فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان، عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا قرأ خفض. وكان عمر رضي الله عنه إذا قرأ جهر. فقيل لأبي بكر رضي الله عنه: لم تصنع هذا؟ قال: أناجي ربي وقد علم حاجتي. وقيل لعمر رضي الله عنه: لم تصنع هذا؟ قال: اطرد الشيطان وأوقظ الوسنان. فلما نزلت {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قيل لأبي بكر رضي الله عنه: ارفع شيئًا. وقيل لعمر رضي الله عنه: اخفض شيئًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا صلى من الليل خفض صوته جدًا، وكان عمر رضي الله عنه إذا صلى رفع صوته جدًا. فقال عمر رضي الله عنه: يا أبا بكر، لو رفعت من صوتك شيئًا. وقال أبو بكر رضي الله عنه: يا عمر، لو خفضت من صوتك شيئًا. فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بأمرهما فأنزل الله {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها...} الآية. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فقال: «يا أبا بكر، ارفع من صوتك شيئًا. وقال لعمر رضي الله عنه: اخفض من صوتك شيئًا».
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف، والبخاري ومسلم وأبو داود في الناسخ، والبزار والنحاس وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما نزلت هذه الآية {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} في الدعاء.
وأخرج ابن جرير والحاكم، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت هذه الآية في التشهد {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها في قوله: {ولا تجهر بصلاتك} قال: نزلت في المسألة والدعاء.
وأخرج محمد بن نصر وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء وآذاه المشركون، فنزل {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}.
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في تاريخه وابن المنذر وابن مردويه، عن دراج أبي السمح: أن شيخًا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} «إنما نزلت في الدعاء، لا ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتسمع منك فتعير بها».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولا تجهر بصلاتك} قال: نزلت في الدعاء، كانوا يجهرون بالدعاء: اللهم ارحمني. فلما نزلت، أمروا أن يخافتوا ولا يجهروا.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال: كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: اللهم ارزقنا إبلًا وولدًا. فنزلت هذه الآية {ولا تجهر بصلاتك}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولا تجهر بصلاتك} قال: ذلك في الدعاء والمسألة.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولا تجهر بصلاتك} ولا تصلِّ مراياة الناس {ولا تخافت بها} قال: لا تدعها مخافة الناس. وأخرج ابن عساكر عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قال: لا تُصلِّها رياء ولا تدعها حياء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولا تجهر بصلاتك} لا تجعلها كلها جهرًا {ولا تخافت بها} قال: لا تجعلها كلها سرًا.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف، عن أبي رزين رضي الله عنه قال: في قراءة عبد الله بن عمر {ولا تخافت} بصوتك ولا تعال به. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير، عن ابن مسعود قال: لم يخافت من أسمع أذنيه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: العلم خير من العمل، وخير الأمور أوسطها، والحسنة بين تلك السيئتين، وذلك لأن الله تعالى يقول: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلًا}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قلابة قال: خير الأمور أوسطها.
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: إن اليهود والنصارى قالوا {اتخذا الله ولدًا} [البقرة: 116] وقالت العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل، فأنزل الله هذه الآية {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولم يكن له ولي من الذل} قال: لم يخف أحدًا ولم يبتغ نصر أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {وكبره تكبيرًا} قال: كبره أنت يا محمد على ما يقولون تكبيرًا.
وأخرج أحمد والطبراني، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية العز: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا...}» الآية كلها.
وأخرج أبو يعلى وابن السني، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويدي في يده، فأتى على رجل رث الهيئة فقال: «أي فلان، ما بلغ بك ما أرى؟ قال: السقم والضر. قال: ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر؟.. قل: توكلت على الحي الذي لا يموت، و{الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرًا} فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حسنت حالته، فقال: مهيم؟ فقال: لم أزل أقول الكلمات التي علمتني».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن إسماعيل بن أبي فديك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، قل توكلت على الحي الذي لا يموت و{الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك..} الآية».
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يعلم أهله هذه الآية {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا} إلى آخرها. الصغير من أهله والكبير.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الكريم بن أبي أمية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع سنوات {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرًا}.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الكريم، عن عمرو بن شعيب رضي الله عنه قال: كان الغلام إذا أفصح من بني عبد المطلب، علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية سبع مرات {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا} الآية.
وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وأخرج ابن السني والديلمي، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «إذا أخذت مضجعك فقولي: الحمد لله الكافي.. سبحان الله الأعلى حسبي الله وكفى ما شاء الله قضى، سمع الله لمن دعا، ليس من الله ملجأ ولا وراء الله ملتجأ توكلت على ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرًا} من يقولها عند منامه ثم ينام وسط الشياطين والهوام فلا تضره».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل، ثم تلا {لا تجعل مع الله إلهًا آخر} والله أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
قوله تعالى: {أَيًّا مَّا تَدْعُواْ}:
{أيًَّا} منصوب بـ {تَدْعُوا} على المفعول به، والمضافُ إليه محذوفٌ، أي: أيَّ الاسمين. و{تَدْعوا} مجزوم بها فهي عاملةٌ معمولةٌ، وكذلك الفعلُ، والجوابُ الجملةُ الاسمية مِنْ قوله: {فَلَهُ الأسمآء الحسنى}. وقيل: هو محذوفٌ تقديرُه: جاز، ثم استأنفَ فقال: {فله الأسماءُ الحسنى} وليس بشيءٍ.
والتنوين في {أَيًَّا} عوضٌ من المضافِ إليه. وفي {ما} قولان، أحدهما: أنها مزيدةٌ للتاكيد. والثاني: أنها شرطيةٌ جُمِعَ بينهما تأكيدًا كما جُمِع بين حَرْفَيْ الجرِّ للتاكيد، وحَسَّنه اختلافُ اللفظ كقوله:
فَأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنني عن بما به

