فصل: العاشر: في الثوم والبصل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.العاشر: في الثوم والبصل:

في الصحيحين عن أنس وابن عمر وجابر قال عليه الصلاة والسلام: «من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس» وعن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزل مسجدنا» وأن النبي عليه الصلاة والسلام أتى بقدر فيه خضر فوجد لها ريحًا، فسأل فأخبر بما فيه من البقول، فقال: «قربوها إلى بعض من كان حاضرًا، وقال له كل فإني أناجي من لا تناجي» أخرجاه في الصحيحين.

.الحادي عشر: في المساجد في الدور:

عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في الدور، وأن ينظف ويطيب، أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه أصحابه إذ جاء أعرابي فبال في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تزرموه» ثم دعاه فقال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من العذرة والبول والخلاء، إنما هي لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة» ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فصبوا عليه. اهـ.

.فصل في دخول الكافر المسجد:

قال الفخر:
اختلف الفقهاء في دخول الكافر المسجد، فجوزه أبو حنيفة مطلقًا، وأباه مالك مطلقًا، وقال الشافعي رضي الله عنه: يمنع من دخول الحرم والمسجد الحرام، احتج الشافعي بوجوه.
أولها: قوله تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} [التوبة: 28] قال الشافعي: قد يكون المراد من المسجد الحرام الحرم لقوله تعالى: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مّنَ المسجد الحرام} [الإسراء: 1] وإنما أسرى به من بيت خديجة.
فالآية دالة إما على المسجد فقط، أو على الحرم كله، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل، لأن الخلاف حاصل فيهما جميعًا، فإن قيل: المراد به الحج ولهذا قال: {بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} لأن الحج إنما يفعل في السنة مرة واحدة، قلنا: هذا ضعيف لوجوه:
أحدها: إنه ترك للظاهر من غير موجب.
الثاني: ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، وهذا يقتضي أن المانع من قربهم من المسجد الحرام نجاستهم، وذلك يقتضي أنهم ما داموا مشركين كانوا ممنوعين عن المسجد الحرام.
الثالث: أنه تعالى لو أراد الحج لذكر من البقاع ما يقع فيه معظم أركان الحج وهو عرفة.
الرابع: الدليل على أن المراد دخول الحرم لا الحج فقط قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} [التوبة: 28] فأراد به الدخول للتجارة.
وثانيها: قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ} وهذا يقتضي أن يمنعوا من دخول المسجد، وأنهم متى دخلوا كانوا خائفين من الإخراج إلا ما قام عليه الدليل فإن قيل: هذه الآية مخصوصة بمن خرب بيت المقدس، أو بمن منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من العبادة في الكعبة، وأيضًا فقوله: {مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ} ليس المراد منه خوف الإخراج، بل خوف الجزية والإخراج، قلنا: الجواب عن الأول: أن قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مساجد الله} ظاهر في العموم، فتخصيصه ببعض الصور خلاف الظاهر.
وعن الثاني: أن الظاهر قوله: {مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ} يقتضي أن يكون ذلك الخوف إنما حصل من الدخول، وعلى ما يقولونه لا يكون الخوف متولدًا من الدخول بل من شيء آخر، فسقط كلامهم.
وثالثها: قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شاهدين على أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ} [التوبة: 17] وعمارتها تكون بوجهين.
أحدهما: بناؤها وإصلاحها.
والثاني: حضورها ولزومها، كما تقول: فلان يعمر مسجد فلان أي يحضره ويلزمه وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان».
وذلك لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله مَنْ ءامَنَ بالله واليوم الآخر} [التوبة: 18]، فجعل حضور المساجد عمارة لها.
ورابعها: أن الحرم واجب التعظيم لقوله عليه الصلاة والسلام في الدعاء: «اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا ومهابة» فصونه عما يوجب تحقيره واجب وتمكين الكفار من الدخول فيه تعريض للبيت للتحقير لأنهم لفساد اعتقادهم فيه ربما استخفوا به وأقدموا على تلويثه وتنجيسه.
وخامسها: أن الله تعالى أمر بتطهير البيت في قوله: {وَطَهّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26] والمشرك نجس لقوله تعالى؛ {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28] والتطهير على النجس واجب فيكون تبعيد الكفار عنه واجبًا.
