلطين، لا حكم لأحد على آخر، ولا دفع لأحد عن آخر على غير الحالة التي كانت في الدنيا، ثم ميزنا بعضكم عن بعض، ونعمنا الطيب منكم بإهانة الخبيث، أن يسأل بنو إسرائيل الذين يقبل هؤلاء المشركون الجهلة كلامهم ويستنصحونهم في أمورهم- عن هذا الذي تلوناه عليك يخبروا به كما أخبرناك، فيثبت حينئذ عندهم أمر الآخرة، وإلا كان قبولهم لبعض كلامهم دون بعض بغير دليل تحكمًا وترجيحًا من غير مرجح. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)} في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن المقصود من هذا الكلام أيضًا الجواب عن قولهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بهذه المعجزات القاهرة فقال تعالى: إنا آتينا موسى معجزات مساوية لهذه الأشياء التي طلبتموها بل أقوى منها وأعظم فلو حصل في علمنا أن جعلها في زمانكم مصلحة لفعلناها كما فعلنا في حق موسى فدل هذا على إنا إنما لم نفعلها في زمانكم لعلمنا أنه لا مصلحة في فعلها.
المسألة الثانية:
اعلم أنه تعالى ذكر في القرآن أشياء كثيرة من معجزات موسى عليه الصلاة والسلام.
أحدها: أن الله تعالى أزال العقدة من لسانه قيل في التفسير ذهبت العجمة وصار فصيحًا.
وثانيها: إنقلاب العصا حية.
وثالثها: تلقف الحية حبالهم وعصيهم مع كثرتها.
ورابعها: اليد البيضاء وخمسة أخر وهي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.
والعاشر: شق البحر وهو قوله: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} [البقرة: 50] والحادي عشر: الحجر وهو قوله: {أَنِ أضْرِب بّعَصَاكَ الحجر} [الأعراف: 160].
الثاني عشر: إظلال الجبل وهو قوله تعالى: {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} [الأعراف: 171].
والثالث عشر: إنزال المن والسلوى عليه وعلى قومه.
والرابع عشر والخامس عشر: قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين وَنَقْصٍ مّن الثمرات} [الأعراف: 130].
والسادس عشر: الطمس على أموالهم من النحل والدقيق والأطعمة والدراهم والدنانير، روى أن عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب عن قوله: {تِسْعَ ءايات بَيّنَاتٍ} فذكر محمد بن كعب في مسألة التسع حل عقدة اللسان والطمس فقال عمر بن عبد العزيز هكذا يجب أن يكون الفقيه ثم قال: يا غلام اخرج ذلك الجراب فأخرجه فنفضه فإذا فيه بيض مكسور نصفين وجوز مكسور وفول وحمص وعدس كلها حجارة إذا عرفت هذا فنقول إنه تعالى ذكر في القرآن هذه المعجزات الستة عشر لموسى عليه الصلاة والسلام وقال في هذه الآية: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى تِسْعَ ءايات بَيّنَاتٍ} وتخصيص التسعة بالذكر لا يقدح فيه ثبوت الزائد عليه لأنا بينا في أصول الفقه أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد بل نقول إنما يتمسك في هذه المسألة بهذه الآية ثم نقول: أما هذه التسعة فقد اتفقوا على سبعة منها وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وبقي الاثنان ولكل واحد من المفسرين قول آخر فيهما ولما لم تكن تلك الأحوال مستندة إلى حجة ظنية فضلًا عن حجة يقينية لا جرم تركت تلك الروايات، وفي تفسير قوله تعالى: {تِسْعَ ءايات بَيّنَاتٍ} أقوال أجودها ما روى صفوان بن عسال أنه قال: إن يهوديًا قال لصاحبه إذهب بنا إلى هذا النبي نسأله عن تسع آيات فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألاه عنها فقال: هن أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود أن تعدوا في السبت فقام اليهوديان فقبلا يديه ورجليه وقالوا نشهد إنك نبي ولولا نخاف القتل وإلا اتبعناك.
