فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حتى في مجال التهديد والوعيد لم يكتم رسول الله من الوحي حرفًا واحدًا، انظر إلى قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} [الحاقة: 44-46] إنها الأمانة المطلقة والصدق الذي لا يُخفِي شيئًا.
ألم يكُنْ جديرًا بالقوم أنْ يفقهوا هذه الناحية من رسول الله، ويتفكّروا في صِدْقه صلى الله عليه وسلم حين يُخبرهم عن نفسه أشياء لم يعرفوها، وكان من المنتظر أنْ يُخفيها عنهم؟ أليس في ذلك دليلًا قاطعًا على صدقه فيما يقول؟
والحق تبارك وتعالى حينما يعلمنا أن نقول: إن شاء الله إذا أقدمنا على عمل في المستقبل إنما يُكرّم عبده ويحميه حتى لا يُوصَف بالكذب إذا لم يُحقِّق ما وعد به، وليس في قولنا: إنْ شاء الله حَجْر على أحد، أو تقييد لطموحات البشر كما يدّعي البعض أن قول إنْ شاء الله يلغي التخطيط للمستقبل.
نقول: خَطِّط كما تريد، ودَبِّر من أمرك ما شئت، واصنع من المقدمات ما تراه مناسبًا لإنجاح سعيك، لكن ما عليك إنْ قرنتَ هذا كله بمشيئة الله، وهي في حَدِّ ذاتها عَوْنٌ لك على ما تريد، فإنْ أخفقتَ فقد جعلتَ لنفسك حماية في مشيئة الله، فأنت غير كاذب، والحق تبارك وتعالى لم يشأ بَعْدُ أنْ تنجزَ ما تسعى إليه.
والحقيقة أن الحدث في المستقبل لا يملكه أحد، ولا يضمنه أحد إلا الله تبارك وتعالى؛ لذلك عليك أن تعلق الفعل على مشيئة الله، فإنْ قُلْتَ مثلًا: سأقابل فلانًا غدًا لأكلمه في كذا، فهل تملك أنت من عناصر هذا الحدث شيئًا؟
أضمنتَ أن تعيش إلى غد؟ أضمنتَ حياة فلان هذا إلى الغد؟ أضمنتَ أن موضوع المقابلة باق لا يتغير فيه شيء، ولا يطرأ عليه طارئ؟ إذن: فكيف تقطع بالقول أنك ستفعل غدًا كذا؟ قل: إن شاء الله، واخرج من دائرة الحرج هذه.
نعود إلى الآية التي نحن بصددها فالحق سبحانه يقول: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكهف والرقيم كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9].
{أَمْ} حرف من حروف العطف، ويفيد الإضراب عَمَّا قبله وتوجيه الاهتمام إلى ما بعده، كما في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور} [الرعد: 16].
فالمراد: إنْ سألك كفار مكة عن مسألة أصحاب الكهف على أنها معضلة يريدون إحراجك بها، فدعْكَ من كلامهم، ودَعْك من سوء نيتهم، ولا تحسب أن أهل الكهف هي العجيبة الوحيدة لدينا، فالعجائب عندنا كثيرة، وهذه واحدة منها.
و{الكهف}: الفجوة في الجبل و{والرقيم} الشيء المرقوم أي: المكتوب عليه كحجر أو نحوه، ولعله حجر كان على باب الكهف رُقِم عليه أسماء هؤلاء الفتية، ومن ذلك قوله تعالى: {كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} [المطففين: 9] أي: مكتوب.
وقوله: {كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9] أي: ليست هذه هي العجيبة الوحيدة، فكل آياتنا عجيبة تستحق التأمل. ثم تأخذ الآيات في تفصيل هذه العجيبة، فيقول تعالى: {إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً}.
