فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)}.
قوله: {أَمْ حَسِبْتَ} {أم}: هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة عند الجمهور، وببل وحدها عند بعضهم والتقدير: بل أحسبت، أو بل حسبت، ومعناها: الانتقال من حديث إلى حديث آخر، لا لإبطال الأول والإضراب عنه كما هو معنى بل في الأصل.
والمعنى: أن القوم لما تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان، قال سبحانه: بل أظننت يا محمد أنهم كانوا عجبًا من آياتنا فقط؟ لا تحسب ذلك فإن آياتنا كلها عجب، فإن من كان قادرًا على جعل ما على الأرض زينة لها للابتلاء، ثم جعل ما عليها صعيدًا جرزًا كأن لم تغن بالأمس، لا تستبعد قدرته وحفظه ورحمته بالنسبة إلى طائفة مخصوصة، وإن كانت قصتهم خارقة للعادة، فإن آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك.
و{عَجَبًا} منتصبة على أنه خبر كان أي: ذات عجب، أو موصوفة بالعجب مبالغة، و{من آياتنا} في محل نصب على الحال، و{إِذْ أَوَى الفتية} ظرف لحسبت أو لفعل مقدّر، وهو أذكر، أي: صاروا إليه وجعلوه مأواهم، والفتية: هم أصحاب الكهف، والكهف: هو الغار الواسع في الجبل، فإن كان صغيرًا سمي غارًا، والرقيم قال كعب والسدّي: إنه اسم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف.
وقال سعيد بن جبير ومجاهد: إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف.
قال الفراء: ويروى أنه إنما سمي رقيمًا لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه.
والرقم: الكتابة.
وروي مثل ذلك عن ابن عباس.
ومنه قول العجاج في أرجوزة له:
ومستقرى المصحف الرقيم

وقيل: إن الرقيم: اسم كلبهم، وقيل: هو اسم الوادي الذي كانوا فيه، وقيل: اسم الجبل الذي فيه الغار.
قال الزجاج: أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله، لأن خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصة أصحاب الكهف {فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} أي: من عندك، و{من} ابتدائية متعلقة ب {آياتنا}، أو لمحذوف وقع حالًا، والتنوين في {رحمة}: إما للتعظيم أو للتنويع، وتقديم {من لدنك} للاختصاص أي: رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك، وهي: المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء، والرزق في الدنيا {وَهَيّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} أي: أصلح لنا، من قولك هيأت الأمر فتهيأ، والمراد بأمرهم: الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار، والرشد: نقيض الضلال، و{من} للابتداء.
ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك: رأيت منك رشدًا.
وتقدم المجرورين للاهتمام بهما.
{فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ} قال المفسرون: أنمناهم.
والمعنى: سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سماع الأصوات، والمفعول محذوف أي: ضربنا على آذانهم الحجاب تشبيهًا للإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها، و{فِى الكهف} ظرف لضربنا، وانتصاب {سِنِينَ} على الظرفية، و{عَدَدًا} صفة لسنين، أي: ذوات عدد على أنه مصدر، أو بمعنى: معدودة على أنه لمعنى المفعول، ويستفاد من وصف السنين بالعدد الكثرة.
قال الزجاج: إن الشيء إذا قلّ فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد، وإن كثر احتاج إلى أن يعدّ.
وقيل: يستفاد منه التقليل لأن الكثير قليل عند الله: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47].
{ثُمَّ بعثناهم} أي: أيقظناهم من تلك النومة {لنعلم} أي: ليظهر معلومنا، وقرئ بالتحتية مبنيًا للفاعل على طريقة الالتفات، و{أَيُّ الحِزْبَيْنِ} مبتدأ معلق عنه العلم لما في أيّ من الاستفهام، وخبره {أحصى} وهو فعل ماض، قيل: والمراد بالعلم الذي جعل علة للبعث هو: الاختبار مجازًا فيكون المعنى: بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم، والأولى ما ذكرناه من أن المراد به ظهور معلوم الله سبحانه لعباده، والمراد بالحزبين: الفريقان من المؤمنين والكافرين من أصحاب الكهف المختلفين في مدة لبثهم.
ومعنى أحصى: أضبط.
وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف، فبعثهم الله ليتبين لهم ذلك، ويظهر من ضبط الحساب ممن لم يضبطه، وما في {لِمَا لَبِثُواْ} مصدرية، أي: أحصى للبثهم، وقيل: اللام زائدة، وما بمعنى: الذي، و{أَمَدًا} تمييز، والأمد: الغاية، وقيل: إن {أحصى} أفعل تفضيل.
وردّ بأنه خلاف ما تقرر في علم الإعراب، وما ورد من الشاذ لا يقاس عليه كقولهم: أفلس من ابن المذلق، وأعدى من الجرب.
وأجيب بأن أفعل التفضيل من المزيد قياس مطرد عند سيبويه وابن عصفور، وقيل: إنهم الحزبين هم أصحاب الكهف اختلفوا بعد انتباههم كم لبثوا، وقيل: إن أصحاب الكهف حزب وأصحابهم حزب.
وقال الفراء: إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق} هذا شروع في تفصيل ما أجمل في قوله: {إِذْ أَوَى الفتية} أي: نحن نخبرك بخبرهم بالحق، أي: قصصناه بالحق، أو متلبسًا بالحق {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} أي: أحداث شبان، و{آمنوا بربهم} صفة لـ: {فتية}.
