فصل: قال أبو جعفر النحاس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو جعفر النحاس:

سورة الكهف:
وهي مكية.
1- من ذلك قوله جل وعز: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما} في هذا قولان أحدهما أنها على التقديم والتأخير والمعنى الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا يروى هذا المعنى عن ابن عباس ومجاهد. قال أبو جعفر حدثنا بكر بن سهل قال نا عبد الله بن صالح قال نا معاوية بن صالح قال حدثني علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولم يجعل له عوجا قيما يقول أنزل الكتاب عدلا قيما ولم يجعل له عوجا ملتبسا والقول الأخر رواه سعيد عن قتادة قال في بعض القراءات {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ولكن جعله قيما}.
2- وفي قوله تعالى: {ولم يجعل له عوجا} قولان أحدهما أنه لم يجعله مختلفا كما قال سبحانه: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} والقول الأخر أنه لم يجعله مخلوقا كما روى عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج} قال غير مخلوق.
3- وفي قوله جل وعز: {قيما} قولان أحدهما رواه جويبر عن الضحاك قال مستقيما والقول الآخر أنه قيما على الكتب أي يصدقها.
4- ثم قال جل وعز لينذر بأسا شديدا من لدنه المعنى لينذركم بأسا شديدا كما قال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه}.
5- ثم قال جل وعز: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا} المعنى كبرت تلك الكلمة كلمة عند الله وهي قولهم اتخذ الله ولدا أي كبرت من كلمة. وقيل فيه معنى التعجب كما يقال لقاض قضى بالحق ما أقضاه فيكون المعنى ما أكبرها من كلمة وقرأ الحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر كبرت كلمة تخرج من أفواههم ومعناه عظمت يقال كبر الشئ إذا عظم وكبر إذا أسن.
6- وقوله جل وعز: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم} روى سعيد عن قتادة قال قاتل نفسك ثم قال على {آثارهم} أي بعدهم.
7- ثم قال جل وعز: {إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} قال قتادة أي غضبا قال مجاهد أي جزعا. وهذا أشبه أي حزنا عليهم.
8- وقوله جل وعز: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} قال قطرب أي ما على الأرض مما تزين به.
9- ثم قال جل وعز: {لنبلوهم أيهم أحسن عملا} أي لنختبرهم.
10- وقوله جل وعز: {وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا} روى سعيد عن قتادة قال أي لا شجر فيها ولا نبات ولا بناء وقال مجاهد أي بلقعا قال أبو جعفر والصعيد في اللغة وجه الأرض ومنه قيل للتراب صعيد والجرز في اللغة الأرض التي لا نبات فيها قال الكسائي يقال جرزت الأرض تجرز وجرزها القوم يجرزونها إذا أكلوا كل ما فيها من النبات والزرع فهي مجروزة وجرز.
11- وقوله جل وعز: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} قال الضحاك الكهف الغار في الوادي والرقيم الوادي وقال يزيد بن درهم سئل أنس بن مالك عن الكهف والرقيم فقال الكهف الجبل والرقيم الكلب وروى سفيان بن سعيد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه سأل كعبا ما الرقيم فقال هو اسم القرية التي خرجوا منها وقال عكرمة الرقيم الدواة وقال مجاهد الرقيم الكتاب وقال السدي الصخرة وقال الفراء الرقيم لوح من رصاص كتبت فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم وممن هربوا.
وقال أبو عبيد الرقيم الوادي الذي فيه الكهف وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كل القرآن أعلم إلا أربعا غسلينا وحنانا والأواه والرقيم وروى سفيان بن حسين عن يعلي بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه ذكر أصحاب الكهف فقال إن الفتية فقدوا فطلبهم أهلوهم فلم يجدوهم فرفع ذلك إلى الملك فقال ليكونن لهم نبأ وأحضر لوحا من رصاص فكتب فيه أسماءهم وجعله في خزائنه فذلك اللوح هو الرقيم وروى وكيع عن أبى مكين عن سعيد بن جبير قال الرقيم لوح فيه أسماء فتية رقمت أسماؤهم في الصخرة فذلك الكتاب وفي بعض الروايات أنه كتب أسماؤهم وخبرهم في لوح وجعل على باب الكهف.
قال أبو جعفر والروايات التي رويت عن ابن عباس ليست بمتناقضة لأن القول الأول إنما سمعه من كعب والقول الثاني يجوز أن يكون عرف الرقيم بعده وأحسن ما قيل فيه أنه الكتاب وذلك معروف في اللغة يقال رقمت الشئ أي كتبته قال الله عز وجل: {كتاب مرقوم} ورقيم بمعنى مرقوم كما يقال قتيل بمعنى مقتول وروى ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى: {كانوا من آياتنا عجبا} قال هم عجب قال أبو جعفر يذهب مجاهد إلى أنه ليس بإنكار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون عنده أنهم عجب. وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يقول ليس هم بأعجب آياتنا.
