فصل: مطلب أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلم بملازمة الفقراء المؤمنين والإعراض عن الكفرة مهما كانوا، وقصة أصحاب الجنة:

قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ} إلى غيرهم وتتركهم {تُرِيدُ} بمجالسة غيرهم من الأشراف والأغنياء بقصد {زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا} فتستبدل محبتهم وهم مؤمنون بسبب فقرهم وميلهم للآخرة بأناس كفرة دنيويين لكونهم أغنياء ورؤساء كلا لا تفعل {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ} في شهوات الدنيا وملاذها وهو عيينة الآتي ذكره النازلة في حقه هذه الآية، وأمية ابن خلف الذي يقول في حقه جل قوله: {وَكانَ أَمْرُهُ}.
في الآخرة {فُرُطًا} 28 هلاكا وخسرانا، والفرط الظلم والاعتداء ومجاوزة الأمر عن حده وضياع الأمر عن وقته وتعطيل العمر في اللهو والسرف في الشيء الباطل، نزلت هذه الآية قيل وما بعدها في سيدنا سلمان الفارسي ورفقائه رضي اللّه عنهم، وذلك حين أتى عيينة بن حصن الفزاري إلى حضرة الرسول صلّى اللّه عليه وسلم قبل أن يسلم وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان عند حضرة الرسول جماعة من فقراء المسلمين، فقال له أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها إن أسلمنا أسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، فنحهم عنك، حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا على حده لأنا لا نرضى أن نجالسهم، فلم يلتفت لقولهم.
ومن قال إنها نزلت في أمية ابن خلف، قال إن هذه الآية مكية بالنظر لأن السورة مكية، والصواب ما جرينا عليه وعليه أكثر المفسرين، وقد أخرجه ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن سلمان رضي اللّه عنه، وروى أبو الشيخ عنه ذلك، وإن حضرة الرسول صار يلتمسهم ويتعاهدهم أكثر من ذي قبل، حتى قال الحمد للّه الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، ثم قال إلى سلمان وأبي ذر وأمثالهما معكم الحياة والممات.
أما الآية المكية التي نزلت في سيدنا بلال ورفقائه الخمسة التي تضاهي هذه الآية، فهي الآية 52 من سورة الأنعام المارة كما أشرنا بها عن هذا فراجعها.
ثم التفت إلى حبيبه صلّى اللّه عليه وسلم وخاطبه بقوله: {وَقُلِ} يا سيد الرسل لقومك عاملي القلوب عما يراد بهم في الآخرة {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} أيها الغافلون عن ذكره انتبهوا فإليه الأمر ومنه التوفيق والخذلان، وبيده الهدى والضلال {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ} بهذا القرآن المنزل عليّ من ربي {وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} وهذه الجملة جارية مجرى التهديد على حد قوله تعالى: {اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} الآية 40 من فصّلت المارة، وإني لست بمعرض عن هؤلاء لأجل إيمانكم، فإن آمنتم فلكم الجنة، وإن أصررتم على كفركم وظلمتم أنفسكم فاللّه تعالى يقول: {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها} السرادق الحجرة التي تحيط بالقسطاط، وهذه الكلمة لم تكرر في القرآن فقد شبه اللّه تعالى ما يحيط بهم من النار بالسرادق حول الحجرة، أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار أربعون سنة»، أي مساقة عرضه {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} من شدة العطش فيها {يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ} يشبه عكر الزيت المذاب الشديد الحرارة {يَشْوِي الْوُجُوهَ} لعظم حرارته عند شربه {بِئْسَ الشَّرابُ} ذلك {وَساءَتْ} النار {مُرْتَفَقًا} 29 منزلا لأهلها ومتكأ ومجتمعا، وجيء بهذه اللفظة للمشاكلة مع الآية الآتية وإلا ليس لأهل النار ارتفاق ولا منزل يتكأ فيه ولا مجمع محمود، أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى: {كَالْمُهْلِ} كعكر الزيت، فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه، أي جلدته أعاذنا اللّه تعالى منه وأدخلنا في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} 30 في دنياه، وجملة إنا فما بعدها معترضة بين صدر آيتها وصدر قوله تعالى: {أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ} ذلك الثواب عند رب الأرباب {وَحَسُنَتْ} جنة عدن دار الإقامة والخلود {مُرْتَفَقًا} 31 متكأ ومقرا ومجلسا لأهلها، راجع معنى السندس وما بعده في الآية 53 من سورة الدخان المارة ومعنى الأساور في الآية 53 من سورة الزخرف المارة وجعل بعض القراء والمفسرين هاتين الآيتين: 30: 31 آية واحدة وقال إن جملة {لا نضيع} إلخ معترضة بين صدر الآية وعجزها وهو سديد لولا وجود كلمة {أولئك} لهذا فهي آيتان مرتبطتان ببعضهما.
قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ} يا سيد الرسل {مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعًا} لتكون جامعة للقوت والفاكهة والخضر والزينة معا {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها} ثمرها من كل ذلك {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} إشعار بأنها حملت حملها المعتاد ونبت حب الزرع كله فلم تجحد منه الأرض شيئا يؤدي إلى نقص الحاصل {وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرًا} 33 لإتمام النفع وإكمال الزينة لأن أحسن القصور وألطف البساتين ما يجري فيها الأنهار {وَكانَ لَهُ} لصاحبها {ثَمَرٌ} بالفتح جمع ثمرة وبالضم الأموال المثمرة على الإطلاق {فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ} حالة مخاطبته له {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} 34 أنصارا وحشما، لأن من كان كذلك كثر أصحابه قال:
الناس أعوان من والته دولته ** وهم عليه إذا عادته أعوان

