فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن جبير أن الوصيد الصعيد وليس بذاك وذكروا في حكمة كونه بالوصيد غيرنا ومعهم أن الملائكة عليهم السلام لا تدخل بيتًا فيه كلب وقد يقال: إن ذلك لكونه حارسًا كما يشير إليه ما أخرجه ابن المنذر عن ابن جريج قال: باسط ذراعيه بالوصيد يمسك عليهم باب الكهف وكان فيما قيل يكسر أذنه اليمنى وينام عليها إذا قلبوا ذات اليمين، ويكسر أذنه اليسرى وينام عليها إذا قلبوا ذات الشمال، والظاهر أنه نام كما ناموا لكن أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حميد المكي أنه جعل رزقه في لحس ذراعيه فإنه كالظاهر أنه لم يستغرق نومه كما استغرق نومهم {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ} لو عاينتهم وشاهدتهم وأصل الاطلاع الوقوف على الشيء بالمعاينة والمشاهدة، وقرأ ابن وثاب والأعمش {لَوِ اطلعت} بضم الواو تشبيهًا لها بواو الضمير فإنها قد تضم إذا لقيها ساكن نحو رموا السهام؛ وروي أن ذلك عن شيبة وأبي جعفر.
{لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} أي لأعرضت بوجهك عنهم وأوليتهم كشحك، ونصب {فِرَارًا} إما على المصدر لوليت إذ التولية، والفرار من واد واحد فهو كجلست قعودًا أو لفررت محذوفًا، وإما على الحالية بتأويله باسم الفاعل أو بجعله من باب فإنما هي إقبال وإدبار، وإما على أنه مفعول لأجله أي لرجعت لأجل الفرار {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} أي خوفًا يملأ الصدر، ونصب على أنه مفعول ثان، ويجوز أن يكون تمييزًا وهو محول عن الفاعل، وكون الخوف يملأ مجاز في عظمه مشهور كما يقال في الحسن إنه يملأ العيون.
وفي البحر أبعد من ذهب إلى أنه تمييز محول عن المفعول كما في قوله تعالى شأنه: {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا} [القمر: 12] لأن الفعل لو سلط عليه ما تعدى إليه تعدى المفعول به بخلاف ما في الآية، وسبب ما ذكر أن الله عز وجل ألقى عليهم من الهيبة والجلال ما ألقى، وقيل سببه طول شعورهم وأظفارهم وصفرة وجوههم وتغير اطمارهم وقيل: إظلام المكان وإيحاشه.
وتعقب ذلك أبو حيان بأن القولين ليسا بشيء لأنهم لو كانوا بتلك الصفة أنكروا أحوالهم ولم يقولوا {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] ولأن الذي بعث إلى المدينة لم ينكر إلا المعالم والبناء لا حال نفسه ولأنهم بحالة حسنة بحيث لا يفرق الرائي بينهم وبين الإيقاظ وهم في فجوة موصوفة بما مر فكيف يكون مكانهم موحشًا. اهـ.
وأجيب بأنهم لا يبعد عدم تيقظهم لحالهم فإن القائم من النوم قد يذهب عن كثير من أموره ويدعى استمرار الغفلة في الرسول وإنكاره للمعالم لا ينافي إنكار الناس لحاله وكونه على حالة منكرة لم يتنبه لها، وأيضًا يجوز أنهم لم يطلعوا على حالهم ابتداءً فقالوا: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] ثم تنبهوا له فقالوا: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19]، وأيضًا يجوز أن يكون هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك الحال إنما حدث بعد انتباههم الذي بعثوا فيه رسولهم إلى المدينة.