والجملة مستأنفة بتقدير سؤال.
والفتية جمع قلة، و{زِدْنَاهُمْ هُدًى} بالتثبيت والتوفيق، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
{وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} أي: قويناها بالصبر على هجر الأهل والأوطان، وفراق الخلان والأخدان {إِذْ قَامُواْ} الظرف منصوب بربطنا.
واختلف أهل التفسير في هذا القيام على أقوال فقيل: إنهم اجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد، فقال رجل منهم هو أكبر القوم: إني لأجد في نفسي شيئًا، إن ربي ربّ السموات والأرض، فقالوا: ونحن أيضًا كذلك نجد في أنفسنا، فقاموا جميعًا {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السموات والارض} قاله مجاهد.
وقال أكثر المفسرين: إنه كان لهم ملك جبار يقال له: دقيانوس، وكان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت، فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم حتى قاموا بين يديه {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السموات والارض} وقال عطاء ومقاتل: إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم {لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إلها} أي: لن نعبد معبودًا آخر غير الله لا اشتراكًا ولا استقلالًا {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي: قولًا ذا شطط، أو قولًا هو نفس الشطط لقصد المبالغة بالوصف بالمصدر، واللام هي: الموطئة للقسم، والشطط: الغلو ومجاوزة الحد.
قال أعشى بن قيس:
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط ** كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل

{هَؤُلاء قَوْمُنَا اتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} هؤلاء مبتدأ، وخبره {اتخذوا}، و{قومنا} عطف بيان، وفي هذا الإخبار معنى للإنكار، وفي الإشارة إليهم تحقير لهم {لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بسلطان بَيّنٍ} أي: هلا يأتون بحجة ظاهرة تصلح للتمسك بها {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} فزعم أن له شريكًا في العبادة أي: لا أحد أظلم منه.
{وَإِذِ اعتزلتموهم} أي: فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانبًا، أي: عن العابدين للأصنام، وقوله: {وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله} معطوف على الضمير المنصوب، وما موصولة أو مصدرية أي: وإذ اعتزلتموهم واعتزلتم معبودهم أو الذي يعبدونه، وقوله: {إِلاَّ الله} استثناء منقطع على تقدير: أنهم لم يعبدوا إلا الأصنام، أو متصل على تقدير: أنهم شركوها في العبادة مع الله سبحانه وقيل: هو كلام معترض إخبار من الله سبحانه عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله فتكون ما على هذا نافية {فَأْوُواْ إِلَى الكهف} أي: صيروا إليه واجعلوه مأواكم.
قال الفراء: هو جواب إذ، ومعناه: اذهبوا إليه واجعلوه مأواكم، وقيل: هو دليل على جوابه، أي إذ اعتزلتموهم اعتزالًا اعتقاديًا، فاعتزلوهم اعتزالًا جسمانيًا، وإذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ} أي: يبسط ويوسع {وَيُهَيّئ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا} أي يسهل وييسر لكم من أمركم الذي أنتم بصدده {مّرْفَقًا} المرفق بفتح الميم وكسرها لغتان قرئ بهما، مأخوذ من الارتفاق وهو الانتفاع، وقيل: فتح الميم أقيس، وكسرها أكثر.
قال الفراء: وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن مرفق الإنسان، وقد تفتح العرب الميم فيهما فهما لغتان، وكأن الذين فتحوا أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر، والمرفق من الإنسان.
وقال الكسائي: الكسر في مرفق اليد، وقيل: المرفق بالكسر: ما ارتفقت به، والمرفق بالفتح: الأمر الرافق، والمراد هنا: ما يرتفقون به وينتفعون بحصوله، والتقديم في الموضعين يفيد الاختصاص.
وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الرقيم: الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال: الرقيم: وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة.
والراويان عن ابن عباس ضعيفان.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضًا قال: هو الجبل الذي فيه الكهف.
وأخرج ابن المنذر عنه، قال: والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال: وسألت كعبًا فقال: اسم القرية التي خرجوا منها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: الرقيم: الكلب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كَانُواْ مِنْ ءاياتنا عَجَبًا} يقول: الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ} يقول: أرقدناهم {ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ} من قوم الفتية، أهل الهدى، وأهل الضلالة {أحصى لِمَا لَبِثُواْ}، وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {وزدناهم هُدًى} قال: إخلاصًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} قال: بالإيمان وفي قوله: {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} قال: كذبًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال: جورًا.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله} قال: كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هي في مصحف ابن مسعود، وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)}.
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيًا إلا وهو شاب، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب. وقرأ: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} {وإذ قال موسى لفتاه} و{إنهم فتية آمنوا بربهم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {وزدناهم هدى} قال: إخلاصًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وربطنا على قلوبهم} قال: بالإيمان. وفي قوله: {لقد قلنا إذًا شططا} قال: كذبًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لقد قلنا إذا شططا} قال: جورًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال: الشطط، الخطأ من القول.
{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)}.
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عطاء الخراساني في قوله: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} قال: كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} قال: هي في مصحف ابن مسعود: وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فأووا إلى الكهف} قال: كان كهفهم بين جبلين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ويهيء لكم من أمركم مرفقًا} يقول: غذاء. اهـ.