فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله سبحانه وتعالى: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} يعني أنا ما أردنا بإنزال القرآن إلا تقريره للحق فلما أردنا هذا المعنى فكذلك وقع وحصل.
وقيل: معناه وما أنزلنا القرآن إلا بالحق المقتضي لإنزاله وما نزل إلا ملتبسًا بالحق لاشتماله على الهداية إلى كل خير {وما أرسلناك إلا مبشرًا} يعني بالجنة للمطيعين {ونذيرًا} أي مخوفًا بالنار للعاصين.
قوله: {وقرآنًا فرقناه} أي فصلناه وبيناه وقيل فرقنا به بين الحق الباطل، وقيل: معناه أنزلنا نجومًا لم ينزل مرة واحدة بدليل قوله تعالى: {لتقرأه على الناس على مكث} أي على تؤده وترسل في ثلاث وعشرين سنة {ونزلناه تنزيلًا} أي على حسب الحوادث {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا} فيه وعيد وتهديد {إن الذين أوتوا العلم من قبله} قيل: هم مؤمنوا أهل الكتاب الذين كانوا يطلبون الدين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلموا بعد مبعثه مثل زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وأبي ذر وغيرهم {إذا يتلى عليهم} يعني القرآن {يخرون للأذقان} قال ابن عباس: أراد بها الوجوه {سجدًا} أي يقعون على الوجوه سجدًا {ويقولون سبحان ربنا} أي تعظيمًا لربنا لإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة، من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم {إن كان وعد ربنا لمفعولًا} أي كائنًا واقعًا {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا} أي خضوعًا لربهم وقيل يزيدهم القرآن لين قلب، ورطوبة عين فالبكاء مستحب عند قراءة القرآن.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا اجتمع على عبدي غبار في سبيل الله ودخان جنهم» أخرجه الترمذي والنسائي.
وزاد النسائي «في منخري مسلم أبدًا» الولوج الدخول والمنخر الأنف عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله يقول: «عينان لا تسمهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله» أخرجه الترمذي.
قوله: {قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن} قال ابن عباس: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فجعل يقول في سجوده: يا الله يا رحمن فقال أبو جهل: إن محمدًا ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين فأنزل الله هذه الآية ومعناه أنهما اسمان لله تعالى فسموه بهذا الاسم أو بهذا الاسم {أيًّا ما تدعوا} ما صلة ومعناه أي هذين الاسمين سميتم وذكرتم، أو من جميع أسمائه {فله الأسماء الحسنى} يعني إذا حسنت أسماؤه كلها فهذان الاسمان منها ومعنى كونها حسنى أنها مشتملة على معاني التقديس، والتعظيم والتمجيد {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}.
(ق) عن ابن عباس في قوله: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه سلم: ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم وابتغ بين ذلك سبيلًا زاد في رواية وابتغ بين ذلك سبيلًا أسمعهم، ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن وقيل نزلت الآية في الدعاء وهو قول عائشة والنخعي ومجاهد ومكحول.
عن عائشة: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قالت: نزل ذلك في الدعاء.
وقيل: كان أعراب من بني تميم إذا سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: اللهم ارزقنا مالًا وولدًا يجهرون بذلك فأنزل الله {ولا تجهر بصلاتك} أي لا ترفع صوتك بقراءتك ودعائك {ولا تخافت بها} المخافتة خفض الصوت، والسكوت {وابتغ} أي اطلب {بين ذلك سبيلًا} أي طريقًا وسطًا بين الجهر والاخفاء.
عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: «مررت بك وأنت تقرأ القرآن وأنت تخفض من صوتك فقال إني أسمعت من ناجيت فقال ارفع قليلًا وقال لعمر مررت بك، وأنت تقرأ وأنت ترفع من صوتك فقال إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال: أخفض قليلًا» أخرجه الترمذي {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يحمده على وحدانيته.
وقيل: معناه الحمد لله الذي عرفني أنه لم يتخذ ولدًا وقيل إن كل من له ولد فهو يمسك جميع النعم لولده وإذا لم يكن له ولد أفاض نعمه على عبيده.
وقيل: إن الولد يقوم مقام والده بعد انقضائه والله يتعالى عن جميع النقائص فهو المستحق لجميع المحامد {ولم يكن له شريك في الملك} والسبب في اعتبار هذه الصفة أنه لو كان له شريك، لم يكن مستحقًا للحمد والشكر وكذا قوله: {ولم يكن له ولي من الذل} ومعناه أنه لم يذل فيحتاج إلى ناصر يتعزز به {وكبره تكبيرًا} أي وعظمه عن أن يكون له ولد أو شريك أو ولي.