وسادسها: أجمعنا على أن الجنب يمنع منه، فالكافر بأن يمنع منه أولى إلا أن هذا مقتضى مذهب مالك وهو أن يمنع عن كل المساجد واحتج أبو حنيفة رحمه الله بأمور، الأول: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قدم عليه وفد يثرب فأنزلهم المسجد.
الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل الكعبة فهو آمن» وهذا يقتضي إباحة الدخول.
الثالث: الكافر جاز له دخول سائر المساجد فكذلك المسجد الحرام كالمسلم، والجواب عن الحديثين الأولين: أنهما كانا في أول الإسلام ثم نسخ ذلك بالآية، وعن القياس أن المسجد الحرام أجل قدرًا من سائر المساجد فظهر الفرق. والله أعلم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} الآية.
الاستفهام في هذه الآية إنكاري أظلم ممن منع مساجد الله.
وقد جاءت آيات أخر يفهم منها خلاف هذا كقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} الآية.
وقوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وللجمع بين هذه الآيات أوجه: منها- تخصيص كل موضع بمعنى صلته: أي مساجد الله- ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله كذبا، وإذا تخصصت بصلاتها زال الإشكال.
ومنها- أن التخصيص بالنسبة إلى السبق، أي لما لم يسبقهم أحد إلى مثله حكم عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سالكا طرقهم وهذا يؤول معناه إلى ما قبله، لأن المراد السبق إلى المانعية والافترائية مثلا.
ومنها- وادعى أبوحيان أنه الصواب، هو ماحاصله أن نفي التفضيل لا يستلزم نفي المساواة، فلم يكن أحد ممن وصف بذلك يزيد على الآخر لأنهم يتساوون في الأظلمية فيصير المعنى: لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله ومن افترى على الله كذبا ومن كذب بآيات لله، ولا إشكال في تساوي هؤلاء في الأظلمية ولا يدل على أن أحدهم أظلم من الآخر كما إذا قلت لا أحد أفقه من فلان وفلان مثلا.
ذكر هذين الوجهين صاحب الإتقان.
وما ذكره بعض المتأخرين من أن الاستفهام في قوله: ومن أظلم المقصود منه التهويل والتفظيع من غير قصد إثبات الأظلمية للمذكور حقيقة ولا نفيها عن غيره كما ذكره عنه صاحب الاتقان يظهر ضعفه لأنه خلاف ظاهر القرآن. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه}.
وقال في آية أخرى: {مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله} وقال في سورة الزمر {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله وَكَذَّبَ بالصدق إِذْ جَاءَهُ} فالجمع بين الآيتين يقتضي تساويهما في الظلم، لكن قام الدليل على أن مفتري الكذب على الله أشد ظلما ممن منع مساجد الله من ذكر الله فيها.
قيل لابن عرفة: يؤخذ من الآية أنه لا يجوز لهَؤُلاء الأيمة أن يغلقوا باب المسجد ولا أن يبنوا مسجدا لنقوض مسجد آخر؟ فقال رضي الله عنه: أما غلق باب المسجد في غير أوقات الصلاة فهو حفظ له وصيانة إلا أن يكون الإمام مفرطا في الصلاة فيتركه مغلوقا لا يصلى فيه إلى آخر الوقت، وأما بناء مسجد بمسجد فلا يجوز وإن صار قاعة جاز جلوس الجنب والحائض فيه لأنه لم يبق له حرمة المسجد.
قال في المدونة في كتاب الأقضية: والقضاء في المسجد من الأمر القديم، ولأنه يرضى فيه بالدون من المجلس، وتصل إليه المرأة والضعيف.
قال ابن عرفة: وتقدم لنا أن رحابه هنا غير رحابه في الصلاة، فرحابه في الصلاة أوسع من هذا فلا يركع الفجر إلا في الصحن البراني الذي لا يحوزه الغلق، ويحكم هنا في رحابه التي هي صحنه الدخلاني.
قوله تعالى: {أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه وسعى فِي خَرَابِهَا}.
قال ابن عطية: تضمنت الآية أن يكون قوله: {أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه} مفعولا لأجله.
قال ابن عرفة: مفهومه أن منعها لغير هذه الحيثية لا يتناوله هذا الإثم بل إثمه أقل من ذلك. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنَ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أما المساجد فهي مواضع العبادات، وفي المراد بها هنا قولان:
أحدهما: ما نسب إلى التعبد من بيوت الله تعالى استعمالًا لحقيقة الاسم.