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
{أَوَى} من المأوى، وهو المكان الذي يأوي إليه الإنسان ويلجأ إليه {الفتية} جمع فتى، وهو الشاب في مُقْتبل العمر، والشباب هم مَعْقِد الآمال في حَمْل الأعباء والنهوض بكل أمر صعب، وهؤلاء شباب مؤمن وقفوا يحملون راية عقيدتهم وإيمانهم أمام جبروت الكفر وطغيان الشرك، فالفتاء فيهم فتاء إيمان وعقيدة.
لذلك لجأوا إلى الكهف مُخلِّفين وراءهم أموالهم وأهلهم وكل ما يملكون، وفرُّوا بدينهم إلى هذا المكان الضيق الخالي من أيِّ مُقوِّم من مُقوِّمات الحياة؛ لأنهم لا يشغلون أنفسهم بهذه المقوّمات، بل يعلمون أن لهم ربًا سيتولى أمرهم؛ لذلك ضَرَعُوا إليه قائلين:
{رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} [الكهف: 10] أي: رحمة من عندك، أنت ترحم بها ما نحن فيه من انقطاع عن كل مُقوِّمات الحياة، فالرحمة في فجوة الجبل لن تكون من البشر، الرحمن هنا لا تكون إلا من الله: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10] أي: يَسِّر لنا طريقًا سديدًا للخير وللحق.
إن هؤلاء الفتية المؤمنين حينما ألجأهم الكفر إلى ضيق الكهف تضرَّعوا واتجهوا إلى ربهم، فهو وحده القادر على أن يُوسّع عليهم هذا الضيق، كما قال تعالى: {فلولا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} [الأنعام: 43].
ثم يقول الحق سبحانه: {فَضَرَبْنَا على ءَاذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَدًا}.
يُقَال: ضُرِب الفسطاط على الأرض يعني الخيمة، أي: غُطِّيتْ الأرض بها بعد أنْ كانت فضاءً، والضرب: أن تلمس شيئًا بشيء بشدة شريطة أن يكون المضروب به أقوى من المضروب، وإلاّ كان الضارب ضاربًا لنفسه.
لذلك، فالشاعر عندما تكلم عن المعترضين على القدر قال:
أَيا هَازِئًا مِنْ صُنُوفِ القَدَرِ ** بنفْسِكَ تُعنف لاَ بالقَدَر

وَيَا ضَارِبًا صَخْرةً بِالعَصَا ** ضَربْتَ العَصَا أَمْ ضرَبْتَ الحَجَر؟

فمعنى: {فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ} [الكهف: 11] أي: غطيناها بغطاء محكم يحجبهم عن العالم الخارجي، والضرب على آذانهم هو الرحمة التي دعوا الله بها وطلبوها؛ لأن الإنسان الذي يحمل الفأس مثلًا ويعمل بها إنْ تعب وأجهده العمل يقف بعض الوقت ليستريح، فإنْ تعب من الوقوف قعد، فإنْ تعب من القعود استلقى واضطجع، فإنْ لم يسترح فلا يبقى إلا أن ينام، ففي النوم تهدأ الأعصاب، ويستريح الإنسان، حتى مع الآلام في أعنف الأمراض إذا نام المريض لا يشعر بشيء من الألم؛ لذلك اختار لهم ربهم هذا الوضع ليريحهم به طوال فترة مُكْثهم في الكهف.
فالحق سبحانه إذن هو الضارب، والمضروب هو الآذان، والضرب على الآذان هنا للرحمة لا للعذاب؛ لأن الله تعالى أراد لهم أقصى درجات الراحة والنوم الهادئ الذي لا يُعكّر صَفْوه شيء، والنوم هو الراحة التامة التي تطغى على الآلام العضوية في الذات الإنسانية.