وقيل: إذا كان منزهًا عن الولد والشريك والولي كان مستوجبًا لجميع أنواع المحامد.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يدعى إلى الجنة يوم القيامة، الذين يحمدون الله في السراء والضراء» عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده» عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الدعاء الحمد لله وأفضل الذكر لا إله إلا الله» أخرجه الترمذي.
وقال حديث حسن غريب عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بأيهن بدأت» أخرجه مسلم.
والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال النسفي:

{قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} معينًا و{لا يأتون}
جواب قسم محذوف، ولولا اللام الموطئة لجاز أن يكون جوابًا للشرط كقوله:
يقول لا غائب مالي ولا حرم

لأن الشرط وقع ماضيًا أي لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه لعجزوا عن الإتيان بمثله {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} رددنا وكررنا {لِلنَّاسِ فِي هذا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ} من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه {فأبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا} جحودًا.
وإنما جاز {فأبى أكثر الناس إلا كفورًا} ولم يجز ضربت إلا زيدًا لأن أبى متأول بالنفي كأنه قيل: فلم يرضوا إلا كفورًا.
ولما تبين إعجاز القرآن وانضمت إليه المعجزات الآخر ولزمتهم بالحجة وغلبوا اقترحوا الآيات فعل المبهوت المحجوج المتحير.
{وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تفْجُرَ لَنَا} وبالتخفيف: كوفي {مِنَ الأرْضِ} أي مكة {يَنبُوعًا} عينًا غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع، يفعول من نبع الماء {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ} والتشديد هنا مجمع عليه {الأنْهَارَ خَلالَهَا} وسطها {تَفْجيرًا}.
{أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} بفتح السين: مدني وعاصم.
أي قطعًا يقال: أعطني كسفة من هذا الثوب.
وبسكون السين: غيرهما جمع كسفة كسدرة وسدر يعنون قوله: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفًا من السماء} [سبأ: 9] {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا} كفيلًا بما تقول شاهدًا بصحته، والمعنى أو تأتي بالله قبيلًا وبالملائكة قبلًا كقوله: كنت منه ووالدي بريًا أو مقابلًا كالعشير بمعنى المعاشر ونحوه: {لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا} [الفرقان: 21] أو جماعة حالًا من الملائكة {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ} ذهب {أَوْ ترقى في السَّمَآءِ} تصعد إليها {وَلَنْ نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} لأجل رقيك {حتى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا} وبالتخفيف: أبو عمرو: {كِتابًا} أي من السماء فيه تصديقك {تقرؤُه} صفة كتاب {قُلْ} {قال} مكي وشامي أي قال الرسول {سُبْحَانَ رَبِّي} تعجب من اقتراحاتهم عليه {هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا} أي أنا رسول كسائر الرسل بشر مثلهم، وكان الرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات فليس أمر الآيات إلى إنما هو إلى الله، فما بالكم تتخيرونها علي {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ} يعني أهل مكة، ومحل {أَن يُؤْمِنُوا} نصب بأنه مفعول ثان ل {منع} {إِذْ جَآءَهُمُ الهدى} النبي والقرآن {إِلاَّ أَن قَالُوا} فاعل {منع} والتقدير: وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا قولهم {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا} أي إلا شبهة تمكنت في صدورهم وهي إنكارهم أن يرسل الله البشر، والهمزة في {أبعث الله} للإنكار وما أنكروه ففي قضية حكمته منكر.
ثم رد الله عليهم بقوله:
{قُل لَّوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ} على أقدامهم كما يمشي الإنس، ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه {مُطْمَئِنِّينَ} حال أي ساكنين في الأرض قارين {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكًا رَّسُولًا} يعلمهم الخير ويهديهم المراشد، فأما الإنس فإنما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وإرشادهم و{بشرًا} و{ملكًا} حالان من {رسولًا} {قُلْ كفى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم كذبتك وعاندتم.