وعلى هذا لا يضر عدم إنكار الرسول حال نفسه لأنه لم يحدث له ما ينكر بعد، وإيحاش المكان يجوز أن يكون حدث بعد على هذا أيضًا، وذلك بتغيره بمرور الزمان اهـ.، ولا يخفى على منصف ما في هذه الأجوبة فالذي ينبغي أن يعول عليه أن السبب في ذلك ما ألقى الله تعالى عليهم من الهيبة وهم في كهفهم وأن شعورهم وأظفارهم إن كانت قد طالت فهي لم تطل إلى حد ينكره من يراه، واختار بعض المفسرين أن الله تعالى لم يغير حالهم وهيئتهم أصلًا ليكون ذلك آية بينة، والخطاب هنا كالخطاب فيما سبق، وعلى احتمال أن يكون له صلى الله عليه وسلم يلزم أن يكونوا باقين على تلك الحالة التي توجب فرار المطلع عليهم ومزيد رعبه إلى ما بعد نزول الآية فمن لا يقول به لا يقول به وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف الذين ذكر الله تعالى في القرآن فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس: ليس ذلك لك قد منع الله تعالى ذلك من هو خير منك فقال: {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} فقال معاوية: لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث رجالًا وقال: اذهبوا فادخلوا الكهف وانظروا فذهبوا فلما دخلوه بعث الله تعالى عليهم ريحًا فأخرجتهم، قيل وكأن معاوية إنما لم يجر على مقتضى كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ظنًا منه تغير حالهم عما كانوا عليه أو طلبًا لعلمهم مهما أمكن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب قال: كان لي صاحب ماض شديد النفس فمر بجانب الكهف فقال: لا أنتهي حتى أنظر إليهم فقيل لهم: لا تفعل أما تقرأ: {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ} إلخ فأبى إلا أن ينظر فأشرف عليهم فابيضت عيناه وتغير شعره وكان يخبر الناس بأن عدتهم سبعة، وربما يستأنس بمثل هذه الأخبار لوجودهم اليوم بل لبقائهم على تلك الحالة التي لا يستطاع معها الوقوف على أحوالهم وفي ذلك خلاف.
فحكى السهيلي عن قوم القول به، وعن ابن عباس إنكاره فقد أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عكرمة أن ابن عباس غزا مع حبيب بن مسلمة فمروا بالكهف فإذا فيه عظام فقال رجل هذه عظام أهل الكهف فقال ابن عباس: لقد ذهبت عظامهم منذ أكثر من ثلثمائة سنة، ولا يخفى ما بين هذا الخبر والخبر السابق عنه بل والآخر أيضًا من المخالفة، والذي يميل القلب إليه عدم وجودهم اليوم وإنهم إن كانوا موجودين فليسوا على تلك الحالة التي أشار الله تعالى إليها وأن الخطاب الذي في الآية لغير معين وأن المراد منها الإخبار عن أنهم بتلك الحالة في ذلك الوقت، وما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أصحاب الكهف أعوان المهدي» على تقدير صحته لا يدل على وجودهم اليوم على تلك الحالة وأنه عليه الصلاة والسلام على القول بعموم الخطاب ليس من الأفراد المعينة به لأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ما هو أعظم منهم من ملكوت السموات والأرض، ومن جعله صلى الله عليه وسلم معينًا قال: المراد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارًا ولمئلت منهم رعبًا بحكم جري العادة والطبيعة البشرية وعدم ترتب الجزاء على اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ما هو أعظم منهم أمر خارق للعادة ومنوط بقوة ملكية بل بما هو فوقها أو المراد لو اطلعت عليهم بنفسك من غير أن نطلعك عليهم لوليت منهم فرارًا إلخ واطلاعه عليه الصلاة والسلام على ما اطلع عليه كان باطلاع الله عز وجل إياه وفرق بين الاطلاعين.
يحكى أن موسى عليه السلام وجعه بطنه فشكى إلى ربه سبحانه فقال له: اذهب إلى نبات كذا في موضع كذا فكل منه فذهب وأكل فذهب ما كان يجد ثم عاوده ذلك بعد سنوات فذهب إلى ذلك النبات فأكل منه فلم ينتفع به فقال يا رب أنت أعلم وجعني بطني في سنة كذا فأمرتني أن أذهب إلى نبات كذا فذهبت فأكلت فانتفعت ثم عاودني ما كنت أجد فذهبت إلى ذلك وأكلت فلم أنتفع فقال سبحانه: أتدري يا موسى ما سبب ذلك؟ قال: لا يا رب قال: السبب أنك في المرة الأولى ذهبت منا إلى النبات وفي المرة الثانية ذهبت من نفسك إليه.
ومما يستهجن من القول ما يحكى عن بعض المتصوفة أنه سمع قارئًا يقرأ هذه الآية فقال: لو اطلعت أنا ما وليت منهم فرارًا وما ملئت منهم رعبًا.