وقد أختار الحق سبحانه الضرب على آذانهم؛ لأن حاسة السمع هي أول الحواس عملًا في الإنسان، وهي أول آلة إدراك تُؤدّي مهمتها في الطفل، كما قال الحق سبحانه وتعالى: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
هذه الحواس هي منافذ العلم والإدراك للإنسان، فلو وضعتَ أصبعك أمام عين الطفل المولود تراه لا يرمش؛ لأنه لا يرى إلا بعد ثلاثة إلى عشرة أيام، أما لو صرختَ في أُذنه فإنه ينتبه فحاسة السمع تؤدي مهمتها منذ ولادته. وكذلك فالأذن تمتاز أيضًا بأنها الإدراك الوحيد الذي لا يتعطل ولا يتوقف أثناء النوم لأن بها يتم الاستدعاء من النوم.
وهؤلاء الفتية دخلوا وأَوَوْا إلى الكهف، وهو فَجْوة في جبل في صحراء وهي عُرْضة للعواصف والرياح وأصوات الحيوانات وأشياء كثيرة يمكن أن تزعج النائم، فلو تركهم الخالق سبحانه في نومهم هذا على طبيعتهم لأزعجتهم هذه الأصوات وأقلقتْ راحتهم؛ لذلك عطّل حاسة السمع عندهم، وبذلك استطاعوا أن يناموا كل هذه المدة.
ثم يقول تعالى: {فِي الكهف سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف: 11] ومعنى عددًا أي: سنين كثيرة؛ لأن القليل لا يُعَدُّ لأنه معروف، فإنْ ذكر العدّ فاعلم أنه للشيء الكثير، كما تقول: فلان عنده مليون عَدًّا ونقدًا.
ثم يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا}.
{بَعَثْنَاهُمْ} أي: أيقظناهم من نومهم الطويل، وما داموا قد ناموا فالأمر إذن ليس موتًا إلا أنهم لما طالتْ مدة نومهم شبَّهها بالموت: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ} [الكهف: 12] أي: الفريقين منهم؛ لأنهم سأل بعضهم بعضًا عن مُدَّة لُبْثهم فقالوا: يومًا أو بعض يوم.
أو: المراد الفريقان من الناس الذين اختلفوا في تحديد مدة نومهم: {أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا} [الكهف: 12] أي: لنرى أيّ الفريقين سيُقدِّر مُدّتهم تقديرًا صائبًا. والأمد: هو المدة وعدد السنين.
والمتأمل في الآيات السابقة يجد فيها ملخصًا للقصة وموجزًا لها، وكأنها برقية سريعة بما حدث، فأهل الكهف فتية مؤمنون فروا بدينهم إلى كهف من الكهوف، وضرب الله على آذانهم فناموا مدة طويلة، ثم بعثهم الله ليعلم مَنْ يحصي مدة نومهم، وهذه البرقية بالطبع لم تُعطِنَا تفصيلًا لكل لقطات القصة؛ لذلك تبدأ الآيات في التفصيل فيقول تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: {الكهف} هو غار في الوادي.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي، عن ابن عباس قال: {الرقيم} الكتاب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي، عن ابن عباس قال: {الرقيم} وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج، عن ابن عباس قال: والله ما أدري ما الرقيم، لكتاب أم بنيان؟
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن مجاهد قال: {الرقيم} منهم من يقول كتاب قصصهم، ومنهم من يقول الوادي.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن أبي صالح قال: {الرقيم} لوح مكتوب.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير قال: {الرقيم} لوح من حجارة، كتبوا فيه قصة أصحاب الكهف وأمْرهم، ثم وضع على باب الكهف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: {الرقيم} حين رقمت أسماؤهم في الصخرة، كتب الملك فيها أسماؤهم وكتب أنهم هلكوا في زمان كذا وكذا في ملك ريبوس، ثم ضربها في سور المدينة على الباب، فكان من دخل أو خرج قرأها. فذلك قوله: {أصحاب الكهف والرقيم}.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه وابن مردويه، عن ابن عباس قال: لا أدري ما الرقيم، وسألت كعبًا فقال: اسم القرية التي خرجوا منها.