فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الراوي: اشتكى محمد بن السماك فأخذنا ماءه وذهبنا به إلى طبيب نصراني، فاستقبلنا رجل حسن الوجه طيب الرائحة نقي الثوب فقال لنا: إلى أين؟ فقلنا له: إلى فلان الطبيب نريه ماء ابن السماك.
فقال: سبحان الله تستعينون على ولي الله بعدو الله! اضربوه على الأرض وارجعوا إلى ابن السماك وقولوا له: ضع يدك على موضع الوجع وقل: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} ثم غاب عنا فلم نره فرجعنا إلى ابن السماك فأخبرناه بذلك فوضع يده على موضع الوجع وقال ما قال الرجل وعوفي في الوقت وقال: كان ذلك الخضر عليه السلام {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا} بالجنة {وَنَذِيرًا} من النار.
{وَقُرْآنًا} منصوب بفعل يفسره {فَرَقْنَاهُ} أي فصلناه أو فرقنا فيه الحق من الباطل {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ على مُكْثٍ} على تؤدة وتثبت {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} على حسب الحوادث {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا} أي اختاروا لأنفسكم النعيم المقيم أو العذاب الأليم.
ثم علل بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} أي التوراة من قبل القرآن {إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ} القرآن {يُخِرُّونَ للأذْقَانِ سُجَّدًا} حال {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} لقوله: {آمنوا به أو لا تؤمنوا} أي أعرض عنهم فإنهم إن لم يؤمنوا به ولم يصدقوا بالقرآن فإن خيرًا منهم وهم العلماء الذين قرءوا الكتب قد آمنوا به وصدقوه، فإذا تلي عليهم خروا سجدًا وسبحوا الله تعظيمًا لأمره ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة وبشر به من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه وهو المراد بالوعد المذكور.
{إن} بمعنى إنه وهي تؤكد الفعل كما أن إن تؤكد الاسم، وكما أكدت إن باللام في {إنهم لمحضرون} [الصافات: 158] أكدت إن باللام في {لمفعولا} {وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ} ومعنى الخرور للذقن السقوط على الوجه، وإنما خص الذقن لأن أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض عند السجود الذقن.
يقال: خر على وجهه وعلى ذقنه، وخر لوجهه ولذقنه.
أما معنى على فظاهر، وأما معنى اللام فكأنه جعل ذقنه ووجهه للخرور، واختصه به إذ اللام للاختصاص.
وكرر {يخرون للأذقان} لاختلاف الحالين وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين وخرورهم في حال كونهم باكين {وَيَزِيدُهُمْ} القرآن {خُشُوعًا} لين قلب ورطوبة عين.
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرحمن} لما سمعه أبو جهل يقول يا الله يا رحمن قال: إنه نهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر فنزلت.
وقيل: إن أهل الكتاب قالوا: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فنزلت.
والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء، وأو للتخيير أي سموا بهذا الاسم، أو بهذا أو اذكروا إما هذا وإما هذا، والتنوين في {أَيَّا مَّا تَدْعُوا} عوض من المضاف إليه و{ما} زيدت للتوكيد و{أيًا} نصب بـ {تدعوا} وهو مجزوم بأي أي أي هذين الاسمين ذكرتم وسميتم {فَلَهُ الأسْمَآءُ الحسنى} والضمير في {فله} يرجع إلى ذات الله تعالى، والفاء لأنه جواب الشرط أي أيَّامًا تدعوا فهو حسن فوضع موضعه قوله: {فله الأسماء الحسنى} لأنه إذا حسنت أسماؤه حسن هذان الاسمان لأنهما منها، ومعنى كونها أحسن الأسماء إنها مستقلة بمعاني التمجيد والتقديس والتعظيم {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} بقراءة صلاتك على حذف المضاف لأنه لا يلبس، إذ الجهر والمخافتة تعتقبان على الصوت لا غير، والصلاة أفعال وأذكار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بقراءته فإذا سمعها المشركون لغوا وسبوا فأمر بأن يخفض من صوته، والمعنى ولا تجهر حتى تسمع المشركين {وَلا تُخَافِتْ بِهَا} حتى لا تسمع من خلفك {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ} بين الجهر والمخافتة {سَبِيلًا} وسطًا، أو معناه ولا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلًا بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار أو بصلاتك بدعائك {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} كما زعمت اليهود والنصارى وبنو مليح {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} كما زعم المشركون {وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ} أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر أو لم يوال أحدًا من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} وعظمه وصفه بأنه أكبر من أن يكون له ولد أو شريك وسمى النبي عليه السلام الآية آية العز وكان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية. اهـ.