والثاني: أنَّ كُلَّ موضع من الأرض، أقيمت فيه عبادة من بيوت الله وغيرها مسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِدًا». وفي المانع مساجد الله أن يُذْكَرَ فيها اسمه، أربعة أقاويل:
أحدها: أنه بُخْتَ نصر وأصحابه من المجوس الذين خربوا بيت المقدس، وهذا قول قتادة.
والثاني: أنهم النصارى الذين أعانوا بُخْتَ نَصّر على خرابه، وهذا قول السدي.
والثالث: أنهم مشركو قريش، منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام عام الحديبية، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
والرابع: أنه عَامٌّ في كل مشرك، منع من كل مسجد.
وفي قوله تعالى: {وَسَعَى في خَرَابِهَا} تأويلان:
أحدهما: بالمنع من ذكر الله فيها.
والثاني: بهدمها.
{أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خَائِفِينَ} فيه تأويلان:
أحدهما: خائفين بأداء الجزية، وهذا قول السدي.
والثاني: خائفين من الرعب، إن قُدر عليهم عوقبوا، وهذا قول قتادة.
{لَهُمْ في الدُّنْيَا خِزْيٌ} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه قتل الحربي وجزية الذمي.
والثاني: أنه فتح مدائنهم عمورية، وقسطنطينية، ورومية، وهذا قول ابن عباس.
{وَلَهُمْ في الأخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هو أشد من كل عذاب، لأنهم أظلم من كل ظالم. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه}.
فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه} {مَن} رفع بالابتداء، و{أَظْلَمُ} خبره؛ والمعنى لا أحدَ أظلم.
و{أنْ} في موضع نصب على البدل من {مَسَاجِدَ}، ويجوز أن يكون التقدير: كراهية أن يُذكر، ثم حذف.
ويجوز أن يكون التقدير: من أن يذكر فيها؛ وحرف الخفض يُحذف مع {أنْ} لطول الكلام.
وأراد بالمساجد هنا بيت المَقْدِس ومحاريبه.
وقيل الكعبة، وجمعت لأنها قِبْلة المساجد أو للتعظيم.
وقيل: المراد سائر المساجد؛ والواحد مَسْجِد بكسر الجيم، ومن العرب من يقول: مَسجَد، بفتحها.
قال الفراء: كل ما كان على فَعَلَ يَفْعُل؛ مثل دخل يدخل، فالمفعل منه بالفتح اسما كان أو مصدرًا، ولا يقع فيه الفرق، مثل دخل يَدْخُل مَدْخَلًا، وهذا مَدْخَلُه؛ إلا أحرفًا من الأسماء ألزموها كسر العين؛ من ذلك: المَسْجِد والمَطْلِع والمغرِب والمشرِق والمَسْقِط والمَفْرِق والمَجْزِر والمَسْكِن والمَرْفِق «من رفَقَ يَرْفُق» والمَنْبِت والمَنْسِك «من نَسَك يَنْسُك»؛ فجعلوا الكسر علامة للاسم، ورُبّما فتحه بعض العرب في الاسم.
والمَسْجَد بالفتح: جبهة الرجل حيث يصيبه نَدَبُ السجود.
والآراب: السبعة مساجد؛ قاله الجوهري.
الثانية: واختلف الناس في المراد بهذه الآية وفيمن نزلت؛ فذكر المفسرون أنها نزلت في بُخْتَ نَصّر؛ لأنه كان أخرب بيت المقدس.
وقال ابن عباس وغيره: نزلت في النصارى؛ والمعنى كيف تدّعون أيها النصارى أنكم من أهل الجنة! وقد خرّبتم بيت المقدس ومنعتم المصلين من الصلاة فيه.
ومعنى الآية على هذا: التعجّب من فعل النصارى ببيت المقدس مع تعظيمهم له، وإنما فعلوا ما فعلوا عداوة لليهود.
روى سعيد عن قتادة قال: أولئك أعداء الله النصارى، حملهم إبغاض اليهود على أن أعانوا بُخْتَ نَصّر البابليّ المجوسيّ على تخريب بيت المقدس.
وروي أن هذا التخريب بقي إلى زمن عمر رضي الله عنه.
وقيل: نزلت في المشركين إذ منعوا المصلين والنبيّ صلى الله عليه وسلم، وصدّوهم عن المسجد الحرام عامَ الحُدَيْبِيَة.
وقيل: المراد مَن منع من كل مسجد إلى يوم القيامة، وهو الصحيح؛ لأن اللفظ عام ورد بصيغة الجمع، فتخصيصها ببعض المساجد وبعض الأشخاص ضعيف؛ والله تعالى أعلم.
