فصل: (سورة الكهف: الآيات 19- 20).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الكهف: الآيات 19- 20].

{وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}.

.اللغة:

{بِوَرِقِكُمْ} الورق بفتح الواو وكسر الراء الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ومنه الحديث: «أن عرفجة أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فأنتن فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب» والكلاب بالضم اسم ماء كانت عنده الوقعة كما في الصحاح قال:
أعطيتني ورقا لم تعطني ورقا قل لي بلا ورق ما ينفع الورق؟
{أَزْكى}: أطيب وفي القاموس: زكا يزكو زكاء وزكوّا الزرع فما والأرض طابت والزكي ما كان ناميا طيبا صالحا.

.الإعراب:

{وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ} الكاف نعت لمصدر محذوف أي كما أنمناهم هذه النومة الطويلة كذلك بعثناهم، وبعثناهم فعل وفاعل ومفعول به، ليتساءلوا اللام للتعليل ويتساءلوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والظرف متعلق بمحذوف حال. {قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} قال قائل فعل وفاعل وكم اسم استفهام في محل نصب على الظرفية والمميز المنصوب محذوف تقديره كم يوما بدليل الجواب عليه ومنهم صفة لقائل، قالوا فعل وفاعل وجملة لبثنا مقول القول ويوما ظرف متعلق بلبثنا أو حرف عطف، بعض يوم عطف على يوما وأو هنا للشك منهم. {قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ} قالوا فعل وفاعل وربكم مبتدأ وأعلم خبره، بما جار ومجرور متعلقان بأعلم ولبثتم صلة ما وما أجمل تفويضهم أمر العلم بمدة اللبث إلى اللّه، وما ينطوي عليه هذا التفويض من حسن الأدب فقد استرابوا في أمرهم بعد أن راعوا إلى أنفسهم ونظروا إلى طول شعورهم وأظفارهم.
{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعامًا} الفاء عاطفة على محذوف أي فدعوا التساؤل وخذوا فيما هو أهم وأجدى لنا في موفقنا هذا فابعثوا، وأحدكم مفعول به وبورقكم متعلقان بابعثوا أو بمحذوف حال من أحدكم والباء للملابسة أي ملتبسا بها ومصاحبا لها وهذه نعت لورقكم وإلى المدينة متعلقان بابعثوا، فلينظر الفاء عاطفة واللام لام الأمر وينظر مضارع مجزوم بلام الأمر وأيها يجوز أن تكون استفهامية ويجوز أن تكون موصولة وقد تقدم ذلك في قوله: {أيهم أحسن عملا} فجدد به عهدا وهي مبتدأ خبره أزكى وطعاما تمييز محول عن المضاف اليه أي أيّ أطعمة المدينة أزكى وأحلّ وأرخص وأطيب. {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} الفاء عاطفة واللام لام الأمر ويأت مجزوم بلام الأمر والفاعل مستتر تقديره هو والكاف مفعول به وبرزق متعلقان بيأتكم ومنه صفة لرزق {وليتلطف} عطف على فليأتكم ولا الواو عاطفة ولا ناهية ويشعرن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وهو في محل جزم بلا الناهية والفاعل مستتر تقديره هو وبكم متعلقان بيشعرن واحدا مفعول به. {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} إن واسمها وإن شرطية ويظهروا فعل الشرط والواو فاعل وعليكم متعلقان بيظهروا ويرجموكم جواب الشرط أو يعيدوكم عطف على يرجموكم وفي ملتهم متعلقان بيعيدوكم أي يردوكم إلى ملتهم التي كنتم عليها قبل أن يهديكم اللّه أو المراد بالعود هنا الصيرورة على تقدير أنهم لم يكونوا على ملتهم وإيثار كلمة {في} على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار. {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} الواو عاطفة ولن حرف نفي ونصب واستقبال وتفلحوا فعل مضارع منصوب بلن والواو فاعل وإذن حرف جواب وجزاء مهمل وأبدا ظرف متعلق بتفلحوا.

.[سورة الكهف: الآيات 21- 26].

{وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا (23) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}.