.قال البيضاوي:

{قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان}
في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى. {لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} وفيهم العرب العرباء وأَرباب البيان وأهل التحقيق، وهو جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة، ولولا هي لكان جواب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضيًا كقول زهير:
وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَة ** يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالي وَلاَ حَرَمُ

{وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} ولو تظاهروا على الإِتيان به، ولعله لم يذكر الملائكة لأن إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزًا، ولأنهم كانوا وسائط في إتيانه، ويجوز أن تكون الآية تقريرًا لقوله: {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا}.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان. {لِلنَّاسِ في هذا القرءان مِن كُلّ مَثَلٍ} من كل معنى كالمثل في غرابته ووقوعه موقعها في الأنفس. {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} إلا جحودًا، وإنما جاز ذلك ولم يجز: ضربت إلا زيدًا لأنه متأول بالنفي.
{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} تعنتًا واقتراحًا بعد ما لزمتهم الحجة بيان إعجاز القرآن وانضمام غيره من المعجزات إليه. وقرأ الكوفيون ويعقوب: {تَفْجُرَ} بالتخفيف والأرض أرض مكة والينبوع عين لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر.
{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الأنهار خلالها تَفْجِيرًا} أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك.
{أَوْ نُسْقِطْ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} يعنون قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مّنَ السماء} وهو كقطع لفظًا ومعنى، وقد سكنه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرآن إلا في الروم وابن عامر إلا في هذه السورة، وأبو بكر ونافع في غيرهما وحفص فيما عدا الطور، وهو إما مخفف من المفتوح كسدرة وسدر أو فعل بمعنى مفعول كالطحن. {أَوْ تَأْتِىَ بالله والملائكة قَبِيلًا} كفيلًا بما تدعيه أي شاهدًا على صحته ضامنًا لدركه، أو مقابلًا كالعشير بمعنى المعاشر وهو حال من الله وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف الخبر في قوله:
فإني وقيار بها لغريب

أو جماعة فيكون حالا من {الملائكة} {أو يكون لك بيت من زخرف} من ذهب وقد قرئ به وأصله الزينة {أو ترقى في السماء} في معارجها {ولن نؤمن لرقيك} وحده {حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} وكان فيه تصديقك {قل سبحان ربي} تعجبا من اقتراحاتهم أو تنزيها لله من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة وقرأ ابن كثير وابن عامر: قال سبحان ربي أي قال الرسول: {هل كنت إلا بشرا} كسائر الناس {رسولا} كسائر الرسل وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم على ما يلائم حال قومهم ولم يكن أمر الآيات إليهم ولا لهم أن يتحكموا على الله حتى يتخيروها علي هذا هو الجواب المجمل وأما التفصيل فقد ذكر في آيات أخر كقوله: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس} {ولو فتحنا عليهم بابا}
{وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الهدى} أي وما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي وظهور الحق. {إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ الله بَشَرًا رَّسُولًا} إلا قولهم هذا، والمعنى أنه لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن إلا أنكارهم أن يرسل الله بشرًا.
{قُلْ} جوابًا لشبهتهم. {لَوْ كَانَ في الأرض ملائكة يَمْشُونَ} كما يمشي بنو آدم. {مُطْمَئِنّينَ} ساكنين فيها. {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولًا} لتمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه، وأما الإِنس فعامتهم عماة عن إدراك الملك والتلقف منه، فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس، وملكًا يحتمل أن يكون حالًا من رسولًا وأن يكون موصوفًا به وكذلك بشرًا والأول أوفق.
{قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} على أني رسول الله إليكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي، أو على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم عاندتم وشهيدًا نصب على الحال أو التمييز. {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة فيجازيهم عليها، وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد للكفار.
{وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ} يهدونه. {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ} يسحبون عليها أو يمشون بها. روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يمشون على وجوههم قال: «إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم، لأنهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن استماع الحق وأبوا أن ينطقوا بالصدق، ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار مؤفي القوى والحواس. {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} سكن لهبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم. {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} توقدًا بأن نبدل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعرة، كأنهم لما كذبوا بالإِعادة بعد الإِفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإِعادة والإِفناء وإليه أشار بقوله:
{ذَلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بآياتنا وَقَالُواْ أَءذَا كُنَّا عظاما ورفاتا أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} لأن الإِشارة إلى ما تقدم من عذابهم.
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} أو لم يعلموا. {أَنَّ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} فإنهم ليسوا أشد خلقًا منهن ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء. {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لاَّ رَيْبَ فِيهِ} هو الموت أو القيامة. {فأبى الظالمون} مع وضوح الحق. {إِلاَّ كُفُورًا} إلا جحودًا.
{قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى} خزائن رزقه وسائر نعمه، وأنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول خاتم: لو ذات سوار لطمتني. وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الإِيجاز والدلالة على الاختصاص. {إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق} لبخلتم مخافة النفاد بالإنفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود الله تعالى وكرمه هذا وإن البخلاء أغلب فيهم. {وَكَانَ الإنسان قَتُورًا} بخيلًا لأن بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذله.
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى تِسْعَ ءايات بَيّنَاتٍ} هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل. وقيل الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة.
وعن صفوان أن يهوديًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت، فقبل اليهودي يده ورجله.
فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع، سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة. وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا، حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام. {فاسأل بَنِى إسراءيل إِذْ جَاءهُمْ} فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك، أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فسأَل} على لفظ المضي بغير همز وهو لغة قريش و{إِذْ} متعلق بقلنا أو سأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم، أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو لتتسلى نفسك، أو لتعلم أنه تعالى لو أتى بما اقترحوا لأصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم، أو ليزداد يقينك لأن تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان {إِذْ} نصبًا بآيتنا أو بإضمار يخبروك على أنه جواب الأمر، أو بإضمار اذكر على الاستئناف. {فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّى لأَظُنُّكَ ياموسى مَّسْحُورًا} سحرت فتخبط عقلك.
{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ} يا فرعون وقرأ الكسائي بالضم على إخباره عن نفسه. {مَا أَنزَلَ هَؤُلاء} يعني الآيات. {إِلاَّ رَبُّ السموات والأرض بَصَائِرَ} بينات تبصرك صدقي ولكنك تعاند وانتصابه على الحال. {وَإِنّى لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا} مصروفًا عن الخير مطبوعًا على الشر من قولهم: ما ثبرك عن هذا، أي ما صرفك أو هالكًا قارع ظنه بظنه وشتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون كذب بحت وظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر أماراته. وقرئ {وإن أخالك يا فرعون لمثبورًا} على إن المخففة واللام هي الفارقة.
{فَأَرَادَ} فرعون. {أَن يَسْتَفِزَّهُم} أن يستخف موسى وقومه وينفيهم. {مّنَ الأرض} أرض مصر أو الأرض مطلقًا بالقتل والاستئصال. {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا} فعكسنا عليه مكره فاستفززناه وقومه بالإِغراق.
{وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ} من بعد فرعون أو إغراقه. {لِبَنِى إسراءيل اسكنوا الأرض} التي أراد أن يستفزكم منها. {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخرة} الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة يعني قيام القيامة. {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم ونميز سعداءكم من أشقيائكم، واللفيف الجماعات من قبائل شتى.
{وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ} أي وما أنزلنا القرآن إلا ملتبسًا بالحق المقتضي لإنزاله، وما نزل على الرسول إلا ملتبسًا بالحق الذي اشتمل عليه. وقيل وما أنزلناه من السماء إلا محفوظًا بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلا محفوظًا بهم من تخليط الشياطين. ولعله أراد به نفي اعتراء البطلان له أول الأمر وآخره {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا} للمطيع بالثواب. {وَنَذِيرًا} للعاصي بالعقاب فلا عليك إلا التبشير والإنذار.