والناس عبيد الدرهم والدينار، قال هذا القول لأخيه المؤمن {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} أفردها بالذكر لأنها في الأصل واحدة ولكن لما فصل بينها بالنهر صارت اثنتين بحائط واحد {وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ} بما قاله وما خطر بباله من القول السيء الذي أخبر اللّه عنه بقوله جل قوله: {قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَدًا} 35 شك الخبيث في دمارها لطول أمله في الدنيا وغروره بعاقبته ونماديه في غفلته وأكثر الناس الآن هكذا مسجلين في الديوان مسلمين، ولم يعملوا عمل الإسلام ويزعمون أنهم مؤمنون وذلك بسبب انهماكهم في الدنيا وغرورهم فيها، ثم تطاول هذا الكافر ولم يكتف بإنكاره وما قاله لأخيه بل تطرق لإنكار البعث أيضا فقال: {وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً} كما يقال ثم بغى وطفى وقال على فرض صحة ما تزعمون أننا نحيا ونرد إلى اللّه فأنا أقسم لكم {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْها} من هذه الجنة التي ترونها {مُنْقَلَبًا} 36 مرجعا وعاقبة في الآخرة التي تقولون بوجودها كما أعطاني في هذه الدنيا، ومن هذا القبيل تفوهات بعض السفهة الآن ردهم اللّه للهدى ووفقهم للرشد ووقانا وإياهم من الردى {فَقالَ} أخوه المؤمن {له} لأخيه الكافر وقد محى اللّه كلا منهما صاحبا فقال: {لِصاحِبِهِ} لأن الصاحب يطلق على الأخ لغة وعلى غيره فلا منافاة لما ذكر من أنهما أخوان {وَهُوَ يُحاوِرُهُ} يجادله بما مر ذكره مستفهما منه بقوله: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} 37 حتى قلت ما قلت ذكره رحمه اللّه بنعمة الخلق والذكورة والتعديل في الخلقة لعله يتذكر نعم اللّه عليه فيرجع عما هو عليه، ولما لم يرد عليه لما رأى من كلامه له من التأنيب مضى ونفخ إبليس في أنفه، أعرض عنه أخوه المؤمن وقال له {لكِنَّا} أصلها لكن انا حذفت الهمزة من أنا ونقلت حركتها إلى نون لكن فتلاقت النونان نون لكن ونون انا فأدغمتا بعد أن سكنت الثانية فصارت لكنا {هُوَ اللَّهُ رَبِّي} وقرئ: {لكن أنا} على الأصل وهو استدراك لقوله: {أكفرت}، أي أنت بمقالتك تلك كافر لكن أنا مؤمن {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} 38 أبدا، ثم قال على طريق الأمر بالحث والإزعاج وهلا {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ} بدل مقالتك السيئة تلك {ما شاءَ اللَّهُ} اعترافا بأن ما فيها منه وبأمره ومشيئته {لا قُوَّةَ} على عمارة وإنبات ما فيها وحفظه من الآفات لأحد ما {إِلَّا بِاللَّهِ} بمعونته ولطفه في ذاتك أيها المغرور {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَدًا} 39 تكبرت على وتعاظمت {فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} في الدنيا أو في الآخرة {خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَ} ما تدري لعله {يُرْسِلَ عَلَيْها} على جنتك التي أطغتك {حُسْبانًا} شهبا وصواعق أو نارا، قال حسان:
بقية معشر صبّت عليهم ** شآيب من الحسبان شهب

نازلة {مِنَ السَّماءِ} فيدمرها أو يحرقها {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا} أرضا غبراء لا شية فيها يدل على أنها كانت جنة ذات أشجار وزروع {زَلَقًا} 40 جرداء ملساء تزلق فيها الأقدام لا ثبات فيها، وأصل الزلق المشي في الوحل والزّلل في الرجل، شبه عروها من النبات بعد أن كانت ملتفة بأرض وحلة أو رملة لا شيء فيها مما يستمسك به {أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْرًا} في أعماق الأرض {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} 41 لا تناله الأيدي ولا الدلاء فتيبس أشجارها ونباتها.
قال تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} من جميع جهات الجنة إذ أرسل عليها نارا فأحرقتها كلها وصاعقة فأحرق نباتها وغار ماؤها {فَأَصْبَحَ} صاحبها ذلك المغرور بها عند مشاهدتها والنظر إليها {يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} يضرب أحدهما بالأخرى تأسفا ولهقا عليها، قال عمر ابن أبي ربيعة:
وضربنا الحديث ظهرا لبطن ** وأتينا من أمرنا ما اشتهينا

