فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)}.
ذكر جل وعلا فيه هذه الآية الكريمة لنبيه صلى الله عليه وسلم-أنه يقص عليه نبأ أصحاب الكهف بالحق. ثم أخبره مؤكدًا له أنهم فتية آمنوا بربهم، وأن الله جل وعلا زادهم هدى.
ويفهم من هذه الآية الكريمة- أن من آمن بربه وأطاعه زاده ربه هدى. لأن الطاعة سبب المزيد من الهدى والإيمان.
وهذا المفهوم من هذه الآية الكريمة جاء مبينًا في مواضع أخر. كقوله تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17]، وقوله: {والذين جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] الآية، وقوله تعالى: {يِا أَيُّهَا الذين آمنوا إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] الآية، وقوله: {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124]، وقوله تعالى: {هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ليزدادوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] الآية، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وهذه الآيات المذكورة نصوص صريحة في أن الإيمان يزيد- مفهوم منها أنه ينقص ايضًا، كما استدل بها البخاري رحمه الله على ذلك. وهي تدل عليه دلالة صريحة لا شك فيها، فلا وجه معها للاختلاف في زيادة الإيمان ونقصه كما ترى. والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ}.
أي ثبتنا قلوبهم وقويناها على الصبر، حتى لا يجزعوا ولا يحافوا من أن يصدعوا بالحق، ويصبروا على فراق الأهل والنعيم، والفرار بالدين في غار في جبل لا أنيس به، ولا ماء ولا طعام.
ويفهم من هذه الآية الكريمة: أن من كان في طاعة ربه جل وعلا أنه تعلى يقوي قلبه، ويثبته على تحمل الشدائد، والصبر الجميل.
وقد أشار تعالى إلى وقائع من هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله في أهل بدر مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السماء مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ} [الأنفال: 11-12]، الآية، وكقوله في أم موسى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} [القصص: 10].
وأكثر المفسرين على أن قوله: {إِذْ قَامُواْ} أي بين يدي ملك بلادهم، وهو ملك جبار يدعو إلى عبادة الأوثان، يزعمون أن اسمه: دقيانوس.
وقصتهم مذكورة في جميع كتب التفسير، أعرضنا عنها لأنها إسرائيليات. وفي قيامهم المذكور هنا أقوال أخر كثيرة. والعامل في قوله: {إذ} هو {ربطنا}، على قلوبهم حين قاموا.
قوله تعالى: {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إلها لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}.
ذكر جل وعلا هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم ربهم هدى قالوا إن ربهم هو رب السموات والأرض، وأنهم لن يدعوا من دونه إلهًا، وا، هم لو فعلوا ذلك قالوا شططًا. أي قولًا ذا شطط. أو هو من النعت بالمصدر للمبالغة. كأن قولهم هو نفس الشطط. والشطط: البعد عن الحق والصواب. وإليه ترجع أقوال المفسرين، كقول بعضهم {شططا}: جوازًا، تعديًا، كذبًا، خطًا، إلى غير ذلك من الأقوال.
وأصل مادة الشطط: مجاوزة الحد، ومنه أشط في السوم: إذا جاوز الحد. ومنه قوله تعالى: {وَلاَ تُشْطِطْ} [ص: 22] الآية. أو البعد، ومنه قول عمر بن ابي ربيعة.
تشط غدًا دار جيراننا ** وللدار بعد غد أبعد

ويكثر استعمال الشطط في الجور والتعدي، ومنه قول الأعشى:
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط ** كالطعن يذهب فيه الزين والفتل

وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن من أشرك مع خالق السموات والأرض معبودًا آخر فقد جاء بأمر شطط بعيد عن الحق والصواب في غاية الجور والتعدي. لأن الذي يستحق العبادة هو الذي يبرر الخلائق من العدم إلى الوجود، لأن الذي لا يقدر على خلق غيره مخلوق يحتاج غلى خالق يخلقه ويرزقه.
ويدبر شؤونه.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء مبينًا في آيات أخر كثيرة، كقوله: {يَا أَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشًا والسماء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21-22]، وقوله تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17]، وقوله تعالى: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الواحد القهار} [الرعد: 16] أي الواحد القهار الذي هو خالق كل شيء هو المستحق للعبادة وحده جل وعلا. وقوله جل وعلا: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 191]، وقوله تعالى: {واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3] الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي إذا دعونا من دونه إلهًا- فقد قلنا شططا.
