فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم}.
شروع في تفصيل ما أجمل فيما سلف أي نحن نخبرك بتفصيل خبرهم الذي له شأن وخطر {بالحق} ما أصفة لمصدر محذوف أو حال من ضمير {نَقُصُّ} أو {مِنْ نبَأَهُم} أو صفة له على رأي من يرى جواز حذف الموصول مع بعض الصلة أي نقص قصصًا ملتبسًا بالحق أو نقصه ملتبسين به أو نقص نبأهم ملتبسًا به أو نبأهم الملتبس به، ولعل في التقييد {بالحق} إشارة إلى أن في عهده صلى الله عليه وسلم من يقص نبأهم لكن بالحق.
وفي الكشف بعد نقل شعر أمية بن أبي الصلت السابق ما نصه وهذا يدل على أن قصة أصحاب الكهف كانت من علم العرب وإن لم يكونوا عالميها على وجهها، ونبؤهم حسبما ذكره ابن إسحاق وغيره أنه مرج أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت ملوكهم فعبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت وفيهم بقايا على دين المسيح عليه السلام متمسكين بعبادة الله تعالى وتوحيده وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم وعتا عتوًا كبيرًا دقيانوس وفي رواية دقيوس فإنه غلا غلوًا شديدًا فجاس خلال الديار والبلاد وأكثر فيها الفساد وقتل من خالفه من المتمسكين بدين المسيح عليه السلام وكان يتتبع الناس فيخيرهم بين القتل وعبادة الأوثان فمن رغب في الحياة الدنيا انقاد لأمره وامتثله ومن آثر عليها الحياة الأبدية لم يبال بأي قتلة قتله فكان يقتل أهل الإيمان ويقطع أجسادهم ويجعلها على سور المدينة وأبوابها فلما رأى الفتية ذلك وكانوا عظماء مدينتهم واسمها على ما في بعض الروايات افسوس وفي بعضها طرسوس، وقيل كانوا من خواص الملك قاموا فتضرعوا إلى الله عز وجل واشتغلوا بالصلاة والدعاء فبينما هم كذلك دخل عليهم الشرط فأخذوهم وأعينهم تفيض من الدمع ووجوههم معفرة بالتراب وأحضروهم بين يدي الجبار فقالوا لهم: ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا وخيرهم بين القتل وعبادة الأوثان فقالوا: إن لنا إلهًا ملأ السموات والأرض عظمته وجبروته لن ندعو من دونه أحدًا ولن نقر بما تدعونا إليه أبدًا فاقض ما أنت قاض وأول من قال ذلك أكبرهم مكسلمينا فأمر الجبار فنزع ما عليهم من الثياب الفاخرة وأخرجهم من عنده وخرج هو إلى مدينة أخرى قيل هي نينوى لبعض شأنه وأمهلهم إلى رجوعه وقال: ما يمنعني أن أعجل عقوبتكم إلا أني أراكم شبانًا فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلًا تتأملون فيه وترجعون إلى عقولكم فإن فعلتم فبها وإلا أهلكتكم فلما رأوا خروجه اشتوروا فيما بينهم واتفقوا على أن يأخذ كل منهم نفقة من بيت أبيه فيتصدق ببعضها ويتزود بالباقي وينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة يقال له بنجلوس ففعلوا ما فعلوا وأووا إلى الكهف فلبثوا فيه ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتحميد وفوضوا أمر نفقتهم إلى فتى منهم اسمه يمليخا فكان إذا أصبح يتنكر ويدخل المدينة ويشتري ما يهمهم ويتجسس ما فيها من الأخبار ويعود إليهم فلبثوا على ذلك إلى أن قدم الجبار مدينتهم فتطلبهم وأحضر آباءهم فاعتذروا بأنهم عصوهم ونهبوا أموالهم وبذروها في الأسواق وفروا إلى الجبل وكان يمليخا إذ ذاك في المدينة فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه قليل طعام فأخبرهم بما شاهد من الهول ففزعوا إلى الله تعالى وخروا له سجدًا ثم رفعوا رؤوسهم وجلسوا يتحدثون في أمرهم فبينما هم كذلك إذ ضرب الله عز وجل على آذانهم فناموا ونفقتهم عند رؤسهم وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد فأصابه ما أصابهم فخرج الجبار في طلبهم بخيله ورجله فوجدوهم قد دخلوا الكهف فأمر بإخراجهم فلم يطق أحد أن يدخله فلما ضاق بهم ذرعًا قال قائل منهم: أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم؟ قال: بلى قال: فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا جوعًا وعطشًا وليكن كهفهم قبرًا لهم ففعل ثم كان من شأنهم ما قص الله تعالى عز وجل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا في مملكة ملك من الجبابرة يدعو الناس إلى عبادة الأوثان فلما رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة فجمعهم الله تعالى على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض: أين تريدون أين تذهبون؟ فجعل بعضهم يخفي عن بعض لأنه لا يدري هذا علام خرج هذا ولا يدري هذا علام خرج هذا فأخذوا العهود والمواثيق أن يخبر بعضهم بعضًا فإن اجتمعوا على شيء وإلا كتم بعضهم بعضًا فاجتمعوا على كلمة واحدة فقالوا: {رَبُّنَا رَبُّ السموات والأرض إلى مّرْفَقًا} [الكهف: 14 16] ثم انطلقوا حتى دخلوا الكهف فضرب الله تعالى على آذانهم فناموا وفقدوا في أهلهم فجعلوا يطلبونهم فلم يظفروا بهم فرفع أمرهم إلى الملك فقال: ليكونن لهؤلاء القوم بعد اليوم شأن ناس خرجوا لا ندري أين ذهبوا في غير جناية ولا شيء يعرف فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم ثم طرح في خزانته ثم كان من شأنهم ماقصه الله سبحانه وتعالى وكانوا على ما أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر صيارفة.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب بن منبه قال: جاء رجل من حواري عيسى عليه السلام إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها فقيل على بابها صنم لا يدخل أحد إلا سجد له فكره أن يدخل فأتى حمامًا قريبًا من المدينة وآجر نفسه من صاحبه فكان يعمل فيه ورأى صاحب الحمام البركة والرزق وجعل يسترسل إليه وعلقه فتية من أهل المدينة فجعل يخبرهم عن خبر السماء وخبر الآخرة حتى آمنوا وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة وكان يشترط على صاحب الحمام أن الليل لي ولا تحول بيني وبين الصلاة إذا حضرت حتى جاء ابن الملك بامرأة يدخل بها الحمام فعيره الحواري فقال: أنت ابن الملك وتدخل مع هذه الامرأة التي صفتها كذا وكذا فاستحيا فذهب فرجع مرة أخرى فسبه وانتهره فلم يلتفت حتى دخل ودخلت معه فباتا في الحمام جميعًا فماتا فيه فأتى الملك فقيل له: قتل ابنك صاحب الحمام فالتمس فلم يقدر عليه وهرب من كان يصحبه والتمس الفتية فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع له وهو على مثل أمرهم فذكروا له أنهم التمسوا فانطلق معهم حتى أواهم الليل إلى كهف فدخلوا فيه فقالوا نبيت هاهنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله تعالى فنرى رأينا فضرب على آذانهم فخرج الملك بأصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فكلما أراد الرجل منهم أن يدخله أرعب فلم يطق أن يدخل فقال للملك قائل: ألست لو قدرت عليهم قتلتهم؟ قال: بلى قال: فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا عطشًا وجوعًا ففعل ثم كان ما كان، وروي غير ذلك والأخبار في تفصيل شأنهم مختلفة.
وفي البحر لم يأت في الحديث الصحيح كيفية اجتماعهم وخروجهم ولا معول إلا على ما قص الله تعالى من نبئهم {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} استئناف مبني على السؤال من قبل المخاطب وتقدم الكلام آنفًا في الفتية {بِرَبّهِمْ وزدناهم} أي بسيدهم والناظر في مصالحهم، وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة، وأوثر للإشعار بعلية وصف الربوبية لإيمانهم ولما صدر عنهم من المقالة حسبما سيحكى عنهم.
{وزدناهم هُدًى} بالتثبيت على الايمان والتوفيق للعمل الصالح والانقطاع إلى الله تعالى والزهد في الدنيا.
وفي التحرير المراد زدناهم ثمرات هدى أو يقينًا قولان وما حصلت به الزيادة امتثال المأمور وترك المنهي أو إنطاق الكلب لهم بأنه على ما هم عليه من الايمان أو إنزال ملك عليهم بالتبشير والتثبيت وإخبارهم بظهور نبي من العرب يكون به الدين كله لله تعالى فآمنوا به صلى الله عليه وسلم قبل بعثه اهـ.
ولا يلزم من القول بإنزال ملك عليهم بذلك القول بنبوتهم كما لا يخفى.
