فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الجنيد: الفتوّة بذل النَّدى وكفُّ الأذى وترك الشكوى.
وقيل: الفتوّة اجتناب المحارم واستعجال المكارم.
وقيل غير هذا.
وهذا القول حسن جدًا؛ لأنه يعمّ بالمعنى جميع ما قيل في الفتوّة.
قوله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} أي يسّرناهم للعمل الصالح؛ من الانقطاع إلى الله تعالى، ومباعدة الناس، والزهد في الدنيا.
وهذه زيادة على الإيمان.
وقال السُّدِّي: زادهم هُدًى بكلب الراعي حين طردوه ورجموه مخافة أن ينبح عليهم وينبّه بهم؛ فرفع الكلب يديه إلى السماء كالداعي فأنطقه الله، فقال: يا قوم! لِمَ تطردونني، لم ترجمونني! لم تضربونني! فوالله لقد عرفت الله قبل أن تعرفوه بأربعين سنة؛ فزادهم الله بذلك هُدًى.
قوله تعالى: {وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ}.
عبارة عن شدّة عزم وقوّة صبرٍ، أعطاها الله لهم حتى قالوا بين يدي الكفار: {رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إلها لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}.
ولما كان الفزع وخَوَر النفس يشبه بالتناسب الانحلال حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط؛ ومنه يقال: فلان رابط الجأش، إذا كان لا تفرق نفسه عند الفزع والحرب وغيرها.
ومنه الرّبط على قلب أمّ موسى.
وقوله تعالى: {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام} [الأنفال: 11] وتقدّم.
قوله تعالى: {إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ} فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ} يحتمل ثلاثة معان:
أحدها: أن يكون هذا وصفَ مقامهم بين يدي الملك الكافر كما تقدّم، وهو مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث خالفوا دينه، ورفضوا في ذات الله هيبته.
والمعنى الثاني فيما قيل: إنهم أولاد عظماء تلك المدينة، فخرجوا واجتمعوا وراء تلك المدينة من غير ميعاد؛ فقال أسنُّهم: إني أجد في نفسي أن ربي ربُّ السموات والأرض؛ فقالوا ونحن كذلك نجد في أنفسنا.
فقاموا جميعًا فقالوا: {ربُّنا ربُّ السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذًا شَطَطًا}.
أي لئن دعونا إلها غيره فقد قلنا إذا جورًا ومحالًا.
والمعنى الثالث: أن يعبّر بالقيام عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله تعالى ومنابذة الناس؛ كما تقول: قام فلان إلى أمر كذا إذا عزم عليه بغاية الجدّ.
الثانية: قال ابن عطية: تعلقت الصوفية في القيام والقول بقوله: {إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض}.
قلت: وهذا تعلّق غير صحيح! هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته، وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم؛ وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء.
أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام! وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان؛ هيهات! بينهما والله ما بين الأرض والسماء.
ثم هذا حرام عند جماعة العلماء، على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء الله تعالى.
وقد تقدّم في سبحان عند قوله: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا} [الإسراء: 37] ما فيه كفاية.
وقال الإمام أبو بكر الطَّرسوسيّ وسئل عن مذهب الصوفية فقال: وأما الرقص والتواجد فأوّل من أحدثه أصحاب السامريّ؛ لما اتخذ لهم عجلًا جسدًا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون؛ فهو دين الكفار وعبّاد العجل، على ما يأتي.
قوله تعالى: {هؤلاء قَوْمُنَا اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً} أي قال بعضهم لبعض: هؤلاء قومنا، أي أهل عصرنا وبلدنا، عبدوا الأصنام تقليدًا من غير حجة.
{لَّوْلاَ} أي هَلاّ.
{يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} أن بحجة على عبادتهم الصنم.
وقيل: {عليهم} راجع إلى الآلهة؛ أي هلا أقاموا بيّنةً على الأصنام في كونها آلهة؛ فقولهم {لولا} تحضيض بمعنى التعجيز، وإذا لم يمكنهم ذلك لم يجب أن يلتفت إلى دعواهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

ولما ذكر قوله ليعلم مشعرًا باختلاف في أمرهم عقب بأنه تعالى هو الذي يقص شيئًا فشيئًا على رسوله صلى الله عليه وسلم خبرهم {بالحق} أي على وجه الصدق، وجاء لفظ {نحن نقص} موازيًا لقوله لنعلم.