ويؤَيِّد هذا ما قرأ به طلحة بن مصرف: {أيًا مَنْ تَدْعُوا} فقيل: {مَنْ} تحتمل الزيادة على رأيِ الكسائي كقوله في قوله:
يا شاةَ مَنْ قنَصَ لِمَنْ حَلَّتْ له

واحتُمِل أن تكونَ شرطيةً، وجُمِع بينهما تأكيدًا لِما تقدم. و{تَدْعُوا} هنا يحتمل أن يَكونَ من الدعاء وهو النداء فيتعدَّى لواحدٍ، وأن يَكونَ بمعنى التسمية فيتعدَّى لاثنين، إلى الأولِ بنفسه، وإلى الثاني بحرفِ الجر، ثم يُتَّسَعُ في الجارِّ فيُحذف كقوله:
دَعَتْني أخاها أمُّ عمروٍ

والتقدير: قل: ادعُوا معبودَكم بالله أو بالرحمن بأيِّ الاسمين سَمَّيتموه. وممَّن ذهب إلى كونها بمعنى سَمَّى الزمخشري.
ووقف الأخوان على {أيّا} بإبدال التنوين ألفًا، ولم يقفا على {ما} تبيينًا لانفصالِ، أيَّ مِنْ {ما}. ووقف غيرُهما على {ما} لامتزاجها بأيّ، ولهذا فُصِل بها بين أيّ وبين ما أُضيفت إليه في قوله تعالى: {أَيَّمَا الأجلين} [القصص: 28]. وقيل: {ما} شرطيةٌ عند مَنْ وقف على {أيًا} وجعل المعنى: أيَّ الاسمينِ دَعَوْتموه به جاز ثم استأنف {مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الحسنى} يعني أنَّ {ما} شرطٌ ثانٍ، و{فله الأسماءُ} جوابُه، وجوابُ الأول مقدِّرٌ. وهذا مردودٌ بأنَّ {ما} لا تُطْلق على آحاد أولي العلم، وبأنَّ الشرطَ يقتضي عمومًا، ولا يَصِحُّ هنا، وبأن فيه حَذْفَ الشرط والجزاء معًا.
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}.
قوله تعالى: {مَّنَ الذل} فيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنها صفةٌ ل {وليّ}، والتقدير: وليّ من أهلِ الذل، والمرادُ بهم: اليهودُ والنصارى؛ لأنهم أذلُّ الناسِ. والثاني: أنها تبعيضية. الثالث: أنها للتعليل، أي: مِنْ أجل الذُّلِّ. وإلى هذين المعنيين نحا الزمخشريُّ فإنه قال: {وليٌّ من الذل} ناصرٌ من الذل، ومانعٌ له منه، لاعتزازه به، أو لم يُوالِ أحدًا لأَجْلِ مَذَلَّةٍ به ليدفعَها بموالاتِه.
وقد تقدَّم الفرقُ بين الذُّل والذِّل في أولِ هذه السورة.
والمخافَتَةُ: المُسَارَّةُُ بحيث لا يُسْمَعُ الكلامُ. وضَرَبْتُه حتى خَفَتَ، أي: لم يُسْمَعْ له حِسٌّ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّامَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَآءُ}.
مِنْ عظيم نعمته سبحانه على أوليائه تَنَزُّهُهم بأسرارهم في رِياض ذِكْرِه بتعداد أسمائه الحسنى من روضة إلى روضة، ومن مَأَنَسٍ إلى مأنس.
ويقال الأغنياءُ ترددهم في بساتينهم، والأولياءُ تنزههم في مشاهد تسبيحهم، يستروحون إلى ما يلوح لأسرارهم من كشوفات جلاله وجماله.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}.