.اللغة:

{أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ}: أطلعنا عليهم قومهم والمؤمنين وفي الأساس:
وعثر على كذا اطلع عليه وأعثره على كذا أطلعه وأعثره على أصحابه:
دله عليهم ويقال للمتورط وقع في عاثور وفلان يبغي صاحبه العواثين وأصله: حفرة تحفر للأسد وغيره يعثر بها فيطيح فيها.
{رَجْمًا بِالْغَيْبِ} رميا بالخبر الخفي وإتيانا به وفي المصباح: الرجم بفتحتين الحجارة ورجمته رجما من باب قتل ضربته بالرجم وهي الحجارة الصغار ورجمته بالقول رمبته بالفحش قال تعالى: {رجما بالغيب} أي ظنا من غير دليل ولا برهان كقول زهير بن أبي سلمى يصف الحرب:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ** وما هو عنها بالحديث المرجم

أي المظنون وسيرد في باب البلاغة مزيد من البحث حول هذا التعبير.
{تُمارِ}: تجادل وفي القاموس: مارى مراء ومماراة: جادل ونازع ولاجّ وتماريا تجادلا وامترى في الشيء: شك والمرية بكسر الميم والمرية بضمها: الجدل يقال ما في ذلك مرية أي جدل وشك.

.الإعراب:

{وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها} الكاف نعت لمصدر محذوف أي وكما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا عليهم قومهم والمؤمنين، وأعثرنا فعل وفاعل والمفعول به محذوف كما قدرناه في باب اللغة وعليهم متعلقان بأعثرنا وليعلموا اللام للتعليل ويعلموا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي ليعلموا وأن واسمها وحق خبرها وأن الساعة عطف وان واسمها ولا نافية للجنس وريب اسمها وفيها خبرها وجملة لا واسمها وخبرها في محل رفع خبر أن والمراد بوعد اللّه البعث لأن من قدر على إنامتهم هذه النومة الطويلة وبعثهم بعدها قادر على أن يحييهم بعد الموت. {إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} الظرف متعلق بأعثرنا أي أعثرنا عليهم قومهم حين يتنازعون ويختلفون في حقيقة البعث فكان بعضهم يقول: تبعث الأرواح دون الأجساد وبعضهم يقول: تبعث الأجساد مع الأرواح وجملة يتنازعون في محل جر باضافة الظرف إليها وبينهم ظرف مكان متعلق بيتنازعون وأمرهم نصب بنزع الخافض أي في أمرهم وقيل تنازعوا تنصب مفعولا إذا كانت بمعنى التجاذب فيكون في الكلام استعارة. {فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيانًا} الفاء عاطفة وقالوا فعل وفاعل وجملة ابنوا مقول القول وهو فعل أمر وفاعل وعليهم متعلقان بابنوا وبنيانا مفعول به أي قالوا ذلك حين توفى اللّه أصحاب الكهف وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدث تمليخا حامل الورق حديثهم موتا حقيقيا ورجع من كان يساوره الشك في بعث الأجساد إلى اليقين أي ابنوا عليهم بنيانا ضنا بتربتهم ومحافظة عليها وجملة ابنوا عليهم بنيانا مقول قولهم. {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} الجملة إما تتمة لمقولهم قالوا ذلك تفويضا للعلم إلى اللّه سبحانه وقيل هو مقول كلام للّه سبحانه ردا لقول المتنازعين فيهم أي دعوا ما أنتم فيه من التنازع فإني أعلم بهم منكم والكلام مبتدأ وخبر وبهم متعلقان بأعلم. {قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} قال الذين فعل وفاعل وجملة غلبوا صلة الموصول وعلى أمرهم متعلقان بغلبوا وهم المؤمنون وكانت الكلمة لهم آنذاك ولنتخذن اللام موطئة للقسم ونتخذن فعل مضارع مبني على الفتح وفاعله مستر تقديره نحن وعليهم حال ومسجدا مفعول به.
{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ} السين للاستقبال اشارة إلى أن النزاع في أمرهم حصل في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم أي في المستقبل البعيد بالنسبة لقصتهم ويقولون فعل مضارع وفاعل والضمير يعود إلى الخائضين في قصتهم زمن النبي من أهل الكتاب والمؤمنين. قال أبو حيان: وجاء بسين الاستقبال لأنه كأنه في الكلام طي وإدماج، والتقدير فإذا أجبتهم عن سؤالهم وقصصت عليهم قصة أهل الكهف فسلهم عن عددهم فإنهم إذا سألتهم سيقولون ولم يأت بالسين فيما بعده لأنه معطوف على المستقبل فدخل في الاستقبال أو لأنه أريد به معنى الاستقبال الذي هو صالح له.
وثلاثة خبر لمبتدأ محذوف أي هم ثلاثة أشخاص وانما قدرنا أشخاصا لأن رابعهم اسم فاعل أضيف إلى الضمير والمعنى أنه ربعهم أي جعلهم أربعة وصيرهم إلى هذا العدد فلو قدر ثلاثة رجال استحال أن يصير ثلاثة رجال أربعة لاختلاف الجنسين، ورابعهم مبتدأ وكلبهم خبر وجملة ثلاثة مقول القول وجملة رابعهم كلبهم في محل نصب على الحال أي حال كون كلبهم جاعلهم أربعة بانضامه إليهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم عطف على الجملة السابقة وهي مماثلة في اعرابها ورجما منصوب على المصدرية بفعل محذوف أي يرجمون رجما والمعنى يرمون رميا بالخبر الخفي المظنون أو على الحال بمعنى راجمين وبالغيب متعلقان برجما. {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} الواو عاطفة ويقولون فعل وفاعل وسبعة خبر لمبتدأ محذوف والواو فيها أقوال تربو على الحصر وقد شغلت العلماء والأدباء فصنّفوا فيها المطولات وسنأتي على ذكرها وخلاصة ما قيل فيها في باب الفوائد وأولى ما يقره المنطق أن تكون هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيها لها بالجملة الواقعة حالا بعد المعرفة نحو جاء زيد ومعه رجل آخر وذلك لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف بمعنى أن اتصافه بها أمر مستقر راسخ في الأذهان وهذا ما اختاره الزمخشري وابن هشام وانتظر التفاصيل وجملة ثامنهم كلبهم صفة لسبعة وقد ردّ أبو حيان هذا القول وعبارته:
