فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فانظر إلى أيّ حدٍّ كان تواضعه صلى الله عليه وسلم؟
ولما اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ..} [سبأ: 8] فردّ عليهم الحق سبحانه بقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13]
ثم يتنزّل معهم في هذا التحدي، ويترأف بهم: {وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ..} [البقرة: 23]
ثم يناقشهم في هذه المسألة بهذا الأدب الرفيع والنموذج العالي للحوار: {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ} [هود: 35]
وفي آية أخرى يقول: {قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25] فانظر إلى هذا الأدب: رسول الله حين يتحدّث عن نفسه يقول: {أَجْرَمْنَا} وحين يتحدث عن أعدائه لا ينسب إليهم الإجرام، بل يقول: {وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} هذا كله من الحق الذي جاء به القرآن ليردّ عن رسول الله اتهامات القوم، وبالله لو نزل القرآن جملةً واحدة، أكان من الممكن الردُّ على هذه الاتهامات ومجادلة القوم فيما يُثيرونه من قضايا؟
إنْ كانت هذه الأمثلة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرئة ساحته في مجال الدعوة إلى الله، فهناك أيضًا ما يتعلق بالأحكام والتشريع، فالقرآن نزل بالعقائد والأحكام والتشريعات، ونزل ليكون دائمًا ثابتًا لا يتغير إلى يوم القيامة، ولن يُنسَخ منه حرف واحد كما حدث في الكتب السابقة عليه.
فإن نظرتَ إلى العقائد وجدتَ الكلام فيها قاطعًا لا هوادةَ فيه، يأتي هكذا قَوْلًا واحدًا، فالله واحد أحد لا شريك له، له صفات الكمال المطلق، وكذلك الحديث عن الملائكة والبَعْث والحساب.
لكن تجد الأمر يختلف في الحديث عن العادات التي أَلِفها الناس في حركة الحياة، فهذه أمور تحتاج إلى تلطُّف وتدرُّج، ولا يناسبها القصْر والقَطْع. ألم تَرَ إلى المشرّع سبحانه حينما أراد أنْ يُحرِّم الخمر، كيف تدرّج في تحريمها على عدة مراحل حتى يجتثّ هذه العادة التي تحكّمتْ في نفوس الناس وتملَّكتهم، أكان يمكن معالجة هذه المسألة بهذه الطريقة إذا نزل القرآن جملة واحدة؟ انظر كيف لفتَ أنظارَ القوم بلُطْف إلى أن في الخمر شيئًا، فقال تعالى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا..} [النحل: 67]
ولما سمع بعض الصحابة هذه الآية قال: والله لكأن الله يُبيِّت للخمر شيئًا، لقد فهم بملكته العربية أن الله تعالى طالما وصف الرزق بأنه حسن، وسكت عن السَّكَر فلم يَصِفْه بالحُسْن، فإن وراء هذا الكلام أمرًا في الخمر؛ لأنه يتلف نعمة الله ويُفسِدها على أصحابها.
ثم يُحَوِّل هذه المسألة إلى عِظَة وإرشاد، فيقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا..} [البقرة: 219]
وهكذا قرَّر لهم الحقيقة بعد أن سألوا هم عنها، وترك لهم حرية الاختيار، فالأمر مازال عِظَة ونصيحة لا تشريعًا مُلْزمًا، إلا أنه مهَّد الطريق للقطع بتحريمها بعد ذلك.
ثم حدث من أحدهم أن صلّى وهو مخمور لا يدري ما يقول، فلما سمعوه يقول: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، فغمزه مَنْ بجواره وعرف أنه مخمور، ووصل خبره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ..} [النساء: 43]
وبذلك أطال مدَّة الامتناع عن شُرْب الخمر، فالصلاة خمس مرات في اليوم والليلة، فإذًا لابد من الامتناع عن الخمر قبل الصلاة بوقت كافٍ، وهكذا عوَّدهم الامتناع ودرَّبهم على الصبر عن هذه الآفة التي تمكَّنتْ منهم. ثم يتحيَّن الحق سبحانه فرصة منهم، حيث اجتمع القوم في مجلس من مجالس الشراب، ولما لعبتْ الخمر بالعقول تشاجروا حتى سالتْ دماؤهم، وعندما ذهبوا بأنفسهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه: يا رسول الله بيِّن لنا في الخمر رأيًا شافيًا، وهنا ينزل الوحي على رسول الله بالحكم القاطع: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]
فكيف كانت معالجة هذه الآفة التي تمكّنتْ من الناس لو نزل القرآن جملة واحدة؟
إن الحق تبارك وتعالى بنزول القرآن مُفَرّقًا مُنجّمًا حَسْب الأحداث، كأنه يُجري مشاركة بين آيات التنزيل والمنفعلين بها الذين يُصِرّون على تنفيذ مطلوباتها، حتى إنهم ليبادرون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسؤال، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد نهاهم أن يبدأوه بالسؤال، كما قال تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ..} [المائدة: 101]
ولكنهم مع هذا تغمزهم المسألة فيبادرون بها رسول الله، كما حكى القرآن: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ..} [البقرة: 219]
{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ..} [البقرة: 219]
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ..} [البقرة: 189]
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ..} [طه: 105]
إذن: وراء نزول القرآن مُفرّقًا مُنجّمًا حِكَم بالغة يجب تدبُّرها، هذه الحِكَم ما كانت لتحدث لو نزل القرآن جملةً واحدةً.