12- وقوله جل وعز: {إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا} أي أرشدنا إلى أحب الأشياء إليك.
13- وقوله جل وعز: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا} أي منعناهم من أن يسمعوا والمعنى أنمناهم لأنهم إذا سمعوا انتبهوا ثم قال: {سنين عددا} وفي الفائدة في قوله: {عددا} قولان أحدهما أنه توكيد وإفراد من الواحدة والآخر أنه توكيد معنى الكثرة لأن القليل لا يحتاج إلى عدد لأنه قد عرف.
14- وقوله جل وعز: {ثم بعثناهم} أي من نومهم يقال لمن أحيي أو أقيم من نومه مبعوث لأنه كان ممنوعا من الانبعاث والتصرف.
15- ثم قال جل وعز: {لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} قال مجاهد أي عددا قال أبو جعفر والأمد في اللغة الغاية.
16- وقوله جل وعز: {وربطنا على قلوبهم} قال قتادة أي بالإيمان والمعنى عند أهل اللغة صبرناهم كان وثبتناهم.
17- ثم قال جل وعز: {إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها} فأنكروا أن يعبد مع الله غيره.
18- ثم قال تعالى: {لقد قلنا إذا شططا} قال قتادة أي كذبا قال أبو جعفر والشطط في اللغة التجاوز في الجور.
19- ثم قال جل وعز: {هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين} روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس كل سلطان في القرآن فهو حجة.
20- وقوله جل وعز: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} والمعنى اعتزلتم ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تتركوا عبادته رووى أو سعيد عن قتادة قال في قراءة ابن مسعود {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله}.
21- ثم قال جل وعز: {فأووا إلى الكهف} أي صيروه مأواكم ثم قال جل وعز: {ينشر لكم ربكم من رحمته ويهئ لكم من أمركم مرفقا} قرئ بفتح الميم وكسرها وهو ما يرتفق به وكذلك مرفق الإنسان ومرفقه ومنهم من يجعل المرفق بفتح الميم وكسر الفاء من الأمر والمرفق من الإنسان وقد قيل المرفق بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما لغتان.
22- وقوله جل وعز: {ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فتية مضوا في الزمن الأول. وعن رجل طواف وعن الروح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غدا أخبركم عن ذلك ولم يستثن فمكث عنه جبريل بضع عشرة ليلة ثم جاءه بسورة الكهف» ونزل في قوله: «أخبركم به غدا» {ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}.
23- ثم قال جل وعز: {وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} أي عسى أن يعطيني من الآيات والدلائل ما هو أرشد وأبين من خبر أصحاب الكهف.
24- ثم قال جل وعز: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} في معناه ثلاثة أقوال، قال مجاهد هذا عدد ما لبثوا بـ: وقال قتادة في قراءة ابن مسعود {وقالوا لبثوا في كهفهم}.
والقول الثالث أن الله خبر بما لبثوا إلى أن بعثوا من الكهف ولا نعلم كم مذ بعثوا إلى هذا الوقت فقال سبحانه: {قل الله أعلم بما لبثوا} أي من أي وقت مبعثهم إلى هذا الوقت قال أبو جعفر واحسن هذه الأقوال الأول وإنما يقع الإشكال فيه لقوله جل وعز: {قل الله أعلم بما لبثوا} ففر قوم إلى أن قالوا هو معطوف على قوله تعالى: {سيقولون} قال أبو جعفر وإنما اخترنا القول الأول لأنه أبلغ وأن ابن فضيل روى عن الأجلح عن الضحاك قال لما أنزلت: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة} قالوا أسنين أم شهروا أم أياما فأنزل الله جل وعز سنين قال أبو جعفر فأما ما أشكل من قوله تعالى: {قل الله أعلم بما لبثوا} فنحن نبينه يجوز أن يكون لما اختلفوا في مقدار ما لبثوا ثم أخبر الله جل وعز به فقال: {قل الله أعلم بما لبثوا} أي هو أعلم به من المختلفين فيه وقول آخر أحسن من هذا أن يكون اعلم بمعنى عالم وذلك كثير موجود في كلام العرب قال الله جل وعز وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه أجود الأقوال فيه أن معناه هو هين عليه وهو اختيار أبي العباس ومنه الله اكبر بمعنى كبير ومنه قول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ** بيتا دعائمه أعز وأطول

وقول الآخر:
أصبحت أمنحك الصدود وإنني ** قسما إليك مع الصدود لأميل

وقول الآخر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ** على أينا تعدو المنية أول

25- وقوله جل وعز: {أبصر به وأسمع} المعنى ما أبصره وأسمعه أي هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم.