وفي {زِدْنَاهُمْ} التفات من الغيبة إلى التكلم الذي عليه سبك النظم الكريم سباقًا وسياقًا، وفيه من تعظيم أمر الزيادة ما فيه. {وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} قويناها بالصبر فلم تزحزحها عواصف فراق الأوطان وترك الأهل والنعيم والإخوان ولم يزعجها الخوف من ملكهم الجبار ولم يرعها كثرة الكفار، وأصل الربط الشد المعروف واستعماله فيما ذكر مجاز كما قال غير واحد، وفي الأساس ربطت الدابة شددتها برباط والمربط الحبل، ومن المجاز ربط الله تعالى على قلبه صبره ورابط الجاش.
وفي الكشف لما كان الخوف والتعلق يزعج القلوب عن مقارها ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10] قيل في مقابله ربط قلبه إذا تمكن وثبت وهو تمثيل.
وجوز بعضهم أن يكون في الكلام استعارة مكنية تخييلية، وعدي الفعل بعلي وهو متعد بنفسه لتنزيله منزلة اللازم كقوله: يجرح في عراقيبها نصلي {إِذْ قَامُواْ} متعلق بربطنا، والمراد بقيامهم انبعاثهم بالعزم على التوجه إلى الله تعالى ومنابذة الناس كما في قولهم: قام فلان إلى كذا إذا عزم عليه بغاية الجد، وقريب منه ما قيل المراد به انتصابهم لإظهار الدين.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم أنهم خرجوا من المدينة فاجتمعوا وراءها على غير ميعاد فقال رجل منهم: هو أشبههم إني لأجد في نفسي يئًا ما أظن أحدًا يجده قالوا: ما تجد؟ قال: أجد في نفسي أن ربي رب السموات والأرض فقالوا أيضًا: نحن كذلك فقاموا جميعًا {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السموات والأرض} وقد تقدم آنفًا عن ابن عباس القول باجتماعهم على غير ميعاد أيضًا إلا أنه قال: إن بعضهم أخفى حاله عن بعض حتى تعاهدوا فاجتمعوا على كلمة فقالوا ذلك.
وقال صاحب الغنيان المراد به وقوفهم بين يدي الجبار دقيانوس، وذلك أنهم قاموا بين يديه حين دعاهم إلى عبادة الأوثان فهددهم بما هددهم فبينماهم بين يديه تحركت هرة وقيل فارة ففزع الجبار منها فنظر بعضهم إلى بعض فلم يتمالكوا أن قالوا ذلك غير مكترثين به، وقيل المراد قيامهم لدعوة الناس سرًا إلى الايمان. وقال عطاء: المراد قيامهم من النوم وليس بشيء، ومثله منا قيل إن المراد قيامهم على الايمان، وما أحسن ما قالوا فإن ربوبيته تعالى للسموات والأرض تقتضي ربوبيته لما فيهما وهم من جملته أي اقتضاء، وأردفوا دعواهم تلك بالبراءة من إله غيره عز وجل فقالوا: {لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إلها} وجاؤا بلن لأن النفي بها أبلغ من النفي بغيرها حتى قيل إنه يفيد استغراق الزمان فكيون المعنى لا نعبد أبدًا من دونه إلهًا أي معبودًا آخر لا استقلالًا ولا اشتراكًا؛ قيل وعدلوا عن قولهم ربًا إلى قولهم {إلها} للتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون أصنامهم آلهة، وللإشعار بأن مدار العبادة وصف الألوهية، وللإيذان بأن ربوبيته تعالى بطريق الألوهية لا بطريق المالكية المجازية.