ثم يقول الحق سبحانه: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ...}.
قوله تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ..} [الإسراء: 107] آمنوا: أمر، ولا تؤمنوا: نَهْي. والأمر والنهي نوعان من الطلب، والطلب أن تطلب من الأدنى أن يفعل، والنهي أنْ تطلبَ من الأدنى ألاَّ يفعل، فإنْ كان الطلب من مُساو لك فهو التماس، وإنْ كان من أعلى منك فهو دعاء.
لذلك حينما نقول للطالب أعرب: {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ} يقول: اغفر فعل أمر، نقول له: أنت سطحيّ العبارة؛ لأن الأمر هنا من الأدنى للأعلى، من العبد لربه تبارك وتعالى، فلا يقال: أمر، إنما يقال: دعاء.
والطاعة أن تمتثل الأمر والنهي، فهل نقول في قوله تعالى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ..} [الإسراء: 107] أنها للتخيير، فإنْ آمنوا فقد أطاعوا، وكذلك إنْ لم يؤمنوا فقد أطاعوا أيضًا؟
نقول: الأمر والنهي هنا لا يُراد منه الطلب، بل يراد به التهديد أو التسوية كما تقول لابنك حين تلاحظ عليه الإهمال: ذاكر أو لا تذاكر، أنت حر؛ لاشك أنك لا تقصد النهي عن المذاكرة، بل تقصد تهديده وحثّه على المذاكرة.
فقوله: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ..} [الإسراء: 107] للتسوية، كما قال: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ..} [الكهف: 29]
فهذا ليس أمرًا بحيث أن الذي يفعل الأمر أو النهي يكون طائعًا، بل المراد هنا التهديد أو التسوية، فسواء آمنوا أو كفروا؛ لأن الحق سبحانه جعل في ذلك عزاءً لرسوله صلى الله عليه وسلم في إيمان أهل الكتاب.
{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ..} [الإسراء: 107] أي: اليهود والنصارى الذين ارتاضوا بالكتب السماوية، واستمعوا للتوارة والإنجيل، ونقلوها إلى غيرهم من المعاصرين للقرآن فهؤلاء شاهدون بأن الرسول حَقٌّ بما عندهم من بشارة به في التوراة والإنجيل؛ لذلك يتركون دينهم ويسارعون إلى الإسلام؛ لأنهم يعلمون عِلْم اليقين أنه الدين الحق.
ومن هؤلاء عبد الله بن سلام، وكان من علماء اليهود، وكان يعلم أوصاف رسول الله وزمن بَعْثته؛ لذلك قال: لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لابني، ومعرفتي لمحمد أشدّ.
ولما اختمر الإسلام في نفسه ذهب إلى رسول الله وصارحه بما نوى من اعتناق الإسلام، وقال: «يا رسول الله إن اليهود قوم بُهْتٌ فإن أعلنتُ إسلامي الآن قالوا فيَّ ما ليس فيَّ، فاسألهم عني وأنا ما زلت على دينهم، وانظر ما يقولون، فسألهم رسول الله: ما تقولون في ابن سلام؟ فقالوا: حَبْرنا وابن حَبْرنا، ووصفوه بخير الصفات، وأطيب الخصال، فقال عبد الله: يا رسول الله، أما وقد قالوا فيَّ ما قالوا فأشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله، فإذا بهم يذمونه ويتهمونه بأخسِّ الخصال، فقال: يا رسول الله ألم أَقُلْ لك إنهم قوم بُهْتٌ».
إذن: ففي إيمان عبد الله بن سلام وغيره من اليهود والنصارى الذين عرفوا رسول الله بأوصافه في كتبهم وعرفوا موعد بعثته وأنه حق، في إيمان هؤلاء عَزَاءٌ لرسول الله حين كفر به قومه وكذّبوه لذلك قال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43]
ونحن مُكْتفون بشهادة هؤلاء؛ لأنهم قوم صادقون مع أنفسهم، صادقون مع أنبيائهم ومع كتبهم التي تلقوْهَا، فحينما بشَّرت بمحمد ووصفته لم ينكروا هذه الصفات ولم يُحرِّفوها، بل كانوا يسارعون إلى المدينة انتظارًا لمبعث النبي الجديد الذي سيظهر فيها، لقد كانوا يقولون لكفار مكة: لقد أظلَّ زمان نبي جديد نتبعه قبلكم، ونقتلكم به قَتْل عاد وإرم.
{فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] إلا أن الله أبقى للحق خلية، وجعل له خميرة استجابت لرسول الله، وتفاعلت مع الدين الجديد.