ثم قال: {آمنوا بربهم} ففيه إضافة الرب وهو السيد والناظر في مصلحة عبيده، ولم يأت التركيب {آمنوا} بناء للأشعار بتلك الرتبة وهي أنهم مربوبون له مملوكون.
ثم قال: {وزدناهم هدى} ولم يأت التركيب وزادهم لما في لفظة ن من العظمة والجلال، وزيادته تعالى لهم {هدى} هو تيسيرهم للعمل الصالح والإنقطاع إليه ومباعدة الناس والزهد في الدنيا، وهذه زيادة في الإيمان الذي حصل لهم.
وفي التحرير {زدناهم} ثمرات {هدى} أو يقينًا قولان، وما حصلت به الزيادة امتثال المأمور وترك المنهي، أو إنطاق الكلب لهم بأنه هو على ما هم عليه من الإيمان، أو إنزال ملك عليهم بالتبشير والتثبيت وإخبارهم بظهور نبي من العرب يكون الدين به كله لله فآمنوا به قبل بعثه أقوال ملخصة من التحرير.
{وربطنا على قلوبهم} ثبتناها وقوّيناها على الصبر على هجرة الوطن والنعيم والفرار بالدين إلى غار في مكان قفر لا أنيس به ولا ماء ولا طعام، ولما كان الفزع وخوف النفس يشبه بالتناسب الإنحلال حسن في شدة النفس وقوّة التصميم أن تشبه الربط، ومنه فلان رابط الجأش إذا كانت نفسه لا تتفرق عند الفزع والحرب.
وقال تعالى: {إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها} والعامل في {أن ربطنا} أي ربطنا حين {قاموا}، ويحتمل القيام أن يكون مقامهم بين يديّ الملك الكافر دقيانوس، فإنه مقام محتاج إلى الربط على القلب حيث صلبوا عليه وخلعوا دينه ورفضوا في ذات الله هيبته، ويحتمل أن يكون عبارة عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله ومنابذة الناس كما يقال: قام فلان إلى كذا إذا اعتزم عليه بغاية الجد.
وقال الكرماني: {قاموا} على أرجلهم.
وقيل: {قاموا} يدعون الناس سرًّا.
وقال عطاء {قاموا} عند قيامهم من النوم قالوا وقيل: {قاموا} على إيمانهم.
وقال صاحب الغنيان: {إذ قاموا} بين يديّ الملك فتحركت هرة.
وقيل: فأرة ففزع دقيانوس فنظر بعضهم إلى بعض فلم يتمالكوا أن قالوا {ربنا رب السموات والأرض} وكان قومهم عباد أصنام، وما أحسن ما وحدوا الله بأن ربهم هو موجد السموات والأرض المتصرّف فيها على ما يشاء، ثم أكدوا هذا التوجيد بالبراءة من إله غيره بلفظ النفي المستغرق تأبيد الزمان على قول.
واللام في {لقد} لام توكيد و{إذا} حرف جواب وجزاء، أي {لقد قلنا} لن ندعو من دونه إلهًا قولًا {شططًا} أي ذا شطط وهو التعدي والجور، فشططًا نعت لمصدر محذوف إما على الحذف كما قدرناه، وإما على الوصف به على جهة المبالغة.
وقيل: مفعول به بقلنا.
وقال قتادة: {شططًا} كذبًا.
وقال أبو زيد: خطأً.
{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}.
ولما وحدوا الله تعالى ورفضوا ما دونه من الآلهة أخذوا في ذم قومهم وسوء فعلهم وأنهم لا حجة لهم في عبادة غير الله، ثم عظموا جرم من افترى على الله كذبًا وهذه المقالة يحتمل أن قالوها في مقامهم بين يديّ الملك تقبيحًا لما هو وقومهم عليه وذلك أبلغ في التبرّي من عبادة الأصنام، وأفتّ في عضد الملك إذا اجترؤوا عليه بذم ما هو عليه، ويحتمل أن قالوا ذلك عند قيامهم للأمر الذي عزموا عليه و{هؤلاء} مبتدأ.
و{قومنا} قال الحوفي: خبر و{اتخذوا} في موضع الحال.
وقال الزمخشري: وتبعه أبو البقاء: {قومنا} عطف بيان و{اتخذوا} في موضع الخبر.