لا تجهر بجميعها، ولا تخافت بكُلِّها، وارفع صوتك في بعضها دون بعض.
ويقال ولا تجهر بها جهرًا يَسْمَعهُ الأعداءُ، ولا تخافت بها حيث لا يسمع الأولياء.
{وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}: يكون للأحباب مسموعًا، وعن الأجانب ممنوعًا.
ويقال: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ}: بالنهار، {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا}: بالليل.
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}.
احْمَدْه بذكر تقدسه عن الولد، وأنه لا شريك له؛ ولا ولي له من الذل؛ إما على أنه لم يَذَلَّ فيحتاج إلى ولي، أو على أنه لم يوالِ أحدًا من أجل مذلة به فيدفعها بموالاته. ويقال اشكره على نعمته العظيمة حيث عرَّفك بذلك.
ويقال له الأولياءُ ولكن لا يعتريهم بِذُلِّهم، إذ يصيرون بعبادته أَعِزَّةً.
{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} بأَنْ تَعْلَمَ أَنَّك تصل إليه به لا بتكبيرك. اهـ.

.قال الغَزَاليُّ:

وقد جاءت أحاديثُ تقتضي استحبابَ السِّرِّ بالقرآن، وأحاديثُ تقتضي استحبابَ الجَهْر به، والجَمُع بينهما أنْ يقال: إِن التالي إِذا خاف على نفسه الرِّياءَ والتصنُّع أو تشويش مُصَل، فالسر أفضلُ، وإِن أَمِنَ ذلك، فالجهر أَفَضَلُ؛ لأن العمل فيه أكثر؛ ولأن فائدته أيضًا تتعدَّى إلى غيره؛ والخير المتعدِّي أفضلُ من اللازم؛ ولأنه يوقظ قَلْب القارىء، ويجمع همَّته إلى الفكْر فيه، ويصرف إِليه سَمْعَه، ويطرد عنه النوْمَ برفْعِ صوته، ولأنه يزيدُ في نشاطه في القراءة، ويقلِّل من كسله؛ ولأنه يرجو بجهره تيقُّظ نائمٍ، فيكون سَبَبًا في إِعانته على الخير، ويسمعه بَطَّال غافلٌ، فينشط بسببه، ويشتاقُ لخدمة خالقه، فمهما حَضَرَتْ نيَّةٌ من هذه النيَّات، فالجهر أفضلُ، وإِن اجتمعتْ هذه النيَّاتُ، تضاعَفَ الأجر، وبكثرة النياتِ يزْكُو عمل الأبرار وتتضاعف أجورهم. انتهى.
وقوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل} هذه الآية رادَّة على كَفَرة العرب في قولهم: لولا أولياءُ اللَّه، لَذَلَّ- تعالى اللَّه عن قولهم- وقَّيد سبحانه نَفْيَ الولاية له بطريقِ الذُّلِّ، وعلى جهة الانتصار؛ إِذ ولايته سبحانه موجُوَدةٌ بفضله ورحمته لمن والى من صَالح عباده.
قال مجاهد: المعنى لم يخالِفْ أحدًا ولا ابتغى نصْرَ أحد سبحانه، لا إله إِلا هو وصلَّى اللَّه على سيدِّنا وموْلانا محمَّد وعلى آله وصَحْبه وسلَّم تسليمًا. اهـ.