وقد يقال: إنهم أشاروا بالجملة الأولى إلى توحيد الربوبية، وبالجملة الثانية إلى توحيد الألوهية وهما أمران متغايران وعبدة الأوثان لا يقولون بهذا ويقولون بالأول {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25] وحكى سبحانه عنهم أنهم يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} [الزمر: 3] وصح أنهم يقولون أيضًا: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك وجائا بالجملة الأولى مع أن ظاهر القصة كونهم بصدد ما تشير إليه الجملة الثانية من توحيد الألوهية لأن الظاهر أن قومهم إنما شركوا فيها وهم إنما دعوا لذلك الإشراك دلالة على كمال الايمان، وابتدأوا بما يشير إلى توحيد الربوبية لأنه أول مراتب التوحيد، والتوحيد الذي أقرت به الأرواح في عالم الذر يوم قال لها سبحانه: {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ} [الأعراف: 172] وفي ذكر ذلك أولًا وذكر الآخر بعده تدرج في المخالفة فإن توحيد الربوبية يشير إلى توحيد الألوهية بناء على أن اختصاص الربوبية به عز وجل علة لاختصاص الألوهية واستحقاق المعبودية به سبحانه وتعالى، وقد ألزم جل وعلا الوثنية القائلين باختصاص الربوبية بذلك في غير موضع، ولكون الجملة الأولى لكونها مشيرة إلى توحيد الربوبية مشيرة إلى توحيد الألوهية قيل إن في الجملة الثانية تأكيدًا لها فتأمل، ولا تعجل بالاعتراض والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالًا من المنكرة بعده، ولو أخر لكان صفة أي لن ندعوا إلهًا كائنًا من دونه تعالى: {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي قولًا ذا شطط أي بعد عن الحق مفرط أو قولًا هو عين الشطط والبعد المفرط عن الحق على أنه وصف بالمصدر مبالغة ثم اقتصر على الوصف مبالغة على مبالغة، وجوز أبو البقاء كون {شَطَطًا} مفعولًا به لقلنا، وفسره قتادة بالكذب، وابن زيد بالخطا، والسدي بالجور، والكل تفسير باللازم، وأصل معناه ما أشرنا إليه لأنه من شط إذا أفرط في في البعد، وأنشدوا:
شط المراد بحزوى وانتهى الأمل

وفي الكلام قسم مقدر واللام واقعة في جوابه، {وَإِذَا} حرف جواب وجزاء فتدل على شرط مقدر أي لو دعونا وعبدنا من دونه إلهًا والله لقد قلنا الخ، واستلزام العبادة القول لما أنها لا تعرى عن الاعتراف بألوهية المعبود، والتضرع إليه، وفي هذا القول دلالة على أن الفتية دعوا لعبادة الأصنام وليموا على تركها، وهذا أوفق بكون قيامهم بين يدي الملك.
{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً}.
{هَؤُلاء} هو مبتدأ وفي اسم الإشارة تحقير لهم {قَوْمُنَا} عطف بيان له لا خبر لعدم إفادته ولا صفة لعدم شرطها والخبر قوله تعالى: {اتخذوا مِن دُونِهِ} تعالى شأنه {ءالِهَةً} أي عملوها ونحتوها لهم.
قال الخفاجي: فيفيد أنهم عبدوها ولا حاجة إلى تقديره كما قيل بناء على أن مجرد العمل غير كاف في المقصود، وتفسير الاتخاذ بالعمل أحد احتمالين ذكرهما أبو حيان، والآخر تفسيره بالتصيير فيتعدى إلى مفهولين أحدهما {ءالِهَةً} والثاني مقدر، وجوز أن يكون {ءالِهَةً} هو الأول و{مِن دُونِهِ} هو الثاني وهو كما ترى، وأيًا ماكان فالكلام اخبار فيه معنى الإنكار لا اخبار محض بقرينة ما بعده ولأن فائدة الخبر معلومة {لَّوْلاَ يَأْتُونَ} تحضيض على وجه الإنكار والتعجيز إذ يستحيل أن يأتوا {عَلَيْهِمْ} بتقدير مضاف أي على ألوهيتهم أو على صحة اتخاذهم لها آلهة {بسلطان بَيّنٍ} بحجة ظاهرة الدلالة على مدعاهم فإن الدين لا يؤخذ إلا به، واستدل به أن ما لا دليل عليه من أمثال ما ذكر مردود {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} بنسبة الشريك إليه تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، وقد مر تحقيق المراد من مثل هذا التركيب، وهذه المقالة يحتمل أن يكونوا قالوها بين يدي الجبال تبكيتًا وتعجيزًا وتأكيدًا للتبري من عبادة ما يدعوهم إليه بأسلوب حسن؛ ويحتمل أن يكونوا قالوها فيما بينهم لما عزموا عليه، وخبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما السابق نص في أن هذه المقالة وما قبلها وما بعدها إلى {مّرْفَقًا} مقولة فيما بينهم، ودعوى أنه إذا كان المراد من القيام فيما مر قيامهم بين يدي الجبار يتعين كون هذه المقالة صادرة عنهم بعد خروجهم من عنده غير مسلمة كما لا يخفى، نعم ينبغي أن يكون قوله تعالى: {وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله} مقولًا فيما بينهم مطلقًا خاطب به بعضهم بعضًا. اهـ.