وما نقل عن بعضهم من الجواب بأن مراد قائله إثبات مرتبة الطفولية لنفسه فإن الطفل لا يهاب الحية مثلًا إذا رآها ولا يفرق بينها وبين الحبل على تقدير تسليم أن مراده ذلك لا يدفع الاستهجان، وذلك نظير قول من قال سبحانه وتعالى لا يعلم الغيب على معنى أنه لا غيب بالنسبة إليه عز وجل ليتعلق به علمه، ولنعم ما قال عمر رضي الله تعالى عنه كلموا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا وقرأ ابن عباس والحرميان وأبو حيوة وابن أبي عبلة {وَلَمُلِئْتَ} بتشديد اللام والهمزة وقرأ أبو جعفر وشيبة بتشديد اللام وقلب الهمزة ياء وقرأ الزهري بالتخفيف والقلب وقرأ أبو جعفر وعيسى {رُعْبًا} بضم العين. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ}.
خطاب لكل أحد. أي: تظنهم، يا مخاطب، أيقاظا لانفتاح أعينهم، وهم رقود مستغرقون في النوم، بحيث لا ينبههم الصوت. قال ابن كثير: ذكر بعض أهل العلم أنهم لما ضرب الله على آذانهم بالنوم لم تنطبق أعينهم لئلا يسرع إليها البلى. فإذا بقيت ظاهرة للهواء كان أبقى لها. وقد ذكر عن الذئب أنه ينام فيطبق عينا ويفتح عينا. ثم يفتح هذه ويطبق هذه وهو راقد. كما قال الشاعر:
ينامُ بإِحدى مُقلتيهِ وَيَتَّقِي ** بأخْرى الرَّزايا فَهُو يقظانُ نائمُ

و: {أَيْقَاظًَا} جمع يقظ ويقظان. و: {رُقُودٌ} جمع راقد. وما قيل أنه مصدر أطلق على الفاعل واستوى فيه القليل والكثير كركوع وقعود، لأن فاعلًا لا يجمع على فعول- مردود بما نص عليه النحاة كما صرّح به في المفضل والتسهيل.
{وَنُقَلِّبُهُمْ} أي: في رقدتهم: {ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} أي: لئلا تتلف الأرض أجسادهم: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} أي: بفناء الكهف أو الباب. وقد شملت بركتهم كلبهم. فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال، قال ابن كثير: وهذا فائدة صحبة الأخيار. فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن. وقد قيل أنه كان كلب صيد لهم وهو الأشبه. واختلفوا في لونه على أقوال لا حاصل لها ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ولا حاجة إليها. بل هي مما نهي عنه. فإن مستندها رجم بالغيب. ووجود الكلب على هذه الحالة من العناية بهم. فكما حفظهم بالتقليب عن إهلاك الأرض، حفظهم عن الأعداء بكلب، ليهابوهم مع هيبةٍ ذاتيةٍ لهم. كما قال تعالى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} أي: فنظرت إليهم، مع غاية قوتك في مكافحة الحروب: {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} أي: خوفا يملأ صدرك، لما ألبسوا من الهيبة. فلا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم وخافهم. وذلك- كما قال ابن كثير: لئلا يدنو منهم أحد ولا تمسهم يد لامس، حتى يبلغ الكتاب أجله وتنقضي رقدتهم التي شاءها تبارك وتعالى فيهم. لما له في ذلك من الحكمة البالغة والرحمة الواسعة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال}.
عطف على بقية القصة، وما بينهما اعتراض.
والخطاب فيه كالخطاب في قوله: {وترى الشمس} [الكهف: 17].
وهذا انتقال إلى ما في حالهم من العبرة لمن لو رآهم من الناس مُدمَج فيه بيان كرامتهم وعظيم قدرة الله في شأنهم، وهو تعجيب من حالهم لمن لو رآه من الناس.
ومعنى حسبانهم أيقاضًا: أنهم في حالة تشبه حال اليقظة وتخالف حال النوم، فقيل: كانت أعينهم مفتوحة.
وصيغ فعل {تحسبهم} مضارعًا للدلالة على أن ذلك يتكرر مدة طويلة.
والأيقاظ: جمع يَقِظ، بوزن كتف، وبضم القاف بوزن عَضُد.
والرقود: جمع راقد.
والتقليب: تغيير وضع الشيء من ظاهره إلى باطنه، قال تعالى: {فأصبح يقلب كفيه} [الكهف: 42].
و{ذات اليمين وذات الشمال} أي إلى جهة أيمانهم وشمائلهم.