{شهيدًا} تمييز أو حال {إِنَّهُ كَان بِعِبَادِهِ} المنذرين والمنذرين {خَبِيرًا} عالمًا بأحوالهم {بَصِيرًا} بأفعالهم فهو مجازيهم وهذه تسلية لرسول الله عليه السلام ووعيد للكفرة {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} وبالياء: يعقوب وسهل، وافقهما أبو عمرو، ومدني في الوصل أي من وفقه الله لقبول ما كان من الهدى فهو المهتدي عند الله {وَمَنْ يُضْلِلْ} أي ومن يخذله ولم يعصمه حتى قبل وساوس الشيطان {فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ} أي أنصارًا {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ على وُجُوهِهِمْ} أي يسحبون عليها كقوله: {يوم يسحبون في النار على وجوههم} [القمر: 48] وقيل لرسول الله عليه الصلاة والسلام كيف يمشون على وجوههم؟ قال: «إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًَّا} كما كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ويتصامون عن استماعه، فهم في الآخرة كذلك لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} طفئ لهبها {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} توقدا.
{ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوآ أَئذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} أي ذلك العذاب بسبب أنهم كذبوا بالإعادة بعد الإفناء فجعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها ثم يعيدها، لا يزالون على ذلك ليزيد في تحسرهم على تكذيبهم البعث.
{أَوَ لَمْ يَرَوْا} أو لم يعلموا {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} من الإنس {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجلًا لاَّ رَيْبَ فِيه} وهو الموت أو القيامة {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كَفُورًا} جحودًا مع وضوح الدليل {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} تقديره: لو تملكون أنتم لأن {لو} تدخل على الأفعال دون الأسماء فلابد من فعل بعدها فأضمر تملك على شريطة التفسير وأبدل من الضمير المتصل وهو الواو ضمير منفصل وهو أنتم لسقوط ما يتصل به من اللفظ ف {أنتم} فاعل الفعل المضمر و{تملكون} تفسيره، وهذا هو الوجه الذي يقتضيه علم الإعراب.
وأما ما يقتضيه علم البيان فهو أن {أنتم تملكون} فيه دلالة على الاختصاص وأن الناس هم المختصون بالشح المتبالغ {خَزَآئِنَ رَحْمَةِ ربي} رزقه وسائر نعمه على خلقه {إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفَاقِ} أي لبخلتم خشية أن يفنيه الإنفاق {وَكَانَ الإنْسانُ قَتُورًا} بخيلًا.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} عن ابن عباس رضي الله عنهما: هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي نتقه على بني إسرائيل.
وعن الحسن: الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الحجر والبحر والطور {فَاسْألْ بني إِسْرَاءِيلَ} فقلنا له اسأل بني إسرائيل أي سلهم من فرعون وقل له أرسل معي بني إسرائيل.
وقوله: {إِذْ جاءهم} متعلق بقوله المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم {فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأظُنُّكَ ياموسى مَسْحُورًا} سحرت فخولط عقلك{قَالَ} أي موسى {لَقَدْ عَلِمْتَ} يا فرعون {مَآ أَنزَلَ هَؤُلاءِ} الآيات {إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} خالقهما {بَصَآئِرَ} حال أي بينات مكشوفات إلا أنك معاند ونحوه {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا} [النمل: 14] {علمت} بالضم: عليّ أي إني لست بمسحور كما وصفتني بل أنا عالم بصحة الأمر، وأن هذه الآيات منزلها رب السماوات والأرض.
ثم قارع ظنه بظنه بقوله: {وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَافرِعَوْنُ مَثْبُورًا} كأنه قال: إن ظننتني مسحورًا فأنَا أظنك مثبورًا هالكًا وظني أصح من ظنك لأن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها، وأما ظنك فكذب بحت، لأن قولك مع علمك بصحة أمري {إني لأظنك مسحورًا} قول كذب.
وقال الفراء: مثبورًا مصروفًا عن الخير من قولهم ما ثبرك عن هذا أي ما منعك وصرفك؟ {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم} يخرجهم أي موسى وقومه {مِّنَ الأرْضِ} أي أرض مصر أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا} فحاق به مكره بأن استفزه الله بإغراقه مع قبطه {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ} من بعد فرعون {لبني إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ} التي أراد فرعون أن يستفزكم منها.
{فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرَةِ} أي القيامة {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} جمعًا مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم ونميز بين سعدائكم وأشقيائكم، واللفيف الجماعات من قبائل شتى.
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} وما أنزلنا القرآن إلا بالحكمة وما نزل إلا ملتبسًا بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير، أو ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظًا بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلا محفوظًا بهم من تخليط الشياطين.