وقوله تعالى: {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ..} [الإسراء: 107] أي: القرآن {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] كلمة {يَخِرُّونَ} توحي بأنهم يسارعون إلى السجود، وكأنها عملية انفعالية غير إرادية ليس لهم فيها تصرُّف، فبمجرد سماع القرآن يرتمون على الأرض ساجدين؛ لأنهم تفاعلوا معه، واختمر الإيمان في نفوسهم. ليس ذلك وفقط، بل {ويخرون لِلأَذْقَانِ} جمع ذَقَن، وهي أسفل الفَكِّ السفلي، ومعلوم أن السجود يكون على الجبهة، أما هؤلاء فيسجدون بالوجه كله، وهذا دليل على الخضوع والاستسلام لله تعالى، ثم يقول الحق سبحانه: {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ...}.
أي: يقولون حال سجودهم: سبحان ربنا الذي وَفّى بوعده في التوراة والإنجيل، وبعث الرسول الخاتم ومعه القرآن، سبحانه حقق لنا وَعْده وأدركناه وآمنا به، وكأن هذه نعمة يحمدون الله عليها.
ويقول الحق سبحانه عنهم: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ...}.
لقد خَرُّوا ساجدين لله تعالى قبل ذلك لأنهم أدركوا القرآن الذي نزل على محمد، وتحقَّق لهم وعد الله فعاصروه وآمنوا به. أما هذه المرة فيخرون ساجدين لما سمعوا القرآن تفصيلًا وانفعلوا به، فيكون له انفعال آخر، لذلك يزيد هنا الخشوع والخضوع، فيقول: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ...} [الإسراء: 109] فكلما قرأوا آية ازدادوا بها خشوعًا وخضوعًا. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى تِسْعَ ءايات} أي: علامات دالة على نبوّته، قيل: ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن المعجزات المذكورة كأنها مساوية لتلك الأمور التي اقترحها كفار قريش، بل أقوى منها، فليس عدم الاستجابة لما طلبوه من الآيات إلاّ لعدم المصلحة في استئصالهم إن لم يؤمنوا بها.
قال أكثر المفسرين: الآيات التسع: هي الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، والسنين، ونقص الثمرات.
وجعل الحسن مكان السنين ونقص الثمرات البحر والجبل.
وقال محمد بن كعب القرظي: هي الخمس التي في الأعراف، والبحر، والعصا، والحجر، والطمس على أموالهم.
وقد تقدم الكلام على هذه الآيات مستوفى، وسيأتي حديث صفوان بن عسال في تعداد هذه الآيات التسع.
{فاسأل بَنِى إسراءيل} قرأ ابن عباس وابن نهيك {فسأل} على الخبر، أي: سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه، وقرأ الآخرون {فاسأل} على الأمر أي: سلهم يا محمد حين {جَاءهُمُ} موسى، والسؤال سؤال استشهاد لمزيد الطمأنينية والإيقان، لأن الأدلة إذا تظافرت كان ذلك أقوى، والمسئولون: مؤمنو بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وأصحابه {فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّى لأظُنُّكَ ياموسى مَّسْحُورًا} الفاء هي الفصيحة، أي: فأظهر موسى عند فرعون ما آتيناه من الآيات البينات وبلغه ما أرسل به فقال له فرعون.
المسحور: الذي سحر فخولط عقله.
وقال أبو عبيدة والفراء: هو بمعنى الساحر، فوضع المفعول موضع الفاعل، ف {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء} يعني: الآيات التي أظهرها، وأنزل بمعنى: أوجد {إِلاَّ رَبُّ السموات والارض بَصَائِرَ} أي: دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته، وانتصاب. على الحال.
قرأ الكسائي بضمّ التاء من {علمت} على أنها لموسى، وروي ذلك عن عليّ، وقرأ الباقون بفتحها على الخطاب لفرعون.
ووجه القراءة الأولى أن فرعون لم يعلم ذلك، وإنما علمه موسى.
ووجه قراءة الجمهور أن فرعون كان عالمًا بذلك كما قال تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
قال أبو عبيد: المأخوذ به عندنا فتح التاء، وهو الأصح للمعنى، لأن موسى لا يقول: علمت أنا وهو الداعي، وروي نحو هذا عن الزجاج.
{وَإِنّى لاظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا} الظنّ هنا بمعنى اليقين، والثبور: الهلاك والخسران.
قال الكميت:
ورأت قضاعة في الأيا ** من رأى مثبور وثابر

أي: مخسور وخاسر، وقيل: المثبور: الملعون، ومنه قول الشاعر:
يا قومنا لا تروموا حربنا سفها ** إن السفاه وإن البغي مثبور

أي: ملعون، وقيل: المثبور: ناقص العقل، وقيل: هو الممنوع من الخير، يقال: ما ثبرك عن كذا: ما منعك منه، حكاه أهل اللغة، وقيل: المسحور.