فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

1- الأفعال التي تنصب مفاعيل ثلاثة هي أعلم وأرى وأنبأ ونبأ وأخبر وخبر وحدث والأصل في هذه الأفعال أعلم وأرى اللذان كان أصلهما قبل دخول همزة النقل عليهما علم ورأى المتعديان لاثنين وأما الخمسة الباقية فليس لها ثلاثي يستعمل في العلم إلا خبر ولكنها ألحقت في بعض استعمالاتها بأعلم المتعدي إلى ثلاثة لأن الإنباء والتنبيء والإخبار والتخبير والتحديث بمعنى الإعلام، هذا وتستعمل الخمسة متعدية إلى واحد بأنفسها والى مضمون الثاني والثالث أو مضمون الثالث وحده بالباء نحو حدثتك بخروج زيد وعليه يحمل قوله تعالى: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} وسيأتي مزيد بحث عن هذه الأفعال في موضعه إن شاء اللّه.
2- وراء:
هو لفظ يطلق على الخلف وعلى الأمام ومعناها هنا أمامهم وكون وراءهم بمعنى أمامهم قول قتادة وأبي عبيدة وابن السكيت والزجاج ولا خلاف عند أهل اللغة أن وراء يجوز بمعنى قدام وجاء في التنزيل والشعر، قال اللّه تعالى: {مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ} وقال: {وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ} وقال: {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ} وقال لبيد:
أليس ورائي إن تراخت منيتي ** لزوم العصا يحنى عليها الأصابع

وقال سوار بن المضرب السعدي:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي ** وقومي تميم والفلاة ورائيا

وقال آخر:
أليس ورائي أن أدب على العصا ** فتأمن أعداء وتسأمني أهلي

وقال الفراء: لا يجوز أن يقال للرجل بين يديك هو وراءك وإنما يجوز ذلك في المواقيت من الليالي والأيام والدهر تقول وراءك برد شديد وبين يديك برد شديد جاز الوجهان لأن البرد إذا لحقك صار من ورائك وكأنك إذا بلغته صار بين يديك قال: إنما جاز هذا في اللغة لأن ما بين يديك وما قدامك إذا توارى عنك فقد صار وراءك وأكثر أهل اللغة على أن وراء من الأضداد.

.[سورة الكهف: الآيات 83- 88].

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْمًا قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْرًا (88)}.

.اللغة:

{ذِي الْقَرْنَيْنِ}: اضطربت الأقوال فيه كثيرا فبينما يزعم مفسرو القرآن أنه غير الإسكندر المقدوني الكبير يقولون أنه هو الذي بنى الاسكندرية مع أن الإسكندر الكبير هو بانيها ومعنى ذي القرنين أنه لقب لقب به لأنه طاف قرني الدنيا يعني جانبيها شرقيها وغربيها أو لأنه كان له قرنان أي ضفيرتان، والعرب تسمي الذؤابة قرنا وجمعها قرون. قال مجنون ليلى لزوجها صبيحة عرسه:
بعيشك هل ضممت إليك ليلى ** قبيل الفجر أو قبلت فاها

وهل رفّت عليك قرون ليلى ** رفيف الأقحوانة في شذاها

وقيل كان على رأسه ما يشبه القرنين ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما يسمى الشجاع كبشا لأنه ينطح أقرانه واختلف في زمنه ومكانه اختلافا يمكن الرجوع اليه في المطولات لأن هذا البحث غير داخل في نطاق كتابنا.
{حَمِئَةٍ}: أي كثيرة السواد من الحمأة أي الطين وفي المصباح والحمأة بسكون الميم طين أسود وقد حمئت البئر حمأ من باب تعب صار فيها الحمأة والعين الحمئة ماء يجري على الطين الأسود، وقد قرئ: {عين حامية} أي حارة ويروى أن ابن عباس قرأ: {حمئة} وكان عند معاوية فقرأ معاوية {حامية} فقال ابن عباس {حمئة} فقال معاوية لعبد الله ابن عمر كيف تقرأ؟ قال: كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب فقال: في ماء وطين فوافق قول ابن عباس، وكان ثمة رجل فأنشد قول تبع:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ** ملكا تدين له الملوك وتسجد