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه، إلا أربعًا: غسلين، وحنانًا، والأواه، والرقيم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال: {الرقيم} الكلب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا} يقول: الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب، أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبًا} كانوا بقولهم أعجب آياتنا، ليسوا بأعجب آياتنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبًا} قال: ليسوا بأعجب آياتنا، كانوا من أبناء الملوك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال: كان أصحاب الكهف صيارفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن النعمان بن بشير أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن أصحاب الرقيم: «أن ثلاثة نفر دخلوا إلى الكهف، فوقع من الجبل حجر على الكهف فأوصد عليهم، فقال قائل منهم: تذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله أن يرحمنا. فقال أحدهم: نعم، قد عملت حسنة مرة... إنه كان لي عمال استأجرتهم في عمل لي، كل رجل منهم بأجر معلوم. فجاءني رجل ذات يوم وذلك في شطر النهار فاستأجرته بقدر ما بقي من النهار بشطر أصحابه الذين يعملون بقية نهارهم ذلك، كل رجل منهم نهاره كله. فرأيت من الحق أن لا أنقصه شيئًا مما استأجرت عليه أصحابه. فقال رجل منهم: يعطي هذا مثل ما يعطيني ولم يعمل إلا نصف نهاره!! فقلت له: إني لا أبخسك شيئًا من شرطك، وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت. فغضب وترك أجره، فلما رأيت ذلك عزلت حقه في جانب البيت ما شاء الله، ثم مر بي بعد ذلك بقر فاشتريت له فصيلًا من البقر حتى بلغ ما شاء الله، ثم مر بي الرجل بعد حين وهو شيخ ضعيف وأنا لا أعرفه، فقال لي: إن لي عندك حقًا. فلم أذكره حتى عرّفني ذلك، فقلت له: نعم... إياك أبغي. فعرضت عليه ما قد أخرج الله له من ذلك الفصيل من البقر، فقلت له: هذا حقك من البقر. فقال لي: يا عبد الله، لا تسخر بي... إن لا تتصدق علي أعطني حقي. فقلت: والله ما أسخر منك: إن هذا لحقك. فدفعته إليه، اللهم فإن كنت تعلم أني قد كنت صادقا وأني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر. فانصدع حتى رأوا الضوء وأبصروا. وقال الآخر: قد عملت حسنة مرة، وذلك أنه كان عندي فضل فأصاب الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفًا، فقلت: لا والله، ما هو دون نفسك. فأبت عليَّ ثم رَجَعَتْ فذكّرتني بالله، فأبيت عليها وقلت: لا والله، ما هو دون نفسك. فأبت عليّ ثم رجَعَت فذكّرتني بالله فأبيت عليها وقلت: لا والله، ما هو دون نفسك. فأبت عليّ فذكَرَتْ ذلك لزوجها فقال: أعطيه نفسك وأغني عيالك. فلما رأت ذلك سمحت بنفسها، فلما هممت بها قالت: إني أخاف الله رب العالمين. فقلت لها: تخافين الله في الشدّة ولم أخفه في الرخاء؟ فأعطيتها ما استغنت هي وعيالها. اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر، فانصدع الحجر حتى رأوا الضوء وأيقنوا الفرج. ثم قال الثالث: قد عملت حسنة مرة، كان لي أبوان شيخان كبيران قد بلغهما الكبر، وكانت لي غنم فكنت أرعاها... وأختلف فيما بين غنمي وبين أبوي أطعمهما وأشبعهما وأرجع إلى غنمي، فلما كان ذات يوم أصابني غيث شديد فحبسني فلم أرجع إلا مؤخرًا، فأتيت أهلي فلم أدخل منزلي حتى حلبت غنمي، ثم مضيت إلى أبوي أسقيهما فوجدتهما قد ناما، فشق عليّ أن أوقظهما وشق عليّ أن أترك غنمي، فلم أبرح جالسًا ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر ففرّج الله عنهم وخرجوا إلى أهليهم راجعين».