وذلك حزنا وندما {عَلى ما أَنْفَقَ فِيها} من المال والتعب وحرمانه من منافعها وبهجتها {وَهِيَ خاوِيَةٌ} ساقطة مترامية {عَلى عُرُوشِها} أي سقطت جدران الجنة على عروش الكرم، وهذا كناية عن تدميرها كلها وخلائها من كل ما كان فيها لأن خوا بمعنى خلا {وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} 42 قال هذا لما سقط في يده وقال يا ليتني سمعت موعظة أخي، لأنه عرف أن ما أتاه كان بسبب الكفر والطغيان، لذلك أظهر ندمه حين لات مندم، وقد خاب أمله من الناس لأنهم كانوا يلتفون حوله بغية ما عنده، فلما ذهب ذهبوا عنه على حد قوله:
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب ** ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا

يدل على هذا قوله تعالى: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فيحفظون له جنته {وَما كانَ مُنْتَصِرًا} 43 هو أيضا لعجزه.
قال تعالى: {هُنالِكَ} في ذلك المقام مقام نزول الهلاك وإيقاع الهوان وصبّ العذاب {الْوَلايَةُ} الحقيقية بكسر الواو بمعنى السلطان والملك وبفتحها النصرة والتولي {لِلَّهِ الْحَقِّ} وحده لا يملكها غيره فلا حائل يحول دون تنفيذها ولا مانع يمنع وقوعها {هُوَ خَيْرٌ ثَوابًا} لأهل طاعته {وَخَيْرٌ عُقْبًا} 44 بضم القاف وسكونها وعلى وزن فعلى شاذا وكلّها بمعنى العاقبة، ضرب اللّه تعالى هذا المثل بمناسبة الآية المتقدمة النازلة بحق عيينة بن حصن الفزاري وأصحابه المار ذكرهم وفقراء المسلمين سلمان وأصحابه، وذلك أن رجلين من بني إسرائيل ورثا ثمانية آلاف دينار فاقتسماها بينهما، فأما أحدهما فتزوج بألف وبنى قصرا بألف وشرى جنة بألف واشترى متاعا وخدما بألف واسمه قطروس، وأما الآخر واسمه يهوذا فتصدق بها وطلب ثوابها جنة وقصرا وزوجة ومتاعا وخدما في جنته، فأصابته حاجة فتعرض إلى صاحبه، فقال له ما فعلت بمالك؟ فأخبره الخبر، فقال له وإنك لمن المصدقين بأنك تثاب وتعطى وأنك تبعث؟ قال نعم، فقال واللّه لا أعطيك شيئا ما دامت هذه عقيدتك، فقال واللّه لا أحول عنها أبدا، وسيغنيني اللّه عنك ويرديك، فأنزل اللّه هذه الآية بحقهما وهذان هما المشار إليهما في الآية 50 من سورة الصافات المارة لا المشار إليها في سورة نون، تأمل.

.مطلب مثل الدنيا وتمثيل الأعمال بمكانها وزمانها ونطقها يوم القيامة كما في السينما:

قال تعالى: {وَاضْرِبْ} يا سيد الرسل {لَهُمْ} لقومك على صحة البعث {مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ} من كل صنف ونوع وجنس ولون وشكل كان ملتفا بعضه على ببعض متكاثفا زاهيا رابيا تهتز به الأرض ابتهاجا وحسنا {فَأَصْبَحَ} بعد ذلك {هَشِيمًا} يابسا مفتتا {تَذْرُوهُ الرِّياحُ} واعلم أن كلمتي تذروه والذاريات لم تكررا في القرآن، أي تنسفه يمينا وشمالا {وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} 45 ضرب اللّه تعالى هذا المثل يشبه به حال الدنيا في نضرتها وزينتها وما يطرأ عليها من الهلاك والفناء بالنبات في الأرض يخضر ويزهو ثم ييبس ويتكسر فتطيره الرياح ثم يحييه اللّه تعالى بالمطر فيعود كما كان كأن لم يطرأ عليه شيء، وهكذا الخلق ينشأ من الماء أيضا فيكثرون ويتباهون بالأموال والأولاد والرياسة والجاه ثم يموتون ثم يحييهم اللّه تعالى كما كانوا، ثم يعاملون بمثل أعمالهم، فيحيا حياة طيبة دائمة من حيّ على بينة ويهلك هلاكا قبيحا دائما من هلك على بينة.