والضمير في {من دونه} عائد على الله، ولولا تحضيض صحبه الإنكار إذ يستحيل وقوع سلطان بيَّن على ذلك فلا يمكن فيه التحضيض الصرف، فحضوهم على ذلك على سبيل التعجيز لهم، ومعنى {عليهم} على اتخاذهم آلهة و{اتخذوا} هنا يحتمل أن يكون بمعنى عملوا لأنها أصنام هم نحتوها، وأن تكون بمعنى صيروا، وفي ما ذكروه دليل على أن الدّين لا يؤخذ إلاّ بالحجة والدعوى إذا لم يكن عليها دليل فاسدة وهي ظلم وافتراء على الله وكذب بنسبة شركاء الله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} شروعٌ في تفصيل ما أُجمل فيما سلف من قوله تعالى: {إِذْ أَوَى الفتية} الخ، أي نحن نخبرك بتفاصيل أخبارِهم وقد مر بيانُ اشتقاقِه في مطلع سورة يوسفَ عليه السلام {نبَأَهُم} النبأُ الخبرُ الذي له شأنٌ وخطرٌ {بالحق} إما صفةٌ لمصدر محذوف أو حالٌ من صمير نقصّ أو من {نبأَهم} أو صفةٌ له على رأي من يرى حذفَ الموصولِ مع بعض صلتِه، أي نقصّ قَصصًا ملتبسًا بالحق أو نقصّه ملتبسين به أو نقص نبأهم ملتبسًا به أو نبأهم الملتبسَ به، ونبأهم حسبما ذكره محمدُ بن إسحاقَ بنِ يسارَ أنه مرَج أهلُ الإنجيل وعظُمت فيهم الخطايا وطغت ملوكُهم فعبدوا الأصنامَ وذبحوا للطواغيت، وكان ممن بالغ في ذلك وعتا عتوًّا كبيرًا دقيانوس فإنه غلا فيه غلوًّا شديدًا فجاس خلالَ الديار والبلاد بالعبث والفسادِ وقتل مَنْ خالفه من المتمسكين بدين المسيحِ عليه السلام، وكان يتبع الناسَ فيخيّرهم بين القتل وعبادةِ الأوثانِ فمن رغِب في الحياة الدنيا الدنية يصنع ما يصنع ومن آثر عليها الحياةَ الأبديةَ قتله وقطع آرابه وعلقها في سور المدينةِ وأبوابِها، فلما رأى الفتيةُ ذلك وكانوا عظماءَ أهلِ مدينتهم، وقيل: كانوا من خواصّ الملك، قاموا فتضرعوا إلى الله عز وجل واشتغلوا بالصلاة والدعاء.
فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أعوانُ الجبار فأحضروهم بين يديه فقال لهم ما قال وخيّرهم بين القتل وبين عبادةِ الأوثان، فقالوا: إن لنا إلها ملأ السمواتِ والأرضَ عظمتُه وجبروتُه لن ندعوَ من دونه أحدًا، ولن نُقِرّ بما تدعونا إليه إبدًا فاقضِ ما أنت قاضٍ، فأمر بنزع ما عليهم من الثياب الفاخرةِ وأخرجهم من عنده وخرج هو إلى مدينة نينوى لبعض شأنِه وأمهلهم إلى رجوعه ليتأملوا في أمرهم فإن تبِعوه وإلا فعل بهم ما فعل بسائر المسلمين، فأزمعت الفتيةُ على الفرار بالدين والالتجاء إلى الكهف الحصين، فأخذ كل منهم من بيت أبيه شيئًا فتصدّقوا ببعضه وتزوّدوا بالباقي فأوَوا إلى الكهف فجعلوا يصلّون فيه آناءَ الليل وأطرافَ النهار ويبتهلون إلى الله سبحانه بالأنين والجُؤار وفوّضوا أمرَ نفقتِهم إلى يمليخا، فكان إذا أصبح يضع عنه ثيابَه الحِسانَ ويلبس لباس المساكين ويدخُل المدينة ويشتري ما يُهمّهم ويتحسس ما فيها من الأخبار ويعود إلى أصحابه، فلبِثوا على ذلك إلى أن قدم الجبارُ المدينةَ فطلبهم وأحضر آباءَهم فاعتذروا بأنهم عصَوْهم ونبهوا أموالَهم وبذروها في الأسواق وفرّوا إلى الجبل، فلما رأى يمليخا ما رأى من الشر رجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه قليلٌ من الزاد فأخبرهم بما شهده من الهول ففزِعوا إلى الله عز وجل وخرّوا له سُجّدًا ثم رفعوا رؤوسهم وجلسوا يتحدثون في أمرهم، فبينما هم كذلك إذ ضرب الله تعالى على آذانهم فناموا ونفقتُهم عند رؤوسهم، فخرج دقيانوس في طلبهم بخيله ورَجِلِه فوجدوهم قد دخلوا الكهفَ فأمر بإخراجهم فلم يُطِق أحدٌ أن يدخله فلما ضاق بهم ذرعًا قال قائل منهم: أليس لو كنتَ قدَرتَ عليهم قتلتَهم؟ قال: بلى، قال: فابْنِ عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا جوعًا وعطشًا وليكن كهفُهم قبرًا لهم، ففعل ثم كان من شأنهم ما قص الله عز وجل عنهم {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} استئنافٌ تحقيقيٌّ مبني على تقدير السؤالِ من قبل المخاطَب، والفتيةُ جمعُ قلة للفتى كالصبية للصبى {ءَامَنُواْ بِرَبّهِمْ} أوثر الالتفاتُ للإشعار بعلّية وصفِ الربوبية لإيمانهم ولمراعاة ما صدر عنهم من المقالة حسبما سيُحكى عنهم {وزدناهم هُدًى} بأن ثبتناهم على ما كانوا عليه من الدين وأظهرنا لهم مكنوناتِ محاسنِه، وفيه التفاتٌ من الغيبة إلى ما عليه سبكُ النظمِ سباقًا وسياقًا من التكلم.
{وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} أي قويناها حتى اقتحموا مضايقَ الصبر على هجر الأهلِ والأوطانِ والنعيم والإخوانِ، واجترأوا على الصدْع بالحق من غير خوف، وحذِروا الردَّ على دقيانوسَ الجبار {إِذْ قَامُواْ} منصوبٌ بربطنا والمرادُ بقيامهم انتصابُهم لإظهار شعارِ الدين، قال مجاهد: خرجوا من المدينة فاجتمعوا على غير ميعادٍ، فقال أكبرُهم: إني لأجد في نفسي شيئًا أن ربي ربُّ السمواتِ والأرض، فقالوا: نحن أيضًا كذلك فقاموا جميعًا {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السموات والأرض} ضمّنوا دعواهم ما يحقق فحواها ويقضي بمقتضاها فإن ربوبيتَه عز وجل لهما تقتضي ربوبيتَه لما فيهما أيَّ اقتضاءٍ، وقيل: المراد قيامُهم بين يدي الجبارِ من غير مبالاةٍ به حين عاتبهم على ترك عبادةِ الأصنام، فحينئذ يكون ما سيأتي من قوله تعالى: {هَؤُلاء} الخ، منقطعًا عما قبله صادرًا عنهم بعد خروجِهم من عنده {لَن نَّدْعُوَاْ} لن نعبدَ أبدًا {مِن دُونِهِ إلها} معبودًا آخرَ لا استقلالًا ولا اشتراكًا، والعدولُ عن أن يقال: ربًّا للتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون أصنامَهم آلهةً وللإشعار بأن مدارَ العبادة وصفُ الألوهية وللإيذان بأن ربوبيتَه تعالى بطريق الألوهيةِ لا بطريق المالكية المجازية {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي قولًا ذا شططٍ أي تجاوزَ عن الحد أو قولًا هو عينُ الشطط، على أنه وُصفَ بالمصدر مبالغةً ثم اقتُصر على الوصف مبالغةً على مبالغة، وحيث كانت العبادةُ مستلزِمةً للقول لما أنها لا تَعرَى عن الاعتراف بألوهية المعبودِ والتضرّعِ إليه قيل: لقد قلنا، وإذًا جوابٌ وجزاءٌ أي لو دعَونا من دونه إلها والله لقد قلنا قولًا خارجًا عن حد العقولِ مُفْرِطًا في الظلم.
{هَؤُلاء} هو مبتدأ وفي اسم الإشارةِ تحقيرٌ لهم {قَوْمُنَا} عطفُ بيانٍ له {اتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} خبرُه وفيه معنى الإنكار {لَّوْلاَ يَأْتُونَ} تخصيصٌ فيه معنى الإنكارِ والتعجيزِ أي هلا يأتون {عَلَيْهِمْ} على ألوهيتهم أو على صحة اتخاذِهم لها آلهةً {بسلطان بَيّنٍ} بحجة ظاهرةِ الدلالةِ على مُدّعاهم وهو تبكيتٌ لهم وإلقامُ حجرٍ {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} بنسبة الشريكِ إليه تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، والمعنى أنه أظلمُ من كل ظالمٍ، وإن كان سبكُ النظمِ على إنكار الأظلميةِ من غير تعرضٍ لإنكار المساواة كما مر تحقيقه في سورة هود. اهـ.