فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يعجب ربُّك من راعي غنم في رأس شظيّة الجبل يؤذِّن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة» خرجه النسائيّ.
الثالثة: قوله تعالى: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} لما فرُّوا ممن يطلبهم اشتغلوا بالدعاء ولجأوا إلى الله تعالى فقالوا: {رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} أي مغفرة ورزقًا.
{وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} توفيقًا للرشاد.
وقال ابن عباس: مخرجًا من الغار في سلامة.
وقيل صوابًا.
ومن هذا المعنى أنه عليه السلام كان إذا حَزَبَه أمر فَزع إلى الصلاة.
{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)}.
عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم.
وهذه من فصيحات القرآن التي أقرّت العرب بالقصور عن الإتيان بمثله.
قال الزجاج: أي منعناهم عن أن يسمعوا؛ لأن النائم إذا سمع انتبه.
وقال ابن عباس: ضربنا على آذانهم بالنوم؛ أي سددنا آذانهم عن نفوذ الأصوات إليها.
وقيل: المعنى {فضربنا على آذانهم} أي فاستجبنا دعاءهم، وصرفنا عنهم شرّ قومهم، وأنمناهم.
والمعنى كلّه متقارب.
وقال قطرب: هذا كقول العرب ضرب الأمير على يد الرعيّة إذا منعهم الفساد، وضرب السيد على يد عبده المأذون له في التجارة إذا منعه من التصرف.
قال الأسود بن يعفر وكان ضريرًا:
ومن الحوادث لا أبالك أنني ** ضُرِبتْ عليّ الأرضُ الأسداسِ

وأما تخصيص الآذان بالذكر فلأنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم، وقلّما ينقطع نوم نائم إلا من جهة أذنه، ولا يستحكم نوم إلا من تعطُّل السمع.
ومن ذكر الأذن في النوم قوله صلى الله عليه وسلم: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنه» خرّجه الصحيح. أشار عليه السلام إلى رجل طويل النوم، لا يقوم الليل.
و{عددًا} نعت للسنين؛ أي معدودة، والقصد به العبارة عن التكثير؛ لأن القليل لا يحتاج إلى عدد لأنه قد عُرِف.
والعدّ المصدر، والعدد اسم المعدود كالنَّفض والخَبَط.
وقال أبو عبيدة: {عددًا} نصب على المصدر.
ثم قال قوم: بيّن الله تعالى عدد تلك السنين من بعدُ فقال: {وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا}.
قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} أي من بعد نومهم.
ويقال لمن أُحْيِيَ أو أقيم من نومه مبعوث؛ لأنه كان ممنوعًا من الانبعاث والتصرف.
قوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى} {لنعلم} عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود ومشاهدته؛ وهذا على نحو كلام العرب، أي لنعلم ذلك موجودًا، وإلا فقد كان الله تعالى علم أيّ الحزبين أحصى الأمد.
وقرأ الزُّهريّ {ليعلم} بالياء.
والحزبان الفريقان.
والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية إذ ظنوا لبثهم قليلًا.
والحزب الثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم، حين كان عندهم التاريخ لأمر الفتية.
وهذا قول الجمهور من المفسرين.
وقالت فرقة: هما حزبان من الكافرين، اختلفا في مدّة أصحاب الكهف.
وقيل: هما حزبان من المؤمنين.
وقيل غير ذلك مما لا يرتبط بألفاظ الآية.
و{أحصى} فعل ماض.
و{أمدا} نصب على المفعول به؛ قاله أبو عليّ.
وقال الفرّاء: نصب على التمييز.
وقال الزجاج: نصب على الظرف، أي أيّ الحزبين أحصى للبثهم في الأمد، والأمد الغاية.
وقال مجاهد: {أمدا} معناه عددا، وهذا تفسير بالمعنى على جهة التقريب.
وقال الطبري: {أمدا} منصوب بـ: {لبثوا}.
ابن عطية: وهذا غير متّجه، وأما من قال إنه نصب على التفسير فيلحقه من الاختلال أن أفعل لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ، و{أحصى} فعل رباعي.