بلغ المغارب والمشارق يبتغي ** أسباب أمر من حكيم مرشد

فرأى مغار الشمس عند مآبها ** في عين ذي خلب وثأط حرمد

والخلب بضمتين الحمأة وهي الطين والثأط الحمأة المختلطة بالماء فتزيد رطوبة وتفسد والحرمد الطين الأسود. مدح تبع ذا القرنين ثم قال أنه بلغ مواضع غروب الشمس ومواضع شروقها يبتغي من اللّه أسبابا توصله لمقصده فرأى محل غبار الشمس عند مآبها أي رجوعها وفي عين متعلق بمغار وحال منه وقد أوّل أبو علي الجبائي ذلك تأويلا طريفا بأن ذلك على سبيل التخييل كما أن من ير الشاطئ الغربي من البحر المتسع ير الشمس تغرب فيه وفي الحقيقة تغرب في ظلمة وراء الأرض لدورانها كما يقرر ذلك بدائه العلم.

.الإعراب:

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} الواو استئنافية ويسألونك فعل مضارع وفاعل ومفعول به وعن ذي القرنين متعلقان بيسألونك.
{قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} جملة سأتلو مقول القول وعليكم متعلقان بأتلو ومنه متعلقان بمحذوف حال لأنه كان صفة لذكر أو تقدم عليه وذكرا مفعول به. {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِ}.
فسيروا فإما حاجة تقضيانها ** منها وإما مقيل صالح وصديق

أو في محل نصب مفعول به لفعل محذوف أي إما أن تفعل التعذيب وإما أن تتخذ عطف على إما أن تعذب وفيهم متعلقان بتتخذ أو مفعول به ثان لتتخذ وحسنا مفعول به أول أي أمرا ذا حسن.
{قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} أما حرف شرط وتفصيل ومن ظلم مبتدأ وجملة ظلم صلة فسوف الفاء رابطة وسوف حرف استقبال ونعذبه فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول والجملة خبر من.
{ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذابًا نُكْرًا} ثم حرف عطف وتراخ ويرد فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو والى ربه متعلقان بيرد فيعذبه الفاء عاطفة ويعذبه فعل وفاعل ومفعول به وعذابا مفعول مطلق ونكرا صفة. {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى} وأما عطف على أما السابقة ومن مبتدأ وآمن صلة وعمل صالحا فعل وفاعل مستتر ومفعول به أو صالحا صفة لمفعول مطلق محذوف أي عملا صالحا فله الفاء رابطة وله خبر مقدم وجزاء تمييز وأعربها أبو حيان مصدرا في موضع الحال أي مجازى كقولك في الدار قائما زيد وقيل انتصب على المصدر أي يجزى جزاء، والحسنى مبتدأ مؤخر أي فله الفعلة الحسنى جزاء. قال الفراء ونصب جزاء على التفسير أي لجهة النسبة أي نسبة الخبر المقدم وهو الجار والمجرور إلى المبتدأ المؤخر وهو الحسنى والتقدير فالفعلة الحسنى كائنة له من جزاء الجزاء {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْرًا} وسنقول فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره نحن وله متعلقان بنقول ومن أمرنا متعلقان بمحذوف حال لأنه كان صفة ليسرا وتقدم عليه ويسرا مفعول به أو مفعول مطلق أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر.

.الفوائد:

بحث طريف يتعلق بـ: في:
ذهب ابن قتيبة إلى أن في بمعنى عند لأنها قد ترد بمعنى في وبمعنى مع قال الشاعر:
حتى إذا ألقت يدا في كافر

معناه عند كافر.
وقال الشاعر:
وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان

معناه ومع الشر.
وتكون في الآية بمعنى على كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي على جذوع النخل وقال عنترة:
بطل كأن ثبابه في سرحة

أي على سرحة، وكما أن في تقع موقع على كذلك تعكس القضية كقول الشاعر:
ولقد سريت على الزمان بمعشر