الثالثة: خراب المساجد قد يكون حقيقيًّا كتخريب بُخْتَ نَصّر والنصارى بيت المقدس على ما ذُكر أنهم غَزَوْا بني إسرائيل مع بعض ملوكهم قيل: اسمه نطوس ابن اسبيسانوس الرومي فيما ذكر الغزنَوِيّ فقتلوا وسبَوْا، وحرقوا التوراة، وقذفوا في بيت المقدس العِذْرة وخربوه.
ويكون مجازًا كمنع المشركين المسلمين حين صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام؛ وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإسلام فيها خراب لها.
الرابعة: قال علماؤنا: ولهذا قلنا لا يجوز منع المرأة من الحج إذا كانت ضَرُورة، سواء كان لها مَحْرَم أو لم يكن؛ ولا تمنع أيضًا من الصلاة في المساجد ما لم يخف عليها الفتنة؛ وكذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ولذلك قلنا: لا يجوز نقض المسجد ولا بيعه ولا تعطيله وإن خربت المحلة، ولا يمنع بناء المساجد إلا أن يقصدوا الشقاق والخلاف، بأن يبنوا مسجدًا إلى جنب مسجد أو قُربه؛ يريدون بذلك تفريق أهل المسجد الأوّل وخرابه واختلاف الكلمة، فإن المسجد الثاني ينقض ويمنع من بنيانه؛ ولذلك قلنا: لا يجوز أن يكون في المصر جامعان، ولا لمسجد واحد إمامان، ولا يصلي في مسجد جماعتان.
وسيأتي لهذا كله مزيد بيان في سورة براءة إن شاء الله تعالى، وفي النور حكم المساجد وبنائها بحول الله تعالى.
ودلّت الآية أيضا على تعظيم أمر الصلاة، وأنها لمّا كانت أفضل الأعمال وأعظمها أجرًا كان منعها أعظم إثمًا.
الخامسة: كل موضع يمكن أن يُعبد الله فيه ويُسجد له يسمَّى مسجدًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: «جُعلت لِيَ الأرض مسجدًا وطهورًا» أخرجه الأئمة.
وأجمعت الأمة على أن البُقعة إذا عُيِّنت للصلاة بالقول خرجت عن جملة الأملاك المختصة بربّها وصارت عامةً لجميع المسلمين؛ فلو بنى رجل في داره مسجدًا وحجزه على الناس واختص به لنفسه لبقي على ملكه ولم يخرج إلى حَدّ المسجدية، ولو أباحه للناس كلهم كان حكمه حكم سائر المساجد العامة، وخرج عن اختصاص الأملاك.
السادسة: قوله تعالى: {أولئك مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ} {أولئك} مبتدأ وما بعده خبره.
{خائفين} حال؛ يعنى إذا استولى عليها المسلمون وحصلت تحت سلطانهم فلا يتمكن الكافر حينئذ من دخولها.
فإن دخلوها، فعلى خوف من إخراج المسلمين لهم، وتأديبهم على دخولها.
وفي هذا دليل على أن الكافر ليس له دخول المسجد بحال، على ما يأتي في براءة إن شاء الله تعالى.
ومن جعل الآية في النصارى روى أنه مَرَ زمان بعد بناء عمر بيت المَقْدِس في الإسلام لا يدخله نصرانيّ إلا أُوجع ضربًا بعد أن كان متعبّدهم.
ومن جعلها في قريش قال: كذلك نودي بأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ لا يَحُجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبَيْت عُرْيان» وقيل: هو خبر ومقصوده الأمر؛ أي جاهدوهم واستأصلوهم حتى لا يدخل أحد منهم المسجد الحرام إلا خائفًا؛ كقوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} [الأحزاب: 53] فإنه نَهْي ورَدَ بلفظ الخبر.
السابعة: قوله تعالى: {لَّهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ} قيل القَتْل للحربيّ، والْجزية للذِّمي؛ عن قتادة.
السُّديّ: الخزْيُ لهم في الدنيا قيامُ المهِديّ، وفتحُ عَمُّورِيّة ورُومِيَة وقُسْطَنْطِينية، وغير ذلك من مُدُنهم؛ على ما ذكرناه في كتاب التّذكرة.
ومن جعلها في قريش جعل الْخزي عليهم في الفتح، والعذاب في الآخرة لمن مات منهم كافرًا. اهـ.