وقد يحتج له بأن يقال: إن أفعل في الرباعي قد كثر؛ كقولك: ما أعطاه للمال وآتاه للخير.
وقال في صفة حوضه صلى الله عليه وسلم: «ماؤه أبيض من اللبن» وقال عمر بن الخطاب: فهو لما سواها أضْيع. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)}.
{أم} هنا هي المنقطعة فتتقدر ببل والهمزة.
قيل: للإضراب عن الكلام الأول بمعنى الانتقال من كلام إلى آخر لا بمعنى الإبطال، والهمزة للإستفهام.
وزعم بعض النحويين أن {أم} هنا بمعنى الهمزة فقط، والظاهر في {أم حسبت} أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم.
فقال مجاهد: لم ينهه عن التعجب وإنما أراد كل آياتنا كذلك.
وقال قتادة: لا يتعجب منها فالعجائب في خلق السموات والأرض أكثر.
وقال ابن عباس: سألوك عن ذلك ليجعلوا جوابك علامة لصدقك وكذبك، وسائر آيات القرآن أبلغ وأعجب وأدل على صدقك.
وقال الطبري: تقرير له عليه السلام على حسبانه {أن أصحاب الكهف} كانوا {عجبًا} بمعنى إنكار ذلك عليه أن لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم.
قال: وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق.
وقال الزهراوي: يحتمل معنى آخر وهو أن يكون استفهامًا له هل علم {أن أصحاب الكهف كانوا من آياتنا عجبًا} بمعنى إثبات أنهم عجب، ويكون فائدة تقريره جمع نفسه للأمر لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته، فيقال له وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا التأويل هو في لفظة حسبت انتهى.
وقال غيره: معناه أعلمت أي لم تعلمه حتى أعلمتك.
وقال الزمخشري: ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها، وإزالة ذلك كله كأن لم يكن ثم قال: {أم حسبت} يعني {أن} ذلك من قصة أهل الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة انتهى.
وقيل: أي أم علمت أي فاعلم أنهم {كانوا} {عجبًا} كما تقول: أعلمت أن فلانًا فعل كذا أي قد فعل فاعلمه.
وقيل: الخطاب للسامع، والمراد المشركون أي قل لهم {أم حسبتم} الآية.
والظن قد يقام مقام العلم، فكذلك حسبت بمعنى علمت والكهف تقدم تفسيره في المفردات.
وعن أنس: الكهف الجبل.
قال القاضي: وهذا غير مشهور في اللغة.
وقال مجاهد: تفريج بين الجبلين، والظاهر {أن أصحاب الكهف والرقيم} هم الفتية المذكورون هنا.
وعن ابن المسيب أنهم قوم كان حالهم كأصحاب الكهف.
فقال الضحاك {الرقيم} بلدة بالروم فيها غار فيه أحد وعشرون نفسًا أموات كلهم نيام على هيئة {أصحاب الكهف}.
وقيل: هم أصحاب الغار ففي الحديث عن النعمان بن بشير أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم قال: «إن ثلاثة نفر أصابتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة من الجبل فانطبقت على باب الكهف...» وذكر الحديث وهو حديث المستأجر والعفيف وبارّ والديه، وفيما أورده فيه زيادة ألفاظ على ما في الصحيح.
ومن قال إنهم طائفتان قال: أخبر الله عن {أصحاب الكهف} ولم يخبر عن أصحاب {الرقيم} بشيء، ومن قال: بأنهم طائفة واحدة اختلفوا في شرح {الرقيم} فعن ابن عباس: إنه لا يدري ما {الرقيم} أكتاب أم بنيان، وعنه أنه كتاب كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين المسيح عليه السلام.
وقيل: من دين قبل عيسى، وعن ابن عباس ووهب أنه اسم قريتهم.
وقيل: لوح من ذهب تحت الجدار أقامه الخضر عليه السلام.
وقيل: كتب فيه أسماؤهم وقصتهم وسبب خروجهم.
وقيل: لوح من رصاص كتب فيه شأن الفتية ووضع في تابوت من نحاس في فم الكهف.
وقيل: صخرة كتب فيها أسماؤهم وجعلت في سور المدينة.