قوله تعالى: {هؤلاء قَوْمُنَا اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}.
{لولا} في هذه الآية الكريمة للتخصيص، وهو الطلب بحث وشدة. والمراد بهذا الطلب التعجيز، لأنه من المعلوم أنه لا يقدر أحد أن يأتى بسلطان بين على جواز عبادة غير الله تعالى. والمراد بالسلطان البين: الحجة الواضحة.
وما ذكره جل وعلى في هذه الآية الكريمة: من تعجيزهم عن الإتيان بحجة على شركهم وكفرهم وإبطال حجة المشركين على شركهم- جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148]، وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات ائتوني بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هاذآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4]، وقوله تعالى منكرًا عليهم: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} [الزخرف: 21]، وقوله جل وعلا: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم: 35]، وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ على بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضُهُم بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا} [فاطر: 40]، وقوله تعالى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} [المؤمنون: 117]، والآيات الدالة على أن المشركين لا مستند لهم في شركهم إلا تقليد آبائهم الضالين كثيرة جدًا وقوله في هذه الآية الكريمة {هؤلاء} مبتدأ، و{قومنا} قيل عطف بيان، والخبر جملة {اتخذوا} وقيل {قومنا} خبر المبتدأ، وجملة: {اتخذوا} في محل حال. والأول أظهر، والله تعالى أعلم.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا}.
أي لا أحد ظلم ممن افترى على الله الكذب بادعاء ن له شريكًا كما افتراه عليه قوم أصحاب الكهف، كما قال عنهم أصحاب الكهف {هؤلاء قَوْمُنَا اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً} [الكهف: 15] الآية.
وهذا المعنى الذي ذكره هنا من أن افتراء الكذب على الله يجعل الشركاء له هو أعظم الظلم جاء مبينًا في آيات كثيرة، كقوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله وَكَذَّبَ بالصدق إِذْ جَاءَهُ} [الزمر: 32] الآية. وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أولئك يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأشهاد هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} [هود: 18]، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًا. اهـ.

.قال الشعراوي:

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ}.
{نَحْنُ} أي: الحق سبحانه وتعالى، فهو الذي يقصُّ ما حدث بالحق، فلو أن القاصَّ غير الله لتُوقّع منه الخطأ أو النسيان، أو ترك شيء من الأحداث لِهَوىً في نفسه، إنما إنْ جاءك القصص من الله فهو الحق، كما قال في آية أخرى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} [يوسف: 3].
إذن: هناك قصَص ليس بالحسن، وهو القَصَص غير الدقيق.
فالقصَصُ القرآني يضمن لك منتهى الدقة في عرض الأحداث، ويُصوّر لك كل اللقطات، وكلمة قصة أو قَصَص تدلُّ على دقة التتبع؛ لأنها من قصَّ الأثر أي: تتبَّعه وكان لهذه المهمة رجال معروفون بقصّاصي الأثر، وهم الذين يتتبعون الواقع.
و{نبَأَهُم} النبأ: هو الخبر العظيم.
ثم يقول تبارك وتعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13].
هذا هو تفصيل القصة بعد أنْ لخَّصها القرآن في المذكرة والبرقية السابقة، وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله: لقد ذكر ناسٌ هذه القصة من قبل، لكنها قُصَّتْ بغير الحق، وغُيّر فيها، لكن قَصّنا لها هو القَصَص الحق الذي لا كذبَ فيه.
فحقيقة هؤلاء أنهم فتية آمنوا بالله، وهذه قضيتهم التي ضَحَّوْا من أجلها، فلما آمنوا بالله تولاّهم ونوَّر بصائرهم وربط على قلوبهم، وزادهم إيمانًا، كما قال في آية أخرى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وءاتاهم تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17].
وما أشبه هذه المسألة بالمعلِّم الذي يلمح أمارات النجابة والذكاء على أحد تلاميذه، ويراه مُجيبًا حريصًا على العلم فيُولِيه اهتمامه ويمنحه المزيد من المعلومات.