والمعنى: أنّ الله أجرى عليهم حال الأحياء الأيقاظ فجعلهم تتغير أوضاعهم من أيمانهم إلى شمائلهم والعكس، وذلك لحكمة لعل لها أثرًا في بقاء أجسامهم بحالة سلامة.
والإتيان بالمضارع للدلالة على التجدد بحسب الزمن المحكي.
ولا يلزم أن يكونوا كذلك حين نزول الآية.
{وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد}.
هذا يدل على أن تقليبهم لليمين وللشمال كرامة لهم بمنحهم حالة الأحياء وعناية بهم، ولذلك لم يذكر التقليب لكلبهم بل استمر في مكانه باسطًا ذراعيه شأن جلسة الكلب.
والوصيد: مدخل الكهف، شبه بالباب الذي هو الوصيد لأنه يوصد ويغلق.
وعدم تقليب الكلب عن يمينه وشماله يدل على أن تقليبهم ليس من أسباب سلامتهم من البلى وإلا لكان كلبهم مثلهم فيه بل هو كرامة لهم.
وقد يقال: إنهم لم يفنوا وأما كلبهم ففني وصار رِمة مبسوطةٌ عظامُ ذراعيه.
{لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}.
الخطاب لغير معين، أي لو اطلعت عليهم أيها السامع حين كانوا في تلك الحالة قبل أن يبعثهم الله، إذ ليس في الكلام أنهم لم يزالوا كذلك زمن نزول الآية.
والمعنى: لو اطلعت عليهم ولم تكن علمت بقصتهم لحسبتهم لصوصًا قطاعًا للطريق، إذ هم عدد في كهف وكانت الكهوف مخابىء لقطاع الطريق، كما قال تأبط شرًا:
أقولُ للَحْيَانٍ وقد صفّرتْ لهم ** وطابي يوَمي ضَيّقُ الجُحْر مُعوِر

ففررت منهم وملكك الرعب من شرهم، كقوله تعالى: {نكرهم وأوجس منهم خيفة} [هود: 70].
وليس المراد الرعب من ذواتهم إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس، ولا الخوف من كونهم أمواتًا إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب، على أنه قد سبق {وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود}.
والاطلاع: الإشراف على الشيء ورؤيته من مكان مرتفع، لأنه افتعال من طَلع إذا ارتقى جَبلا، فصيغ الافتعال للمبالغة في الارتقاء، وضمن معنى الإشراف فعدي بعلى، ثم استعمل مجازًا مشهورًا في رؤية الشيء الذي لا يراه أحد، وسيأتي ذكر هذا الفعل عند قوله تعالى: {أطلع الغيب} في سورة مريم (78)، فضلًا عن أن يكون الخطاب للنبيء.
وفي الكشاف عن ابن عباس ما يقتضي ذلك وليس بصحيح.
وانتصب {فرارًا} على المفعول المطلق المبين لنوع {وليت} {ومُلّئتَ} مبني للمجهول، أي مَلاك الرعب ومَلّا بتشديد اللام مضاعف مَلاَ وقرئ بهما.
والمَلْء: كون المظروف حالًا في جميع فراغ الظرف بحيث لا تبقى في الظرف سعة لزيادة شيء من المظروف، فمثلت الصفة النفسية بالمظروف، ومُثل عقل الإنسان بالظرف، ومثل تمكن الصفة من النفس بحيث لا يُخالطها تفكير في غيرها بملء الظرف بالمظروف، فكان في قوله: {ملّئت} استعارة تمثيلية، وعكسه قوله تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا} [القصص: 10].
وانتصب {رعبًا} على تمييز النسبة المحول عن الفاعل في المعنى لأن الرعب هو الذي يَمْلأ، فلما بني الفعل إلى المجهول لقصد الإجمال ثم التفصيل صار ما حقه أن يكون فاعلًا تمييزًا.
وهو إسناد بديع حصل منه التفصيل بعد الإجمال، وليس تمييزا مُحولًا عن المفعول كما قد يلوح بادىء الرأي.
والرعب تقدم في قوله تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} في سورة آل عمران (151).
وقرأ نافع وابن كثير {ولَمُلِّئْتَ} بتشديد اللام على المبالغة في الملء، وقرأ الباقون بتخفيف اللام على الأصل.
وقرأ الجمهور: {رعبًا} بسكون العين.
وقرأه ابن عامر والكسائي وأبو جعفر ويعقوب بضم العين. اهـ.