وكون الواو تدخل على الجملة الواقعة صفة دالة على لصوق الصفة بالموصوف وعلى ثبوت اتصاله بها شيء لا يعرفه النحويون بل قرروا أنه لا تعطف الصفة التي ليست بجملة على صفة أخرى إلا إذا اختلفت المعاني حتى يكون العطف دالا على المغايرة وأما إذا لم يختلف فلا يجوز العطف في هذه الأسماء المفردة وأما الجمل التي تقع صفة فهي أبعد من أن يجوز ذلك فيها وقد ردوا على من ذهب إلى أن قول سيبويه: وأما ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل هو على أن وليس باسم ولا فعل صفة لقوله لمعنى وان الواو دخلت في الجملة بأن ذلك ليس من كلام العرب مررت برجل ويأكل على تقدير الصفة واما قوله تعالى: {إلا ولها كتاب معلوم} فالجملة حالية. {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} {ربي} مبتدأ و{أعلم} خبره والجملة مقول القول وبعدتهم متعلقان بأعلم وجملة ما يعلمهم حالية وما نافية ويعلمهم فعل مضارع ومفعول به وإلا أداة حصر وقليل فاعل يعلمهم والتفضيل بالنسبة للكيفية لأن مراتب اليقين متفاوتة في القوة وليس التفضيل بالنسبة إلى الطائفتين الأولين الذين جنحا إلى الرجم بالغيب والحدس والتخمين دون الحقيقة والاطلاع على الواقع. {فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِرًا} الفاء الفصيحة أي إن عرفت هذا وحق لك أن تعرفه فلا تجادل، ولا ناهية وتمار مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف حرف العلة وإلا أداة حصر ومراء مفعول مطلق وظاهرا صفة. {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} الواو عاطفة ولا ناهية وتستفت مجزوم بها وعلامة جزمه حذف حرف العلة أيضا والفاعل مستتر تقديره أنت وفيهم متعلقان بتستفت ومنهم حال لأنه كان في الأصل صفة لأحدا وأحدا مفعول به لأن فيما أوحي إليك مندوحة لك عن السؤال.
{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} الواو حرف عطف ولا ناهية وتقولن فعل مضارع مبني للفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت ولشيء متعلقان بتقولن أي لأجل شيء تقدم عليه وتهتم به وقيل اللام بمعنى في وقد تقدم ذكر ذلك وكسرت همزة إن لسبقها بالقول وان واسمها مقول القول وفاعل خبر إن وذلك مفعول لفاعل وغدا ظرف متعلق بفاعل وإلا أن يشاء اللّه استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا تقل لشيء في حال من الأحوال إلا في حال تلبسك بالمشيئة والتعليق عليها فأن وما بعدها حال والتقدير لا تقولن أفعل غدا إلا قائلا إن شاء اللّه وقيل التقدير إلا بأن يشاء اللّه فالمصدر منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور في موضع النصب على الحال أي إلا متلبسا بقول إن شاء اللّه وقيل إن الاستثناء منقطع وموضع أن يشاء اللّه نصب على الاستثناء.
وقد أجاد في إعراب هذه الآية أبو البقاء العكبري ونصه: في المستثنى منه ثلاثة أوجه أحدها هو من النهي والمعنى لا تقولن افعل غدا إلا أن يؤذن لك في القول والثاني هو من فاعل تقولن أي لا تقولن اني فاعل غدا حتى تقرن به قول إن شاء اللّه والثالث أنه منقطع وموضع أن يشاء اللّه نصب على وجهين أحدهما على الاستثناء والتقدير لا تقولن ذلك في وقت إلا وقت أن يشاء اللّه أي يأذن فحذف الوقت وهو مراد والثاني هو حال والتقدير لا تقولن افعل غدا إلا قائلا إن شاء اللّه فحذف القول وهو كثير وجعل قوله أن يشاء في معنى إن شاء وهو مما حمل على المعنى وقيل: التقدير إلا بأن يشاء اللّه أي متلبسا بقول إن شاء اللّه. والخلاصة أن الغرض من هذا النهي عن هذا القول هو عدم اقترانه بقول المشيئة وهذا نهي تأديب حين قالت اليهود لقريش سلوا محمدا عن الروح وعن أصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال ائتوني غدا أخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي حتى شق عليه وكذبته قريش، وسيأتي في باب الفوائد ذكر انقطاع الوحي.
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا} واذكر عطف على ما تقدم و{ربك} مفعول به ولابد من حذف مضاف أي مشيئة ربك وإذا ظرف متعلق باذكر أي إذا فرط منك نسيان وجملة نسيت في محل جر بإضافة الظرف إليها وجوابها محذوف دل عليه ما قبله أي فاذكر وقل عطف على اذكر وعسى من أفعال الرجاء واسمها مستتر تقديره هو وأن يهديني أن وما في حيزها هي الخبر و{ربي} فاعل {يهديني} و{لأقرب} متعلق بـ: {يهديني} ومن هذا متعلقان بـ: {أقرب} و{رشدا} تمييز أو مفعول مطلق أي يهديني هداية فيكون ملاقيا لعامله بهذا المعنى والأول أقرب أي لشيء أقرب إرشادا للناس ودلالة على ذلك والاشارة في قوله هذا لما تقدم من نبأ أصحاب الكهف وقصتهم العجيبة التي اختتمت الآن. {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} و{لبثوا} عطف على ما تقدم حسما للخلاف وإماطة للشبهة الناجمة عن الاختلاف في أمرهم ومدة لبثهم و{في كهفهم} متعلقان بـ: {لبثوا} وثلاث ظرف ومائة مضاف اليه وسنين عطف بيان لـ: {ثلاثمائة} أو بدل ولا يصح أن يكون تمييزا لأن تمييز المائة مجرور وجره بالإضافة والتنوين مانع منها وسيأتي بحث العدد مفصلا في باب الفوائد و{ازدادوا} فعل وفاعل و{تسعا} مفعول به أي تسع سنين. {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا} {اللّه} مبتدأ و{أعلم} خبر والجملة مقول القول وبما متعلقان بأعلم وجملة {لبثوا} صلة الموصول أي بالزمن الذي لبثوه. {لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} {له} خبر مقدم و{غيب السموات والأرض} مبتدأ مؤخر و{أبصر} صيغة تعجب وهو فعل ماض أتى على صيغة الأمر ومعناه الخبر والباء مزيدة في الفاعل إصلاحا للفظ وسيأتي البحث في صيغتي التعجب في باب البلاغة واسمع عطف على ابصر. {ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} {ما} نافية و{لهم} خبر مقدم و{من دونه} حال و{من} حرف جر زائد و{ولي} مبتدأ مؤخر محلا {ولا} الواو عاطفة و{لا} نافية و{يشرك} فعل مضارع وفاعل مستتر و{في حكمه} متعلقان بـ: {يشرك} و{أحدا} مفعول به.