أي في الظلام.
هذا ونقول إن الخطاب على حكم الحس في رأي العين لأن من وقف على شاطئ البحر المحيط أو قريبا من جبل عال رأى الشمس عند الغروب كأنها تدلت في نفس البحر أو خلف الجبل، قال اللّه تعالى: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} أي وراء الجبل ولولا أن اللفظ جاء على حكم الحسّ في الظاهر لما قال اللّه تعالى: {وَجَدَ عِنْدَها قَوْمًا} ومن المعلوم عقلا أن القوم لا يجلسون في قرن الشمس ولا هم عندها ولكن لما كان ذو القرنين قد توغل في جوب الأرض حتى انتهى إلى البحر المحيط من جهة الغرب كان الناظر يخيل اليه أن الشمس تغرب هناك وإذن فالخطاب ورد على حكم الحسّ في الظاهر وما أكثر ما تكذب الحواس وله مباحث تؤخذ من مظانها وليس من شرطنا البحث في هذه الموضوعات على جلالتها ويروي التاريخ أن لابن الهيثم كتابا جليل القدر يقع في سبعة مجلدات في هذا العلم ولكنه فقد مع ما فقد من تراثنا العربي.
هذا وقد تظرف الشعراء فأشاروا إلى خداع الحس، قال أبو العلاء المعري:
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته ** والذنب للطرف لا للنجم في الصغر

وقال الخفاجي:
ولا ينال كسوف الشمس ** طلعتها وإنما هو فيما يزعم البصر

.[سورة الكهف: الآيات 89- 98].

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْرًا (90) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْمًا لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}.

.اللغة:

{بَيْنَ السَّدَّيْنِ}: بين الجبلين يروى أن ذا القرنين سدّ ما بينهما، وإطلاق السد على الجبل لأنه سد في الجملة، وفي القاموس: السدّ الجبل والحاجز، أو لكونه ملاصقا للسد فهو مجاز بعلاقة المجاورة والقول الثاني هو المناسب لما قبله والتفاصيل في المطولات.
{يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ}: اسمان أعجميان بدليل منع الصرف فيهما للعلمية والعجمة وقيل بل هما عربيان واختلف في اشتقاقهما فقيل من أجيج النار وهو التهابها وشدة توقدها وقيل من الأوجة وهي الاختلاط أو شدة الحر وقيل من الأوج وهو سرعة العدو، وإنما منعا من الصرف للعلمية والتأنيث وكلاهما من أج الظليم إذا أسرع أو من أجت النار إذا التهبت والأقوال في حقيقتهما كثيرة يمكن الرجوع إليها في المطولات.
{خَرْجًا}: جعلا من المال أو الخراج بتثليث الخاء وقد قرئ بها ومنه «الخراج بالضمان» ثم سمي ما يأخذه السلطان خراجا ويقال للجزية الخراج فيقال أدى خراج أرضه، ومن المجاز خرج فلان في العلم والصناعة خروجا إذا نبغ وخرّجه فلان فتخرج وهو خريج المدرسة، قال زهير يصف الخيل:
و خرّجها صوارخ كل يوم ** فقد جعلت عرائكها تلين

أي وأدبها كما يخرّج المتعلم.
{رَدْمًا}: حاجزا حصينا موثقا، والردم أكبر من السدّ من قولهم ثوب مردم. ومنه قول عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم ** أم هل عرفت الدار بعد توهم

المتردم الموضع الذي يسترقع ويستصلح لما اعتراه من الوهن والوهي والتردم أيضا مثل الترنم وهو ترجيح الصوت مع تحزين ومعنى قول عنترة: لم يترك الأول للآخر شيئا أي سبقني من الشعراء قوم لم يتركوا لي مسترقعا أرقعه ومستصلحا أستصلحه.
{زُبَرَ الْحَدِيدِ}: جمع زبرة كغرفة أي قطعة.
{الصَّدَفَيْنِ} بفتحتين، وضمتين أيضا، وضم الأول وسكون الثاني، وقد قرئ بالثلاث جميعا مثنى صدف بفتحتين وصدف بضمتين. وصدف بضم الأول وفتح الثاني وبالعكس: منقطع الجبل أو ناصيته وقد سميا بذلك لأنهما يتقابلان.
{قِطْرًا} بكسر فسكون النحاس المذاب على الحديد المحمى.
{يَظْهَرُوهُ} يعلوا ظهره لارتفاعه وانملاسه.
{نَقْبًا} خرقا لصلابته وثخانته.
{دَكَّاءَ} بالمد أرض مستوية من قولهم ناقة دكاء أي لا سنام لها، ذللت بالدك وقرئ: {دكا} مصدر دك.