26- ثم قال جل وعز: {ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا} نظيره قوله تعالى: {فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول} ومن قرأ: {ولا تشرك في حكمه أحدا} فمعناه عنده لا تنسب أحدا إلى أنه يعلم الغيب.
27- وقوله جل وعز: {لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا} قال مجاهد أي ملجأ أي يمنعك منه جل وعز قال أبو جعفر وهو حسن في اللغة وأصله في اللغة من اللحد وهو من الميل والملحد المائل عن الحق العادل عنه فإذا ألحدت عبد إلى الشئ فقد ملت إليه.
28- قوله جل وعز: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} روى ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال الصلاة المكتوبة قال مجاهد وإبراهيم الصلوات الخمس.
29- ثم قال جل وعز: {ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} أي لا تتجاوزهم إلى المترفين وروى عن الحسن أنه قرأ: {ولا تعد عينيك عنهم} بتشديد الدال والنصب.
30- ثم قال جل وعز: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} قال مجاهد أي ضياعا قال أبو جعفر وقيل إسرافا وقيل ندما وهذه الأقوال متقاربة وهو من الإفراط في الشئ والتجاوز فيه وبين هذا أن سفيان بن سعيد قال هو عيينه بن حصن وقال غيره قال أنا أشرف مضر وأجلها فهذا هو التجاوز بعينه وقال الفراء فرطا متروكا قد تركت فيه الطاعة.
31- ثم قال جل وعز: {وقل الحق من ربكم} المعنى وقل الذي جئتكم به الحق الحق من ربكم.
32- ثم قال جل وعز: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} هذا على التهديد.
33- ثم قال جل وعز: {إنا أعتدنا للظالمين نارا} أي جعلناها لهم عتادا والعتاد الثابت اللازم وهو مثل العدة.
34- ثم قال جل وعز: {أحاط بهم سرادقها} السرادق في اللغة كل شيء محيط بشئ قيل أنه يراد به الدخان الذي يحيط بالكفار يوم القيامة وهو الذي ذكره الله في قوله سبحانه: {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب}.
35- ثم قال جل وعز: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه} روى هشيم عن عوف عن الحسن قال جاء قوم إلى عبد الله بن مسعود يسألونه عن المهل فأخذ فضة فاذابها عليه حتى انماعت ثم أذن لهم بالدخول فقال لهم هذا أشبه بالمهل وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال المهل دردي الزيت وروى ابن أبى نجيح عن مجاهد قال المهل القيح والدم قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة وإنما هو ما تمهل وسكن وأكثر ما يستعمل لدردي أبي الزيت كما قال ابن عباس.
36- ثم قال جل وعز: {يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا} المعنى وساءت النار مرتفقا قال مجاهد أي مجتمعا وقال غيره أي مجلسا قال أبو جعفر والمعروف في اللغة أن المرتفق المتكأ وانشد أهل اللغة:
إني أرقت فبت الليل مرتفقا * كأن عيني فيها الصاب مذبوح *
قال أبو جعفر: ولا يمتنع أن يكون المعنى موضع مرتفق.
37- وقوله جل ذكره {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} قال أبو جعفر حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن سهل قال حدثنا محمد بن حميد قال نا يحيى بن الضريس عن زهير بن معاوية عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال قدم أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع والنبي واقف بعرفات على ناقته الصهباء فقال إني رجل متعلم فأخبرني عن قول الله {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} قال النبي عليه السلام: «يا أعرابي ما أنت منهم ببعيد وما هم منك ببعيد هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف معي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فاعلم قومك أن هذا الآية نزلت في هؤلاء الأربعة».
38 وقوله جل وعز: {أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار} العدن الإقامة ثم قال: {تجري من تحتهم الأنهار} أي ماء الأنهار.
39- ثم قال جل وعز: {يحلون فيها من أساور من ذهب} أساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار ويقال سوار وحكى قطرب أن أساور جمع أسوار ولا يعرف ذلك.
40- ثم قال جل وعز: {ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق} السندس رقيق الديباج والإستبرق ثخينه.
41- ثم قال جل وعز: {متكئين فيها على الأرائك} وهي السرر في الحجال.
42- ثم قال جل وعز: {نعم الثواب وحسنت مرتفقا} أي حسنت الجنة مرتفقا.
43- وقوله جل وعز: {واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب} يروى أن اليهود قالوا سلوه عن أصحاب الكهف وعن الروح وعن رجلين فأنزل الله عز وجل هذا وجعله مثلا لجميع الناس.