ونلاحظ هنا أن هؤلاء المؤمنين الذين ضَحَّوْا بكلِّ شيء وفرُّوا بدينهم ما زالوا في مرحلة الشباب، وهو مظنّة الانشغال بالدنيا والحِرْص على مُتعها، أما هؤلاء فقد انشغلوا بدينهم منذ صِغَرهم ليكونوا قدْوة ومثَلًا للشباب المؤمن في كل زمان ومكان، فالفتاء في أهل الكهف: فتاء إيمان وفتاء عقيدة.
والحق سبحانه يقول: {وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا}.
والربط يعني أن تربط على الشيء وتشدّ عليه لتحفظ ما فيه، كما تربط القِرْبة حتى لا يسيل الماء، وتربط الدابة حتى لا تنفلت، وقد وردتْ مادة ربط في القرآن كثيرًا، منها قوله تعالى في قصة أم موسى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} [القصص: 10].
أي: ربط على ما في قلبها من الإيمان بالله الذي أوحى إليها أن تُلْقِيَ بولدها في الماء، ولولا أنْ ربط الله على قلبها وثبّتها لانطلقتْ خلف ولدها تصرخ وتنتحب وتُلفِت إليه الأنظار: {كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لولا} [القصص: 10].
أي: تكشف عن الخُطّة التي أمرها الله بها لنجاة موسى عليه السلام، وهكذا اطمأن قلب أم موسى، وأصبح فؤادها فارغًا أي: من الانفعالات الضارة، ومعلوم أن القلب هو محلُّ الانفعالات، بدليل ما يحدث فيه من اضطراب وزيادة ضربات وتدفُّق للدم عند الغضب مثلًا.
ولا يُسمَّى القلب فؤادًا إلا إذا توقّد بالمشاعر وتحرك بها، وربط الله على قلب أم موسى أحدث لها ضَبْطًا للشعور يحكم تصرفاتها فتأتي سليمة مُتمشّية مع الخطة المرادة.
ومن هنا نأمر الغاضب الذي تغلي الدماء في عروقه بالهدوء وضبط النفس؛ لأن الهدوء سيعينه على الحق، ويُلجم جماح غضبه الذي لا تُحمد عُقباه، ألا ترى التوجيه النبوي في حال الغضب؟ إنه ينصح بتغيير الوضع الذي أنت عليه؛ لأن هذه العملية تحدث لديك نزوعية، تصرف عنك الغضب.
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: 43].
أي: فارغة خالية ليس فيها شيء؛ لأن الشيء إذا فرغته من محتواه امتلأ بالهواء. وهنا يقول الحق سبحانه في أهل الكهف: {وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} [الكهف: 14] لتظل بداخلها العقيدة والإيمان بالله لا تتزعزع ولا تُخرِجها الأحداث والشدائد، وهذا من زيادة الهدى الذي أَخبرتْ به الآية السابقة.
وقوله تعالى: {إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض} [الكهف: 14].
قاموا: القيام هنا دليل على مواجهتهم للباطل ووقوفهم في وجهه، وأن الباطل أفزعهم فهُّبوا للتصدِّي له بقولهم: {رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض} [الكهف: 14] ولابد أنهم سمعوا كلامًا يناقض قولهم، وتعرّضوا في دعوتهم للحرب والاضطهاد، فالآية تعطي صورة لفريقين: فريق الكفر الذي ينكر وجود الله أو يشرك به، وفريق الإيمان الذي يُعلنها مُدوّية: {رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض} [الكهف: 14].
وإنْ كان فريق الكفر يدعو إلى عبادة آلهة من دون الله فإن فريق الإيمان يقول: {لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إلها} [الكهف: 14] فإن ادّعَيْنَا إلهًا من دون الله {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: 14] أي: فقد تجاوزنا الحدّ، وبَعُدْنا عن الصواب.
ثم يقول الحق سبحانه: {هؤلاء قَوْمُنَا اتخذوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً}.
{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)}.
وهنا يخبر أهل الكهف الفتية المؤمنون عن قومهم أنهم اتخذوا من دون الله آلهة متعددة، دون أن يكون لهم دليل أو حُجّة واضحة على صِدْق ما ذهبوا إليه من عبادة هذه الآلهة.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} [الكهف: 15] فأفظع الظلم وأقبحه أنْ نفتريَ على الله الكذب، كما قال تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. اهـ.