المسألة الثالثة:
قوله: {فاسأل بني إسرائيل إِذْ جَاءهُمْ} فيه مباحث:
البحث الأول: فيه وجوه:
الوجه الأول:
أنه اعتراض دخل في الكلام والتقدير: ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات إذ جاء بني إسرائيل فاسألهم وعلى هذا التقدير فليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود وعلمائهم صدق ما ذكره الرسول فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد.
والوجه الثاني:
أن يكون قوله: {فاسأل بني إسرائيل} أي سلهم عن فرعون.
وقل له أرسل معي بني إسرائيل.
والوجه الثالث:
سل بني إسرائيل أي سلهم أن يوافقوك والتمس منهم الإيمان الصالح.
وعلى هذا التأويل فالتقدير فقلنا له سلهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك.
البحث الثاني:
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يسأل بني إسرائيل معناه الذين كانوا موجودين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم والذين جاءهم موسى عليه الصلاة والسلام هم الذين كانوا في زمانه إلا أن الذين كانوا في زمان محمد صلى الله عليه وسلم لما كانوا أولاد أولئك الذين كانوا في زمان موسى حسنت هذه الكناية.
ثم أخبر تعالى أن فرعون قال لموسى: {إِنّى لأَظُنُّكَ ياموسى مَّسْحُورًا} وفي لفظ المسحور وجوه.
الأول: قال الفراء: إنه بمعنى الساحر كالمشؤوم والميمون وذكرنا هذا في قوله: {حِجَابًا مَّسْتُورًا} [الإسراء: 45] أنه مفعول من السحر أي أن الناس سحروك وخبلوك فتقول هذه الكلمات لهذا السبب.
الثالث: قال محمد بن جرير الطبري معناه أعطيت علم السحر، فهذه العجائب التي تأتي بها من ذلك السحر ثم أجابه موسى عليه الصلاة والسلام بقوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السموات والأرض} وفيه مباحث:
البحث الأول:
قرأ الكسائي: {علمت} بضم التاء أي علمت أنها من علم الله فإن علمت وأقررت وإلا هلكت والباقون بالفتح وضم التاء قراءة علي وفتحها قراءة ابن عباس وكان علي رضي الله عنه يقول والله ما علم عدو الله ولكن موسى هو الذي علم فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فاحتج بقوله: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14] على أن فرعون وقومه كانوا قد عرفوا صحة أمر موسى عليه السلام قال الزجاج الأجود في القراءة الفتح لأن علم فرعون بأنها آيات نازلة من عند الله أوكد في الحجة فاحتجاج موسى عليه الصلاة والسلام على فرعون بعلم فرعون أوكد من الاحتجاج بعلم نفسه.
وأجاب الناصرون لقراءة علي عليه السلام عن دليل ابن عباس فقالوا قوله: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} يدل على أنهم استيقنوا شيئًا ما فأما أنهم استيقنوا كون هذه الآيات نازلة من عند الله فليس في الآية ما يدل عليه، وأجابوا عن الوجه الثاني بأن فرعون قَال {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] قال موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ} فكأنه نفي ذلك وقال لقد علمت صحة ما أتيت به علمًا صحيحًا علم العقلاء. واعلم أن هذه الآيات من عند الله ولا تشك في ذلك بسبب سفاهتك.
البحث الثاني:
التقدير ما أنزل هؤلاء الآيات ونظيره قوله: والعيش بعد أولئك الأقوام.
وقوله. أي حججًا بينة كأنها بصائر العقول وتحقيق الكلام أن المعجزة فعل خارق للعادة فعله فاعله لغرض تصديق المدعى ومعجزات موسى عليه الصلاة والسلام كانت موصوفة بهذين الوصفين لأنها كانت أفعالًا خارقة للعادة وصرائح العقول تشهد بأن قلب العصا حية معجزة عظيمة لا يقدر عليها إلا الله ثم إن تلك الحية تلقفت حبال السحرة وعصيهم على كثرتها ثم عادت عصا كما كانت فأصناف تلك الأفعال لا يقدر عليها أحد إلا الله، وكذا القول في فرق البحر وإظلال الجبل فثبت أن تلك الأشياء ما أنزلها إلا رب السموات.