وقيل: اسم كلبهم وتقدم بيت أمية قاله أنس والشعبي وابن جبير، وعن الحسن: الجبل الذي به الكهف وعن عكرمة اسم الدواة بالرومية.
وقيل: اسم للوادي الذي فيه الكهف.
وقيل: رقم الناس حديثهم نقرًا في الجبل.
و{عجبًا} نصب على أنه صفة لمحذوف دل عليه ما قبله، وتقديره آية {عجبًا}، وصفت بالمصدر أو على تقدير ذات عجب وأما أسماء فتية أهل الكهف فأعجمية لا تنضبط بشكل ولا نقط، والسند في معرفتها ضعيف والرواة مختلفون في قصصهم وكيف كان اجتماعهم وخروجهم، ولم يأت في الحديث الصحيح كيفية ذلك ولا في القرآن إلاّ ما قص تعالى علينا من قصصهم، ومن أراد تطلب ذلك في كتب التفسير.
ورُوي أن اسم الملك الكافر الذي خرجوا في أيامه عن ملته اسمه دقيانوس.
وروي أنهم كانوا في الروم.
وقيل: في الشام وأن بالشام كهفًا فيه موتى، ويزعم مجاوروه أنهم {أصحاب الكهف} وعليهم مسجد وبناء يسمى {الرقيم} ومعهم كلب رمة.
وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتي ومعهم كلب رمّة وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم ويزعم ناس أنهم {أصحاب الكهف}.
قال ابن عطية: دخلت إليهم فرأيتهم منذ أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى {الرقيم} كأنه قصر مخلق قد بقي بعض جدرانه، وهو في فلاة من الأرض خربة وبأعلى حضرة غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة يقال لها مدينة دقيوس.
وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها وإنما استسهلت ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله عز وجل انتهى.
وحين كنا بالأندلس كان الناس يزورون هذا الكهف ويذكرون أنهم يغلطون في عدتهم إذا عدوهم، وأن معهم كلبًا ويرحل الناس إلى لوشة لزيارتهم، وأما ما ذكرت من مدينة دقيوس التي بقبلي غرناطة فقد مررت عليها مرارًا لا تحصى، وشاهدت فيها حجارة كبارًا، ويترجح كون أهل الكهف بالأندلس لكثرة دين النصارى بها حتى أنها هي بلاد مملكتهم العظمى، ولأن الأخبار بما هو في أقصى مكان من أرض الحجاز أغرب وأبعد أن يعرفه أحد إلاّ بوحي من الله تعالى.
والعامل في {إذ}.
قيل: أذكر مضمرة.
وقيل {عجبًا}، ومعنى {أوى} جعلوه مأوى لهم ومكان اعتصام، ثم دعوا الله تعالى أن يؤتيهم رحمة من عنده وفسرها المفسرون بالرزق.
وقال الزمخشري: هي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء.
و{الفتية} جمع فتى جمع تكسير جمع قلة، وكذلك كانوا قليلين.
وعند ابن السراج أنه اسم جمع لا جمع تكسير.
ولفظ {الفتية} يشعر بأنهم كانوا شبابًا وكذا روي أنهم كانوا شبابًا من أبناء الأشراف والعظماء مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب وهم من الروم، اتبعوا دين عيسى عليه السلام.
وقيل: كانوا قبل عيسى وأصحابنا الأندلسيون تكثر في ألفاظهم تسمية نصارى الأندلس بالروم في نثرهم ونظمهم ومخاطبة عامتهم، فيقولون: غزونا الروم، جاءنا الروم.
وقل من ينطق بلفظ النصارى، ولما دعوا بإيتاء الرحمة وهي تتضمن الرزق وغيره، دعوا الله بأن يهيئ لهم من أمرهم الذي صاروا إليه من مفارقة دين أهليهم وتوحيد الله رشدًا وهي الاهتداء والديمومة عليه.
وقال الزمخشري: واجعل {أمرنا رشدًا} كله كقولك رأيت منك أسدًا.
وقرأ أبو جعفر وشيبة والزهري: وهي ويهيي بياءين من غير همز، يعني أنه أبدل الهمزة الساكنة ياء.